في نظام القانون، يعتبر الطعن أحد الآليات القانونية المهمة التي تمنح للأطراف القانونية الحق في استئناف القرارات القضائية أو الإدارية التي يرونها غير ملائمة أو غير عادلة، وتعد عملية الطعن جزءاً أساسياً من منظومة العدالة القانونية التي تهدف إلى ضمان تطبيق القوانين بشكل صحيح وعادل.
وفي غالب الأحيان، يكون الطعن هو الخطوة الأخيرة للأطراف للتصدي للقرارات القضائية التي قد تكون قد أثرت بشكل كبير على حقوقهم ومصالحهم، وبالتالي، يعتبر الطعن آلية حيوية للتأكد من أن العدالة تحققت وأن الإجراءات القانونية تمت بشكل صحيح، كما تتيح عملية الطعن للأطراف فرصة لطرح الشكاوى والملاحظات على القرارات القضائية أمام محكمة أعلى، حيث يتم استعراض القضية والأدلة والحجج القانونية بشكل جديد، وعادة ما يُطلب من المحكمة العليا أو الهيئة المختصة إعادة النظر في القرار السابق والبت في الطعن المقدم.
كما تعتبر عملية الطعن جزءاً راسخاً من نظام العدالة القانونية، حيث تعكس قوة النظام القضائي وتأكيد التزامه بتوفير العدالة وحماية حقوق الأفراد والجهات، إذ تمثل الفرصة للطعن فرصة لتحقيق المساواة وتصحيح الأخطاء، وتعزيز الثقة في نظام العدالة القانونية.
بالتالي، ينص قانون المرافعات على تحديد موعد بدء الاستئناف في بعض الأحكام، حيث يبدأ ذلك من تاريخ صدور الحكم، كما هو معمول به في الحالات مثل الاستئناف ضد قرارات عدم اختصاص المحكمة، أو إحالة القضية إلى محكمة أخرى، أو تعليق الدعوى، وبموجب المادة (274) من قانون المرافعات، يتم حساب موعد الاستئناف لهذه الأحكام ابتداءً من تاريخ صدور الحكم، وليس من تاريخ استلام النسخة من الحكم كما هو الحال في المادة (276) من نفس القانون.
هنا، من الضروري التأكيد على مفهوم تاريخ صدور الحكم، وما إذا كان يشير إلى تاريخ النطق بالحكم أم تاريخ تحرير النسخة الكتابية للحكم وتوقيعها، بغض النظر عن ذلك، يفترض أن يكون الأطراف قد حضرت جلسة النطق بالحكم أو كانت على علم بموعد هذه الجلسة التي تم فيها النطق بالحكم، إذا تم النطق بالحكم في غياب الأطراف، وتبين أنهم لم يكونوا على علم بموعد الجلسة أو لم يحضروها، وبالتالي لم يكونوا على علم بالحكم نفسه، فلن يتم احتساب موعد الاستئناف ضد قرار عدم اختصاص المحكمة أو إحالة القضية إلى محكمة أخرى، أو تعليق الدعوى إلا ابتداءً من تاريخ علم الأطراف بالحكم الصادر في جلسة سابقة دون حضورهم أو علمهم به.
على سبيل المثال، في إحدى القضايا التي تمت مراجعتها، أظهر الطاعن أنه قد تقدم بطلب استئناف ضد حكم المحكمة الابتدائية قبل تقديم الطرف الآخر لطلب استئناف بعد انتهاء المدة القانونية المنصوص عليها في المادة (274) من قانون المرافعات، وذلك لأن القرار الصادر من المحكمة الابتدائية بإحالة القضية إلى محكمة أخرى كان قراراً غير نهائي للخصومة وكان يمكن الاستئناف ضده مستقلاً في غضون خمسة عشر يوماً من تاريخ صدوره وفقاً للمادة (274) من قانون المرافعات، على الرغم من ذلك، قدم الطاعن طلب الاستئناف بعد مضي حوالي 700 يوم من تاريخ صدور الحكم، مما يعني أن استئنافه تم بعد انتهاء المدة القانونية المحددة في المادة (274) من قانون المرافعات.
فقد قررت المحكمة الاستئنافية في حكمها رفض الطلب استناداً إلى توجيهاتها في البنود القانونية المتعلقة، حيث استندت المحكمة إلى ما جاء في حيثيات حكمها، مؤكدة أن حكم المادة (274) من قانون المرافعات لا يمكن تطبيقه إلا في حالة اتباع الإجراءات القانونية الصحيحة، وكانت الأطراف على علم بتاريخ الجلسة وحكم المحكمة، وتمثلت هذه الإجراءات في إعلان المحكمة الابتدائية للأطراف بتاريخ الجلسة التي ستصدر فيها الحكم، ولكنها لم تقم بذلك، وبالتالي لم يحضر الطرفان جلسة النطق بالحكم لعدم علمهم بالموعد، ولم يتم إعلانهم بالحكم، وبناءً على ذلك، فإنه لا يمكن معاقبة الطرف بخسارة حقه في الاستئناف بسبب عدم توافر المعرفة بالموعد المحدد.
