شكلت المباركة السَّامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم في بيان مجلس الوزراء الموقَّر في التاسع من يناير من عام 2024 بشأن برنامج الولاء للمنتج الوطني الَّذي تُشرف عَلَيْه وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار الموقَّرة بالتنسيق مع الجهات المعنيَّة والقِطاع الخاصِّ والَّذي يهدف إلى تحفيز المستهلكين على اختيار المنتجات العُمانيَّة للإسهام في ضمان استمرار ونُمو الشركات المحلِّيَّة؛ محطَّة مُهمَّة في تأكيد الاهتمام بالمبادرات الوطنيَّة السَّاعية لتعزيزِ جودة وحضور المنتج المحلِّي في الثقافة الشرائيَّة والسلَّة الاستهلاكيَّة للمواطن، الأمْرُ الَّذي سيكُونُ له تأثيراته الإيجابيَّة في بناء حسٍّ اجتماعي وطني في استشعار أهمِّية المنتج المحلِّي وتعظيم القِيمة التنافسيَّة له في السُّوق المحلِّيَّة، وبالتَّالي ما يتوقع أن يشكِّلَه هذا البرنامج من فرص كبيرة في تعزيز ثقة المواطن والمستهلك من مختلف شرائح المُجتمع بجودة المنتج المحلِّي والصورة الأخرى الَّتي بات يصنعها كاستحقاق وطني في مَسيرة بناء اقتصاد وطني يحظى بقاعدة مُجتمعيَّة كبيرة كما يُشكِّل نموذجًا متجدِّدًا في هيكلة البنية الاقتصاديَّة والصناعيَّة في سلطنة عُمان، وقدرته إلى الوصول إلى مائدة المواطن اليوميَّة وعاداته الشرائيَّة، الأمْرُ الَّذي يرفع من سقف حضوره في الاستهلاك اليومي للمواطن، ويرفع من قِيمته التنافسيَّة في السُّوق المحلِّي في ظلِّ تعدديَّة الخيارات والبدائل المتاحة للسلَّة الاستهلاكيَّة للمواطن.
وبالتَّالي فإنَّ القِيمة المضافة لبرنامج الولاء للمنتج الوطني ـ إن توافرت له مسارات المتابعة والرقابة على التنفيذ ووجدت الآليَّات الضامنة لمتابعة التحوُّل في المنتج المحلِّي ـ لا تقتصر فقط على ما يُمكِن أن يُسهمَ به في رفع جودة الجودة والثِّقة في المنتج المحلِّي وتعظيم حضوره في السلَّة الاستهلاكيَّة للمواطن وقائمة متطلباته اليوميَّة، بل فيما يمنحه من نُمو للمنتج الوطني نَفْسه، وتنشيط حركة الإنتاج والمساهمة في الناتج المحلِّي، الأمْرُ الَّذي ينعكس على العائد الإيجابي المرتبط بتشغيل عالٍ للمؤسَّسات الصغيرة والمتوسِّطة، ومؤشِّرات نُمو في الشركات الناشئة في ظلِّ تنوُّع مستوى الإنتاج المحلِّي للمنتجات والسِّلع والبضائع، وما يعنيه ذلك من توقُّعات بقراءة متوازنة للسُّوق المحلِّيَّة، في ظلِّ قياس مستمرٍّ ومسوحات جادَّة لاحتياجاته وتطوير المنتج الناتج من زيادة الطلب المُجتمعي والإقليمي والعالَمي عَلَيْه، والَّذي سيكُونُ له أثَره الإيجابي في تعزيز حصَّة المنتج العُماني السوقيَّة وضمان تحقيق قواعد المنافسة الحُرَّة وتعزيز مبدأ اللامركزيَّة وتطوير بيئة أعمال تنافسيَّة.
على أنَّ اعتماد هذا البرنامج في ظلِّ الظروف والمتغيِّرات الَّتي يمرُّ بها العالَم وانعكاسات وتداعيات الحرب على غزَّة، والصورة الَّتي قدَّمتها الشعوب الحُرَّة المُحبَّة للسَّلام ومُجتمع سلطنة عُمان في دعم الشَّعب الفلسطيني في نضاله الوطني وإقامة دَولته المستقلَّة وعاصمتها القدس الشرقيَّة، وموقف سلطنة عُمان (قيادةً وحكومةً وشَعبًا) في استنكار هذا الإجرام الصهيوني ومناشدة المُجتمع الدولي في تحمُّل مسؤوليَّاته الإنسانيَّة والأخلاقيَّة في وقف هذه الحرب العبثيَّة، ومستوى الوعي لدى المواطن العُماني بأهمِّية سلاح المقاطعة للمنتجات الصهيونيَّة ومنتجات الدول الدَّاعمة للكيان الصهيوني والتوجُّه نَحْوَ المنتج المحلِّي باعتباره الخيار الأفضل والأنسب في ظلِّ هذه المعطيات والظروف والأحداث، يجعل من برنامج الولاء للمنتج الوطني، نقطة تحوُّل في تأصيل والاستمرار في مسار المقاطعة الاقتصاديَّة، وفرصة سانحة لتوجيه الاهتمام للمنتج الوطني وتعظيم حضوره في ثقافة المواطن الاستهلاكيَّة.
