أطلقت وزارة التنمية الاجتماعيَّة مشكورة بالشراكة مع عدد من قِطاعات ومؤسَّسات الدَّولة المعنيَّة الحكوميَّة مِنْها والخاصَّة، منصَّة جود الرقميَّة للتبرُّعات الخيريَّة والَّتي تُعْنَى باستقبال التبرُّعات وتقديم المساعدات لمستحقِّيها عَبْرَ أربعة مسارات للتبرُّع وهي: التبرُّع حسب المبادرة ويقصد بها المبادرات المقدَّمة من قِبل الجمعيَّات والفِرق الخيريَّة بهدف جمع التبرُّعات من الجمهور، ومن أمثلتها: التبرُّعات العامَّة، وكفالة الأيتام، والوجبات المدرسيَّة، وكسوة العيد، والصَّدقة الجارية، والأضاحي، والزكاة، والمساعدات السكنيَّة، والإغاثات والكوارث وغيرها، وكذلك التبرُّع حسب الجمعيَّة أو الفريق الخيري، والتبرُّع لحالةٍ معيَّنة، إلى جانب التبرُّعات العينيَّة. وتسعى هذه المنصَّة لتكُونَ مرجعيَّة وطنيَّة تجمع تحت مظلَّتها كافَّة الجمعيَّات والفرق الخيريَّة التطوعيَّة في سلطنة عُمان، وتتيح للأفراد والمؤسَّسات إمكانيَّة التبرُّع إلكترونيًّا عَبْرَ قنوات الدَّفع الآمنة.
إنَّ من بَيْنِ الدلالات النوعيَّة الَّتي عملت منصَّة جود على تحقيقها، إيجاد قاعدة بيانات وطنيَّة موحَّدة ومحدَّثة لحصرِ بيانات المستفيدين من المساعدات والمعونات الخيريَّة وتقليل الوقت والجهد المطلوب لدراسة الحالات وإيصال المساعدات لمستحقيها بسهولة ويُسر مع ضمان أمْن بيانات المستفيدين من التبرُّعات، وفي الوقت ذاته تسهيلًا للمتبرِّعين وأصحاب الأيادي البيضاء بالمُجتمع في الوصول إلى جميع الجمعيَّات والفرق الخيريَّة التطوعيَّة في سلطنة عُمان من خلال منصَّة موحَّدة دونما الحاجة إلى زيارة كلِّ جمعيَّة أو فريق على حِدة، إلى جانب التأكد من وصول المبالغ المتبرَّع بها إلى الجهة المعنيَّة عَبْرَ قنوات الدفع الآمنة والحسابات البنكيَّة الموثَّقة والمعتمدة؛ فإنَّ من شأن هذا التوجُّه أن يرسمَ مسارات تغييريَّة قادمة في تعظيم مفهوم العمل الخيري وترقية قنواته والتوسُّع في الخيارات الدَّاعمة له ما يقدِّم نموذجًا راقيًا في صورة العمل الخيري القادم، دُونَ حكره على خيار واحد أو طريقة واحدة، وتنظيم عمليَّات التبرُّع والإنفاق والصَّدقة عَبْرَ توجيه المُجتمع وتشجيع انتقاله نَحْوَ الاستخدام الرَّقمي للتبرُّعات والَّذي تُمثِّل منصَّة «جود» الخيريَّة تجسيدًا عمليًّا له، ونموذجًا أصيلًا لصناعة ثقافة مُجتمعيَّة تقرأ في التبرُّع صورة متجدِّدة لتجدّد الحياة وبناء الأمل ورسم صورة مشرقة للحياة في ظلال المبادئ والأخلاق والقِيَم والروح الإيمانيَّة المعزِّزة لقِيَم التعاون والتضامن والتكامل وحُب الخير ومساعدة الفقراء والمستحقين، لتصلَ هذه المساعدات والتبرُّعات إلى مستحقِّيها في ظلِّ عدالة واطمئنان ورضا وحافز يدفع الجميع لسلوك ثقافة التبرُّع عن صدق وقناعة واستشعار ذاتي للمسؤوليَّة. من هنا فإنَّ ما