حملت رؤية عُمان 2040 على عاتقها الكثير من الطموحات والآمال والتوجهات لبناء عُمان المستقبل، في ظل مرحلة فرضت على المشهد الوطني أنماطا جديدة من السياسات والبرامج، وقرارات استهدفت إعادة تصحيح الإنفاق الحكومي وترشيد الاستهلاك، لضمان المحافظة على التوازنات الاقتصاديَّة ووضع البدائل والحلول المعززة للاستدامة الماليَّة والمحفزة لشراكة المواطن، وبالتالي ما يعنيه ذلك من أن مسارات العمل الوطني يجِبُ أن تتجه نَحْوَ التوسع في الخيارات وإنتاج الفرص وفتح آفاق أوسع للمواطن في قراءة آليَّات العمل الوطني بحيث يكُونُ مشاركًا فيها بفاعليَّة، يستنطق الأفكار والقيم ويستنهض الدوافع والهمم، وهو أمر يضع الحكومة أمام مسؤوليَّة البحث عن مفهوم أوسع للخيارات والبدائل في مواجهة سياسات المنع التي ما زالت حاضرة في القرار المؤسسي.
وبالتالي تداعيات هذا التوجه على الجهد الوطني ذاته وانعكاساته السلبيَّة على قدرة المؤسسات في بناء مسار تفاعلي مشترك مع المواطن، بما يعنيه ذلك بأنه يجِبُ أن لا يكُونُ القصد من سياسات المنع والقرارات المعبرة عنها؛ المنع بذاته، بقدر ما هو توجيه المُجتمع نَحْوَ انتقاء أفضل الخيارات وانتهاج أفضل السبل وتعظيم مسار الوعي واستدراك طبيعة التحول والظروف والمعطيات الَّتي يتطلبها الواقع، والَّتي يكُونُ فيها المواطن شريكا في المسؤوليَّة، كما أنه شريك في إنتاج الحلول واقتراح البدائل والتوسع في الخيارات لضمان استمراريَّة كفاءة الأداء في أعلى مستوياته؛ جودة وإتقانا، وأن يكُونُ المنع إنما هو محطة لالتقاط الانفاس يتأمل فيها المواطن واقعه ويعيد خلالها إنتاج ممارساته، وتصبح الإجراءات الَّتي تتخذها الحكومة في هذا الشأن مشتركات لبناء المسؤوليَّة وتعظيم الثقة وترقيَّة الأدوات، وتوجيه الاهتمام نَحْوَ صناعة الفرص، بحيث لا يجِبُ أن يكُونُ المنع غايَّة يقف عندها مسار العمل، بل فتح الطريق لإنتاج أفضل الطرق وأقومها وأجودها وأكثرها عطاء وإنتاجيَّة واقترابا من التفكير الجمعي والعمل المنظم والانتقال إلى مرحلة جديدة من العمل الوطني في إطار وضوح المهام وتفاعل الأطر وتناغم الجهود وتكامل المهام والحد من الهدر والازدواجيَّة وتقاطع الاختصاصات، وليس أن تشكلَ إجراءات المنع الطريق لعرقلة المواطن في تحقيق طموحاته أو تنفيذ مشروعاته أو الاستمرار في تقديم الأفضل في منجزاته أو تجريب الخيارات والبدائل الَّتي تتيح له فرص اكبر في خدمة وطنه.
عَلَيْه تمثل سياسة المنع عقبة في مسار البناء، وتعظيم نهج التطوير، وإعادة إنتاج المُجتمع في ظل مرحلة جديدة تحمل الكثير من الآمال والطموحات، ذلك ان المنع إغلاق لمنصات التفكير والتأمل، وتعطيل لإرادة البحث والاجتهاد والاستشراف للمستقبل، بل تعطيل للقدرات والممكنات في التفكير خارج الصندوق، وهو الأمر الَّذي بات يشكل تحديا خطيرا في تحقيق أولويات الرؤية عامَّة والوصول إلى مستوى رفاه اجتماعي عالٍ يشعر فيه الجميع بأنه يلبي طموحاته، وأن هذا المنع إنما جاء بعد توفير الخيارات والبدائل وتوسيع فرص الاستشراف وصناعة المحطات لا شك بأن نماذج المنع الَّتي بدت ظاهرة في الكثير من القوانين والتشريعات وأنظمة العمل والقرارات الوزاريَّة والإداريَّة في مختلف مجالات العمل التنموي وتفاصيله، خاصة ما يتعلق مِنْها بالأمن الغذائي والاستيراد والتصدير للحياة النباتيَّة والحيوانيَّة والحياة البريَّة او في استعمال الأراضي وتغيير الاستعمال، أو ما يتعلق بتصاريح البناء وتصاريح الآبار أو تقسيم الأراضي الزراعيَّة أو الاستثمار، وغيرها كثير مما بات يلقي على كاهل المواطن تداعيات وتراكمات اقتصاديَّة وماليَّة ونفسيَّة وفكريَّة في محاولة من المؤسسات للضغط على المواطن في إخراج هذه الأفكار التنمويَّة من تفكيره الأمر الَّذي بات يتقاطع مع ما يراد من رؤية عُمان 2040 وعبر صناعة مُجتمع منتج، وخلق بيئة عمل جاذبة والتوسيع في الخيارات باعتبارها محطة تحول في إعادة إنتاج الواقع ورسم معالَمه وفتح صفحة جديدة في الأداء عالي الجودة والممارسة المتوازنة، سواء على مستوى الفرد المواطن وطبيعة السلوكيات والمهام الَّتي يراد مِنْه تحقيقها، أو كذلك على مستوى المُجتمع والدور المعقود عَلَيْه في هذا الشأن.
