لم يمر كلام راس الكنيسة المارونية في لبنان مرور الكرام ، ولم يكن موقف المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى عن عبس، او انه وليد ردة فعل على موقفٍ رفع فيه بطريرك الموارنة سقف كلامه اتجاه الشريك الاخر في الوطن، فالظروف مغايرية والمرحلة لا تحتمل انصاف حلول، جمر الحرب تحت رماد جبهات مفتوحة ، وقوى عظمى على طريق الاصطدام، واية شرارة يمكن ان تلهب المنطقة يطال لهيبها دول كبيرة اعدت نفسها وتنتظر ساعة الصفر.
وبرغم ذلك لا تزال ظروف التسوية حاليا تطعى على الحرب التي يهول بها الاميركي ويستخدمها الاسرائيلي وسيلة ضغط وهو عاجز عنها، مغامرة لا يشجعها احد خشية تدحرجها وتبعات نتائجها ، امام عالم يشهد معاناة غزة وظلم اهلها، قلة منهم تحركت ضمائرهم واكثرية لاذوا بصمت فرضه الاميركي، الذي بدا يشعر بخطر حقيقي يهدد دوره منذ قيام النظام العالمي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية ويعيش حراجة موقف يستشعر خطر ضرب حدود مصالحه يؤثر سلبا على قيادته العالم وحكم القطب الاوحد هدد سيطرته على حقول النفط وطرق امدادها رغم انه ممسكا بقرار حكومات المنطقة وانظمتها ويُجَيّر المنظمات الدولية ومحافلها لخدمة تسلطه ، بوقاحة ابقى كيان اسرائيل استثناء فوق القوانين والانظمة، قاعدة متقمدة بموقع استراتيجي في جغرافيا الشرق الاوسط تمسك عسكريا بصحراء الخليج العربي “ارض الثروات الطبيعة” بواجهة على البحر المتوسط بين قارات ثلاث، يحميها جيش هو الاقوى بالمنطقة، واقتصاد مدعوم غربيا برعاية سياسية وامنية ودعم دولي غربي سقطوا كلهم لحظة طوفان الاقصى وتدحرج المواجهة وتوسعها بتوحيد ساحاتها، وتحولها معركة استراتيجية حرب اسقطت منظومة الردع الاسرائيلية، ومعها بدا جدار الرعب من امريكا يتهاوي، سقطت الاقنعة عن وجوه لاذت بالصمت او اكتفت بالادانة، وانسحب هذا على لبنان الجبهة التي قلبت موازين المواجهة ويرى فبها الاسرائيليون معركة هي الاصعب والاخطر فيها المواجهة الحاسمة لرسم توزنات الشرق الاوسط من جديد، ضمن خارطة عالم متجدد بدا بالتكون والظهور على انقاض احادية القطب الاميركية، الذي كانت بداية تعثر مشروعه: “الشرق الاوسط الجديد” في لبنان بحرب تموز ٢٠٠٦، وايتتبع بقضم ظهره في سوريا، واطبقت على ما تبقى منه بتوحد ساحات المواجهة لاسناد فصائل المقاومة بمعركة طوفان الاقصى، والتي سلم فيها الاسرائيلي بعجزه عن اي توازن يعيد الاعتبار لجيشه، بوجود جبهة الشمال مع لبنان، التي افرد لها المحللون العسكريون وقادة جيش العدو وخبراء غربيون حيزا كبيرا من النقاشات خلصت لنتيجة:
- استحالة تحيق انتصار بوجود جبهة لبنان مفتوحة
- صعوبة المعركة مع لبنان وخطورتها على وجود اسرائيل
- كلفة المواجهة وتداعياتها الكبيرة- (حرب وجود)
- نتائج المواجهة غير محسومة لنوعية السلاح وطبيعة الجبهة
- تفضيل الخيار السياسي والدبلوماسي على العسكري
- تدحرح الجبهه وتوسعها لحرب اقليمية
هذا الواقع مضافا اليه نتائج الميدان وتماسك جبهة المقاومة في لبنان مع القدرة السياسية عند الثنائي الشيعي وقرار الحزب : “ان لا هدنة قبل وقف الحرب على غزة ” عطلوا مسعى نتنياهو الاستفراد بفصائل المقاومة والتفرع لسحق فصائلها بهدف دغدغ مشاعر انظمة اقايمة هو “اضعاف الوجود الايراني وشل قدرة حركات المقاومة”
هذا المطلب يحتاج اشغال الداخل اللبناني بصراعات مذهبية سياسية تضاف لازمات اقتصادية ومالية وامعان بتشويه المقاومة والتماهي مع العدو بشعارات تذر رماد التضليل بعيون، لم يفلح الاميركي ولا مبعوثه ومعه الفرنسي او القطري بفتح كوة في جدار موقف صلب اتخذته قيادة المقاومة رغم الاغراءات الني قدمت لفريق الثنائي الوطني وحلفاؤه ، رفضوا فية حتى النقاش بموضوع اعطاء ضمانات للاسرائيلي مقابل وقف اعتداءاته على لبنان انطلاقا من ثوابت وطنية ، ازعجت الاميركي ورد عليها بنسعير جبهة الداخل اللبناني وتحريك العصبيات المذهبية ، ونجح بجذب ما تبقى من التيار الحر مغدقا على باسيل وعود شكلت نفور عند جعجع، ساقهم الاميركي الى بكركي التي لم يخفى سيدها انحيازه لمشروع الغرب وعدم ممانعته سلام مع العدو الاسرائيلي، وهو الذي عمل جاهدا لخيار الاستسلام بقناع ” حياد لبنان” ما حدى بالاميركي ليستخدمه راس حربة مشروعه، بغطاء ديني ورعاية بابوية مع دعم عربي استحضر فيه بهاء الحريري الى لبنان الذي بدا اولى خطواته بشعار “الانطلاق الى الوراء” باتجاه توتير الداخل اللبناني واقلاق الشارع بشعارات يعتبرها البعض محرجة للمقاومة، باعتقادهم انها تشكل خطرا عليها وبالتالي تلزمها القبول بتهدئة جبهة الجنوب لاعطاء متنفس للعدو الاسرائيلي الاستفراد في غزة والاطباق على ما تبقى فيها
فهل سينجح بهاء حيث فشل الاخرون !!! وما هو الثمن الموعود له؟!! لكن فات الاميركي ومعارضة الداخل ان طوفان الاقصى وحد اكثرية اللبنانيين حول خيار المقاومة وخاصة من الطائفة السنية وتيار المستقبل ، وختما ليس بهاء وحده الى الوراء، بل كامل الفريق المعارض للمقاومة الى مزابل التاريخ وخارج الجغرافيا بعد رسوبهم في علم التربية وحساب الوطن لجهلهم لغة الموقف.
د. محمد هزيمة – كاتب وباحث سياسي واستراتيجي