في الوقت الحاضر، تواجه قضية النزاع الفلسطيني الصهيوني تحديات قانونية هائلة تتعلق بحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي العام، حيث يعتبر هذا النزاع واحداً من أكثر النزاعات تعقيداً في العالم، حيث يتجاوز تأثيره الحدود الجغرافية ويمتد إلى مستويات السياسة والدين والثقافة.
ومنذ عقود، تتوارث فلسطين والكيان الصهيوني المواجهات والصراعات، مما أسفر عن دمار هائل للحياة البشرية والبنية التحتية في المنطقة، وعلى الرغم من التطورات القانونية والدبلوماسية المتعددة التي شهدها هذا النزاع، فإن الجهود الدولية لتحقيق السلام وتأمين العدالة لم تحقق النجاح المأمول بعد، وفي هذا السياق، يسعى هذا المقال القانوني إلى استعراض سابقات النزاع الفلسطيني الصهيوني، محاولاً فهم تاريخه والتحديات القانونية التي يواجهها، والتطورات الأخيرة في هذا الصدد، كما سيتم استكشاف القوانين والمعاهدات الدولية المتعلقة بالنزاع، بالإضافة إلى التحليل القانوني للأحداث الراهنة وتأثيرها على السلام والعدالة في المنطقة.
ومن خلال فحص الأدلة والمعلومات القانونية الجديدة، سنسعى في هذا المقال إلى توضيح الإطار القانوني الذي يحكم النزاع الفلسطيني الصهيوني، وتقديم تحليل موضوعي للقضايا القانونية الرئيسية والتحديات التي تواجه السلام والعدالة في المنطقة.
وتُعتبر الهجمات الصهيونية على النظام الطبي في قطاع غزة انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، حيث تُحرم الفلسطينيين من الخدمات الطبية الكافية في ظل ظروف النزاع المسلح، فقد تعمد الكيان الصهيوني مهاجمة المرافق الطبية المحمية والموظفين والمرضى، مما أدى إلى تدهور شديد في الرعاية الصحية، على سبيل المثال: في أبريل/نيسان، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الوصول إلى الرعاية الصحية في غزة أصبح “غير كافٍ على الإطلاق”، في حين وصف المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الصحة الوضع بأنه “حرب لا هوادة فيها على النظام الصحي”، مشيراً إلى أن الرعاية الصحية في غزة “تم طمسها بالكامل”.
بالإضافة إلى ذلك، سجلت منظمة الصحة العالمية 410 هجمات على الرعاية الصحية في غزة، مما أدى إلى مقتل حوالي 685 فلسطينياً وإصابة حوالي 902 آخرين، بالإضافة إلى إلحاق أضرار بـ 99 مستشفى ومنشأة طبية حتى منتصف مارس/آذار 2024، كما تم تدمير أو تضرر 104 سيارات إسعاف، مما أعاق بشدة قدرة الطواقم الطبية على تقديم الإسعافات الأولية ونقل المرضى والمصابين، وحتى 1 مايو/أيار 2024، كان 12 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى في غزة يعمل جزئياً، ولكن بقدرات منخفضة بشكل كبير، مما يزيد من صعوبة توفير الرعاية الطبية اللازمة للسكان.
بالتالي، من الناحية القانونية، تُعد هذه الأعمال انتهاكاً للمادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تنص على حماية المستشفيات المدنية وعدم جواز مهاجمتها، كما أن البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 يشدد على ضرورة حماية الوحدات الطبية وعدم استخدامها كأهداف عسكرية، وأن الهجمات المتعمدة على الأفراد والمرافق الطبية تعتبر جرائم حرب، حيث تتطلب هذه الانتهاكات تدخلاً دولياً فورياً لضمان حماية العاملين في المجال الطبي والمرافق الصحية وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة.
