في جزء اليوم، وضعنا تحت المجهر مفهوم الأحاديث المتعارضة وكيفية التعامل معها، بالإضافة إلى الأساليب الشرعية والقانونية المناسبة لتقييم صحة الأحاديث واستخدامها بشكل صحيح ومسؤول، ومن خلال التركيز على التوخي في استخدام الأحاديث وعدم الاعتماد الأعمى عليها، نحاول تقديم مقاربة متوازنة ومستنيرة لتطبيق الأحكام الشرعية والقانونية في المجال القضائي.
بالإضافة إلى ذلك، هناك جهود واضحة بذلت قمنا بتفنيدها لتحديد الأساليب الصحيحة لتحليل وتقييم الأحاديث وتوظيفها في الساحة القانونية بما يتماشى مع المبادئ الأخلاقية والقوانين المعمول بها، وبناءً على ذلك، يمثل هذا النقاش مقدمة شاملة لاستكمال مناقشة دور الأحاديث النبوية في الساحة القانونية والشرعية، حيث سنواصل استكشاف التحديات والمسائل ذات الصلة وتقديم توجيهات مفيدة لاستخدام الأحاديث بطريقة مسؤولة وفعالة.
وفيما يتعلق بالاستخدام القضائي للأحاديث، يعتبر التطبيق الشرعي والقانوني للأحاديث مسألة تتطلب فهماً دقيقاً للنصوص وسياقها، فمن الضروري أن يكون لدى القضاة المعرفة الكافية بالعلم الشرعي وأصوله لاستخدام الأحاديث بطريقة صحيحة وملائمة في القضايا القانونية، كما يجب عليهم تقييم الأدلة الشرعية والقانونية بعناية، وتطبيقها بناءً على الأصول الشرعية والقانونية المعتمدة.
بالتالي، من الواضح أن استخدام الأحاديث في القضايا القانونية يتطلب مرونة وفهماً عميقاً للسياقات والظروف، وهنا يجب أن يكون هذا الاستخدام متسقاً مع المبادئ القانونية العامة والمعايير القضائية، ولا ينبغي أن يتعارض مع حقوق الأفراد والقوانين المحلية.
أما من الناحية الشرعية، يجب على القضاة أن يكونوا على دراية بأحكام الشريعة الإسلامية وتفسيراتها المعتمدة من قبل العلماء المشهورين، وأن يعتمدوا على هذه الأحكام في اتخاذ قراراتهم القضائية، ومن الناحية القانونية، يجب أن يلتزم القضاة بالقوانين واللوائح المعمول بها في النظام القانوني للدولة، وأن يضعوا الأولوية لحماية حقوق الأفراد وتحقيق العدالة، بالتالي، وبشكل عام، يجب على القضاة أن يكونوا حكماء في استخدام الأحاديث في القضايا القانونية، وأن يتخذوا القرارات بناءً على معرفتهم الواسعة بالأصول الشرعية والقانونية، مع مراعاة المصلحة العامة وحقوق الأفراد في المجتمع.
تعريف الحديث الشاذ: يُعرَّف الحديث الشاذ على أنه الحديث الذي يختلف فيه الرواة المعتبرون عن سائر الناس في روايته.
أقسام الحديث الشاذ:
الفرد المخالف: يشير إلى الحديث الذي يرويه راوٍ واحد ويختلف فيه عن غيره.
الفرد الذي يخلو بالضبط والثقة: يشير إلى الحديث الذي يرويه راوٍ واحد لكنه لا يتمتع بالثقة والضبط المعتادين، مما يُعد جابرة للتفرد والشذوذ.
رأي شرعي:
يتفق أهل العلم على أن الحديث الشاذ لا يعتبر مقبولاً شرعاً ما لم يتوافر فيه الشرطان الأساسيان: الثقة في الرواة والاتفاق مع سائر النقلات الشرعية.
أمثلة الحديث الشاذ:
في السند: حديث “أن رجلاً مات ولم يترك وارثاً إلا عبداً أعتقه فأعطاه النبي ميراثه”، وقد رواه حماد بن زيد وسفيان بن عيينة، وترجحت رواية سفيان بن عيينة.
