إن الإبادة الجماعية تشكل أحد أخطر الانتهاكات للقانون الدولي، حيث تمثل تهديداً للسلام والأمن الدوليين ولحقوق الإنسان الأساسية. تتضمن اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها التزامات تجاه المجتمع الدولي بأسره، مُلزِمة جميع الدول باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها، في ضوء ذلك، تتناول هذه المقالة انتهاكات الكيان الصهيوني المزعومة في غزة، والتي ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، وتستعرض الإجراءات القانونية التي يمكن أن تتخذها الدول الأطراف في الاتفاقية لمحاسبة إسرائيل ووقف هذه الجرائم البشعة.
إن انتهاك حظر الإبادة الجماعية، الذي يعد التزامًا تجاه المجتمع الدولي بأسره بموجب القانون الدولي العرفي، يمنح كل دولة في المجتمع الدولي حق الاحتجاج بمسؤولية الدولة المنتهكة، يتجلى هذا في المادة 48 (1) (ب) من مشروع مواد المسؤولية الدولية عن الأفعال غير المشروعة للدول (أرسيوا)، والتي تؤكد على حق الدولة غير المتضررة في الاحتجاج بمسؤولية الدولة المنتهكة عندما يكون الالتزام المنتهك واجباً تجاه المجتمع الدولي ككل، يتيح هذا الحق للدولة غير المتضررة أن تطالب الدولة المنتهكة بتعويضات لصالح الدولة المتضررة أو المستفيدين الآخرين من الالتزام الذي تم انتهاكه.
ويعد حظر الإبادة الجماعية من المبادئ الجوهرية في القانون الدولي، حيث يشكل انتهاكه تهديداً للسلم والأمن الدوليين. تبرز أهمية هذا الحظر في توفير حماية شاملة للجماعات البشرية من الأعمال الوحشية التي تستهدف تدميرها كلياً أو جزئياً، إن انتهاك هذا الحظر لا يؤثر فقط على الضحايا المباشرين، بل يهدد أيضاً النظام الدولي برمته.
أما من الناحية القانونية، يمنح القانون الدولي العرفي جميع الدول الحق في اتخاذ موقف حازم ضد انتهاكات حظر الإبادة الجماعية. يمكن لأي دولة في المجتمع الدولي، حتى وإن لم تكن متضررة بشكل مباشر، أن تحتج بمسؤولية الدولة المنتهكة، هذا يعزز من مبدأ المسؤولية الجماعية ويؤكد أن حماية حقوق الإنسان الأساسية تعد مسؤولية مشتركة تتجاوز الحدود الوطنية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للدول غير المتضررة أن تطالب بتعويضات لصالح الدول المتضررة أو المستفيدين الآخرين من الالتزام المنتهك. يهدف هذا المطلب إلى تحقيق العدالة وضمان تعويض الضحايا عن الأضرار التي لحقت بهم، كما يعزز هذا النهج من مبدأ الردع، حيث يدفع الدول إلى الالتزام بالقانون الدولي والامتناع عن ارتكاب الجرائم الدولية.
إضافة إلى ذلك، تساهم هذه الآلية في تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الإبادة الجماعية، كما يتطلب تطبيق هذه المبادئ القانونية تعاوناً فعالاً بين الدول، مما يضمن توحيد الجهود لمواجهة ومنع هذه الجرائم البشعة، كما يجب أن تعمل الدول معًا لتقديم الدعم القانوني واللوجستي والسياسي لضمان محاسبة الدول المنتهكة وتعويض الضحايا.
في هذا السياق، تبرز أهمية المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، في تعزيز تنفيذ هذه المبادئ. يمكن لهذه المنظمات تقديم المساعدة التقنية والقانونية للدول لتعزيز قدرتها على الاحتجاج بمسؤولية الدول المنتهكة ومطالبتها بالتعويضات. كما يمكنها تعزيز الوعي العالمي بأهمية مكافحة الإبادة الجماعية وحشد الدعم الدولي لتحقيق العدالة للضحايا.
من هنا، يمثل حظر الإبادة الجماعية التزاماً دولياً جوهرياً يتطلب احترامه من قبل جميع الدول، حيث يمنح القانون الدولي العرفي الدول غير المتضررة الحق في الاحتجاج بمسؤولية الدول المنتهكة والمطالبة بتعويضات للضحايا، مما يعزز من مبدأ المسؤولية الجماعية والتعاون الدولي، تظل الجهود المستمرة لتعزيز هذا الإطار القانوني ضرورية لضمان عدم إفلات مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية من العقاب وتحقيق العدالة للضحايا.
