يقول المفكر العسكري الاستراتيجي كارل فون كلاوزفيتز في مرجعه الشهير “في الحرب” On War: “ليس هناك في الحياة، بصورةٍ عامة، ما هو أكثر أهميةً من إيجاد الزاوية الصحيحة للنظر إلى الأمور وللحكم عليها، ومن ثم، من الحفاظ على زاوية النظر تلك”.
ربما يصلح ما جاء به كلاوزفيتز هنا عموداً من أعمدة الحكمة، بما يتجاوز العلم العسكري، لكنه أورده في سياق إصراره على اعتبار الحرب أداةً سياسيةً لا أكثر، تبدأ عادةً بإعلانها رسمياً، وتنتهي باتفاقية سلام. فهو يؤكد، والمقتطفات دوماً من الفصل السادس من الجزء الثامن من كتابه “في الحرب”، أن “الحرب ليست سوى استمرارٍ للتواصل السياسي بمزيجٍ من الوسائل الأخرى… وإلا فإنها تصبح أمراً فاقداً للمعنى وبلا هدف”، “أما إسقاط الرؤيا السياسية تماماً لأن الحرب بدأت، فأمرٌ يمكن تصوره فقط في حروب الحياة والموت، النابعة من الكراهية الخالصة”.
تمثل صياغات كلاوزفيتز، من القرن الـ 19، نمذجةً لحروب الدولة الحديثة، التي تُشَن ضد دولة حديثة أخرى، حتى عندما تتخذ الحرب طابعاً مطلقاً، لكنها صياغات تنتميٌ إلى مرحلة الجيل الثاني من الحروب، في حين تنتمي حرب غزة إلى مرحلة الجيل الرابع من الحروب غير المتناظرة التي كثيراً ما تدور رحاها بين قوة نظامية وأخرى غير نظامية، وهي في حالة غزة بالذات استمرارٌ لصراع تناحري عمره أجيال، أي أنها استمرارٌ لصراع حياة أو موت بين مقولتين لا ثالث لهما: إما فلسطين عربية، أو فلسطين مهوّدة.
على الرغم من ذلك، يمكن الاستناد إلى كلاوزفيتز مرجعاً في كثيرٍ من العلم العسكري، ومن ذلك أن شن الحروب التي تخطئ هدفها، وتحصد بالتالي نتائج عكس تلك التي توختها، يحدث عندما لا يكون الطرف السياسي الذي يشنها على دراية كافية بطبيعة أدواته العسكرية وما تصلح أو لا تصلح لتحقيقه، “تماماً كما يقول المرء أشياء لا يقصدها حين يتحدث لغةً أجنبيةً لا يتقنها”.
فما هي الأهداف التي يسعى العدو الصهيوني إلى تحقيقها في غزة؟ وما هي طريقته في الوصول إليها؟ والأهم، هل تقدر أو تصلح أدواته العسكرية لتحقيق تلك الأهداف؟ وإذا كان من الممكن لها أن تحققها، فبأي تكلفة، عسكرياً وسياسياً؟ باختصار، ما هي استراتيجية العدو الصهيوني عسكرياً في عدوانه على غزة؟
الاستراتيجية العسكرية الصهيونية في غزة قبل عملية “طوفان الأقصى”
يستنتج تقرير من عام 2014 لمؤسسة “راند” الأمريكية أشرف عليه عددٌ من الخبراء، بعنوان “دروس من حروب إسرائيل في غزة”، وهو يغطي مرحلة 2009-2014، أن محور استراتيجية الكيان الصهيوني في غزة يقوم على مفهوم “الردع”، أي ردع المقاومة عن ممارسة العمل العسكري ضده، وأنه لم يسعَ قط إلى تحقيق نصرٍ عسكريٍ حاسمٍ في غزة، ولا إلى إطاحة حماس (خوفاً من فراغ تملأه قوىً أكثر جذرية، بحسب تقرير “راند”)، ولا إلى تحمل مسؤولية ملء الفراغ في غزة بعد الحرب، وأن استراتيجية “إسرائيل” العليا أصبحت بالتالي “جز العشب”، أي تقبل عدم القدرة على حل مشكلة غزة بصورةٍ دائمةٍ مع استهداف قيادات فصائل المقاومة دورياً وتكراراً من أجل “إبقاء العنف تحت السيطرة”.