في المتن: حديث “أيام التشريق أيام أكل وشرب”، وزاد موسى بن عي بن رياح بعبارة “يوم عرفة ويوم الأضحى”، وهذه الزيادة مخالفة لرواية أكثر اعتماداً وضبطاً.
أما الحديث “المنكر”، فهو يتكون من قسمين، مماثلين لتقسيم الحديث الشاذ، القسم الأول يتعلق بالرواة المستورين أو الموصوفين بسوء الحفظ أو المُضعَّفين في بعض مشايخهم، خاصةً إذا لم يُعتبر حديثهم قابلاً للقبول بدون دعم من رواة آخرين، اما القسم الثاني يأتي عندما ينضاف إلى الحالات السابقة عدم موافقة روايتهم لروايات الرواة الآخرين المعتبرين.
والمثال على ذلك: حديث: “كلوا البلح بالتمر، فإن الشيطان إذا رآه غضب وقال: عاش ابن آدم حتى يأكل الجديد بالخلق”، رويَ هذا الحديث عن أبي زُكَرْ يحيى بن محمد بن قيس، الذي يُعتبر مُتَكَلَّماً فيه، وقد اعتبر النسائي وابن الصلاح هذا الحديث منكراً، وذلك بسبب تفرده بهذا الحديث عن هشام بن عروة بن الزبر، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها.
القاعدة: يشير ابن حجر إلى أن الفرق بين الشاذ والمنكر يكمن في الاشتراط العام للمخالفة، ولكن الاختلاف يكمن في الرواية نفسها؛ فالشاذ قد يكون راوياً ثقة أو صدوقاً، بينما الرواة المنكرين يُعتبرون ضعفاء.
الحديث المدرج: تناول العلماء موضوع “المدرج” بشكل مُفصَّل، ولكن كانت هناك تباين في تصوراتهم بشأن الصيغة المثلى، فمنهم من اقتصر على السرد المختصر كابن الصلاح، ومنهم من وصفه بالتفصيل والاستيعاب كالسخاوي، ووجدنا ابن حجر قد قام بتوسيط الأمر بين الاختصار والتوسع مع قلة الأمثلة، فاخترت صيغته لتجميعها مع صيغة ابن الصلاح.
تعريف الحديث المُدرَج: هو زيادة ترد إما في الإسناد أو في المتن، حيث يُضاف في المتن عند راوٍ إلا طرفاً منه، أو يرويه راوٍ تامّاً بإسناد آخر. وقد يتضمن المدرج أيضاً أن يكون عند الراوي متنان مختلفان بإسنادين مختلفين، أو أن يسوق الراوي الإسناد مع عرض عارض، فيُظن بعض السامعين أن هذا الكلام هو متن الإسناد.
القواعد الشرعية:
لا يجوز رواية الحديث مدرجاً حتى يُفصَل الكلام بعضه عن بعض ويُبين بوضوح.
المؤلفات في المدُرَج:
- الفصل للوصل المدرج في النقل” للخطيب البغدادي.
- تقريب المنهج بترتيب المدرج” لابن حجر العسقلاني.
أما الحديث المصحف فهو يُعتبر تغييراً يطرأ على الكلمة بحرفٍ أو حروف مع بقاء صورة الخط، كما يشمل تغيير مواقع النقاط على الحروف أو تغيير مواقع الحركات بحيث يتغير المعنى، وقد يحدث هذا التغيير سواء في الإسناد أو المتن، كما يُعتبر هذا الفن من الفنون الجليلة التي لا يستوعبها إلا الحُذَّاق لأنه يتضمن تحويل الكلمة من الشكل المعروف إلى شكل آخر.
أما صور المصحف فتنقسم إلى عدة أقسام، منها:
تصحيف الإسناد البَصري: وهو عبارة عن قراءة الإسناد على غير وجهه الصحيح، كتصحيف شعبة لاسم “خالد بن علقمة” إلى “خالد بن عرفطة”.
تصحيف الإسناد السَّمْعي: وهو عدم وضوح المسموع من الكلام للسامع، كحديث لعاصم الأحول الذي رواه بعضهم عن “عاصم الأحدب”.
تصحيف في لفظ أو ألفاظ المتن: وهو كثير، مثل تصحيف ابن لهيعة لحديث “احتجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجرة بخصفة” إلى “أن رسول الله احتجم في المسجد”.