بالتالي، إن الالتزامات بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها تُعد من الالتزامات تجاه المجتمع الدولي ككل، وقد أكدت محكمة العدل الدولية هذا المفهوم في قضية غامبيا ضد ميانمار، حيث أشارت إلى “حق جميع الأطراف المتعاقدة الأخرى في تأكيد المصلحة المشتركة امتثالاً للالتزامات تجاه الكافة بموجب الاتفاقية”، بمعنى آخر، يحق لأي دولة طرف في الاتفاقية رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد دولة أخرى، حتى وإن لم تكن متضررة مباشرة من تصرفاتها.
ففي قضية غامبيا ضد ميانمار، رأت محكمة العدل الدولية أن غامبيا، رغم عدم تعرضها للأذى المباشر من تصرفات ميانمار، لديها الحق في رفع دعوى بناءً على انتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية، هذا التأكيد يبرز الطبيعة الجماعية للالتزامات بموجب الاتفاقية، حيث تُعتبر حماية الجماعات من الإبادة مسؤولية دولية جماعية تتجاوز الحدود الوطنية.
بالإضافة إلى ذلك، يُعزز هذا الفقه القضائي من خلال أمر التدابير المؤقتة في قضية جنوب أفريقيا ضد الكيان الصهيوني، حيث خلصت المحكمة إلى أن جنوب أفريقيا لديها القدرة على رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية بموجب المادة التاسعة من الاتفاقية بشأن انتهاك مزعوم للالتزامات تجاه الكافة، كما يُظهر هذا الحكم بوضوح أن انتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية تُخول جميع الدول الأطراف في الاتفاقية الاحتجاج بمسؤولية الدولة المنتهكة.
بالتالي، يمثل هذا المفهوم تحولاً مهماً في القانون الدولي، حيث يمنح الدول الأطراف الحق في المطالبة بالامتثال للالتزامات الدولية، حتى في غياب الضرر المباشر. هذا يعزز من مبدأ المسؤولية الجماعية ويؤكد على أن حماية حقوق الإنسان الأساسية هي مسؤولية مشتركة تتطلب تدخل المجتمع الدولي بأسره.
من هنا، إن الطبيعة الجماعية للالتزامات بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية تفرض على الدول الأعضاء التزاماً قانونياً وأخلاقياً باتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة ومنع أي انتهاكات للاتفاقية، حيث يمكن لهذه الإجراءات أن تشمل التدابير القانونية والدبلوماسية، بما في ذلك رفع الدعاوى أمام المحاكم الدولية والمطالبة بفرض عقوبات على الدول المنتهكة.
بالإضافة إلى ذلك، يبرز دور المنظمات الدولية في تعزيز الامتثال لاتفاقية الإبادة الجماعية، حيث يمكن للأمم المتحدة، من خلال هيئاتها المختلفة، تقديم الدعم والمساعدة للدول الأعضاء في تطبيق الاتفاقية ومواجهة الانتهاكات، كما يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تلعب دوراً حيوياً في محاسبة الأفراد والدول المتورطة في جرائم الإبادة الجماعية، بما يعزز من نظام العدالة الدولية.
وفي السياق المعاصر، تُعد انتهاكات الكيان الصهيوني لاتفاقية الإبادة الجماعية موضوعًا حساسًا يستدعي الاهتمام الدولي، بموجب المبادئ القانونية المذكورة، يحق لجميع الدول الأطراف في الاتفاقية الاحتجاج بمسؤولية إسرائيل والمطالبة باتخاذ إجراءات لوقف أي أعمال قد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، هذا الالتزام الجماعي يتطلب تنسيق الجهود الدولية لضمان حماية حقوق الإنسان وتحقيق العدالة للضحايا.
بالتالي، فإن التزامات الدول بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية تُعد من الالتزامات الأساسية التي تتطلب تعاوناً دولياً فعالاً. يحق لجميع الدول الأطراف في الاتفاقية، حتى تلك التي لم تتضرر بشكل مباشر، أن تحتج بمسؤولية الدول المنتهكة وأن تطالب باتخاذ التدابير اللازمة لضمان الامتثال للاتفاقية، هذه المسؤولية الجماعية تظل حجر الزاوية في القانون الدولي لضمان حماية الجماعات البشرية من الإبادة وتحقيق العدالة الدولية.
