بموجب الشريعة الإسلامية، يعتبر عقد السمسرة من العقود التي تُعد جوهرية في التعاملات التجارية والمالية، حيث يقوم السمسار بوساطة بين الأطراف المعنية في عملية البيع والشراء، ويقوم بتوفير المعلومات والاستشارات اللازمة وتسهيل التواصل بينهما، في هذا السياق، تهدف الشريعة الإسلامية إلى تحقيق العدالة والمساواة في جميع العقود، بما في ذلك عقود السمسرة، من خلال تقدير الأجر بناءً على الجهود الفعلية المبذولة ومدى الخدمة المقدمة.
ومن الناحية القانونية يُعتبر عقد السمسرة من العقود التي تلعب دوراً حيوياً في تسهيل التعاملات التجارية والمالية، يقوم السمسار بوساطة بين الأطراف المعنية في عملية البيع والشراء، حيث يقدم خدماته في توفير المعلومات اللازمة، وتنظيم المقابلات، وتسهيل التواصل بين الأطراف المتعاملة، في هذا السياق، تسعى القوانين إلى إنشاء بيئة قانونية عادلة ومنظمة تحكم عمليات السمسرة، وتحمي حقوق الأطراف المشاركة فيها وتضمن النزاهة والمساءلة في ممارسة هذه النشاطات التجارية.
وعلى الرغم من أن القانون التجاري قد أكد على شمول السمسرة ضمن نطاق الأعمال التجارية بغض النظر عن صفة الفاعل أو نيته، وعلى الرغم من تنظيم عقود السمسرة في القانون نفسه، إلا أن مهنة السمسرة والسماسرة لا تزال تعتبر من المهن غير المنظمة بشكل كافٍ من حيث تحديد الأشخاص الذين يشغلونها وتحديد الشروط والواجبات المتعلقة بها، مما يؤدي إلى حدوث نزاعات وخلافات بشأن أعمال السمسرة والسماسرة.
وبناءً على الأدلة المقدمة، يمكن للمحكمة المختصة في هذا السياق، أن تستنتج قيام عقد السمسرة بين المدعي والمدعى عليه، حيث يمكن أن يتم قيام عقد السمسرة باللفظ الصريح، أو بالكتابة، أو بالفعل، دون الحاجة لشكل محدد، على سبيل المثال في مسألة ما في هذا الإطار، تشير القرائن إلى أن المدعي الساعي (السمسار) كان مكلفاً من المدعى عليه لإتمام صفقة شراء العقار، وتؤكد الشهادات على تكرار زياراته إلى مقر البائع والمشتري للوساطة بينهما، مما يدل على قيام عقد السمسرة.
أما بشأن تقدير السمسرة، فإنه يخضع لتقدير المحكمة بناءً على الظروف الفردية لكل قضية، حيث لم يستقر العرف على تحديدها بنسبة معينة.
بالتالي، إن النظام القانوني المتبع قادر على معالجة النزاعات المتعلقة بأعمال السمسرة بفعالية، ويجب على السلطات المختصة مراجعة التشريعات المتعلقة بمهنة السمسرة وتحسينها لتوفير بيئة قانونية أكثر وضوحاً وثباتاً لتنظيم هذه المهنة وتجنب حدوث المزيد من النزاعات.
وفي سياق تعريف السمسرة، يلاحظ أن مصطلح “السمسرة” تحمل دلالات سلبية لدى الكثيرين في بعض الدول العربية، حيث ترتبط بالصور النمطية للأماكن التي كانت تستخدم كنقاط تجمع للمسافرين، ويفترض بعض الأشخاص أن مهنة السمسرة تحمل طابعاً سلبياً، لذلك، يثار بقوة في عملية تعديل القوانين فكرة تغيير هذا المصطلح إلى مصطلح “الوسيط”.
وتعرف المادة (326) من القانون التجاري، السمسرة بأنها “العقد الذي يتعهد فيه السمسار للشخص بالبحث عن طرف ثانٍ لإبرام عقد معين في مقابل أجر”، ومن خلال هذا التعريف، يظهر أن السمسرة تمثل عقداً يقوم بموجبه السمسار بتوجيه الطرف الآخر وتوجيهه نحو إبرام عقد أو صفقة مقابل أجر.