تصحيف معنى المتن دون لفظه: وهو تصحيف محمد بن المثنى أبي موسى العنزي لحديث صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى “عنزة” – وهي حربة كان النبي يستخدمها كسترة – فصَحَّفَّ معناه إلى القبيلة التي هو منها.
ويُحَكم على هذا النوع من الحديث بعدم جواز روايته مُصَحَّفاً حتى يتم تصحيحه ويُعيد إلى أصله.
المؤلفات في المُصحَّف:
- كتاب “التصحيف” للإمام الدار قطني.
- كتاب “تصحيفات المحُدِّثين” للإمام أبي أحمد العسكري.
- كتاب “التطريف في التصحيف” للإمام السيوطي.
وفي جانب مهم أيضاً، وهو “الضعف لعلة في المتن”، يشير إلى أن الحديث قد يكون ضعيفًا بسبب علَّة في النص نفسه، سواء في الإسناد أو المتن، قد يحتوي الحديث على أقسام من المواد الضعيفة في كلا الجوانب، ويمكن أن يحدث ذلك في حديث واحد، حيث يُستعرض هذا الفرع لتوضيح أن الحديث من الأنواع المتقدمة قد يكون إسناده صحيحاً ولكن المتن غير صحيح، مما يؤدي إلى ارتباك لدى غير المتخصصين، وفي بعض الأحاديث، يكون الإسناد سليماً ولكن المتن مشكوك في صحته، مما يضع المستمعين في وضعية صعبة في فهم الحديث وتفسيره، كما يُعد هذا النوع من الحديث خطيراً، حيث يُحوِّل الراوي إسناداً صحيحاً إلى متن ضعيف، مما يخلق اعتقاداً خاطئاً بصحة الحديث عند النظر إلى إسناده.
وفي الحديث الموضوع، تكمن علة المتن في عدم مطابقته لألفاظ النبوة، وقد ذكر ابن الصلاح أن بعض الأحاديث طويلة وُضِعَت بسبب ركاكة ألفاظها ومعانيها، على سبيل المثال، حديث فضل القرآن سورة فسورة الذي يروى عن أبي بن كعب قد خالف الواحدي المفسرين في إيداع تفاسيرهم، بالتالي، تحمل هذه الأنواع من الأحاديث عواقبها الخطيرة، ولذلك ينبغي على الحفَّاظ القادرين الذين حفظ الله تعالى بهم سُنة الهادي البشير صلى الله عليه وآله وسلم أن يقوموا بتصحيح الفهم ويحذروا من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
ونأتي إلى أقسام الأحاديث التي تتنوع وفقاً لاحتمال قبولها أو ردها، حيث يُميز العلماء بين الحديث المسند والحديث المتصل، وفي بعض الأحاديث قد يتداخل الضعف معها بسبب أسباب خفية تظهر في السند أو في المتن.
فالحديث المسند يتصل إسناده بشكل مستمر من راويه إلى آخره، وغالباً ما يُروى به ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآبه وسلم، وعلى الرغم من سلامة الإسناد، فقد يتعرض للضعف بسبب وقوع راوٍ متهم بالكذب أو البدعة أو الفسق.
أما الحديث المتصل فهو الذي يتصل إسناده من راوٍ إلى آخره، ويشتمل على المرفوع والموقوف، وعلى الرغم من اتصال الإسناد، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة سلامة الحديث، حيث قد يتضمن إسناده عيوباً في بعض رجاله.
بالإضافة إلى ذلك، إن حديث المزيد في متصل الأسانيد هو جزء من دراسة الإسناد، ويحدث عندما يزاد راوٍ إلى السند، وشرطه أن يكون التصريح بالسماع في موضع الزيادة، وإلا فإن الحديث لا يؤخذ به بسبب وجود علة خفية تقدح في صحته، ومن الأمثلة على ذلك حديث “لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها” الذي رواه ابن المبارك عن ابن جابر، ولكنه يُعتبر ضعيفاً بسبب الوهم في ذكر بعض الرواة، هنا ينبغي للحفاظ على العلم أن ينتبهوا إلى هذه الأمور ويحرصوا على صحة الأحاديث التي يروونها وينقلونها للآخرين.
