على الرغم من إدانة معظم دول العالم هجوم حركة حماس على الكيان الصهيوني في 7 أكتوبر، ولكن بعد الرد القاسي من الكيان الصهيوني، غيرت دول الشرق الأوسط موقفها، وسط الاستخدامالمفرط للقوة في قطاع غزة مع تزايد المطالبات بوقف العملية الانتقامية، وهو ما لا تنوي “إسرائيل” القيام به، وكان هناك تلميح إلى صراع أكبر في المنطقة.
مع بداية الأحداث، ومن حيث الشكل العام، يمكن الحكم من خلال بعض عمليات الاستحواذ غير المباشرة، فقد استفادت إيران إلى حد ما من هذا الوضع، أما الكيان الصهيوني فقد ساءت علاقاتهمع بعض الأنظمة الملكية العربية، بالتالي، انتصرت حماس في مكان ما، وعادت إلى مركز النفوذ الدولي، رغم أنها لن تحصل على مركز نفوذ بسهولة، وبنفس الوقت، الإيرانيون أيضاً لا يملكون المكاسب الأهم، ويوازنون مجموعة كاملة من الخسائر.
ومن المعروف أن إيران تقليدياً تحتفظ بعلاقات وثيقة مع حماس، ولا سيما توفير التدريب العسكري للجناح المسلح للحركة، لكن لا يمكن الارتباط بينهما بشكل كامل؛ فحماس منظمة مستقلة (وبالتالي كانت هناك خلافات جدية بينهما حول مسألة دعم الرئيس السوريبشار الأسد في الحرب السورية)، ففي اليوم الأول من الصراع، أعلن الإيرانيون عن شرعية معينة لتصرفات حماس، لكنهم بعد ذلك بدأوا ينأون بأنفسهم، والآن، على الأقل رسمياً، يحاولون تحويل النقاش حول الوضع في غزة إلى مناقشة إمكانية التسوية الإنسانية وإطلاق سراح الرهائن.
ولحماس أيضاً علاقات تقليدية مع قطر، حيث تأتي المساعدات المالية من هناك، وبالنسبة للقطريين، كان الهجوم على “إسرائيل”بمثابة مفاجأة كبيرة، وهذا سيؤدي، في اعتقادي، إلى بعض الفتور في العلاقات بين الدوحة وحماس، رغم أنها لن تنقطع.
بالتالي، إن استبدال حماس بحركة أو مكون آخر غير ممكن، أما نقطة التخلص منها كما يأمل الكيان الصهيوني فهي لن تتحقق، وبنفس الوقت، ويرى الإيرانيون أن اختفاء حماس من الخريطة السياسية لفلسطين يمثل ضربة كبيرة لمصالحهم، ومع ذلك، فإن هذا استثمار ورهان في لعبة الهيمنة في المنطقة، ويمكن قول الشيء نفسه عن قطر، التي أصبح التفاعل الفعال مع حماس وغزة بشكل عام بمثابة رافعة نفوذ ملائمة في العلاقات القطرية الأمريكية وفي العلاقات القطرية “الإسرائيلية” خاصة وأن المفاوضات تجري بنشاط.
في الوقت نفسه فإن ظهور أي بديل لحماس لن يكون ممكناً إلا في حالة هزيمتها عسكرياً وتحول غزة إلى منطقة تسيطر عليها “إسرائيل” وقطعاً لن يحدث ذلك لا الآن ولا مستقبلاً، على سبيل المثال وفي تخيل للبديل، إن حركة فتح لا تتمتع بشعبية كبيرةكحماس، فالأخيرة هي نتاج للواقع الذي تعيشه غزة، وقد أدت هذه الظروف الصعبة إلى ظهور حركة سياسية عسكرية تحاول إعطاء الناس إجابات بسيطة على أسئلة معقدة حول وجودهم ومستقبلهم، هذه الحركة تعبر عن رأي المجتمع الفلسطيني – ليس كله بالطبع، لكن الغالبية العظمى خاصة فيما يتعلق بحركة المقاومة لاستعادة الحقوق.
أما بالنسبة لتوسيع الصراع، أعتقد أن ما من أحد يريد حرب كبيرة، إن الحرب الكبرى ستكون بمثابة صدام مباشر بين الولايات المتحدة وإيران، و”إسرائيل” وإيران، حتى الآن، يبدو ما نراه بين “إسرائيل” وإيران بمثابة تفاقم مؤقت يتناسب مع القواعد التقليدية للعبة، حيث سيكون من الممكن الحديث عن شيء جديد عندما نرى حزب الله يسيطر على بعض المستوطنات في إسرائيل، أو العكس.