فالسمسرة هو عقد يلتزم به السمسار لشخص آخر بالبحث عن طرف ثانٍ لإبرام عقد معين، والتوسط في إبرامه، وتقتصر دورة على التقريب بين الطرفين دون أن يكون السمسار وكيلاً في العقد.
وبما أن السمسار هو الشخص المفوض من قبل طرف أو أطراف العقد للتوسط بينهم أو للتوسط أمام طرف ثانٍ لإتمام صفقة، فينبغي له أن يحصل على أجر عند نجاحه في تسهيل الصفقة، دون أن يتحمل أي مسؤولية عن العقد نفسه، ومن الملاحظ أن السمسرة كعقد يتمثل في جهد السمسار في إيجاد طرف آخر لصفقة تجارية معينة، دون أن يشارك في التفاوض أو إبرام العقد، بل يتم تقييده بمجرد توجيه الأطراف نحو الصفقة.
أما فيما يتعلق بأعمال السمسار فيمكن تلخيصها كما يلي:
- إرشاد العميل لصفقة مربحة وتقديم المعلومات التي قد يحتاجها لإبرام الصفقة بشكل ناجح.
- التوسط في مفاوضات العقد والعمل على تحقيق حلول وسطية مقبولة للطرفين.
- الالتزام بتنفيذ المهام المكلف بها في الوقت المحدد وبشكل يضمن مصلحة الطرفين دون التضرر من تأخير الإنجاز.
- البحث عن متعاقد متفق مع متطلبات الصفقة والتفاوض معه بشأنها.
- القيام بأداء المهام المكلف بها بشكل شخصي دون إنابة غيره ما لم يكن ذلك موافقاً عليه من قبل العميل.
- ضمان عدم تضارب المصالح والحفاظ على استقلاليته كسمسار.
- تقديم تقارير دقيقة بالمصروفات والنفقات المرتبطة بتنفيذ المهام المكلف بها.
- مراعاة مبدأ الأمانة والالتزام بالواجبات المهنية دون التقصير.
- تقديم النصح والإرشاد لطرفي العقد وتبيان جميع الظروف والبيانات المتعلقة بالصفقة.
- تنفيذ أعمال السمسرة بشكل شخصي وعدم إنابة أي شخص آخر دون موافقة العميل، وفي حالة الإنابة، يتحمل السمسار المسؤولية عن اختيار الشخص المنوَّب به.
ومن الناحية القانونية، يحدد القانون وضعية السمسار بوضوح، فقد جاء في المادة (10) من القانون التجاري أن عقد السمسرة يعتبر من الأعمال التجارية، وذلك بغض النظر عن صفة الشخص الذي يقوم بها. ومن الجدير بالذكر أن السمسرة لا يُعتبر تاجراً ما لم يبلغ سن الأهلية التجارية المحددة ويزاول السمسرة باسمه وحسابه بصفة متعمدة كمهنة يستفيد منها بانتظام.
من جهة أخرى، يُسمح بممارسة أعمال السمسرة من قبل الشركات بموجب قانون الشركات في حال كانت ضمن أهدافها المنصوص عليها في القرار الخاص بتأسيس الشركة أو النظام الأساسي لها، وبناءً على ذلك، فإن السماسرة يمكنهم أن يكتسبوا صفة التاجر إذا قاموا بالإعلان عن محلهم الخاص بأعمال السمسرة بشكل علني.
وبناءً على الأحكام المنصوص عليها في المادة (20) من القانون التجاري، يعتبر السمسار تاجراً حينما يقوم بممارسة السمسرة كمهنة منظمة ومنتظمة لتحقيق الربح، بغض النظر عما إذا كان يتعامل في صفقات تجارية أو مدنية. وبالتالي، يمكن للقضاء التجاري أن ينظر في المنازعات المتعلقة بالسمسرة، حتى لو لم يكتسب السمسار صفة التاجر.
وبناءً على ما تقدم، يمكن استنتاج أن السمسرة تُعتبر عملاً تجارياً بموجب القانون، وبالتالي فإن القضاء التجاري يمكنه التدخل في النزاعات المتعلقة بها، حتى لو لم يكتسب السمسار صفة التاجر.
