في الوقت الذي يُعتبر فيه الحديث النبوي الشريف مصدراً رئيساً للتوجيه والتشريع في الإسلام، فإن وجود الأحاديث الموضوعة يمثل تحدياً كبيراً للمسلمين، فهذه الأحاديث خاصة غير المسندة والموثوقة، التي يفترض أنها من مصادر الشريعة الإسلامية، تثير القلق بشكل كبير بسبب تأثيرها السلبي على فهم الدين وممارسة العبادات، بالتالي إن فهم عميق لهذه الظاهرة والتعامل معها بشكل صحيح يعد أمراً بالغ الأهمية لضمان استقامة المنهج الديني وتحقيق العدالة والحقيقة في الوعي الديني.
كما أن مفهوم الأحاديث الموضوعة يعكس تحديات حقيقية تواجه المجتمع الإسلامي في فهمه وتطبيقه للشريعة الإسلامية، فهذه الأحاديث المزيفة أو المحرفة قد تؤدي إلى انحرافات خطيرة في العقائد والسلوكيات الدينية، مما ينبغي على العلماء والمفكرين أن يتناولوها بجدية وعمق، كما أن تفنيد وتوضيح الأحاديث الموضوعة يساهم في تصحيح المفاهيم الخاطئة ويعزز فهماً صحيحاً للدين وممارسة عباداته على النحو الذي يقتضيه الإسلام الحقيقي.
ففي هذا الجزء من سلسلتنا التي بدأناها يعد العمل على توضيح وتوثيق الأحاديث الموضوعة وتوجيه الناس بشأنها جزءاً أساسياً من المسؤولية الدينية والفكرية للمجتمع الإسلامي، كما أن مقاربة عميقة ومتعمقة لهذا الموضوع تتطلب دراسة دقيقة وتحليلاً شاملاً للنصوص والمصادر الدينية، بالإضافة إلى تعزيز الوعي الديني والتربية الشرعية للأفراد والجماعات.
ونبدأ مع الحديث المردود:
من بين أقسامه، الحديث الضعيف: إن استعمال مصطلح “الضعيف” في علم الحديث يُشير إلى كل ما فيه عيب أو علة، حيث يتفاوت تقديرها وتصنيفها بحسب أنواع العلل التي تظهر في سند الحديث أو في متنه. وهذا يعني أن هناك تعدداً في الألقاب التي تُطلق على أنواع الحديث الضعيف، نتيجة لتنوع العلل وتفاوت مراتبها، ومع ذلك، فإن النتيجة النهائية لجميع أنواع الحديث الضعيف هي الحكم عليه بالضعف، والاعتراف بهذا الحكم بناءً على العلة التي تظهر في سنده أو متنه.
قال ابن الصلاح في هذا الصدد: “والملحوظ فيما نورده من الأنواع، عموم أنواع علوم الحديث، لا خصوص أنواع التقسيم”، مما يعني أن الضعيف يمكن أن يشمل مختلف أصناف الأحاديث الضعيفة دون تحديد أنواع محددة، وفي نفس السياق، أشار السخاوي إلى عدم الفائدة من التقسيم المفصل لأنواع الحديث الضعيف، حيث قال: “ولا فائدة من سرد ما اجتمع منها بالسر والتقسيم، لأن أكثره لم يُخَصَّ بلقب غر الضعيف”.
بشكل عام، يُعرف الحديث الضعيف على أنه كل حديث لا تتوفر فيه شروط الصحة أو الحسن كما تم ذكرها سابقاً، مما يجعله غير مقبول للاعتماد عليه في تشريع الأحكام الشرعية.
أما بخصوص حكم عمل الحديث الضعيف، فهناك تباين في آراء العلماء، حيث منع فريق منهم الاحتجاج به وروايته مطلقاً، بينما قيَّد فريق آخر روايته في بعض المجالات مثل فضائل الأعمال والترغيب والترهيب، دون العقائد والأحكام المتعلقة بالحلال والحرام، أما الرأي الراجح هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، ولكن بشروط معينة ذكرها ابن حجر في كتابه “نزهة النظر”، ووضحها بالتفصيل حيث نقل عنه السيوطي في كتابه “تدريب الراوي”، والله أعلم بالصواب.