بالتالي، فإن تفسير المحكمة الاستئنافية لحكم المادة (274) من قانون المرافعات كان موافقاً للقانون، حيث يعود سقوط الحق في الاستئناف إلى عدم التزام الأطراف بالحضور في الجلسة المقررة بشكل صحيح وفقًا لحكم المادتين (42 و43) وما بعدهما من قانون المرافعات، وعلى هذا الأساس، فإن قرار المحكمة الاستئنافية برفض الاستئناف يتماشى مع الأحكام القانونية.
بالتالي، تعتمد صحة الطعن في القرارات القضائية، بما في ذلك الحكم بعدم اختصاص المحكمة، وفقاً للأحكام المنصوص عليها في قانون المرافعات، وتنص المادة (274) من هذا القانون بوضوح على الإجراءات المتبعة في هذا الصدد، حيث تنص المادة بالحرف الواضح على أنه “لا يجوز الطعن في ما اصدرته المحكمة من أحكام غير منهية للخصومة أثناء سيرها إلا بعد صدور الحكم المنهي لها كلها”، ومع ذلك، يُستثنى من هذا الحكم القوانين التالية:
أولاً، الأحكام التي تتعلق بوقف الخصومة، أو عدم الاختصاص، أو إحالة القضية إلى محكمة أخرى، حيث يُسمح بالطعن في مثل هذه الحالات استقلالاً في غضون خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها؛
ثانياً، في الأحكام المستعجلة أو التي يمكن تنفيذها فوراً، يُسمح بالطعن فيها وفقاً للمواعيد المنصوص عليها في القانون.
من هنا، يمكن اعتبار ميعاد الطعن في الحكم بعدم اختصاص المحكمة يبدأ من تاريخ صدور الحكم، ويستند هذا الاستنتاج إلى التفسير الدقيق لأحكام المادة (274) من قانون المرافعات، فعلى الرغم من أن القانون ينص على عدم جواز الطعن في أحكام المحكمة غير المنتهية للخصومة خلال سيرها، إلا أنه يوفر استثناءات محددة تتعلق بالاختصاص وغيرها، مما يجعل من الممكن للأطراف ممارسة حقوقها القانونية في الطعن في مثل هذه القرارات في الآجال المحددة وبالإجراءات المناسبة.
أما بالنسبة لقانون المرافعات فهو يحدد تواريخ بدء احتساب ميعاد الطعن في الأحكام والقرارات، ويوفر إطاراً دقيقاً للإجراءات القانونية المتعلقة بذلك، على سبيل المثال، ينص القانون على ميعاد الطعن في الحكم بعدم اختصاص المحكمة، أو إحالة القضية إلى محكمة أخرى، أو وقف الخصومة، حيث يُحدد ميعاد الطعن في هذه الحالة بخمسة عشر يوماً يبدأ من تاريخ صدور الحكم، ويأتي ذلك وفقاً للمادة (274) من قانون المرافعات.
بالإضافة إلى ذلك، يحدد القانون ميعاد الطعن في القرارات الصادرة في منازعات التنفيذ بخمسة عشر يوماً تبدأ من تاريخ صدور الحكم، وفقاً للمادة (501) من نفس القانون.
أما بالنسبة للقرارات الصادرة في المسائل المستعجلة، فيُحدد ميعاد الطعن فيها بثمانية أيام تبدأ من تاريخ النطق بالحكم، وهذا وفقاً للمادة (243) من قانون المرافعات.
وفيما يخص الأحكام الموضوعية، يُحدد قانون المرافعات ميعاد الطعن فيها بستين يوماً تبدأ من تاريخ استلام المحكوم عليه لنسخة من الحكم، أو من تاريخ إعلانه بها إعلاناً صحيحاً، ويأتي هذا وفقاً للمادة (276) من نفس القانون.
بالتالي، إن هذه الترتيبات القانونية تهدف إلى تحديد الآجال والمواعيد اللازمة لممارسة حقوق الطعن بشكل مناسب، وتسهيل الإجراءات القانونية للأطراف المعنية.
ويثار الجدل بين شراح القانون المدار حول المفهوم الدقيق لمصطلح “تاريخ صدور الحكم” في قانون المرافعات، حيث يعتقد فريق من الشراح أن المقصود به هو تاريخ النطق بالحكم، حيث ينظرون إلى النطق بالحكم كصدور وإعلان الحكم علناً وشفهياً خلال جلسة قضائية، بالإضافة إلى أنهم يؤكدون على أن تاريخ صدور الحكم يكتب عند تحرير نسخة منه وتوقيعها، ويُسجل كتاريخ النطق بالحكم وليس تاريخ التوقيع عليه.