بعد اشتباكات تشرين الثاني / نوفمبر 2018 بين الكيان الصهيوني وفصائل المقاومة في غزة، ومن ثم اشتباكات أيار / مايو 2019، وقبل معركة “صيحة الفجر” في تشرين الثاني / نوفمبر 2019، نشر “غور لاييش” في صيف 2019، وهو عقيد متقاعد في سلاح جو العدو الصهيوني، وأحد كبار الباحثين سابقاً في مجلس الأمن القومي للكيان الصهيوني، مقالةً في “مجلة الاستراتيجية العسكرية”، المجلد 6، العدد 4، بعنوان “لماذا يفشل كلٌ من “إسرائيل” وحماس في تحقيق تغييرٍ استراتيجيٍ؟”.
استنتجت تلك المقالة أن “إسرائيل” ليس لديها استراتيجية في غزة، فهي تعلن أن هدفها هو “تغيير النظام”، وإطاحة حماس، لكنها لا تملك استراتيجية لتحقيق ذلك الهدف، وتكتفي بالتالي بتحقيق أهداف قصيرة المدى تحت عنوان “الحفاظ على أمنها”. لذلك، بقي الصراع منخفض الوتيرة، لأن نتنياهو، بحسب المقالة، كان يرى تكلفة الدخول إلى غزة أعلى من فائدته، في حين رأى كاتب المقالة ضرورة التصعيد لحل المشكلة جذرياً، من خلال عملية عسكرية كبيرة توظف ميلان ميزان القوى عسكرياً لمصلحة “إسرائيل”، وتؤسس للردع بعيداً عن إدارة مسرح صراع منخفض الوتيرة. فإما الحسم عسكرياً، وإما التفاهم مع حماس سياسياً، وهما خياران أحلاهما مر صهيونياً.
بحسب ما سبق، لم تخرج نتائج معركة سيف القدس (أو “حارس الأسوار” في المصطلح الصهيوني)، في أيار / مايو 2021، عن سياق إعادة الوضع إلى سابق عهده بعد وقفٍ لإطلاق النار، مع مواصلة الحصار الخانق على غزة، الذي احتقن حتى فاض طوفاناً لتبدأ مرحلة جديدة تماماً بعد 7 تشرين الأول / أوكتوبر 2023.
ربما استند المحللون السياسيون الذين أصروا على أن العدو الصهيوني لن يدخل غزة برياً، والذين ظل بعضهم مصراً على تلك المقولة حتى بعد بدء الاجتياح البري لغزة، إلى مثل تلك القراءات المتقادمة للاستراتيجية العسكرية الصهيونية في غزة قبل “طوفان الأقصى”. وهي استراتيجية كان هدفها الأعلى “الردع”، من طريق:
أ – القصف الجوي والصاروخي من بعيد.
ب – الاغتيالات الموجهة (“جز العشب”).
ج – تشديد الحصار على غزة باضطراد.
د – تحسين الدفاعات “الإسرائيلية” تكنولوجياً في مواجهة الترسانة الصاروخية الفلسطينية.
يدخل ذلك كله في باب “إدارة الصراع”، لا حله عسكرياً أو سياسياً، أي إبقاء غزة معلقةً في الفراغ سياسياً، مع السعي إلى تقليل خطر غزة عسكرياً على الكيان الصهيوني إلى أدنى حدٍ ممكن.
لكن بات واضحاً بعد عملية “طوفان الأقصى” طبعاً أن تلك الاستراتيجية فشلت فشلاً ذريعاً، وأن المقاومة طوّرت قدراتها عسكرياً، تحت أقسى ظروف الحصار، إلى مستويات مذهلة، وأن فكرة “احتواء غزة”، التي ربما نجحت نسبياً سابقاً، تجاوزها الزمن.
ويتمحور بعض النقاش في الكيان الصهيوني حول المسؤولية عما جرى في 7 تشرين الأول / أوكتوبر في غلاف غزة حول وجاهة ركون صناع القرار الصهاينة إلى بلادة استراتيجية “احتواء غزة” إياها، منذ عام 2007، من دون أخذ تراكم عناصر القوة الغزية، من تحت أنف الاحتلال، بعين الاعتبار.