أما شر أنواع الحديث الضعيف فهو الموضوع، والذي يسميه العلماء بأسماء مثل “المكذوب”، “المختلق”، و “المصنوع”، وهو الذي يفتقر إلى الصحة والموثوقية ويتضمن تلفيقاً وتزويراً من قبل الرواة.
وبخصوص الضعف لعلة في السند من جهة فقده شرط الاتصال، فالحديث المنقطع يُعرَّف بأنه الحديث الذي يفتقد في إسناده راوٍ واحد على الأقل قبل الصحابي في موضع أو مواضع من الإسناد، باستثناء السقوط بالتتابع، وهو السقوط الذي يعني انقطاع الرواية بشكل متتابع ومتكرر، ويُعتبر هذا الانقطاع أمراً مرفوضاً، كما يُعدّ الحديث المنقطع من الأمثلة على هذا النوع من الضعف، وذلك عندما يذكر الإسناد “عن رجل” بصيغة غير واضحة، مما يجعل من الصعب تحديد هوية الراوي.
ومن الأمثلة المعروفة حول ذلك، حديث أبي هريرة الذي يتحدث عن لقائه ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في طريق المدينة وحالته وجنابته، وقد تناول الرواة هذا الحديث بطرق مختلفة، لكن الصواب يكون برواية حميد الطويل عن بكر المزني، عن أبي رافع، عن أبي هريرة.
أما سبب رد الحديث المنقطع، فيُعزى ذلك إلى علة الانقطاع التي تكمن في جهالة الراوي المحذوف، ولكن إذا تم الاهتداء إليه فإن الانقطاع ينتفي عن الحديث، ويُعتبر هذا الاهتداء إليه مرجعًا للمعضل والمرسل والمعلَّق.
وحول الحديث المعضل، يشير هذا المصطلح إلى الحديث الذي يفتقد في إسناده راوٍ أو أكثر على التوالي، أي بشكل متتابع، ويُقيَّد الحديث المعضل بأن يكون السقط قبل الصحابي في الإسناد، وهنا يختلف العلماء في رأيهم بشأن هذا النوع من الأحاديث، حيث يرى بعضهم أن الحديث المعضل غير مقبول نهائياً، في حين يرون آخرون أنه مقبول بعد العمل على إصلاحه وتحقيقه، ومن الأمثلة المعروفة على الحديث المعضل هو الحديث الذي يرويه مالك في الموطأ عن أبي هريرة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق”، ويُعتبر هذا الحديث معضلاً عند مالك، لأن الرواية بينه وبين أبي هريرة تحتوي على راويين سقطا على التتابع في السند.
كما يثير الحديث المعضل مسألة تقدير قبوله في الأحاديث الشرعية، حيث يعتبر بعض العلماء أنه يجب رده نظراً لعدم قابليته للاستناد، بينما يرون آخرون أنه قابل للقبول بعد التحقيق وإصلاح السند، وهو ما يستدعي البحث والجهد العلمي المستمر.
وعن الحديث المرسل فهو ينقسم إلى نوعين: المرسل الظاهر والمرسل الخفي، فقد قسمه ابن الصلاح إلى قسمين: قسم لا خلاف على تعريفه وهو حديث التابعي الكبير، مثل “عبيد الله بن عدي بن الخيار، وسعيد بن المسيب” وأمثالهما، حيث يقول التابعي الكبير: “قال رسول الله”.
أما القسم الآخر فهو محل اختلاف في التعريف، وهو التسوية بين التابعين، أي قول التابعي كبيراً كان أو صغيراً: “قال رسول الله”.
ومن أمثلة المرسل الظاهر: حديث “الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء”، أرسله التابعي عامر بن مسعود بن أمية، وقد أُسقِط الصحابي من السند، لذا وُضِعَ عليه عبارة “هذا حديث مرسل: عامر بن مسعود لم يدرك النبي”.