في العديد من الأنظمة القانونية العربية، لا يتم تحديد أجرة السمسار بشكل محدد، بل يتم ترك هذا الأمر لتحديده في عقد السمسرة نفسه، وفي حال عدم تحديد الأجرة في العقد، يقوم القضاء بتقديره استناداً إلى الجهد الذي بذله السمسار والوقت الذي صرفه في إنجاز المهمة، وذلك بناءً على العرف المتعارف.
وفي سياق ذلك، فإن المادة (327) من القانون التجاري تنص على أنه في حال عدم تعيين أجرة السمسار في القانون أو في الاتفاق، يتم تحديدها وفقاً للعرف، وإذا لم يكن هناك عرف محدد، يقوم القاضي بتقديرها بناءً على جهود السمسار والوقت الذي قام بإنفاذ المهمة.
ويُحدد في عقد السمسرة الطرف الملزم بسداد أجرة السمسار، وفي حال عدم تضمين هذا في العقد، يكون المسؤول عن دفع الأجرة هو الطرف الذي قام بتكليف السمسار، وفقاً للمادة (329) من القانون التجاري.
بالتالي، يُعتبر أن السمسار يستحق أجرته بمجرد إنجاز مهمته وإبرام العقد، شريطة أن يكون قد تحقق الغرض من العقد، وإذا كان العقد مرتبطاً بشرط معين، فإن السمسار لا يحق له الحصول على الأجرة إلا بعد تحقق هذا الشرط.
وباعتبار كل هذه العوامل، يُظهر أن تقدير أجرة السمسار يعتمد على عدة عوامل منها الجهد المبذول والوقت المستغرق والعرف المحلي، وهو أمر يحدده القانون والممارسة القضائية بشكل مباشر.
أما تقدير أجرة السمسار بناءً على قواعد العرف يعتبر مسألة مهمة في القانون التجاري، حيث يتوجب على القاضي في حالة عدم وجود تعليمات صريحة في القانون بشأن هذه الأجرة، أن يعتمد على العرف السائد والجهد المبذول من قبل السمسار. ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أن العرف يجب أن يكون مستقراً ومعترفاً به من قبل المجتمع، وإلا فإن قرار القاضي يعتمد على تقديره الشخصي وفقاً للمعلومات المتاحة.
وتعتبر القوانين التجارية في العديد من البلدان العربية من بين التشريعات التي لم تحدد بدقة أجرة السمسار، مما يجعل تقديرها مسألة تتطلب اعتبار العوامل المحيطة بالمهمة والعادات والتقاليد المتبعة في المجتمع، وفي هذا السياق، فإن القاضي يلعب دوراً حاسماً في تحديد الأجرة بناءً على الظروف الفريدة لكل قضية.
وعلى الرغم من أهمية العرف في تحديد أجرة السمسار، إلا أنه يجب أن يتم الانتباه إلى أن العرف المخالف للشريعة والقانون لا يمكن أن يُعتبر مصدراً قانونياً ملزماً، فالقاضي يجب أن يلتزم بمبدأ أن العرف لا يلزم إلا إذا كان معترفاً به من قبل المجتمع ومتفقًا مع القوانين الواردة.
وفي هذا السياق، فإن مسألة تحديد أجرة السمسار تتطلب التوازن بين العادات والتقاليد والمبادئ القانونية والشرعية. وعليه، فإن التوصية بتعديل القوانين ذات الصلة تأتي لتضمن تقدير أجرة السمسار بناءً على الجهد المبذول من قبله والوقت الذي قام بإنفاذ المهمة المكلف بها، وبذلك يمكن تفادي الاعتماد على العرف المتقلب وتحقيق المساواة والعدالة في هذا الجانب من القانون التجاري.
وبالنسبة لشروط استحقاق السمسار للأجرة تعتبر من الجوانب المهمة في عقود السمسرة، وتعد عقود المعاوضة واحدة من الأسس القانونية لهذا النوع من العقود، وبناءً على هذا الأساس، يتم تحديد حق السمسار في الحصول على أجرة مقابل الخدمات التي يقدمها، سواءً كانت على شكل نسبة مئوية من قيمة الصفقة أو مبلغ محدد يتم الاتفاق عليه بين الأطراف.