بالإضافة إلى ذلك، يتعين على المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية، العمل بشكل حثيث على توثيق هذه الانتهاكات وتقديمها إلى المحكمة الجنائية الدولية لضمان محاسبة المسؤولين عنها، كما يجب أن تشمل الحلول الدولية تعزيز الضغوط الدبلوماسية على الكيان الصهيوني لوقف هذه الهجمات واحترام التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، وتوفير الدعم العاجل لإعادة بناء النظام الصحي في قطاع غزة وتأهيل المرافق الطبية المتضررة، وتحتاج الأزمة الصحية في غزة إلى استجابة فورية وشاملة تتضمن توفير الأدوية والمعدات الطبية اللازمة، ودعم الطواقم الطبية المحلية والدولية لضمان استمرارية تقديم الخدمات الصحية، ما يعني أنه يجب أن تتضافر جهود المجتمع الدولي لضمان تقديم المساعدات الإنسانية بشكل مستدام، والعمل على تحقيق حل سياسي للنزاع يضمن احترام حقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك الحق في الصحة والرعاية الطبية لجميع سكان غزة.
ونكرر للضرورة، يتطلب الوضع في غزة تحركاً دولياً عاجلاً لضمان حماية المدنيين وتوفير الرعاية الصحية اللازمة، وتعزيز آليات المساءلة لضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات وضمان العدالة للضحايا، كما يتعين على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية لضمان احترام القانون الدولي الإنساني وتحقيق سلام دائم في المنطقة.
بالتالي، إن المستشفيات القليلة المتبقية في غزة اكتظت بعشرات الآلاف من الفلسطينيين النازحين داخلياً الذين يبحثون عن الأمان من القصف الصهيوني هذه المستشفيات تجاوزت طاقتها الاستيعابية بشكل كبير، مما أدى إلى اضطرار المرضى للاستلقاء على الأرض، وعجز العاملين الطبيين عن علاج الجرحى بشكل مناسب بسبب النقص الهائل في الإمدادات الطبية، حيث أن نقص هذه الإمدادات الحيوية أجبر الأطباء على إجراء عمليات بتر الأطراف وإجراءات مؤلمة أخرى دون توفر أدوات التخدير أو الأدوات المعقمة اللازمة، مما يعرض حياة المرضى لمخاطر جسيمة.
بالنسبة للأطباء المتطوعين الذين شهدوا الوضع في غزة وصفوا القطاع الطبي بأنه “مغمور بالكامل”، مشيرين إلى أن المستشفيات والعاملين فيها هم أهداف للعنف، وأن نقص الوصول إلى الغذاء والماء والإمدادات يزيد من تفاقم الوضع، حتى أن الإصابات التي يمكن علاجها أصبحت تشكل خطراً على حياة المرضى، وقد ازدادت أعداد الوفيات بشكل مقلق، مما أدى إلى اكتظاظ المشارح وفقدان القدرة على التعامل مع العدد المتزايد من الضحايا.
هذا الواقع يجب أن يكون التعامل معه من نوع خاص حيث يجب أن تتضافر جهود المجتمع الدولي لتوفير الدعم الطبي والإنساني لغزة، وضمان وصول المساعدات دون عوائق، والعمل على تحقيق حل سياسي يضمن احترام حقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك الحق في الصحة والرعاية الطبية، وكذلك تعزيز آليات المساءلة ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني هو أمر حتمي لضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات وتحقيق العدالة للضحايا.
لم يقتصر الأمر على المستشفيات وحدها، فقد توجهت الهجمات العسكرية الصهيونية في غزة بشكل مباشر نحو المستشفيات والكوادر الطبية، مما أسفر عن تدمير البنية التحتية الحيوية للرعاية الصحية وتعطيل الخدمات الطبية الضرورية. فقد تضررت المستشفيات من قصف المولدات والألواح الشمسية، مما تسبب في توقف الخدمات الطبية وتعطيل عمليات الإسعاف والعلاج، بالإضافة إلى ذلك، قامت القوات الصهيونية بمنع وحجز النقل الطبي، مما أدى إلى تعريض حياة المرضى للخطر وتفاقم الحالات الطبية الطارئة.