وهنا، يجدر بالعلماء الحذر والدقة في التعامل مع الأحاديث المرسلة، لأنها قد تحمل مخاطر في الاعتقاد والتشريع، وهذا يستدعي التأكد من مصادرها وتحقيقها بشكل دقيق ومستند إلى المنهج العلمي المعتمد في علوم الحديث.
أما المرسل الخفي فهو يصَوَّر عادة بأنه حديث لم يسمعه الراوي من شيخه المُروي عنه، ولكن يُروى كما لو أنه سمعه، مما يُؤدي إلى سقوط الواسطة بينهما، وتتوهم بذلك أنه تلقى الحديث مباشرة من الشيخ، ومن أمثلة المرسل الخفي حديث: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر عند أهل بيت قال: ‘أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وتنزلت عليكم الملائكة'”، هذا الحديث مروي عن الإمام أحمد، وقد أرسله يحيى بن أبي كثير، عن أنس بن مالك، ولكن يحيى لم يسمع من أنس.
ويعتبر المرسل الخفي من الأمور الخطيرة في علم الحديث، حيث يمكن أن يؤثر على الفهم الصحيح للدين والتشريع، ولذا ينبغي للعلماء الحذر والدقة في التعامل معه والتحقق من مصادره وصحته بشكل جيد قبل الاعتماد عليه في الاستنباط الشرعي.
وعن سبب رد الحديث المرسل فهو يعود في الغالب إلى عدم الوضوح في هوية الراوي المحذوف، فهل هو صحابي أم تابعي؟ إذا كان صحابيًا، فجهالته لا تضر، لأنهم عدول بإجماع الأمة، لكن إذا كان التابعيًا، فقد يتسلل الضعف أو أي نوع من أنواع العلل إلى الراوي، وهذا يستدعي التوقف والتأني في قبول الحديث والاعتماد عليه.
بالتالي، إن النظر في هوية الراوي المحذوف في الحديث المرسل يُعتبر من الأمور المهمة في علم الحديث، فإذا كان صحابيّاً، فإن جهالته لا تؤثر في صحة الحديث، ولكن إذا كان تابعيّاً، فقد ينبغي التحقق من دقة وثقة الراوي وعدم وجود علل في سيرته الحديثية قبل قبول الحديث واعتماده في الشرع.
وبالنسبة للحديث المعلق يشير إلى ما تُحذفه من مبتدأ سنده راوٍ أو أكثر بترف من المصنِّف، أو يحذف جميع السند، حيث يقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد يحذف جميع الرواة ما عدا التابعي والصحابي، يتميز الحديث المعلق بأنه يشمل حالات عموم وخصوص، إذ المعلق مختلف عن المعضل، حيث يحذف من المعلق اثنان على التوالي، وقد يقع في المعلق مثل ذلك، لكن تميزه يكمن في أنه من صنيع المصنف، مما يفرقه عن المعضل.
أما بخصوص القاعدة المتعلقة بالمعلق، فنعلم أنه ضمن نوع الأحاديث الضعيفة، لكن هل كل المعلقات ضعيفة؟ الجواب القاطع هو لا، ففي صحيح البخاري توجد أحاديث معلقة وهي صحيحة، فكيف تُصح هذه الأحاديث؟ يُجيب ابن الصلاح بأن البخاري قد يقوم بتوثيق هذه الأحاديث، بناءً على معرفته بالثقة الشخصية التي علَّقت الحديث عنه، أو لأنه ربما ذكر الحديث في موضع آخر في كتابه متصلاً، أو لأسباب أخرى تُثبت مصداقيتها، والله أعلم.