المهم أن الاستمرار باتباع استراتيجية “احتواء غزة” ذاتها لم يعد في قائمة الخيارات صهيونياً. فما الجديد؟ في 27/10/2023، شن الكيان الصهيوني هجوماً برياً واسع النطاق على غزة، فما هي أهدافه؟ وما هي آلية حركته؟
ملحوظة بشأن تسمية “سيوفٌ من حديد”
تجمعت في الأسابيع الأخيرة كتاباتٌ في مواقع غربية و”إسرائيلية” تقرأ معالم الاستراتيجية العسكرية الصهيونية إزاء غزة، ويمكن من خلال مقارنتها معاً، ومقارنة ما تقاطع فيها مع تطورات الميدان، أن نبني مقاربة منهجية للاستراتيجية العسكرية لعملية “سيوفٌ من حديد” (أو “السيوف الحديدية” إذا اعتمدتم الترجمة الشائعة وغير الدقيقة)، والتي أطلقها الكيان الصهيوني بعد عملية “طوفان الأقصى”.
لا بد من كلمة أولاً بشأن الدلالات التوراتية لعنوان العملية العسكرية “الإسرائيلية” الأخيرة في غزة، لأن التجربة علمتنا أن تلك العناوين نادراً ما تخلو من تأصيل توراتي أو تلمودي، في محاولة لمنحها “مشروعيةً” دينية وهالةً “مقدسة”.
في التوراة، في سفر صموئيل الأول، الاصحاح الـ 13، ثمة إشارة إلى أن الفلسطينيين كانوا يحتكرون تشذيب الأدوات الحديدية، لئلا يصنع منها “الإسرائيليون” سيوفاً ورماحاً حديدية، فكأن إطلاق “سيوفٍ من حديد” ضد الفلسطينيين اليوم جاء انتقاماً معاصراً من حرمان “الإسرائيليين” من تصنيع الأسلحة الحديدية قبيل واقعة كبرى مع الفلسطينيين قبل آلاف الأعوام، بحسب السردية التوراتية، والتي لا يهم إن كانت دقيقة تاريخياً أم لا، بمقدار ما تهم دلالاتها الرمزية سياسياً ودينياً للمؤمنين بها اليوم، ودلالاتها الإرهابية لغير المؤمنين بها.
في التوراة أيضاً، في سفر الرؤيا، الاصحاح الـ 19، ثمة رؤيا أشد وضوحاً ودمويةً في السياق ذاته، إذ تنفتح السماء ليهبط منها فرس أبيض عليها فارس عيناه كلهيب نار، وعلى رأسه تيجان كثيرة، وهو متسربل بثوبٍ مغموسٍ بدم، وخلفه أجنادٌ على خيل بيض، “ومن فمه يخرج سيفٌ ماضٍ لكي يضرب به الأمم، وهو سيرعاهم بعصاً من حديد”.
تتابع السردية أن ملاكاً يصرخ داعياً طيور السماء إلى وليمة من “لحوم الكل: حراً وعبداً، صغيراً وكبيراً” الذين سيذبحهم الجيش القادم من السماء، وقائده، بسيفه الخارج من فمه، “وجميع الطيور شبعت من لحومهم”.
إنها صورةٌ يصعب أن تفارق المخيلة عندما يتأمل المرء فيديوهات جثامين مئات الشهداء الممددين في ساحة مستشفى الشفاء، أو في شوارع غزة، شيوخاً وأطفالاً، رجالاً ونساءً، من الذين منعت قوات الاحتلال دفنهم، كي تعيد إنتاج تلك الصورة التوراتية في غزة، في القرن الـ21. وذلك هو المعنى التوراتي لعملية “سيوف من حديد”.
معالم الاستراتيجية العسكرية الصهيونية الجديدة في غزة
ليس بعيداً عن ذلك البعد التوراتي الانتقامي، نشرت صحيفة “واشنطن بوست”، في 10/11/2023، تقريراً بعنوان “العقيدة العسكرية العقابية التي يبدو أن إسرائيل تتبعها في غزة” انطلاقاً من تصريح الناطق بلسان جيش الاحتلال دانيال هجاري بأن “جيش الدفاع الإسرائيلي”، في رده الانتقامي على عملية “طوفان الأقصى”، يركز على إيقاع الضرر، لا على “الدقة” في الاستهداف.