كما وتوضح التشريعات في العديد من الدول أن السمسار يستحق أجرته في حالة تمكنه من تسهيل عملية الصفقة بنجاح، وبما يتوافق مع الشروط المحددة في العقد، وفي حالة عدم تحديد الأجرة في العقد، يتم تحديدها بناءً على الجهد والوقت الذي قام به السمسار، أو وفقاً للعرف المتعارف به في مجال السمسرة، وفي حالة عدم وجود عرف، يكون من صلاحية القضاء تحديد الأجرة.
ومن الجدير بالذكر أن استحقاق السمسار للأجر يتوقف على إتمام العقد بنجاح، ولا يستحق الأجر إذا لم يتم العقد وفقاً للتشريعات المعمول بها، وفي هذا السياق، تختلف التشريعات بين الدول في معالجة هذا الأمر، حيث يتم في بعض الدول تحديد حق السمسار في الأجرة حتى في حالة عدم إتمام العقد، بينما تشترط بعض الدول إتمام العقد لاستحقاق السمسار للأجرة.
رأي قانوني:
من الواضح أن استحقاق السمسار للأجر يتوقف على أداءه للمهمة الموكلة إليه بنجاح، وعلى وفقٍ للشروط المتفق عليها في العقد، وبالنظر إلى التشريعات المعمول بها، ينبغي على السمسار أن يكون مفوضاً من قبل الأطراف، ويتعين عليه القيام بجهد مستمر لإتمام العقد بنجاح، وفي حالة إتمام العقد، يستحق السمسار الأجر المتفق عليه، وفي حالة عدم تحديد الأجرة في العقد، يمكن للقضاء تحديدها وفقاً للظروف والمتغيرات المحيطة بالصفقة.
وبناءً على ما سبق، يتضح أن شروط استحقاق السمسار للأجرة تعد أموراً مهمة يجب مراعاتها في عقود السمسرة، وينبغي على الأطراف المتعاقدة أن توضح هذه الشروط بشكل واضح في العقود، وأن تلتزم بتحديد الأجرة بشكل دقيق لتفادي الخلافات المحتملة في المستقبل.
وحول حق السمسار في استرداد المصاريف التي قام بتكبدها خلال تنفيذ وساطته وحقه في المطالبة بالتعويض في حالات معينة، يعد هذا الموضوع جوهرياً في مجال السمسرة والعقود المعاوضة، وفي هذا السياق، يتعين فهم الشروط والأحكام المنظمة لهذه العلاقة بين السمسار والأطراف المتعاقدة معه.
أولاً: حق السمسار في استرداد المصاريف:
تنص التشريعات في العديد من الدول على أنه يمكن للسمسار استرداد المصاريف التي تكبدها خلال تنفيذ وساطته إذا تم الاتفاق على ذلك بينه وبين العميل. وفي حالة الاتفاق، يحق للسمسار استرداد تلك المصاريف بشكل مشروع ووفقًا للشروط المحددة.
من الجدير بالذكر أنه يجب التمييز بين المصاريف العادية التي تتطلبها عملية السمسرة بشكل دائم وبين المصاريف غير العادية التي تكبدها السمسار لأجل الوفاء بمهمته بشكل خاص، ففي الحالة الأولى، يُفترض أن يتكفل السمسار بتلك المصاريف من الأجر الذي يحصل عليه، بينما يمكن له في الحالة الثانية المطالبة بالاسترداد من العميل إذا لم يكن الاتفاق يشمل تلك المصاريف.
ثانياً: حق السمسار في التعويض:
إلى جانب حق السمسار في استرداد المصاريف، يحق له أيضاً المطالبة بالتعويض في حالات معينة، فإذا قام السمسار بأداء مهمته بشكل كامل وتكبد خسائر أو ضرر بسبب عدم إبرام العقد المراد، أو بسبب تصرفات الأطراف المتعاقدة، فإنه يحق له المطالبة بالتعويض عن هذه الخسائر والضرر.
ويعد هذا الحق ضرورياً لحماية حقوق السمسار وتعويضه عن الخسائر التي يتكبدها نتيجة لأداء مهمته بشكل جدي ومسؤول. ويجب أن يتم التعامل مع هذا الحق بشكل عادل ووفقاً للأحكام القانونية المناسبة في كل دولة.