كما أن عملية تقوية الأحاديث الفردية أو الضعيفة تعتمد على عدة مبادئ وآليات، منها حديث الاعتبار، والمتابعات، والشواهد، إذ يعتبر حديث الاعتبار هو الوسيلة التي يمكن من خلالها التوصل إلى المتابعات والشواهد، ويتضح من خلاله مدى موافقة راوٍ على ما تفرده به في رواية الحديث.
أيضاً، الاعتبار يتمثل في مراجعة الحديث من مصادر متنوعة، مثل المعاجم والمشيخات والفوائد، للتحقق من مدى تفرده برواية معينة، وهو جزء لا ينفصل عن المتابعات والشواهد، بالتالي، يُفهم من هذا أن الاعتبار هو جزء من عملية البحث والنظر، وليس قسما مستقلا عن المتابعات والشواهد.
من جانب آخر، المتابعات تتمثل في موافقة راوٍ على راوٍ متفرد برواية حديث، وقد تكون متابعة تامة أو قاصرة، المتابعة التامة تحدث عندما يروي الراوي المتابع نفس الحديث بنفس اللفظ ومن نفس الشيخ المتفرد، بينما المتابعة القاصرة تحدث عندما يروي الحديث من شيخ آخر في السند.
أما الشواهد، فهو الحديث الذي يُروى من مصدر آخر مشابه في اللفظ أو المعنى، ويسهم في تقوية الحديث، ويتعين على الباحثين في علم الحديث أن يتأكدوا من موافقة الرواة وتناسب الأسانيد لتعزيز صحة الأحاديث، ومن المثال الذي يمكن أن يُقدم هو حديث “الشهر تسع وعشرون ليلة”، حيث يُروى هذا الحديث من عدة طرق، ومنها رواية الشافعي ورواية ابن خزيمة، تُعتبر هذه المتابعة والشواهد أدوات أساسية في تحقيق الأحاديث وتثبيتها، ولذلك ينبغي للطلاب في علم الحديث فهمها جيداً وتطبيقها بدقة في دراستهم.
قاعدة مهمة: هناك قاعدة مهمة في علم الحديث تتعلق بقضية تعدد الطرق في نقل الحديث، وهي قاعدة تُظهر أهمية التحقق والتفكير الدقيق في تحديد صحة الأحاديث وضعفها، يُشير ابن الصلاح إلى تساؤلات تطرحها بعض الأطروحات حول حالة الأحاديث التي تكون مروية بسلاسل حديثية متعددة ومتشعبة، مثل حديث “الأذنان من الرأس”، ويسأل عما إذا كان من الأفضل تصنيف مثل هذه الأحاديث ضمن الأحاديث الحسنة نظراً لتعدد طرق نقلها.
هنا، إن الجواب الذي يُقدمه ابن الصلاح يُسلط الضوء على أن الضعف في الحديث لا يمكن أن يُزال فقط بوجود مجموعة من الطرق الأخرى، بل يُشير إلى أن بعض أنواع الضعف يمكن التغلب عليها بواسطة عوامل مثل قوة حفظ الراوي أو توثيقه، وقدرته على نقل الحديث بدقة، على سبيل المثال، إذا كان الضعف ينتج عن ضعف حفظ الراوي، فيمكن تجاوزه إذا ثبت أن الراوي قد نقل الحديث من طرق أخرى بشكل صحيح، وبالمثل، إذا كان الضعف متعلقاً بجودة السند أو مصداقية الراوي، فقد يظل هذا الضعف قائماً ولا يمكن التغلب عليه.
كما من المهم أن يفهم الباحثون في علم الحديث هذه النقاط بشكل دقيق ويدركوا تفاصيلها، حيث تتطلب عملية تقييم الأحاديث الدقة والتحقق من جميع جوانبها، وبناءً على ذلك، يُعتبر فهم هذه القاعدة وتطبيقها جزءاً أساسياً من عملية تحقيق الأحاديث وتقييم صحتها.
بالإضافة إلى ذلك، في علم الحديث، تعتبر صفة المسلسل من الصفات المهمة في الإسناد، حيث يُعرف المسلسل بتتابع رجال الإسناد وتواردهم على نفس الصفة، وتأتي أهمية المسلسل في ضمان استمرارية السلسلة الإسنادية دون انقطاع، مما يساعد في توثيق الحديث وتعزيز مصداقيته. ويمتاز المسلسل بتنوع صوره وتعددها حسب الحالة والصفة التي يتابع عليها الرواة.