رافق هذا الجهد الوطني من حملة إعلاميَّة وتسويقيَّة وترويجيَّة اتَّخذت أشكالًا مختلفة ومنصَّات ونماذج متنوِّعة سَعَتْ بكُلِّ تفاصيلها إلى تأصيل فلسفة عميقة لمفهوم العمل الخيري وتعظيم أثره وإقناع واقتناع المُجتمع به واضعةً الأُطر الفلسفيَّة والفكريَّة والدينيَّة والثوابت المُجتمعيَّة والسَّمت العُماني إطارًا تحتكم إليه مفرداتها وتنصهر فيه أبجديَّات عملها وترتكز إليه أهدافها وتستشرفه نماذجها التطبيقيَّة المحاكية للواقع والمنسجمة مع رؤية «عُمان 2040» في تحقيق المسؤوليَّة الاجتماعيَّة، وترسيخ منظومة الرفاه الاجتماعي القائمة على تجسيد مفاهيم التعاون والتكامل والتكافل والتعاضد المُجتمعي الَّتي انطلقت مِنْها الحملة الإعلاميَّة عَبْرَ الإعلام التقليدي والرَّقمي، يُمثِّل تحوُّلًا نوعيًّا في ضِمن الاستدامة وتحقيق الجودة وتقريب الأفهام حَوْلَ أدوات وآليَّات تقديم العمل الخيري، والاستفادة من التقنيَّات الحديثة والمنصَّات الاجتماعيَّة في بناء جسور تواصل ممتدَّة وخيوط التقاء متفاعلة متناغمة تصنع من قِيَم التبرُّع والمساعدة والتعاون والدَّعم والعطاء بلا توقف ومد يد العون والمساعدة للمستحقين في المُجتمع وتكريس ثقافة العطاء الأصيل في خفاء بلا مِنَّة أو رياء محطَّات اختيار لعُمق المواطنة والقِيَم والهُوِيَّة الوطنيَّة والسَّمت العُماني.
وعَلَيْه، تبقى هذه المبادرات النوعيَّة وتعظيم أثرها وتقوية منصَّاتها والتوسُّع في الخيالات والبدائل المطروحة في سبيل ضمان استدامتها، وفتح آفاق أوسع لمفهوم التبرُّع والعمل الخيري خارج حدود الزمان والمكان مع تحقيق التوازنات في إدراك المتبرُّع بأن تبرُّعاته تصل إلى مستحقيها وتسعى إلى مصارفها ومصابها، وفي الوقت نفسه يجد بأنَّ تبرُّعه لم يكلفه عناء الوقت والجهد وأن يتمَّ وفق أدوات ماليَّة مؤتمنة وموثَّقة، وفي الوقت نفسه فإنَّ سعي وزارة التنمية الاجتماعيَّة إلى فتح آفاق واسعة لمفهوم العمل الخيري إنَّما يقدِّم رسالة نهضويَّة للوعي الاجتماعي بمفهوم العمل الخيري الَّذي يتَّجه به إلى سعة أكبر في الخيارات والتوجُّهات، لتمثِّلَ منصَّة جود قِيمة مضافة للمُجتمع، ومحطَّة مهمَّة في إدارة الواقع الاقتصادي والظروف الاقتصاديَّة الَّتي باتت تواجهها العديد من فئات المُجتمع، كما أنَّ تعدُّد أنواع التبرُّع يفتح المجال لكلِّ شرائح المُجتمع للتبرُّع وتقديم الخير بكلِّ أشكاله من الصغير والكبير والرجل والمرأة بِدُونِ استثناء؛ لكونِ مسألة التبرُّع تتيح لكلِّ مَن تيسَّر له، المسارعة إلى استدراك هذا الفضل، فهي بالتَّالي رسائل توعويَّة للنَّاشئة تستنطق فيهم القِيَم وتستجدي فيهم العزيمة والإرادة والرغبة في التبرُّع والتعاون وحُب الخير والجود والكرم وبسط اليد في تحقيق السَّمت العُماني والشعور الاجتماعي الَّذي يميِّز المُجتمع العُماني.
