اليوم هناك الآلاف ممن يمتهنون مهنة توصيل الأطعمة والأغذية والمأكولات عبر تطبيقات الطلبات الإلكترونية إلى المنازل وأماكن العمل وغيرها من المواقع بدون الخضوع لأية فحوصات طبية تُؤكد سلامتهم من الأمراض، ومدى ملائمة سيارات النقل والدراجات النارية لنقل الأطعمة والمشروبات على اختلافها من كافة الجوانب الصحية للأفراد والميكانيكية للمركبات .
الأمر الذي يتطلب من أجهزة البلديات والجهات المنظمة لهذه الخدمات وضع الاشتراطات التي تُلبي هذه المتطلبات الأساسية إلى غير ذلك من ضوابط تحقق السلامة للمستفيدين من هذه الخدمات .
إن الفوضى السائدة في وسائل نقل الطلبات والعاملين بها، باتت أمرًا لا يمكن السكوت عليه في وطن يؤمن بالضوابط والقوانين والتراخيص التي تبيح ممارسة أي نشاط تجاري مهما كان حجمه ولونه، سيما وأنه مرتبط بصحة وسلامة الإنسان وضمان عافيته، وهو ما يجب أن تنهض به الجهات المختصة مع الشركات العاملة في هذا المجال؛ بحيث لا تسمح لأي أشخاص بنقل أطعمة بدون ترخيص، وبعد اجتياز الفحوصات التي تؤكد سلامتهم واصطحاب البطاقات المؤكدة لذلك أثناء ممارستهم للمهنة .
بلا شك.. إن حتمية مواكبة التطور في وسائل التقنية في الشق الخاص بتوصيل الطلبات على اختلافها في البلاد لا يعني عدم تنظيمها من قبل أجهزة الدولة المختلفة وذات العلاقة، وخصوصًا في الجانب لارتباطه المباشر بالسلامة الشخصية لمتلقي الخدمة وهم البشر بطبيعة الحال، ولطالما كتبتُ مرارًا عن هذا القطاع وأشرت إلى أن العاملين به وفيه غير نظاميين ولا يعملون في الشركات التي يخدمونها ولا تربطهم بها علاقات تعاقدية، واليوم نُعيد تسليط الضوء مجددًا على الظاهرة لاتساع رقعتها وانتشارها الواسع كنتيحة حتمية لاستئساد مد التجارة الإلكترونية وسيطرتها على تفاصيل الحياة اليومية لكل الناس، وهي ظاهرة كونية وليست محلية كما نعلم .
لذلك كان لا بد لنا من إعادة فتح هذا الملف، فصحة الإنسان لا تُقدر بثمن، كما أن الوقاية خير من العلاج؛ فهذا المثل القديم الجديد لا يزال فاعلًا، ولم ولن يندثر رغم أنف التكنولوجيا .
على ذلك ينبثق سؤال موضوعي، ومن تلقاء ذاته وبغير إيعاز منا، وهو هل لا تستطيع أجهزة البلديات أن تمنع الشركات من تشغيل أو التعاون مع أي شخص لا يحمل رخصة صحية تُتيح له مزاولة مهنة نقل الطعام؟ وإذا كان الأمر يمضي بهذا النحو، فما من شك أن هناك ممن يمارسون المهنة وهم مصابون بأمراض لا تسمح لهم بممارسة هذا العمل غير أنهم يمارسونه وبحرية كاملة، إذ لا يمكننا التأكيد بأنهم مائة في المائة أصحاء، والسبب في هذا التأكيد عدم حملهم لبطاقات صحية وليس لأي سبب آخر .