كما تُمنح جميع الدول الحق في رفع دعاوى أمام المحاكم الدولية المناسبة، سواء بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها أو بموجب القانون الدولي العرفي، للمطالبة بوقف انتهاكات الكيان الصهيوني لحظر الإبادة الجماعية والمطالبة بتعويضات نيابة عن الفلسطينيين في غزة، حيث يحق للدول رفع دعوى ضد الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية، استناداً إلى المادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية.
تُبرز هذا الحق التقارير التي توثق الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة “الإسرائيلية” والجيش الصهيوني في غزة، والتي تُشير إلى وجود انتهاكات خطيرة للحظر القانوني الدولي على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، منذ هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023، هناك أدلة قوية تشير إلى أن الأفعال المستمرة في غزة تُشكل انتهاكات لحظر الإبادة الجماعية، بالإضافة إلى التحريض عليها والفشل في منعها والمعاقبة عليها.
وعند تحليل الوضع القانوني، نجد أن مفهوم الإبادة الجماعية يتضمن أفعالًا تهدف إلى تدمير جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية كلياً أو جزئياً، في هذا السياق، تُعد الإجراءات العسكرية والسياسية التي تستهدف السكان المدنيين في غزة بمثابة أفعال يمكن أن ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. تشمل هذه الأفعال الهجمات العشوائية على المناطق السكنية، والحصار الذي يؤدي إلى ظروف معيشية لا تطاق، والقيود المفروضة على المساعدات الإنسانية، وكلها تؤدي إلى تدمير كبير في الحياة اليومية للفلسطينيين في غزة.
هنا يتطلب القانون الدولي من جميع الدول الأعضاء في اتفاقية الإبادة الجماعية التعاون لمنع ومعاقبة الأفعال التي تُشكل إبادة جماعية. بناءً على ذلك، تتحمل الدول مسؤولية قانونية وأخلاقية لرفع دعاوى أمام المحاكم الدولية لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها المزعومة، كما يجب على الدول الاستناد إلى المادة التاسعة من الاتفاقية، والتي تُتيح لأي طرف من الأطراف رفع نزاع يتعلق بتفسير أو تطبيق الاتفاقية أمام محكمة العدل الدولية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تتضمن الدعاوى مطالبات بتعويضات مناسبة للضحايا الفلسطينيين في غزة، يمكن أن تشمل هذه التعويضات تعويضات مالية، وإعادة الإعمار، وتقديم الدعم الطبي والنفسي للمتضررين، الهدف من هذه التعويضات هو تخفيف المعاناة وتعزيز العدالة للضحايا، وضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل.
ومن المهم أيضاً أن تعمل الدول بالتنسيق مع المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية لضمان تطبيق العدالة بفعالية، حيث يمكن أن تقدم هذه المنظمات دعماً فنياً وقانونياً للدول التي ترفع دعاوى، مما يعزز من فرص نجاح هذه الدعاوى في تحقيق العدالة والمساءلة.
كما يمثل حق الدول في رفع دعاوى أمام المحاكم الدولية لمواجهة انتهاكات حظر الإبادة الجماعية أداة قانونية حيوية لضمان احترام حقوق الإنسان وحماية الجماعات الضعيفة. يجب على المجتمع الدولي العمل بتنسيق وتعاون لضمان محاسبة الكيان الصهيوني على انتهاكاته المزعومة في غزة، وتقديم التعويضات المناسبة للضحايا، ومنع تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل، كما يمثل هذا الالتزام الجماعي حجر الزاوية في تعزيز العدالة الدولية وضمان السلم والأمن الدوليين.
وأظهر هذا الشرح أن الكيان الصهيوني ارتكب أعمال الإبادة الجماعية المتمثلة في القتل، والتسبب في أضرار جسيمة، وفرض ظروف معيشية تهدف إلى إحداث التدمير الجسدي للفلسطينيين في غزة، وهم مجموعة محمية تشكل جزءاً كبيراً من الشعب الفلسطيني، كما أن هذه الأعمال نابعة من نية إبادة جماعية واضحة، تتجلى في تصريحات القادة “الإسرائيليين” وسلوك الدولة وقواتها ضد الفلسطينيين في غزة، مما يعزز العلاقة المباشرة بين الأفعال والنوايا.