هنا، يُشدد على أهمية وضوح الشروط والأحكام المتعلقة بحقوق السمسار في العقود المعاوضة، وضرورة احترام تلك الحقوق وتنفيذها بشكل صحيح ومباشر وفقاً للتشريعات المحددة في كل بلد.
كما تشكل قضية تعديل أجر السمسار مسألة مهمة في القانون التجاري، حيث تتعلق بالتوازن بين حقوق الأطراف المتعاقدة وتقدير القيمة العادلة للخدمات المقدمة، في هذا السياق، يجدر بنا التطرق إلى التشريعات المتعلقة بهذا الموضوع في بعض البلدان العربية كالمغرب على سبيل المثال.
ففي القانون المغربي، فقد نصت المادة 415 من مدونة التجارة المغربية على إمكانية تخفيض أجرة السمسار إذا كانت تفوق ما تتطلبه الخدمة، ما لم يتم تحديدها أو دفعها بعد إبرام العقد، ورغم عدم تحديد معنى “ما تتطلبه الخدمة” في القانون، إلا أن المادة 419 من نفس المدونة تشير إلى أن تقدير المحكمة لأجر السمسار يجب أن يأخذ في اعتباره ظروف العملية وطبيعة الخدمة التي قام بها السمسار.
,يرى البعض أن القانون المغربي كان منصفا في النص الثاني من المادة 415، حيث يمنع تخفيض أجر السمسار إذا تم تحديدها أو دفعها بعد إبرام العقد ويعكس هذا المبدأ حرص القانون على توفير الحماية لحقوق السمسار بعد الاتفاق على الأجر.
بالتالي، يجب أن يكون التعديل في أجر السمسار مبنياً على أسس قانونية ومبادئ العدالة والتوازن بين حقوق الأطراف، وينبغي ترك مساحة لتقدير القاضي في حالات معينة تتطلب ذلك، مع مراعاة الظروف الخاصة وطبيعة الخدمة المقدمة.
وفي إطار القانون التجاري، تتعلق مسؤولية السمسار بتقديم الخدمات المهنية بمستوى عالٍ من الكفاءة والنزاهة، إذا تسبب السمسار في أي ضرر لأي طرف في الصفقة التي وسط فيها، يجب عليه تحمل المسؤولية وتقديم التعويض المناسب، حيث يتعلق تحمل الجزاء بالطرف الذي أعطى السمسار الوكالة للتوسط، والذي قد يخضع للمسؤولية العقدية في حالة الإضرار، بينما يتحمل الطرف الآخر المسؤولية التقصيرية.
ويجب أن يكون السمسار مسؤولاً عن أي خطأ جسيم أو غش يرتكبه أثناء أداء مهمته، أما في حالة الخطأ البسيط، فإنه قد لا يتحمل المسؤولية إذا كان مأذوناً له من الطرف الآخر، وفي هذه الحالة قد لا يستحق أجرته.
بالتالي، إن السمسار مسؤول عن الخطأ الذي يرتكبه في تنفيذ المهمة المكلف بها، بالإضافة إلى ذلك، تنص المادة (338) على أنه في حالة تكليف السمسار بالتوسط دون ترخيص لذلك، فإنه يتحمل المسؤولية عن أعمال النائب كما لو كانت من صاحب الوكالة، ويكون السمسار متضامناً في المسؤولية مع النائب، وإذا كان السمسار مأذوناً له بتعيين نائب دون تحديد شخصه، فإنه يتحمل المسؤولية فقط عن خطأه في اختيار النائب أو في تعليماته له.
وبشكل عام، يحق لأي شخص تعاقد مع السمسار أو نائبه أن يطالب بالتعويض في حالة تعرضه لأي خسائر ناتجة عن تصرفاتهما.
وبناء على ما تقدم، إن عقد السمسرة هو عقد رضائي يمكن إبرامه بشكل شفهي أو كتابي، دون وجود شكل معين مطلوب لإبرامه وفقاً للتشريعات المعمول بها، يعني ذلك أنه لا يتطلب وجود شكل خاص لإثبات صحة العقد؛ فهو قابل للإثبات بمختلف الطرق المتاحة في القانون.
