يأتي دور المحامي في النظام القانوني لضمان تحقيق العدالة وحماية حقوق الأفراد وتأمين تطبيق القوانين. يتمثل هذا الدور في تقديم الدفاع المهني الملائم والكفؤ للأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم مختلفة، وذلك بمراعاة مبادئ العدالة والنزاهة والشفافية، ومن بين المقاصد الأساسية للمحامي هو ضمان إتاحة الفرصة الكافية للمتهمين للدفاع عن أنفسهم بشكل فعّال، وضمان حصولهم على محاكمة عادلة تماماً وفقاً للقوانين المعمول بها، بالإضافة إلى ذلك، يتعين على المحامي النظر في مصلحة العدالة والقانون وعدم التسبب في تأخير أو إعاقة سير العدالة.
وبناءً على ذلك، يقوم المحامي بتمثيل موكليه بكفاءة ونزاهة أمام المحاكم وجهات التحقيق، مع الالتزام بمعايير الأخلاقيات المهنية والقوانين المنظمة لممارسة مهنة المحاماة.
وبعد الاطلاع على المادة /29/ من قانون تنظيم مهنة المحاماة، يظهر أنه يتعين على المحامي تحت التمرين بعد انتهاء فترة التدريب المحددة أن يترافع أمام المحاكم الابتدائية نيابة عن مكتب المحامي الذي يتمرن لديه تحت إشرافه وعلى مسؤوليته، كما يجوز له حضور جلسات التحقيق أمام الجهات المختصة نيابة عن المحامي الأصيل، باستثناء التحقيقات المتعلقة بالجرائم الجسيمة.
ويرى بعض القضاة والمحامين أن النص الفقرة (ب) من المادة /29/ ينطوي على تفسير يمنع المحامي تحت التمرين من الترافع بالإنابة عن المحامي الأصيل أمام المحكمة في الجرائم الجسيمة، نظراً لأن المحكمة الابتدائية تقوم بالتحقيق النهائي بما يشمل التحقيقات المتعلقة بالجرائم الجسيمة. وبالتالي، يرى هؤلاء أن النص القانوني يقتضي عدم جواز التمثيل بالإنابة في مثل هذه الحالات.
ومع ذلك، يمكن تفسير الفقرة (ب) بأنها تقصر حظر التمثيل بالإنابة في التحقيقات المتعلقة بالجرائم الجسيمة فقط، دون أن يمتد ذلك إلى جلسات المحاكمة في المحكمة الابتدائية، فعلى الرغم من أن المحكمة الابتدائية تقوم بالتحقيق النهائي، إلا أن هناك اختلاف بين دور المحكمة في التحقيق وتلك الجلسات التي تجري أمامها للنظر في القضايا والأدلة المقدمة.
وبناءً على ما سبق، يمكن أن يكون التفسير الصحيح للمادة /29/ هو أنه يجوز للمحامي تحت التمرين الترافع بالإنابة عن المحامي الأصيل أمام المحكمة الابتدائية في الجرائم الجسيمة، ما لم يكن هناك تقييد صريح ينص على خلاف ذلك.
وبناءً على النص القانوني المعني والمعلومات المتاحة، يمكن استنتاج أن المحامي تحت التمرين له الصلاحية بالترافع بالإنابة عن المحامي الأصيل أمام المحكمة الابتدائية بعد مرور فترة تدريب لا تقل عن ستة أشهر، وهو ما ينص عليه الفقرة (أ) من المادة /29/ في قانون تنظيم مهنة المحاماة، وتجدر الإشارة إلى أن النص القانوني يحدد بوضوح أن المحامي تحت التمرين يحق له الترافع أمام المحكمة في جميع أنواع القضايا، بما في ذلك الجنائية، دون أي استثناء.
من جهة أخرى، فإن الفقرة (ب) من نفس المادة تتعلق بحضور جلسات التحقيق أمام الجهات المختصة، ولا تشير إلى الترافع أمام المحكمة، وبالتالي، فإنه يمكن استنتاج أن الفقرة (ب) لا تنص بوضوح على إمكانية الترافع بالإنابة أمام المحكمة في الجرائم الجسيمة.
وبناءً على ما تقدم، يمكن القول إن النص القانوني المذكور يؤكد على جواز الترافع للمحامي تحت التمرين أمام المحكمة الابتدائية بعد فترة محددة من التدريب، ولكنه لا يوضح بشكل واضح إمكانية الترافع في الجرائم الجسيمة.