وعن الحديث المدلس فهو يعبر عن حالة يروي فيها الراوي حديثاً عن شخص لقيه دون أن يكون قد سمع ذلك الحديث منه، هذا النوع من الحديث يتسم بحدِّ المدلس، حيث لا يكون السماع مشروطاً لكون الراوي قد التقى بالشخص الذي يُحادث عنه، ولا يندرج تحت هذا التعريف أن يروي عن شخص عاصره دون سماع مباشر منه، فهذا يندرج تحت حدّ المرسل الخفي الذي سبق الحديث عنه.
وأنواع المدلس تتضمن:
تدليس الإسناد: ويعبر هذا النوع عن رواية الراوي حديثاً عن شخص لقيه مالم يسمع منه، مما يوهم بأنه سمعه.
تدليس الشيوخ: ويشمل هذا النوع رواية الراوي لحديث عن شيخ حديثاً يسمع منه، مع تغيير اسمه أو تكنيته أو نسبه أو وصفه، بهدف إخفاء هويته الحقيقية.
تدليس التسوية: ويشمل هذا النوع إسقاط الشيخ الذي سمع منه الراوي إذا كان ضعيفاً، مما يُصحح الإسناد ويُجوِّدَه، ويُعد هذا النوع من الأخطاء الخطيرة في الرواية.
وهنا نجد ملاحظتان جديرتان بالذكر، الأولى: تفسير المعنعن والمؤنن عادة ما يُعتبر مشتركاً بين العلماء، وهو يُشير إلى طريقة الإسناد، سواء كانت “عن فلان، عن فلان” أو “أن فلاناً قال، أن فلاناً قال كذا وكذا”. ولا يعتبر هنا الاعتبار بالحروف والألفاظ، بل باللقاء والمجالسة والسماع بعضهم من بعض.
والثانية: ضمن أقسام هذا الفرع الحديث “المعلل”، وسيتم مناقشته لاحقاً نظراً لتشابك العلل بين الإسناد والمتن وقد تكون في أحدهما فقط.
وحين نناقش الضعف في السند، نجد أن بعض الأحاديث تصاب بما يُسمى بالحديث المعلَّل، ويُطلق عليه أحياناً اسم المعل، حيث يتميز هذا الحديث بظاهره السليم، ولكن يكون هناك علة مخفية تُقدح في صحته، وقد لا يتمكن الشخص العادي من كشف هذه العلة إلا بالتدقيق العميق والمعرفة الواسعة بمراتب الرواة والأسانيد، بالتالي، من المهم أن نفهم أن المعلَّل يتطلب فهماً عميقاً وشمولياً لعلم الحديث، فقد يكون العيب في السند أو في المتن.
ومثالنا على المعلَّل في السند هو الحديث الذي رواه الثقة بن عبيد عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر، حيث أخطأ بن عبيد في تسمية عمرو بن دينار بدلاً من عبد الله بن دينار.
أما مثال المعل في المتن، فيُذكر بحديث أنس رضي الله عنه، حيث قال “صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم”. هذا الحديث أخرجه مسلم دون البخاري، ومع ذلك فإنه يخالف الحديث الذي اتفق عليه البخاري ومسلم، حيث أنهما لم يذكرا أنه لا يُفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم.
بالتالي، يظهر أن فهم هذه الأحاديث يتطلب دراية واسعة بالقواعد الحديثية وتحليل دقيق للسياق الشرعي والنصوص المتشابهة.
بالنسبة للحديث المضطرب هو الذي يتعارض فيه الرواية بين مختلف الرواة، فقد يرويه بعضهم على وجه، وبعضهم على وجه آخر مخالف له، ويُعتبر مضطرباً عندما تتساوى الروايتان في الثقة والدقة، ولكن إذا ترجحت إحداهما بحيث لا يمكن رفضها بسبب أن راويها أكثر صحبة للمروي عنه، فإن الحكم يكون للرواية الراجحة، ولا يُطلق عليها وصف الاضطراب.
قد يحدث الاضطراب في السند أو في المتن، ومن المثال الشهير على الاضطراب في السند حديثٌ عن أبي بكر، حيث قيل: عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن أبي بكر، وقيل: عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن أبي بكر، وقيل: عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة، عن أبي بكر، وقيل: عن أبي إسحاق، عن مسروق، عن عائشة، عن أبي بكر.