وفي حادثة مأساوية، استهدفت الغارات الصهيونية مستشفى كمال عدوان في شمال غزة، حيث تم تدمير البنية التحتية وارتكاب أعمال عنف وتعذيب بحق المرضى والعاملين في المجال الطبي، وقد شهدت الهجمات العسكرية على مستشفى النصر في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 حادثة مروعة، حيث قصفت القوات الصهيونية المستشفى ومنعت إخلاء المرضى، مما أدى إلى ترك المرضى الذين لم يتم نقلهم في المستشفى دون رعاية طبية، بما في ذلك الأطفال الرضع، مما أدى في نهاية المطاف إلى وفاة العديد منهم نتيجة لعدم توفر الرعاية الطبية اللازمة.
هذه الأعمال العدائية والإجرامية والانتهاكات الواضحة للقانون الدولي الإنساني تطال المدنيين والمرافق الطبية المدنية، مما يشكل جرائم حرب تُعد مسؤولية جماعة الدول المتحاربة أمام المجتمع الدولي، بالتالي، ينبغي على المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية الدولية اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف هذه الانتهاكات والتحقيق فيها، ومحاسبة المسؤولين عنها أمام المحاكم الدولية المختصة.
أما خلال الفترة الأخيرة من شهر مارس/آذار، فرض الجيش الصهيوني حصاراً على مجمع الشفاء الطبي، وهو موقع يُعتبر أكبر مستشفى في قطاع غزة، وعلى الرغم من تأكيدات السلطات الصهيونية بأنها أجرت “عملية جراحية” لإخراج ما وصفته بـ “200 إرهابي”، فقد كشفت الأدلة الأولية ونتائج التحقيقات عن وفاة 21 مريضاً داخل المستشفى أثناء فترة الحصار، فقد أفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بإصابة 13 طفلاً بالرصاص داخل وحول المجمع الطبي، بمن فيهم صبيان يبلغان من العمر ستة وتسعة أعوام. ترك الحصار آثارًا مروعة، حيث وُجِدت الجثث المتحللة في الفناء الترابي للمستشفى، ووُجِدَ البعض الآخر معدلاً ومحطماً بوحشية خارج بوابات المستشفى، وتُرك بعضهم ليموتوا في أروقة المبنى.
ووصفت منظمة الصحة العالمية المستشفى، الذي كان يضم 800 سرير، بأنه الآن “قذيفة فارغة” بعد الدمار الهائل الذي لحق به، كما أشارت المنظمة إلى أن معظم المباني تعرضت لأضرار جسيمة أو دمرت تمامًا، وأن غالبية المعدات الطبية أصبحت غير صالحة للاستعمال، حيث ترك هذا الدمار شمال غزة من دون إمكانية الوصول إلى الرعاية الطبية الضرورية، حيث أصبح التصوير المقطعي المحوسب غير متاح ويقتصر مصدر الأكسجين الطبي على مصدر واحد فقط، بالإضافة إلى القدرة المحدودة للغاية على إجراء الاختبارات المخبرية.
ووفقاً للتقديرات الأخيرة، دمر الكيان الصهيوني نحو 70% من البنية التحتية المدنية في قطاع غزة، وأفاد تقرير مشترك صادر عن البنك الدولي والأمم المتحدة بأن تكلفة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية في غزة بلغت نحو 18.5 مليار دولار حتى يناير/كانون الثاني 2024، مما يعادل 95% من الناتج المحلي الإجمالي للضفة الغربية وقطاع غزة في عام 2020، كما شكلت الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية السكنية نسبة 72% من هذه التكاليف، وفي بعض المناطق، تم تدمير أحياء بأكملها، مثل الشجاعية وبيت لاهيا وبيت حانون ومدينة غزة القديمة، بالتالي يشير مقرر الأمم المتحدة المعني بالحق في السكن الملائم إلى أن التدمير الذي تعرضت له غزة يُعتبر “قتل منزل”، مشيراً إلى التدمير المنهجي للمنازل والبنية التحتية المدنية مع العلم بأن المنطقة ستصبح غير صالحة للسكن نتيجة لهذا الدمار.