بالتالي، وعند مراجعة النص المذكور في الفقرتين، يمكن ملاحظة الاختلاف في التعبير بينهما، في الفقرة (أ)، يُذكر أن المحامي تحت التمرين يمارس “الترافع أمام المحاكم”، بينما في الفقرة (ب) يُشير إلى إمكانية حضوره “جلسات التحقيق”، هذا الاختلاف يُعتبر إشارة إلى عدم تصرف الفقرة (ب) إلى مرحلة المحاكمة بنفس الطريقة المذكورة في الفقرة (أ).
فالجانب الأول يُسلط الضوء على أهمية استخدام المصطلحات المناسبة والمتعارف عليها في القوانين، حيث يجب تسمية الجلسات في مرحلة المحاكمة بـ “جلسات المحاكمة” بدلاً من “جلسات التحقيق” حتى لو كانت المحكمة تُجري التحقيق، هذا يساعد على تجنب الالتباس وتوفير الوضوح في النص.
أما الجانب الثاني فيُركز على الفروقات في التعبير بين الفقرتين، حيث يُظهر استخدام “الترافع” في الفقرة (أ) واستخدام “الحضور” في الفقرة (ب)، بالتالي، هذا يُظهر أن الفقرة (أ) تُخصص لمجال المحاكمة، بينما الفقرة (ب) تُخصص لجهات التحقيق غير المحاكم.
والجانب الثالث يؤكد على توجيه المشرع للمحامي تحت التمرين بشكل دقيق بخصوص صلاحياته ومجال عمله، وهذا يشمل السماح له بالترافع أمام المحاكم والحضور في جلسات التحقيق، مع التأكيد على عدم جواز حضوره بالإنابة في جلسات المحاكمة في الجرائم الجسيمة.
أما فيما يتعلق بالجرائم الجسيمة، لا يُسمح للمحامي تحت التمرين بحضور جلسات المحكمة بالإنابة عن المحامي المشرف، وذلك لسببين مهمين:
أولاً، تعتبر النيابة العامة استثناءً من ميدان التدريب للمحامي تحت التمرين، خاصة فيما يتعلق بالجرائم الجسيمة، بينما تُعتبر المحاكم بمثابة الميدان الأساسي لتطوير مهاراته وتنمية خبرته المهنية.
ثانياً، تختلف إجراءات التحقيق أمام النيابة العامة عن تلك التي تجرى أمام المحكمة بشكل كبير، مما يعني أن المهام والمسؤوليات المتعلقة بكل منهما تختلف بشكل كبير.
وفيما يتعلق بالاختلاف بين إجراءات التحقيق أمام النيابة وأمام المحكمة، يمكن تحديده بالنقاط التالية:
أ- السرية: يتميز التحقيق أمام النيابة والشرطة بالسرية، حيث يجري البحث والتحقيق بشكل سري، بينما تُعتبر الجلسات أمام المحكمة علنية، حيث يتم فتحها للجمهور، وتفرض السرية أمام النيابة العامة ضرورة وجود المحامي الأصيل وتعترف بحضوره، بينما قد لا تقبل حضور المحامي المتدرب الذي قد لا يكون على دراية كافية بقيود التحقيقات التي تفرضها النيابة على الأطراف والمحامين.
ب- دور المحامي: يختلف دور المحامي في مرحلة التحقيق أمام النيابة عن دوره في مرحلة المحاكمة، ففي مرحلة التحقيق، لا يُطلب من المحامي أن يجيب بدلاً عن موكله، ولا يتم الترافع أمام العضو المحقق، بل يقتصر دوره على المراقبة والإشراف على الإجراءات للتأكد من مطابقتها للقانون وتقديم الأسئلة والطلبات بدلاً عن موكله، أما دوره أمام المحكمة فيشمل المرافعة والرد على الأسئلة بدلاً عن موكله، وتقديم الطلبات والاعتراضات، وبالتالي، فإن تدخل المحامي تحت التمرين بالإنابة عن المحامي الأصيل غير مقبول بناءً على اختلاف دوره ونطاق صلاحياته في كل مرحلة.
ج- سرعة الإجراءات: يتطلب التحقيق أمام النيابة إجراءات متتابعة وفورية، قد تتطلب من المحامي أن يتخذ موقفاً فورياً أمام قرارات التحقيق أو الاعتراض على الأسئلة التي توجه، وهذا يتطلب وجود محامٍ ملم ومتمرس بما يتعلق بحقوق الموكل والإجراءات القانونية، وبالتالي، يترتب على ذلك عدم قبول المحامي تحت التمرين بالإنابة عن المحامي الأصيل في جلسات تحقيق الجرائم الجسيمة.
د- الحيادية: تقوم النيابة بالتحقيق بصفتها خصمًا وليس حكمًا، وبالتالي لا تلزم بالحياد في كل الحالات، بينما يجب أن تبقى المحكمة على حيادها في جميع الحالات، سواءً كانت الجرائم جسيمة أم غير جسيمة.