أما مثال الاضطراب في المتن فهو في حديث: “إنَّ في المالِ حقّاً سوى الزكاةِ” روي بهذا اللفظ عند الترمذي، وروي بلفظ “ليسَ في المالِ حقٌّ سوى الزكاةِ” عند ابن ماجه. وقد حسم السخاوي في فتح المغيث أمر اضطرابه، إذ قال: “وحديث فاطمة بنت قيس، «إن في أموالكم حقاً سوى الزكاة» الذي ذكره الشارح، حيث زال بإمكان سماعها للفظن، وحُمِلَ المثُبْت على المتطوع. والنافي على الواجب”.
والحديث المقلوب يتعلق بالإبدال والتقديم والتأخر، حيث يتم استبدال راوٍ بآخر، أو يتم تقديم راوٍ وتأخير آخر، أو يُسمَّى الراوي بغير اسمه، والتبديل يمكن أن يحدث في المتن كما يحدث في السند.
مثال على ما يحدث في السند هو حديث “لا يجِدُ عبدُ طعْمَ الإيمانِ حتِّى يؤمِنَ بالقدرِ”، الذي رواه شعبة عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي بن أبي طالب، والصواب: عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن ابن مسعود. فهذا مثال على إبدال راوٍ بآخر.
أما مثال على ما يحدث في المتن فهو حديث “ورجُلٌ تصدَّق بصدَقةٍ أخفاها حتَّى لا تعلَمَ شِمالُه ما تُنفِقُ يمينُه”، الذي رواه بعضهم مقلوبًا بلفظ: “ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفاها حتَّى لا تَعْلَمَ يَمِينُهُ ما تُنفِقُ شِمالُهُ”. وكذلك حديث “إنَّ بلالًا يؤذنُ بليلٍ، فكلوا واشربوا، حتَّى تسمعوا تأذينَ ابنَ أمِّ مكتومٍ”، الذي قلبه بعضهم فرواه بلفظ “إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل”.
وفي الاختبار، الذي يختلف فيه العلماء بين من يجيزه ومن ينهاه، يكون المقصود به اختبار حفظ الرواة وضبطهم واتقانهم، دون أي نقمة منهم، كما في المجلس الذي عقده علماء بغداد للإمام البخاري حينما وافقوا على كل حديث إلى أصله.
بالنسبة للحديث المسروق يشير إلى سرقة الحديث، حيث يُعرف من يفعل ذلك بأنه “يسرق الحديث”. يتشابه هذا المفهوم مع المقلوب، لكن عادةً يتم تطبيق مصطلح الحديث المسروق عندما يكون الفاعل قد قام بهذا الفعل عمداً، صورته التي وصل إليها الإمام السخاوي تصف الحالة بأن يكون الراوي الأصلي للحديث منفرداً به، ويقوم الفاعل بسرقته منه، ولمخاوف من انتشار هذه الظاهرة، كره أهل الحديث متابعة الغرائب والروايات المشكوك فيها.
مثال على ذلك هو الحديث: “إذا لَقِيتُمُ المشركين في طريقٍ فلا تَبدْءُوهُمْ بالسَّلامِ، واضْطَرُّوهُمْ إلى أضيَقِهَا”، هذا الحديث معروف برواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة.
وقد يحدث هذا النوع من الحديث بغرض عمد، مثل الحديث المنسوب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم “مَن كثُرَتْ صلاتُه باللَّيلِ، حسُنَ وجهُه بالنهَّارِ”، في هذا المثال، لم يكن هذا حديثاً وإنما كانت كلمة قالها شريك القاضي لثابت بن موسى، وصارت مشهورة بين الرواة الضعفاء الذين ادعوا أنها حديث نبوي، هذا المثال يُظهر تطبيقاً لنوعين من الحديث المسروق؛ النوع الذي نحن فيه والنوع الذي سيتم الكلام عنه لاحقًا.