كما تعتبر شهادة الشهود واحدة من الوسائل المعترف بها قانوناً لإثبات عقود السمسرة، فإذا كان هناك شهود يمكنهم تأكيد إبرام العقد وشروطه، فإن شهادتهم تُعتبر دليلاً قوياً على صحة العقد، كما يمكن استخدام قرائن الأحوال لإثبات عقد السمسرة، حيث يمكن للمحكمة النظر في الظروف المحيطة بتوقيع العقد وسير العلاقات بين الأطراف لتقرر صحة العقد، بالإضافة إلى ذلك، يمكن إثبات عقد السمسرة بالكتابة، حيث يتم توثيق الاتفاقية في وثيقة رسمية تحمل توقيع الأطراف. ويمكن أن يكون هذا التوثيق بمثابة دليل قوي على وجود العقد وشروطه.
وبناءً على ما سبق، يتضح أن طرق إثبات عقد السمسرة متعددة ومتنوعة، وتشمل الشهادات الشخصية، وقرائن الأحوال، والوثائق الرسمية، ومن الضروري أن يكون الدليل المقدم قادراً على إثبات إرادة الأطراف بالتعاقد وشروط العقد بشكل واضح وملموس.
وفي الشريعة الإسلامية، يُعتبر عقد السمسرة ما يُعرف بالسعاية، وهو عمل يقوم به الفرد، استناداً إلى قوله تعالى “وما للإنسان إلا ما سعى” و “إن سعيكم لشتى”، السعاية في بيع وشراء العقارات وغيرها يتضمن تجميع وتحليل البيانات الخاصة بالعقارات والأطراف المعنية بالبيع والشراء، وتقديم الاستشارات اللازمة لهم، بالإضافة إلى تنظيم المواعيد والمقابلات وتسهيل الاتفاق بين الأطراف.
ومن منظور الشريعة الإسلامية، يجب تقدير السعاية بناءً على الجهد الفعلي الذي يبذله الساعي، وفقاً لقوله تعالى “وما للإنسان إلا ما سعى وإن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى”، كما يجب أن يكون الأجر متناسباً مع الجهد المبذول، كما يتفق مع هذا المبدأ حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى عائشة “أجرك على قدر نصبك”، وفي الشريعة الإسلامية، يُعتبر التقابل بين الأجر والعمل من الأصول المقررة، وينبغي أن يكون العوض متناسبًا مع الخدمة المقدمة.
ومن خلال الدراسات القانونية والشرعية، يُلاحظ أن هناك معايير لتقدير السعاية، تشمل الجهد المبذول، والوقت المستغرق، والمبالغ المصروفة، والنتائج المحققة، حيث يجب أن يكون تقدير السعاية عادلاً ومنصفًا، ولا يجوز أن يكون مبلغًا محددًا من قيمة المبيع، بل يجب أن يتم تقديره بناءً على الجهود الفعلية التي بذلها الساعي.
وبناءً على ما تقدم، فإن الحكم الشجاع في هذا السياق يبرز أهمية تقدير السعاية بمنطقية وعدالة، ويُظهر رفض الشريعة الإسلامية للتعاملات غير العادلة والمتعارضة مع مبادئها.
في الختام، يتضح أن عقد السمسرة يشكل جزءاً أساسياً من التعاملات التجارية والمالية في النظم القانونية المختلفة، سواء في الشريعة الإسلامية أو في الأنظمة القانونية العالمية الأخرى. يعكس دور السمسار أهمية كبيرة في تسهيل الصفقات وتحقيق التوازن والعدالة بين الأطراف المتعاملة.
ومن المهم أيضاً التأكيد على الدور الحيوي الذي يلعبه القانونيون في هذا السياق، حيث يسهمون في توجيه الأطراف بشأن حقوقهم وواجباتهم، ويوفرون النصح القانوني والتوجيه في عمليات السمسرة. يعتبرون جزءاً لا يتجزأ من عملية صياغة العقود وتنظيم العلاقات التجارية، وبذلك يلعبون دوراً مهماً في تحقيق العدالة والنزاهة في مجال السمسرة.
بهذا الشكل، يتضح أن تواجد القانونيين ضروري لضمان تنظيم عمليات السمسرة وضمان حماية حقوق الأطراف المتعاملة، وبالتالي يسهمون في تعزيز الثقة والاستقرار في السوق المالية والتجارية.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ مستشار قانوني – الكويت.