◄ هكذا تبدو عُمان في حضورها البهيِّ السامقِ في “مجلس عُمان” صورةً وطنيَّةً ذات مهابةٍ وجلالٍ وعلوٍّ
يتفضَّلُ حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- اليوم بافتتاح دور الانعقاد السنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عُمان، وهو مجلسٌ يضمُّ في جناحيه الشورى والدولة. وحين نتأمَّلُ مسمَّى “مجلس عُمان” فإِنَّ ذلك يستدعي صورة عُمان بهيبةِ حضورها، وجلال تاريخها، وعظمة عراقتها، وسؤددِ مجدها، وشموخِ مكانتها، وأصالةِ قيمها، وعزِّةِ إنسانها.
عُمان التي حافظت على مكانتها في التاريخ، ورسَّخت تلك المكانة بالمحافظةِ على قيمها الأصيلة، وتاريخها العريق، ومبادئها الثابتة، عُمان التي لا تمالىءُ في الحق، ولا تساومُ في دفعِ الظلم، ومعاداة الجور والحيف، ولا تقفُ صامتةً إزاء القهر والطغيانِ الذي يصيبُ أيَّ شعبٍ من الشعوب.
عُمان التي رفعت شعار السلم أينما كانت وجهتها، لا تسعى إلا لوئامٍ، وتوافقٍ، وتسامحٍ، وتفاهم، ولا تطلبُ إلا المصلحة الإنسانية الخاليةِ من أيِّ مكرٍ مدسوس، أو خبثٍ محسوس، فهي عزيزةُ النفس، كريمةُ الأصلِ، ترقى بنفسها عن المشاحنات، والمشانئات، والخصومات، لأنها تحفظُ لنفسها المكانة الرفيعة التي كانت عليها دائماً كما هو عهدها، وكما عرفت بها.
عُمان التي يقصدها من يريدُ النصيحة الرشيدة إن تعقَّدت عليه الأمور، واستشكلت عليه الحلول، ولم يجد أمامه سوى عُمان الرزينة الرأي، الحصيفة الفكر، البعيدة النظر.
عُمان التي يلجأُ إليها من يطلبُ الوساطة في حلِّ معضلةٍ، وإنهاءِ أزمةٍ، لأنه يعلم أنها تتمتع بعلاقاتٍ طيبة مع سائرِ الأَطراف، التي تدركُ أن عُمان إن تكلَّمت فلا تتكلَّمُ عن نوايا مخبوءةٍ، بل عن صدرٍ سليم، ونوايا مُعلنة، وإن أفصحت فإِنها تريدُ صادقةً صفاء العلاقات، وتوطيد الصِّلات.
عُمان الثابتةُ في مواقفها فلا يكون حيادها سلبيَّاً كما يحسبه البعض، وإِنما هو حيادٌ إيجابيٌّ بمعنى أَنّه حيادُ المبدأ، والميلُ إلى الحقِّ، والوقوفُ – إن تطلَّب ذلك- إلى جانب نصرةِ الحقِّ، وإلى ما يوجبه الضمير الإنسانيُّ الوازنُ والعادل.
عُمان الراسخة في مبادئها فلا تميلُ مجامِلةً فيما يخدشُ من مبادئها، ولا تنحازُ بحسبِ الأهواءِ والأَمزجة إلى ما يضعضعُ من سمعتها التاريخية والأخلاقية، ويمسُّ بكيانها السيادي، وإنما تنتصرُ لمبادئها وهي مستعدةٌ دائماً لدفعِ الثمن إزاءِ ذلك، لكنه ثمنُ العزَّةِ والكرامةِ والإِباء، وأثمانُ هذه باهضةٌ، على أّنها هي السيادة في أصلها، والإستقلالُ في أساسه، والقرار في تفرِّده.
عُمان السيادة التي أَبتْ عبر تاريخها أن يتحكَّمَ أحدٌ ما في إدارة شؤونها، ليظلَّ الأمر بيديها، فهي العليمةُ بشأنها، الحكيمةُ بأمرها، القديرةُ على سياستها، وهي تُدركُ أَن الدولة لا تكتسبُ سيادتها إلا باستقلالِ قرارها عن كل التدخلات أيَّاً كان هدفها.
هكذا تبدو عُمان في حضورها البهيِّ السامقِ في “مجلس عُمان” صورةً وطنيَّةً ذات مهابةٍ وجلالٍ وعلوٍّ، يرى فيها أبناؤها القلعة الحصينة لعُمانيتهم، والحصن المتين لهويَّتهم، والقصر المنيف لوطنيتهم، والمدى الرحيب لآملهم وطموحاتهم، والراية العالية لاعتزازهم وافتخارهم بوطنهم.
هكذا تبدو عُمان في بهاءِ سُلطانها المعظَّم، سليلُ أُسرة البوسعيد، التي أخذت على عاتقها أمانة الحفاظ على عُمان وسيادتها وأمنها واستقلالها منذ مؤسسها الأول أحمد بن سعيد في العام 1744م، فالحضورُ السُّلطاني المهيب والأُسرة المالكة الكريمة هو حضورُ تاريخٍ جليلٍ لأُسرةٍ كريمةٍ حملت عُمان أمانةً في صدورها، ومسؤوليةً على أكتافها، وعراقةً في ضمائرها، وكرامةً وعزَّةً في عنفوانها وشموخها.
هكذا سيكون المشهد اليوم في “مجلس عُمان” وهكذا ستظلُّ عُمان دائمًا: مصدرَ اعتزازٍ لشعبها، ومبعث افتخارٍ لهم، وموطنِ حريةٍ، وحقِّ، وعدلٍ، ومساواة، وكرامة للعالم أجمع.
د. صالح الفهدي