فهذه المهنة وعبر اتساعها الميداني والولائي قادرة على امتصاص المزيد من العمالة الوطنية الباحثة عن عمل، وقد كتبنا قبل ذلك عنها وأشدنا بها وبالريع الذي يحصل عليه العامل بها، بيد أن تنظيمها وتقنينها صحيًّا وإداريًّا وميكانيكيًّا بات أمرًا مُلحًا، فالمجتمع لا يمكنه الاستغناء عنها هذه حقيقة مثلي الآن، عليه وبناءً على هذه الحقائق الجوهرية نقول: هل وصلنا إلى هذا المستوى غير المقبول من عدم التنسيق بين الجهات ذات العلاقة بصحة وسلامة الناس؟ وبقدر لا يضعون فيه ومعه أهمية تذكر للصحة العامة.. وهل يسرهم رؤية المزيد من المرضى يتوافدون على المستشفيات والمراكز الصحية؟ بسبب بسيط يمكن تداركه أيضًا بإجراء بسيط ولا يكلف عناء يذكر غير الإحساس بمعاناة المريض مقترنًا بروعة قرار أو إجراء يمنع المرض من الوصول للمريض، وهذا هو الإنجاز الإداري الرفيع، والذي يجب أن يكون .
أما بشأن المركبات التي تنقل فيها الأطعمة؛ فهي الأخرى لا تصلح في الغالب للاستخدام في نقل الأطعمة والأغذية لعدم توفر أجهزة التكييف بها بالنسبة للمأكولات التي تحتاج للتبريد أو لدرجات حرارة منخفضة، وبعضها الآخر لا تتوفر به الأوعية المناسبة التي تُحافظ على سلامة الطعام، وهل هذه المركبات مرخصة من قبل الأجهزة المختصة كالبلديات والشرطة للتعامل مع هذا النوع من المنقولات شديدة الحساسية والخطر، لا نعتقد بالمطلق إلا قليلًا بأنها كذلك .
والأدهى من كل ذلك أن البعض ينقل الأغذية من المطاعم صيفًا على دراجات نارية وفي درجة حرارة قد تصل أو تقترب من 45 درجة مئوية، مما يُعرض أي غذاء للتلف، بل إن البعض ينقل موادًا صحية وأدوية في سيارات لا تتوفر بها أي معايير ومستلزمات تُحافظ على جودة الأطعمة وعدم تفاعل الأدوية مع الحرارة العالية؛ مما يعني تراجع مفعول الدواء هذا -إن لم يتحوَّل لمادة مضرة- إن لم نقل قاتلة لا قدر الله، إشارة إلى أن بعض أو معظم الأدوية لا بد من حفظها في درجات حرارة معينة، وهذا نجده مكتوبًا في التعليمات المُصاحبة لكل دواء، بل إن بعض الأدوية يجب حفظها تحت درجة حرارة معينة .
نحسب بأن هناك خللًا كبيرًا في إدارة التوصيلات يحتاج إلى تنظيم فاعل لإدارة هذا القطاع من كافة الجوانب ومن الجهات المعنية، ولحتمية الالتقاء والاجتماع على عجل لتنظيم هذا القطاع، ووضع الضوابط الصارمة والمعايير اللازمة ليتسنى له القيام بواجبه كما ينبغي .
بالطبع المخالفات في قطاع توصيل الطلبات كثيرة، وهناك شكاوى عديدة سواء من حيث عدم قانونية ممارسة البعض للمهنة من الأجانب المخالفين لشروط الإقامة أو من خلال السيارات التي تنقل فيها كما أوضحنا، كل ذلك وغيره يحتاج لتنسيق وترتيب يُعيد الجودة والتنظيم لهذا القطاع، وبأسرع وقت ممكن .
نأمل من أجهزة البلديات والصحة والعمل والنقل والاتصالات وشرطة عُمان السلطانية الجلوس والتفاكر والتداول في كيفية تنظيم هذا القطاع بشكل عاجل؛ للحد من التأثيرات السلبية وهذا ليس صعبًا أو مستحيلًا إذا توفرت الإرادة والعزم وروح المسؤولية إزاء قضية حيوية تهم الصحة العامة للإنسان ..
علي بن راشد المطاعني