أما الحديث الموضوع هو أحد أنواع الأحاديث الضعيفة، ويعتبر من أسوأها وأشدها رذالةً، وقد وُصِفَ على يد عامة أهل العلم بأنه “الكذب المختلق المصنوع”، فقد قدم الإمام السخاوي تعريفاً له بتلك الألفاظ الثلاث للتأكيد على النظرة السلبية لهذا النوع من الأحاديث.
حكمه يتضمن مسألتين: أولاً، حرمة تلفيقه، وتوعيد بالنار لمن يلفقه، وهذا استند إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “مَن كذبَ عليَّ متعمِّداً فليتبَوَّأ مقعدَهُ منَ النَّارِ”، وثانياً، حرمة روايته، وتوعيد لمن يرويه عالماً بأنه كذب مفترى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بناءً على قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “مَن حَدَّثَ عنِّي بحِديثٍ، يُرَى أنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أحَدُ الكاذِبيَنِ”.
وهنا نجد أن السخاوي أوضح أن “يُرَى” في هذا السياق يعني “يظن”، وأشار إلى أن الكاذبين قد يشمل روايتان؛ إحداهما بفتح الباء على إرادة التثنية، والأخرى بكسرها على صيغة الجمع.
أما أسباب وضع الحديث الموضوع تتضمن العوامل التالية: العدم للدين، مثل الزنادقة الذين يسعون لتشويه حقائق الشريعة، وغلبة الجهل الذي يؤدي إلى تبني المبالغة في التعبد، وفرط العصبية الدينية، واتباع الهوى، وتعمد الإغراب بقصد الاشتهار والتفاخر بالعلم والمعرفة.
وطرق الاستدراك للحديث الموضوع تتضمن عدة جوانب:
- يمكن أن يُعرَف الحديث كموضوع إذا اعترف به واضعه بأنه مفبرك أو تحريف للحقيقة.
- يُدرَك الحديث الموضوع أيضًا من خلال حالة الراوي، حيث يكون معروفًا بالكذب.
- كما يُمكن استنتاج أن الحديث موضوعٌ من خلال النص الذي يُروى، فإذا كانت ألفاظه ركيكة أو تتعارض مع نصوص القرآن والسنة المعتمدة والإجماع، أو لم يكن فيه ما يدل على أصالته، يمكن اعتباره موضوعاً.
ومن الكتب التي تناولت هذا الموضوع:
“الموضوعات” لابن الجوزي، الذي قام بتحليل الأحاديث وتوثيق مواضع الضعف والتحريف فيها.
“وتلخيص الموضوعات” للذهبي، حيث قام بمتابعة دراسة ابن الجوزي وتحسينها.
و”اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة” للسيوطي، وهو كتاب يُعتبر مفيدًا في هذا المجال ويحتوي على معلومات قيمة.
وبهذه الطريقة، ينبغي لنا أن نتذكر دائماً أن فهم الأحاديث الموضوعة والتصدي لها يعد جزءاً أساسياً من رحلتنا الدينية، بالتالي إن استشعار خطورتها وتأثيرها السلبي يحثنا على العمل الجاد والمتواصل لتصحيح المفاهيم الخاطئة ونشر الوعي الديني الصحيح، لذا لا بد لنا من توجيه الجهود نحو تعزيز التربية الشرعية وتعميق الفهم الصحيح للدين، وذلك من خلال توفير التعليم والتوجيه الديني السليم للأفراد والمجتمعات.
وفي ختام هذا الجزء، لن ننسى أبداً أهمية العمل المستمر والمواجهة الجادة للأحاديث الموضوعة، فهذا يعد ركيزة أساسية لبناء مجتمع ديني صحي ومتوازن، دعونا نبذل جهودنا معاً لتحقيق هذا الهدف النبيل ولنضع نصب أعيننا تعاليم الإسلام السمحة والسليمة، لنمضي قدماً نحو مستقبل مشرق يعكس قيمنا ومبادئنا الدينية بكل فخر واعتزاز.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.