من ناحية أخرى، يرى فريق آخر من الشراح أن تاريخ صدور الحكم يشير إلى تاريخ تحرير نسخة من الحكم وتوقيعها وختمها بخاتم المحكمة، وهم يفضلون هذا التفسير، حيث يبرر هذا الفريق اختياره للتفسير الثاني بأن مفهوم تاريخ صدور الحكم في قانون المرافعات يختلف عن تاريخ النطق بالحكم، حيث يستخدم المصطلح “تاريخ النطق بالحكم” في الحالات المتعلقة بقرارات التنفيذ، بينما يُستخدم مصطلح “تاريخ صدور الحكم” في الحالات الأخرى كما هو موضح في القانون.
وتأتي هذه الجدالات لتسليط الضوء على أهمية فهم المصطلحات القانونية بدقة، حيث يتعين على القضاة والمحامين والمختصين في المجال القانوني أن يكونوا على دراية تامة بتلك المصطلحات وتفسيراتها المتعلقة بسياق القانون والممارسة القضائية، وتبرز هذه النقاشات أهمية الدراسات القانونية التي تسلط الضوء على المفاهيم الأساسية في القوانين المعمول بها، والتي تسهم في تحقيق العدالة وتطوير النظام القانوني.
من هنا، فقد تطرق الحكم في مقرره إلى جوانب مهمة في المسألة المعروضة للنظر، موضحاً أن الأطراف المعنية لم يتوصلوا بإعلان الحكم الابتدائي ولا بنسخة منه، ولم يكونوا على علم بتاريخ جلسة النطق به أو بمضمونه، وبناءً على هذه النقاط، قضى الحكم بعدم جواز حرمان الأطراف من حقهم في الطعن في الحكم، نظراً لعدم وصول الحكم إلى علمهم.
وأشار الحكم إلى الوسائل التي يمكن أن تُعلم الأطراف بعدم الاختصاص، وهي حضور جلسة النطق بالحكم، أو استلامهم لنسخة من الحكم، أو إعلانهم به بشكل صحيح، أو علمهم بتاريخ جلسة النطق بالحكم كما جاء في القرار المقضي به.
كما أن النزاع القانوني الذي تناوله الحكم في القضية التي ذُكرت كمثال يتركز حول تقديم الطعن في الحكم الابتدائي بعد انتهاء فترة طويلة من تاريخ صدور الحكم، والتي بلغت 700 يوم، وهي مدة تُعتبر طويلة للغاية، فقد تناول الحكم مسألة هذا النزاع بتفصيل واستعرض الأخطاء في المواد (274 و 276) من قانون المرافعات، حيث لم تتضمنا الإلزامية بالنسبة للمحكمة المصدرة للحكم بإعلان الأطراف بالحكم خلال فترة زمنية محددة من تاريخ صدوره، مما يؤدي إلى تأخير بدء ميعاد الطعن وتسبب في تأخير سير القضية، إذاً، فإن تحديد مدة محددة لإعلان الحكم له أهمية كبيرة، خاصة في الحالات التي لم يكن الخصم حاضراً في جلسة النطق بالحكم، أو لم يكن على علم بتلك الجلسة، أو لم يكن على علم بالحكم نفسه.
وجدير بالذكر أن قانون المرافعات يحدد الآجال والإجراءات اللازمة لتقديم الطعون وتسوية النزاعات القانونية. وتُعتبر مدة 700 يوم قد تُعتبر استثنائية وتعكس الضرورة لتحسين التنظيم القانوني والإجرائي للمحاكمة، بما يضمن حقوق الأطراف ويسهل الوصول إلى العدالة بشكل أكثر فعالية وفعالية.
في الختام، يُظهر النظام القانوني الطعن كأداة حيوية وضرورية لضمان العدالة وحماية حقوق الأفراد والجهات، كما يلعب المحامون دوراً بارزاً في عملية الطعن، حيث يتولون مسؤولية تقديم الشكاوى والملاحظات بشكل مهني وفعال أمام المحاكم العليا والهيئات المختصة، أيضاً يستند دور المحامين إلى خبرتهم القانونية ومعرفتهم بالأصول والإجراءات القانونية، والتي تساعدهم في تمثيل مصالح العملاء بكفاءة ونجاح.
وتعكس عملية الطعن قوة النظام القضائي واستقلاليته، حيث يتمكن الأفراد والجهات من اللجوء إليها لإصلاح الأخطاء والتصدي للظلم، ومن خلال عملية الطعن، يُظهر القانون أنه يقف بجانب العدالة والمساواة، ويتيح الفرصة للتدقيق في القرارات القضائية وتصحيح الأخطاء.
لذلك، يجب على المحامين الاستمرار في تقديم الدعم القانوني والمساعدة لعملائهم في عمليات الطعن، والعمل على تعزيز ثقتهم في نظام العدالة القانونية، ويأتي ذلك من خلال تقديم مرافعات قانونية مؤثرة ومتقنة، يمكن للمحامين أن يسهموا في تحقيق العدالة وحماية حقوق الأفراد والمجتمع.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ مستشار قانوني – الكويت.