على أنَّ تعظيم الاستفادة من التقنيَّات الحديثة، وتعزيز حضورها في تفاصيل حياة المُجتمع تأتي في ظلِّ ما تحظى به هذه التقنيات والمنصَّات الاجتماعي من حضور مُجتمعي كبير في إطار جهود سلطنة عُمان إلى تعزيز التحوُّل الرَّقمي ورسم منصَّاته والاهتمام بالتطبيقات الإلكترونيَّة الدَّاعمة في تسهيل المعاملات الماليَّة والبنكيَّة بمختلف أنواعها، ومن جهة أخرى يأتي تنشيط هذا المسار الإلكتروني في التبرُّع تجسيدًا للمواطنة الرقميَّة وتوجيه هذه التقنيَّات لترقية صور التعاون والتكامل بَيْنَ أبناء المُجتمع عَبْرَ هذه المبادرات، لتشكِّلَ منصَّة جود نقطة تحوُّل في صهر الأفكار السوداويَّة وتحويل التراكمات والتشوُّهات السلبيَّة نَحْوَ العمل الخيري إلى محطَّات تفاؤليَّة تفاعليَّة ومنطلقات بناء متجدِّدة، وبالتَّالي أهمِّية تكاتف الجهود وتفاعل الأُطر وتعاظم المسؤوليَّات في الانتقال بهذه المنصَّة إلى حيِّز التطبيق، وأن تحظى بمزيدٍ من التقدير لأهدافها والإشادة بنواتجها من مختلف فئات المُجتمع؛ فإنَّ العمل الخيري والتبرُّع باتَ في ظلِّ هذه المنصَّة أقرب إلى الفرد من أيِّ وقت مضى، ومحطَّة يجد فيها كلِّ شغوف بخدمة هذا الوطن الغالي وأبنائه فرصته في المشاركة في البناء وتعظيم الأثر الناتج من التبرُّع ليكُونَ طريق قوَّة للمُجتمع ونهضة أبنائه، إنَّها عودة بأفهام الشَّباب المتجدِّدة إلى جوهر المبادئ والقِيَم العُمانيَّة الأصيلة، بما يلقي على مؤسَّسات التعليم والأُسرة والإعلام ومؤسَّسات المُجتمع المَدَني وبيئات المدارس والمساجد مسؤوليَّة استنطاق قِيَم التبرُّع واستنهاض روح الإيثار والعطاء. أخيرًا، فإنَّ ما حوَته منصَّة جود من تفاصيل بنكهة عُمانيَّة متفرِّدة في تفاصيل مفرداتها ووسائطها وبرامجها ومفاهيمها، وجسَّدته من عبَق تراث الأجداد وتاريخهم وبطولاتهم في تقوية نسيجهم الاجتماعي، وتعظيم مواقفهم الَّتي حافظت على وحدتهم وتضامِنْهم في مواجهة التحدِّيات والصعوبات فأنتجوا من خلال المواقف والأزمات شواهد إثبات على صبرهم وتكاتفهم وتعاونهم، وما كان لهذه المواقف والأحداث والظروف إلَّا أن تنصهرَ في رحم المُجتمع، فإنَّ المكاسب الاجتماعيَّة المتحقِّقة من هذه المواقف والأزمات والظروف محطَّات لبناء التشريعات والأُطر وحوكمة الأدوات الَّتي حافظت على كفاءة العمل الخيري واستدامة محطَّاته وثبات مراسيه وشموخ أشرعته في شطأن الحياة. إنَّ منصَّة جود الخيريَّة حكاية تروي عبير هذا التراث التليد والتاريخ المشرق الَّذي سطَّره العُمانيون بأحرُف من نور، فكان لهم قصب السبق في صناعة نموذج حضاري يستهلهم من تراث الأجداد وتاريخهم السامق ومآثرهم الخالدة في التبرُّع ومساعدة الآخرين، نورًا يهتدي به أجيال اليوم، ولتسجل منصَّة جود للتبرُّع، نموذج أصيل للكرم والجود والعطاء المستمر في استنهاض التراث الأصيل والعادات الاجتماعيَّة الَّتي عطَّرت الحارات القديمة والتجمُّعات السكانيَّة الداخليَّة بمآثرها الَّتي ملأت جنبات المكان تبرُّعًا وكرمًا وجودًا، عطاءً غير مجذوذ.
د.رجب بن علي العويسي