ورد ذلك التصريح بعد استشهاد نحو 10 آلاف من الغزيين في العدوان الصهيوني على غزة، فيما يسميه واضع تقرير “واشنطن بوست” ذاته “مبدأ الضاحية”، أي الضاحية الجنوبية لبيروت عام 2006. ويقوم ذلك المبدأ على “الرد غير المتناسب” على كل منطقة ينطلق منها هجوم على “إسرائيل”، بحسب غادي أيزنكوت، رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال بين عامي 2015 و2019، والذي قال عام 2008 إن ذلك المبدأ “ليس اقتراحاً”، بل خطة جرى وضعها موضع التنفيذ.
يضيف واضع التقرير، استناداً إلى مصادر صهيونية أخرى، أن “الرد غير المتناسب” على أي عمل عدائي ضد الكيان الصهيوني، هو المبدأ المتبع في لبنان وسورية وغزة وفي كل مكان، وبأنه يستهدف إلحاق الأذى على أوسع نطاق، بغض النظر عن استهداف القدرات العسكرية للخصم، لأن الهدف هو تثبيت مبدأ الردع عبر المدنيين والمناطق المدنية.
لكنّ إلحاق الضرر الشامل بحواضن المقاومة المدنية، بصفته جزءاً من العقيدة العسكرية الصهيونية المؤصلة توراتياً، ضمن منطق “رعاية الأمم بعصاً من حديد”، لا يكفي بذاته لاجتثاث المقاومة في غزة أو غيرها.
وبحسب تقرير في صحيفة “نيويورك تايمز” في 10/11/2023، بعنوان “ساعة إسرائيل الموقوتة”، فإن الهدف الذي وضعه الاحتلال الصهيوني هو إطاحة المقاومة في غزة، لكنه تقدم ببطء لتطويق مدينة غزة، متابعاً عملية القصف المكثفة في خضم تقدمه.
يشير التقرير ذاته إلى أن منع وصول الماء والغذاء والوقود إلى غزة يهدف إلى استنزاف مخزون المقاومة منها، بغض النظر عن الثمن الذي قد يدفعه المدنيون، وهو ثمن بات يمثل عبئاً سياسياً، من جراء ردة فعل الرأي العام في الدول الحليفة للصهاينة على المجازر التي يرتكبونها.
يؤكد تقرير آخر نشر في 9/11/2023 في موقع “مؤسسة هوفر”، وهي من أعرق المراكز البحثية الأمريكية، ومحسوبة على اليمين المحافظ، على أهمية وضع هدف سياسي للحرب على غزة، من أجل إبقاء حلفاء “إسرائيل” الغربيين والمطبعين العرب داعمين لحملتها في غزة، وأن ذلك الهدف يجب أن يتضمن صيغةً ما لـ”دولة فلسطينية”، حتى لو كان ذلك من قبيل التورية وذر الرماد في الإعين، كما فهمت من بين سطور ذلك التقرير.
يؤكد ذلك التقرير المعنون “الاستراتيجية، السياسة، والسلام في حرب إسرائيل وغزة”، في الآن عينه، على أن هدف الحرب على غزة، كما عبر عنه وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت، يتمثل بالآتي:
أ – تدمير المقاومة في حملة برية.
ب – احتلال غزة وتصفية “جيوب المقاومة فيها”.
ج – إنشاء “نظام جديد” وتسليم حكمه إلى الغزيين.
ويرى التقرير أن ذلك الهدف ما برح كما هو صهيونياً، مع إدخال بعض التعديلات على طريقة إخراجه أو تنفيذه هنا أو هناك مع مرور الوقت.
أما طريقة تحقيق ذلك الهدف، فيفصّلها تقرير مجلة “فورن بوليسي” الأمريكية، في 3/11/2023، المعنون: “كيف تخطط إسرائيل لهزيمة حماس في غزة؟”. يقول ذلك التقرير، استناداً إلى مصادر عسكرية “إسرائيلية”، بأن الكيان الصهيوني لا ينوي الدخول إلى الأنفاق أو خوض قتال شوارع في الحارات الضيقة واحدة تلو الأخرى، على غرار ما فعله جيش الاحتلال الأمريكي في الفلوجة في العراق عام 2004، مضيفاً أن خطة السيطرة على غزة تقوم على شن غارات في الأماكن المبنية، وتثبيت مواطئ قدم فيها، واستخدامها لجمع معلومات استخبارية تتيح تحقيق أهداف تكتيكية مثل تصفية قيادات المقاومة العسكرية، وخنق الأنفاق، وتحرير الرهائن.