ويبقى تبنِّي هذا البرنامج مرحلة متقدِّمة في العمل المشترك والمسؤول نَحْوَ تطوير وتحسين وتسويق المنتج المحلِّي نَفْسه ودَوْر الشركات ومؤسَّسات القِطاع الإنتاج في أن يكُونَ على قدر الثِّقة الَّتي يمنحها له المواطن والمستهلك من حيث الجودة والأصالة في المنتج، ومناسبة الأسعار وتناغمها مع متطلبات الوطنيَّة، وأن لا يجدَ في سلاح المقاطعة، وتوجُّه المواطن للمنتج الوطني مبررًا له لفرض سلطة الأمْرِ الواقع ورفع الأسعار والاحتكار؛ بل أن يكُونَ ذلك مدخله لتمكين حضوره وتوجيه الأنظار إليه وإثبات قدرته على الاعتماد عَلَيْه، من خلال التنويع في الخيارات وأدوات الإنتاج والسِّلع، والمرونة في القِيمة الشرائيَّة، ورفع مستوى الإنتاج لتلبية احتياجات السُّوق المحلِّيَّة، واتِّساع وجوده في السُّوق بأسعار تنافسيَّة في متناول يد مختلف شرائح المُجتمع، وبالتَّالي ضمان مستوى المرونة في الإنتاج، وتحقيق الاكتفاء، وتنويع الخيارات والتوسُّع في الإنتاج وزيادة القدرة الإنتاجيَّة، وبناء جسور تواصل ممتدَّة وتناغم فطري مع المواطن والمستهلك عَبْرَ إشراك المستهلك في تقييم المنتج وإبداء رأيه في تطويره وتحسينه، والصورة الَّتي يقدِّمها المنتج للمواطن والمستهلك في أن يجدَ في المنتج المحلِّي سعادته ورغبته ويجدَ فيه مواطنته، كما يجد فيه سلامته وصحَّته وأمْنَه، ويجد فيه أمْنَه الغذائي وقوَّته التنافسيَّة ومسار الاعتماد على النَّفْس. إنَّ استشعار المواطن والمستهلك هذه المرتكزات واقعًا ملموسًا ومسارًا حقيقيًّا يصبح المنتج المحلِّي أولويَّة، والولاء له أمْر واجب، والانتماء إلى الأرض الَّتي أنتجته والمؤسَّسة الَّتي صنعته، وتقدير العقل الَّذي ابتكره وأخرجه بهذا المستوى من الجودة والمعايير؛ استحقاق وجوبي يجسِّد فيه المنتج المحلِّي هُوِيَّة عُمان، ويصبح التزام شرائه ووجوده في المائدة اليوميَّة والسلَّة الاستهلاكيَّة عادة يوميَّة قائمة على الاختيار والرغبة والشعور الداخلي والحسِّ الوطني بما يحمله هذا المنتج من ميزة تنافسيَّة وخيارات وفرص وسِمات تفوق غيره من المنتجات.
وعَلَيْه، فإنَّ تحقيق نجاح لهذه البرنامج في ظلِّ الأهداف الَّتي سعى لتحقيقها والغايات الوطنيَّة يرتبط ارتباطًا كُلِّيًّا بقناعة المنتج نَفْسه والقائمين عَلَيْه في سعيهم للتطوير والتحديث والتجديد وإعادة هندسة عمليَّات البيع والشراء وفتح نقاط أكثر للتوزيع ومنافذ البيع، بطريقة تحفظ حقَّ المواطن فيه كمستهلك من الدرجة الأولى وحقَّه في أن يواجهَ هذا الاهتمام مِنْه بما يمنحه المنتج في ذاته من قِيمة نوعيَّة في محتواه وأسعاره وسلامته وأمانه، وعِندما تتأكد هذه القناعة من الشركات والمؤسَّسات في القِطاع الخاصِّ والحكومي المنتجة للغذاء والمستلزمات والتجهيزات والأجهزة وتجد لها آذانًا مصغية واهتمامًا كبيرًا تبرز في نواتج تحقيق آليَّات التعامل مع هذا البرنامج والاستجابة لاستحقاقاته، فإنَّه ـ بلا شك ـ سيصل إلى كُلِّ مركز ومحلٍّ تجاري، ويُقبل عَلَيْه المواطن بكُلِّ شغَف، ويسعى إلى اختياره من بَيْنِ عدَّة اختيارات، وتكُونُ له الأولويَّة على غيره من المنتجات الأخرى حتَّى ولو كانت بأقلِّ الأسعار.