من جانبه، يجدر بالباحث أن يدرك أن وجود المسلسل في الإسناد له فوائد عديدة، إذ يساعد في تجنب التدليس والانقطاع في سلسلة الرواة، كما يُظهر المسلسل مزيداً من الضبط في تواريخ الرواة، ومن بين فوائد المسلسل أيضاً القدوة بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره من الأعمال الصالحة، ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أن وجود المسلسل لا يعني بالضرورة صحة الحديث، وقد يُظهر بعض الأحاديث المسلسلة ضعفاً في وصف المسلسل نفسه دون أن يكون الحديث نفسه ضعيفاً، ويمكن استخدام هذه المعرفة في تقييم الأحاديث وتحديد صحتها بشكل أكثر دقة.
كما تتنوع صور المسلسل وتشمل المسلسل القولي والفعلي وكذلك تنوعها بناءً على الزمن والمكان، ويُعتبر المسلسل جزءاً مهماً من التحقق من صحة الأحاديث وتأكيدها، وقد وردت العديد من الأمثلة على أنواع المسلسل في الأحاديث النبوية والسيرة النبوية.
الحديث المدبج هو نوع من أنواع رواية الأقران، حيث يتميز بأن يكون الرواة المتقاربين في السن والسند يُروون بعضهم عن بعض. يأتي تسميته بهذا الاسم نسبةً إلى “ديباجتي الكتاب”؛ حيث يُشبه الرواة المتقاربين بالخد الأيمن والأيسر، نظرًا لأنهم من طبقة واحدة وبمنزلة واحدة، ولا يحدث أن يُروى الحديث من القرين دون رواية الآخر عنه، فهذا النوع يُعد نوعاً ثانياً من رواية الأقران، حيث يتضمن كل مدبج أقراناً، ولكن ليس كل أقران مدبج.
ومن الأمثلة على الحديث المدبج:
في الصحابة: رواية عائشة عن أبي هريرة، وأبو هريرة عن عائشة.
في التابعين: رواية الزهري عن عمر بن عبد العزيز، وعمر بن عبد العزيز عن الزهري.
وفي أتباع التابعين: رواية مالك بن أنس عن الأوزاعي، والأوزاعي عن مالك بن أنس.
ومن الجدير بالذكر أن رواية الشيخ عن تلميذه لا تُعتبر مدبجة، بل تُعرف برواية الأكابر عن الأصاغر، وبالمثل، فإن رواية الآباء عن الأنباء لا تُصنف كمدبجة.
أما الحديث المدبج هو أحد فروع علم الحديث، يشير إلى الألفاظ الغامضة والبعيدة عن الفهم في متون الأحاديث، والتي نادراً ما يُستخدم في اللغة اليومية، يُعتبر الاهتمام بفهم هذا النوع من الألفاظ ضرورياً لتجنب الخطأ في التلفظ بها، وهو يختلف عن مفهوم “الغريب” الذي يعني الفرد. ومن الأمثلة على الألفاظ المدبجة:
قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابن صياد: “إني قد خبأت لك خبيئاً”، وهو مصطلح يعني الدخان، حيث خطف ابن صياد كلمة منمنمة من حديث سيوحى إليه، وهي سورة الدخان.
وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “من اطّلع في صِيرِ بابٍ ففقئت عَينْهُ فهي هَدَر”، حيث يعني الصِّيرُ الشَّقُّ، وفي هذا السياق يشير إلى فتح عينه بصدفة على عورة أهل بيت، وأن ذلك ليس عليه دية، كما يأتي الصِّيرُ بمعنىً آخر في حديث آخر، حيث يُقصد به الصَّحْناةُ أو السمك الصغير.
بالتالي، إن التفرغ لفهم هذه الألفاظ الغامضة يُعتبر جزءاً من فقه الحديث، حيث يتم التنقيب فيها عن الأحكام والآداب المستنبطة منها، ويعتبر هذا المجال جزءاً لا يتجزأ من عمل الأئمة الفقهاء والمجتهدين العظماء مثل الشافعي ومالك وأحمد والحمادين والسفيانين وغيرهم، الذين بذلوا جهوداً كبيرة في فهم وتفسير الحديث.