أيضاً إن انتهاكات الكيان الصهيوني للحظر القانوني الدولي للإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم ذات الصلة كانتهاكات جسيمة للقواعد القطعية للقانون الدولي التي يجب وقفها على الفور، كما تتضمن هذه الانتهاكات القتل العمد، التسبب في أضرار جسيمة، وفرض ظروف معيشية قاسية تهدف إلى إحداث التدمير الجسدي للجماعة المستهدفة. تُظهر الأدلة المستندة إلى تصريحات القادة “الإسرائيليين” وسلوك القوات الصهيونية أن هناك نية واضحة لتنفيذ الإبادة الجماعية، مما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية قانونية وأخلاقية للتدخل.
وتشمل هذه الانتهاكات الجسيمة التزامات على جميع الدول الأخرى بالامتناع عن الاعتراف بالانتهاكات الصهيونية باعتبارها قانونية أو اتخاذ أي إجراءات قد ترقى إلى مستوى التواطؤ في هذه الانتهاكات. يجب على الدول اتخاذ خطوات إيجابية لقمع ومنع ومعاقبة ارتكاب الكيان الصهيوني المزيد من أعمال الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، يشمل ذلك تنفيذ تدابير قانونية وسياسية ودبلوماسية لضمان مساءلة الكيان الصهيوني عن انتهاكاته.
كما يمكن للدول الأطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية اللجوء إلى محكمة العدل الدولية بموجب المادة التاسعة من الاتفاقية، لمحاسبة الكيان الصهيوني على أفعاله، هذا الحق القانوني لا يقتصر فقط على الدول المتضررة مباشرة، بل يشمل أيضاً جميع الدول الأطراف التي تعتبر حماية حقوق الإنسان ومنع الإبادة الجماعية جزءاً من مسؤولياتها الدولية.
أيضاً يعد تعزيز التعاون الدولي في هذا المجال أمراً حاسماً لضمان تنفيذ التزامات الدول بموجب القانون الدولي، حيث يتطلب ذلك تعزيز الحوار والمشاورات بين الدول الأعضاء، وتبادل المعلومات والأدلة، وتقديم الدعم المالي والتقني للمجتمعات المتضررة، كما يجب تعزيز آليات الرصد والمراقبة لضمان الامتثال للقانون الدولي ومنع حدوث مزيد من الانتهاكات.
في هذا السياق، يمثل رفع الوعي العالمي بأهمية مكافحة الإبادة الجماعية وحشد الدعم الدولي لتحقيق العدالة للضحايا هدفاً أساسياً يمكن أن تلعب وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية دوراً مهماً في تعزيز الوعي وتقديم التقارير عن الانتهاكات وتعبئة الرأي العام الدولي للضغط على الحكومات لاتخاذ إجراءات فعالة.
ختاماً، تُظهر الأدلة السابق ذكرها أن الكيان الصهيوني ارتكب أعمال الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، مما يتطلب تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي، كما يجب على الدول الامتناع عن التواطؤ في هذه الانتهاكات واتخاذ خطوات فعالة لمنعها ومعاقبة مرتكبيها، ويمثل التعاون الدولي والتزام الدول بمسؤولياتها القانونية والأخلاقية حجر الزاوية في حماية حقوق الإنسان وضمان السلم والأمن الدوليين.
من هنا، تُعتبر الانتهاكات المزعومة لحظر الإبادة الجماعية في غزة من قبل الكيان الصهيوني تهديداً جسيماً للقواعد القطعية للقانون الدولي، حيث يتطلب القانون الدولي من جميع الدول الأطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية اتخاذ خطوات حازمة لمنع هذه الجرائم ومعاقبة مرتكبيها، كما يتعين على المجتمع الدولي العمل بتنسيق وتضامن لضمان محاسبة الكيان الصهيوني على أفعاله وتقديم التعويضات اللازمة للضحايا، يمثل هذا الالتزام الجماعي أساساً لتعزيز العدالة الدولية وحماية حقوق الإنسان.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ مستشار قانوني – الكويت.