وهناك دليل آخر، يتمثل في تخصيص الفقرة (أ) بالإشارة إلى المحاكم، بينما تعمم الفقرة (ب) بالتحدث عن الجهات المختصة، مما يدل على أن الجهات المقصودة هي تلك التي لها اختصاص أصيل في التحقيقات، فالنص يشير ضمناً إلى “حضور جلسات التحقيق أمام الجهات المختصة بالتحقيقات”، ويعرف أن مهمة المحاكم لا تقتصر على التحقيق، بل تتمثل في نظر الدعاوى وسماع الأطراف وسماع أدلتهم والحكم في القضايا، ومن ثم، فإن تخصيص الفقرة (أ) للمحاكم يعكس اختصاصها الأساسي، بينما تعني الفقرة (ب) الجهات الأخرى غير المحاكم، مثل النيابة العامة والشرطة والجهات الإدارية الأخرى.
دليل آخر يبين أنه إذا كانت الإجراءات والحقوق متشابهة في الجرائم الجسيمة وغير الجسيمة، فلا مبرر لقبول ترافع المحامي تحت التمرين بالإنابة عن المحامي الأصيل في الجرائم غير الجسيمة ورفضه في الجرائم الجسيمة، فعدم جواز ترافع المحامي تحت التمرين بالإنابة عن المحامي الأصيل في الجرائم الجسيمة طوال فترة التمرين يعني تأخير منحه ترخيص مزاولة مهنة المحاماة حتى يحصل على تجربة في الترافع في الجرائم الجسيمة، وهذا يثير تساؤلات حول كيفية تدريبه وتأهيله لمثل هذه القضايا بعد حصوله على الترخيص، وهل سيكون قادراً على التعامل معها بفعالية، خاصة وأن منحه ترخيص مزاولة مهنة المحاماة يعتبر شهادة على قدرته على الترافع في جميع أنواع القضايا الجزائية، سواء كانت جسيمة أو غير جسيمة.
أما إذا كان من الممكن رفع الدعوى المدنية التبعية بشكل مستقل أمام القضاء المدني، وكان بإمكان المحامي تحت التمرين أن يمثل المحامي الأصيل في هذه القضايا أمام القضاء المدني، فما العائق الذي يمنعه من التمثيل نفسه في الدعوى المدنية ذاتها أمام القاضي الجزائي؟ إذ إن الدعوى المدنية هي نفسها والتمثيل لنفس الطرف، فلماذا يُسمح بذلك أمام القضاء المدني ولا يُسمح به أمام القاضي الجزائي؟
بالتالي، إن النص يوضح بوضوح تام أن دور المحامي تحت التمرين يتمثل غالباً في ترتيب الأمور كما يوجهه المحامي الأصيل، وهو يعمل كوسيط بين المحامي الأصيل والإجراءات القانونية، حيث يتمثل دوره في الحضور بالإنابة، وتقديم المرافعات والطلبات وفقاً لتوجيهات المحامي الأصيل، وبناءً على هذه الوظيفة، يمكن للمحامي تحت التمرين أن يترافع بالإنابة عن المحامي الأصيل بعد مرور فترة زمنية معينة من فترة التمرين، بشرط أن يكون قد مر بتدريب كافٍ أمام المحاكم الابتدائية.
أما بالنسبة للفقرة (ب)، فإنها تنص على عدم جواز حضور المحامي تحت التمرين بالإنابة عن المحامي الأصيل جلسات التحقيق لدى جهات التحقيق كالشرطة والنيابة والجهات الإدارية الأخرى، ومن ثم، يجوز له أن يحضر جلسات التحقيق في الجرائم الجسيمة بمعية المحامي الأصيل كمستمع، دون أن يتدخل كوسيط قانوني بالإنابة.
باختصار، ومن خلال تحليل ما سبق بوضوح تام، نستنتج أن دور المحامي يتعدى مجرد التمثيل القانوني للموكل، بل يشمل أيضاً ضمان العدالة والالتزام بالأخلاقيات المهنية، كما يتعين على المحامي أن يكون وسيلة فعّالة لتمثيل موكله، وأن يحمي حقوقه بكل دقة وصدق، ومن ثم، يجب على المحامي النظر في مصلحة العدالة والقانون، وتجنب التصرفات التي قد تؤثر سلباً على سمعة المهنة أو تعرض سمعة موكله للخطر، بالتالي، يتعين على كل محامي تحت التمرين فهم القوانين والأنظمة المعمول بها والعمل بجدية واستقامة لضمان تقديم الخدمة القانونية بأعلى مستوى من الكفاءة والمهنية.
عبدالعزيز بن بدر القطان / مستشار قانوني – الكويت.