من البديهي أن مثل تلك الطريقة، بحسب التقرير ذاته، ستتطلب وقتاً طويلاً، أشهراً ربما، لكنها الطريقة الأفضل لتقليص خسائر جيش الاحتلال، وترك الحصار يستنزف فصائل المقاومة وحواضنها. يؤكد ذلك التقرير مثلاً أن أحد أهم أهداف الاختراق البري لغزة هو تحديد مواضع المولدات وفتحات تهوية الأنفاق، وأن منع وصول الوقود إلى غزة يستهدف تحديداً استنزاف مخزون فصائل المقاومة من الوقود الذي تستخدمه في تشغيل المولدات في الأنفاق، بغض النظر عن الثمن للمدنيين، تماماً كما جاء في تقرير “نيويورك تايمز” أعلاه.
يقول موقعٌ صهيوني (Media Line)، في تقريرٍ بعنوان “مناورات سياسية وعسكرية تشكل استراتيجية ضد حماس”، في 16/11/2023، نقلاً عن مصادره، بأن العملية الحالية تتركز على شمال غزة، وعلى عزل مدينة غزة تحديداً، وأن المرحلة التالية ستركز على وسط غزة، من مخيم النصيرات إلى دير البلح، وأن “جيش الدفاع الإسرائيلي” سيوجه جهوده البرية في المرحلة الثالثة جنوبي غزة.
يقول رافاييل كوهين، أحد كتاب تقرير معهد “راند” المذكور أعلاه من عام 2014، في مقالة في مجلة “فورن بوليسي” الأمريكية في 16/11/2023، بعنوان “نقد الغرب غير المتماسك لاستراتيجية إسرائيل الغزية”، إن الأهداف المباشرة للحملة البرية في غزة هي:
أ – إنقاذ الرهائن “الإسرائيليين” في غزة.
ب – تقويض قدرة حماس على شن هجوم مماثل لذلك الذي شنته في 7 تشرين الأول / أوكتوبر الفائت.
ج – قتل أو إلقاء القبض على المعنيين بعملية “طوفان الأقصى” (لم يسمها كذلك طبعاً).
يرى كوهين أن تحقيق تلك الأهداف يتطلب سيطرة “إسرائيل” على من يستطيع أن يغادر أو لا يغادر قطاع غزة، وعلى دخول الوقود إلى القطاع، وأن أنفاق المقاومة تمر تحت كثيرٍ من المستشفيات والمدارس والجوامع والبنية التحتية المدنية، وبالتالي لا مفر من استهدافها، وأن تدمير المباني لا مفر منه لأن الأنفاق تقع تحتها، وأن عضوية حماس تضم 20 إلى 25 ألفاً، ناهيك بأعضاء التنظيمات الأخرى، متوزعين عبر القطاع، وبالتالي لا مفر من حملات قصف جماعي.
يستنتج كوهين، بناءً على ذلك: “إن الحقيقة الراهنة هي أن جغرافية ساحة المعركة في غزة تعني أن أي عملية، مهما كان هدفها، سوف تتحول إلى ما نراه اليوم: عملية برية دموية شديدة التدمير، حيث يقع عدد كبير من المدنيين في مرمى النيران”.
لو كتبت مثل هذا الكلام عن المستعمرين المستوطنين في فلسطين، لقال البعض “قومي متعصب ومتطرف”، أما “الخبير” كوهين فيمكن أن ينشره في مجلة مرموقة مثل “فورن بوليسي” من دون أن يرف لها جفن.
بتعبير كلاوزفيتز، إن إسقاط الرؤيا السياسية يمكن تصوره فقط في حروب الحياة أو الموت، النابعة من الكراهية الخالصة.
إنه صراع تناحري، لن ينجح الكيان الصهيوني في تحقيق أهدافه فيه إلا إذا قصرنا نحن عن فتح أبواب الجحيم عليه في كل مكان، ومن دون توقف. والأهم، لا بد من فتح معبر رفح كي لا تختنق المقاومة.
إبراهيم علوش – الميادين نت