والآن تحاول إيران والولايات المتحدة، من خلال تبادل البيانات، رسم خطوط حمراء لا ينبغي تجاوزها لتجنب الصراع، حيث من المرجح أن تحاول الأطراف إبقاء كل شيء في إطار اللعبة التقليدية، مع الإشارة إلى أن حزب الله عنصر مهم في السياسة الخارجية الإيرانية، ورافعة مهمة، لكن لن يتم استخدام حزب الله كقوة ضاربة إلا إذا كان هناك تهديد مباشر للإيرانيين.
بالتالي، تحاول إيران تنسيق تحركاتها مع اللاعبين الإقليميين، وقد زار وزير الخارجية الإيراني الدوحة مرتين، بما في ذلك لمناقشة وضع الرهائن، لكن المشكلة بالنسبة لطهران، أن المؤسسة السياسية الأمريكية لديها أسباب جديدة لزيادة ضغط العقوبات على إيران، بالتالي، يُنظر إلى الصدام المباشر مع “إسرائيل” أو الولايات المتحدة في إيران على أنه سيناريو سلبي للغاية، فقد أعطت الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينات من القرن الماضي للإيرانيين وسيلة لمنع الاشتباكات المباشرة مع أي جهة، لدرجة أن الأفضلية هنا تعطى دائما للعمل مع “الوكلاء”.
وتنظر قطر ودول الخليج الأخرى إلى أي أزمة على أنها تهديد،وتلعب الدوحة دورها كوسيط، وتريد تجنب المواجهة المتزايدة في المنطقة، لأن ذلك يشكل خطراً كبيراً عليها، أما بالنسبة للملكة العربية السعودية، تم تعليق التطبيع ومن الممكن أنه التغى على المدى المنظور، ولكن هناك بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، التي تحاول عدم التأكيد على حقيقة أن لها علاقات مع “إسرائيل”.
أما موقف الدول العربية عموماً، ورغم ما يحدث من أهوال في غزة، فهم لا ينظرون إلى هذا الوضع من الناحية الإنسانية، بل ينظر الجميع بحماس كبير إلى ما سيحدث للوضع الإنساني وإلى أين سيتجه تدفق اللاجئين، إذ لا يوجد أي بلد في العالم العربي على استعداد لقبول المهجرين من غزة؛ بالإضافة إلى ذلك فإن أقرب جيرانها، مصر والأردن، ينظرون إلى اللاجئين الجدد باعتبارهم تهديداً سياسياً واقتصادياً.
بالتالي إن إمكانية انتهاء هذا الصراع من وجهة نظر تاريخية، يمكن ربط هجوم 7 أكتوبر بحدثين، الأول هو الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر 2001، ولم تشكل تهديداً وجودياًلأميركا، لكنها أدت إلى تحول في سياستها الخارجية، وتنظر القيادة “الإسرائيلية” اليوم إلى هجوم 7 أكتوبر بنفس الطريقة تقريباً، أما الحدث الثاني فكان في سراييفو، حينها لم يكن أحد يريد الحرب، لكن المخاطر زادت تدريجياً وكانت هناك شرارة أشعلت صراعاً كبيراً.
بالتالي، يحاول الأمريكيون الرد بشكل انتقائي للغاية على الهجمات التي يشنها “وكلاء” إيران، لكن خطابهم أصبح قاسياًعلى نحو متزايد، كما يحاول الإيرانيون أيضاً تهدئة الوضع على الساحة السياسية، لكنهم يهاجمون “إسرائيل” من خلال “وكلائهم”.
وعلى أية حال فإن الأميركيين لا يريدون شن حرب قبيل الانتخاباتالرئاسية، لأن جر الولايات المتحدة إلى الصراع أمر ممكن فقط بعد أن نعرف اسم الرئيس الجديد، بالتالي، ستكون هذه مواجهة طويلة،وقد تكون هذه أيضاً عملية عسكرية بطيئة في غزة، مصحوبة بأزمات إنسانية ودبلوماسية، ومع ذلك، فإن رغبة القوى الإقليمية والقوى العالمية في تجنب الصراع المباشر، أعتقد أنها ستمنع المنطقة من الانزلاق إلى الحرب.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ كاتب ومفكر – الكويت.