وفي قطاع غزة، تخطّى الدمار المنازل إلى العناصر الأساسية للحياة الفلسطينية، فحتى 15 أبريل/نيسان 2024، تقدّر التقديرات بأن 60 إلى 70 بالمائة من المنازل في غزة، بما يصل إلى 84 بالمائة من المنازل في شمال غزة، قد دُمرت كلياً أو جزئياً، كما أظهرت دراسة إحصائية مكانية أجريت في أبريل/نيسان 2024 أنه في الفترة من 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تضرّرت 60.8% من المرافق الصحية، و68.2% من التعليم، و42.1% من مرافق المياه في غزة، أما في 6 أبريل 2024، استنكرت منظمة الصحة العالمية سياسات الكيان الصهيوني الرامية إلى “تفكيك الرعاية الصحية” في غزة، محذرة من أن الوصول إلى الرعاية الصحية أصبح “غير كافٍ تماماً”. وبحلول 18 أبريل/نيسان 2024، أفاد خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة بأن 80% من مدارس غزة تعرضت لأضرار أو دمرت، بالإضافة إلى 227 مسجداً وثلاث كنائس، هناك أيضاً توثق منظمة هيومن رايتس ووتش للتدمير المتعمّد للبساتين والدفيئات الزراعية والأراضي الزراعية في شمال غزة على يد الجيش الصهيوني، مما سيؤثّر بشكل كبير على إنتاج الغذاء والأمن الغذائي، كما صور الأقمار الصناعية كشفت عن تدهور واسع النطاق للأراضي الزراعية في غزة، حيث تم تدمير أكثر من ثلث الأراضي الزراعية، وخمس الدفيئات الزراعية، وثلث نظام الري بحلول فبراير 2024، مما يُصف عملياً بأنه “عمل متعمّد من أعمال الإبادة البيئية”.
في الختام، يظل النزاع الفلسطيني الصهيوني واحداً من أكثر النزاعات تعقيداً وصعوبة في العالم، ويستمر في تجاوز الحدود الجغرافية ليطال الحياة اليومية للملايين، على الرغم من الجهود الدولية المستمرة لحل هذا النزاع وتحقيق السلام والعدالة، إلا أن التحديات القانونية والسياسية المستمرة تبقى عقبات أمام تحقيق الاستقرار والسلام الدائم في المنطقة.
بالتالي، من الضروري على المجتمع الدولي أن يواصل دعم الجهود الدبلوماسية الموجهة نحو التوصل إلى حل سلمي للنزاع الفلسطيني الصهيوني بما يتماشى مع مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان، كما ينبغي أن يكون الحل المستقبلي شاملاً وعادلاً، ويعالج جميع القضايا الأساسية بما في ذلك قضية اللاجئين، والحدود، والقدس، والأمن، والتنمية الاقتصادية، ومن المهم أيضاً أن يلتزم الكيان الصهيوني بالالتزامات الدولية والقانونية وتحترم حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، كما يجب أن تتعاون الأطراف المعنية مع المجتمع الدولي لتعزيز الحوار والتفاهم وبناء الثقة المتبادلة من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
وإن تحقيق السلام والعدالة في الشرق الأوسط يتطلب جهوداً حثيثة ومستمرة من جميع الأطراف المعنية. إن استمرار الجهود الدولية المشتركة والالتزام بمبادئ القانون الدولي سيسهم في تحقيق الاستقرار والسلام المنشودين في المنطقة، وسيخلق بيئة ملائمة للتعايش السلمي والازدهار وهو الأم الذي لن يتحقق إلا باستئصال الغدة السرطانية ما تسمى “إسرائيل”.
عبدالعزيز بن بدر القطان / مستشار قانوني – الكويت.