ومن بين المؤلَّفات المهمة في هذا الميدان:
- كتاب “غريب الحديث والآثار” لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي.
- كتاب “غريب الحديث” لابن قتيبة الدينوري.
- كتاب “النهاية في غريب الحديث” لابن الأثر الجزري.
ونأتي أيضاً إلى الحديث المختلف هو فرع مهم في علم الحديث، حيث يأتي حديثان يبدوان متعارضين ظاهرًا، مما يطرح السؤال حول إمكانية قبول كلاهما أم تفضيل أحدهما على الآخر، وإذا كان أحدهما ضعيفًا فلا يؤثر على الآخر. يعتبر هذا النوع من الأحاديث من أهم الأقسام التي يحتاج إليها العلماء في مختلف التخصصات، ويكون التعامل معه بشكل دقيق لفهم الدلالات المختلفة بين الأحاديث.
مثال على ذلك هو التعارض الظاهر بين حديث النهي عن التزعفر، وبين حديث رؤيته صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الرحمن بن عوف وعليه صفرة صغيرة، فالحديث الأول يدل على حرمة التزعفر للرجال، وهو العمل الذي كان معروفاً لدى العرب، بينما الحديث الثاني يظهر تفاعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع عبد الرحمن بن عوف الذي كان متزوجاً وعليه صفرة، وبارك له في زواجه، هنا يقدم الفقهاء تفسيرات مختلفة لهذا التعارض، حيث يرى ابن الصلاح أن الحديثين يمكن جمعهما بأن هذه الأمراض لا تنتقل بطبيعتها ولكن الله تبارك وتعالى جعل مخالطة المريض سبباً لإصابة المخالط بها، وهناك رأي آخر يشير إلى أن الحديث الأول ينفي العدوى بشكل عام، في حين يرتبط الحديث الثاني بسد الذرائع لتجنب الارتباط بمرضى معينين.
بالتالي، إن كيفية التعامل مع الأحاديث المتعارضة تعتمد على عدة خطوات، أهمها النظر في التاريخ والسياق الاجتماعي للأحاديث، ومحاولة فهم الغرض العام من وراء كل حديث، وفي حالة التعارض الشديد يكون التوقف عن العمل بأحد الأحاديث الخيار الأنسب.
من بين المؤلفات المهمة في هذا المجال:
- كتاب “اختلاف الحديث” للإمام الشافعي.
- كتاب “تأويل مختلف الحديث” لابن قتيبة الدينوري.
في الختام، يظهر بشكل واضح أن استخدام الأحاديث في الشؤون القانونية يتطلب توخياً وحكمة في التفكير والتقدير. فالأحاديث، كمصادر شرعية، تتضمن غنى فكرياً وثقافياً هائلاً، ولكنها تتطلب فهماً عميقاً ودقيقاً للسياقات والظروف والأحكام المعتمدة.
كما من المهم أن نكون حذرين في الاعتماد على الروايات الواردة في الأحاديث، وأن نضع دائماً في اعتبارنا السياق الشامل والمصلحة العامة، حيث ينبغي علينا أن نفهم أن الروايات قد تكون متعارضة أو قد تكون ضعيفة، ولذلك يجب أن نقوم بتقييمها بعناية وفقًا للمعايير الشرعية والقانونية المعتمدة.
بالتالي، وبالنظر إلى ما تمت مناقشته، يمكننا أن نستنتج أن الاعتماد الصحيح على الأحاديث يتطلب فهماً دقيقاً للنصوص وسياقها، وأن نتبع الأساليب العلمية والمنهجية في استخدامها في الشؤون القانونية، لذا، يجب علينا أن نكون مستعدين للتحقق والبحث الدقيق في المسائل التي تتعلق بالأحاديث، وأن نسعى دائماً إلى الحصول على فهم شامل وصحيح قبل اتخاذ أي قرار قانوني أو شرعي بناءً عليها.
في النهاية، يجب أن نتذكر دائماً أن هدفنا هو تحقيق العدالة وحماية حقوق الأفراد، ويجب أن نسعى جاهدين لتحقيق ذلك بطرق تتماشى مع القيم الأخلاقية والقوانين المنصوص عليها.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ كاتب ومفكر – الكويت.