في مشهد اعتدناه خلال خطبة صلاة الجمعة حين يرفع الخطيب صوته بالدعاء لمولانا السلطان بقوله : اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تعينه على الخير وتدله عليه . وذلك دعاء عظيم واجب على كل فرد في بلادنا الغالية عمان وفيه من التأملات ما تستحق تسليط الضوء عليها في قادمات السطور.
إن كل من ولي أمرا من شؤون هذا الوطن – سواء كبر ذلك أو صغر – يحمل على عاتقه العبء الثقيل وما يعينه على ذلك وجود من حوله من الأشخاص الثقات الذين ينظرون للمصلحة العامة أولا ولجمع شتات الناس والحد من تفرقهم وتعزيز روح الجماعة وتحقيق الأهداف العامة وأرجو عزيزي القارىء أن لا يؤطر فكرك أن مقاصد ما قرأته أعلاه محصور في بطانة مولانا جلالة السلطان المعظم فقط لان ذلك من القصور في الفهم لمقاصد ذلك الدعاء.
صلاح المجتمع ككل يأتي بصلاح القيادات فيه – على كافة مستويات القيادة – ومن هنا وجب توسيع الفكر للتركيز على تحقيق صفة الصلاح في بطانة رئيس أي وحدة حكومية انطلاقا من فكرة بسيطة تقول أن الكثير من المشاكل في مجتمعاتنا المحلية تأتي من مستشار أظهر الاخلاص والتودد لرئيسه ولكنه في باطن الأمر يسعى إلى بث الشتات والتفرقة وهذا نراه كثيرا في الجهات الحكومية مستغلا بذلك ثقة رئيسه به فتظهر (الحزبيات) وتزيد الوشاية وترتفع معدلات النفاق وهنا لا يتأثر موظفو تلك الجهة الحكومية فقط بل كل من يتعامل معهم من أفراد المجتمع لتظهر تلك الجهة بصورة سلبية مجتمعيا رغم وجود الكفاءات والعمل الدؤوب فيها إذ أن ذلك المستشار اللامؤتمن أصبغ شخصيته السلبية وهنا تبدأ التحديات التي لا تنتهي وقد يكون رأس هرم تلك المؤسسة في غفلة تأتي لثقته في ذلك المستشار أو لقصور لديه في تقدير الأمور وكما كنا نسمع دائما في مسلسل طاش ما طاش : (ياااا ليل مطولك) .
أتفهم جدا رغبة كل مرؤوس للترقي في عمله وهذه طبيعة الحياة ومن هنا تظهر الصراعات الإيجابية فترى ذلك الموظف يقدم مبادرة ما والاخر يقدم ما يرفع مستوى جودة العمل ويقلل الوقت والجهد وذلك جو ايجابي تنمو به المؤسسات ولكن يعيبه تدخل الاهواء الذاتية التي لا تفرق بين أن تكون فلان الموظف الذي يرى فيها كفاياته ومهاراته الشخصية أو فلان الإنسان الذي كلما قيل فيه شيئا قالوا : ( واا عليه فلان طيب ) للتصبغ والتصنع الذي يجيده ببراعة.
مع قناعتي بأن ذكرته أعلاه هو واقع حياة منذ أن تشكلت المجموعات البشرية عبر التاريخ إلا أن ارتباط مؤسسة ما بحياة الناس والأفراد في المجتمع يوجب على كل رئيس في وحدته الحكومية التحري في من يضع ثقته فيه فالمستشار مؤتمن والاختيار الخاطئ يترك أثره ليس على المؤسسة فقط بل على من يتعامل معها والامر واقع على كبيرات المؤسسات وصغيرها.
تأملات بسيطة جدا ولكنها عميقة جدا في مجتمعاتنا المحلية والتي يجب أن نفهم البعد الانساني وتأثيره في إدارة الوحدات الحكومية فمن فيها بشر ومن يتعامل معهم بشر وكما ندعو لمولانا السلطان ظهر كل جمعة ونظهر ذلك بممارسات المواطنة الحقيقية فحقا علينا أن نوسع دائرة الدعاء لتشمل كل رئيس في مؤسساتنا الحكومية لنرفع كف الدعاء له ونقول : اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تعينه على الخير وتدله عليه.
محمد بن عبدالله بن علي الشحي
٥ فبراير ٢٠٢٤ م