إنَّ التسويق النَّوعي للمنتج الوطني لا يُمثِّل اليوم حالة خاصَّة بسلعة أو فرد أو شركة معيَّنة، بل هو أكبر من ذلك فهو تعزيز لموقع سلطنة عُمان الحضاري، وتأكيد على تحقيق مستهدفات رؤية عُمان 2040 في تعزيز استراتيجيَّات الأمن الغذائي والاعتماد على النَّفْس، وبناء مُجتمع يعتمد على نَفْسه اقتصاديًّا وينتج سلعته بنَفْسه، لِما في ذلك من شعور بالفخر بالمنتج المحلِّي والولاء والانتماء لأرض سلطنة عُمان واستشعار لحجم التحوُّل الَّذي يؤسِّسه وجود هذه المصانع، وتعبير عن مزيدٍ من الثقة الَّتي تربط المواطن بمؤسَّسات القِطاع الخاصِّ والشركات، ودعوة إلى تأصيل مفاهيم الجودة والكفاءة والتنافسيَّة في المنتج المحلِّي، بحيث تُعيد هذه الشركات والمؤسَّسات والمصانع توجيه سلوكها الإنتاجي لصالح حفز المواطن والمستهلك على اختيار المنتج المحلِّي، وهو أمْرٌ لا يُمكِن أن يتحققَ إلَّا في ظلِّ مساحة الثِّقة والاحتواء والتحفيز الَّتي يقدِّمها المنتج المحلِّي للمواطن، وعَبْرَ استيعاب الواقع المعيشي للمواطن وتفاعله مع ظروفه ومشاعره، وإدراكه لمتطلباته، ومراعاته لأحواله الاقتصاديَّة؛ الطريق لتعظيم الثوابت، وتمكين القدرات، وترسيخ سلوك المواطنة من خلال المنتج المحلِّي، واحترام حقِّ المواطن في حصوله على المنتج واستمتاعه به، لذلك فإنَّ حضور المنتج المحلِّي ضِمْن دائرة المواطن اليوميَّة وقناعاته الفكريَّة، وإيمانه به كمبدأ حضاري وثقافة أصيلة، يرجع إلى ما يحمله المنتج ذاته من هُوِيَّة تنافسيَّة، لا تتوافر في غيره من المنتجات، والَّتي يفترض أن تظهرَ بشكلٍ أكبر في وقت الأزمات، بحيث يتمثل ظروف المواطن ويتفاعل مع احتياجاته، ويقف على تساؤلاته واستفساراته، فيقترب سعره من ظروف المواطن، والحالة المعيشيَّة العامَّة لسكَّان سلطنة عُمان، بحيث يكُونُ في متناول يد المواطن من ذوي الدخل المحدود والأُسر المعسرة وغيرهم، هذا الأمْرُ هو ما يصنع للمنتج الوطني موقعه في حياة المستهلك العُماني.
أخيرًا، يبقى الرهان في تحقيق الهدف من برنامج الولاء للمنتج الوطني، على المنتج المحلِّي ذاته في صناعة الفارق، وقدرته على التعاطي الواعي الذَّكي مع ظروف المواطن، واستيعاب واقعه، وإدارة مشاعره واحتواء القلق الَّذي قَدْ يتعرض له بارتفاع الأسعار، فإنَّ المنتج المحلِّي إذا لَمْ يحترم المواطن ويراعي ظروفه ويقدِّر أوضاعه ويصنع من خلاله جسور التواصل والانتماء للأرض، ويعظِّم من قِيمة مُكوِّنات المنتج، وينافس من أجل بقائه في متناول يد المواطن، لَنْ يكُونَ له موقعه في قواعد السلوك الاستهلاكي والثقافة الشرائيَّة، فهل سيعيد برنامج الولاء في المنتج المحلِّي والقائمين عَلَيْه قراءة واقع العمل وصناعة التغيير، ومدّ جسور انتماء للوطن واحتواء للمواطن وتقدير لأهمِّية وجودة كشريك مستهلك وداعم للمنتج الوطني؟
د.رجب بن علي العويسي