إن ما يظهر في العديد من اللوائح التنفيذيَّة للقوانين أو القرارات الوزاريَّة و الإداريَّة هو أن القوانين الَّتي تم استحداثها لضبط اداء الجهاز الإداري للدولة والَّتي صدرت في إطار رؤية المراجعة للوائح التنفيذيَّة وأنظمة العمل، تحولت فيها أنظمة العمل والقرارات من موجهات لصناعة الإنتاجيَّة وخلق الفرص وتعزيز مساحة الخيارات للمواطن والتفكير خارج الصندوق واكساب المواطن الثقة، ومساعدته في مواجهة الصعوبات والتحديات المرتبطة بتخليص المعاملات أو انجاز الخدمات، إلى أن اتخذت هذه القوانين مسار المنع طريقها ومسار عملها، مما شكل تحديا آخر على المواطن ان يتعامل معه في ظل الظروف الاقتصاديَّة الَّتي يواجهها، والَّتي ستكُونُ نتيجتها على أكثر تقدير، طريقه للهروب من هذا الواقع، أو تغيير مسار التوجه وبوصلة العمل، أو حتَّى التنازل عن هذا الطموح، أو البحث عن مكان آخر يحترم فكره ويحتوي مشروعه، أو اتجاهه للدول المجاورة في ظل استفادته من حزمة الحوافز التسهيليَّة الَّتي تقدمها في هذا الشأن، ليمارس فيها نشاطه بكل أريحيَّة، ووفق ضوابط وإجراءات أكثر استقرارا ونضجا، قادرة على احتوائه، وتوفير ضمانات النجاح وبيئة العمل المساندة له في تحقيق أهدافه وطموحاته.
وبالتالي تأكيد الدعوة إلى تعظيم الممارسات الايجابيَّة الداعمة لبناء قانون يتصف بالاستمراريَّة وقدرته على تغيير أدوات الواقع وإعادة بنائها وإعادة الحياة فيها، وإنتاجها بطريقة تضمن سريان روح القانون في واقع حياة الناس، مع المحافظة على درجة الحصول على الفرص، ليتجه دور القانون في ظل ترقيَّة لغة الخيارات وصناعة البدائل وخلق فرص جديدة تقلل من تأثير سياسة المنع على توجهاته، بالشكل الَّذي يضمن بناء نموذج وطني يتجاوب مع استحقاقات المرحلة ويلبي احتياجاتها، وتعزيز مسار الإنتاجيَّة في سلوك المواطن صاحب العمل والمستثمر؛ بمعني ان لا تصبح القوانين حالة منفرة للمستثمر وصاحب العمل، بحيث تتسبب في إبعاد صاحب المشروع من تنفيذ مشروعه أو التضييق عَلَيْه، أو التسبب في إرهاقه بالديون والعجز المالي، وعندها يتراجع عن تنفيذ مشروعه الَّذي سعى إِلَيْه، والتزم بدفع مستحقاته من الرسوم الأوليَّة للبدء في التسجيل للمشروع أو النشاط أو المنشأة الاقتصاديَّة، او غيرها في ظل إجراءات وممارسات بيروقراطيَّة قاتلة، وعمليات اداريَّة متكررة، وهدر واستنزاف للطاقة والجهد الذاتي في سلسلة من المطالب الطويلة غير المبررة. بحيث تنعكس مساحة التوسع في البدائل والخيارات كإجراء ثابت في الحد من تأثير سياسة المنع وتبعات إجراءاته وأدواته، بل يجد فيه مساحة من الاريحيَّة والتفكير خارج الصندوق، وإضافة بعض النكهات الجماليَّة في هندسة التسويق الرقمي لمشروعه الاقتصادي، مستفيدا من جملة الحوافز وخطة التحفيز الاقتصادي وخطة التوازن المالي في تقديم منتج نوعي قادر على تحقيق المنافسة.
أخيرا ومع التأكيد على دور التقنين في بناء مسارات التكامل مع المواطن في استدامة جهود التنميَّة الوطنيَّة؛ إلا أن المسألة يجِبُ أن تتجه إلى قراءة التقنين في كل مراحل العمل والانجاز، ورصدها بكل دقة، عبر وضوح أطر المتابعة وآليَّات التقييم الدوري لمستويات الانجاز المتحققة، وتوضيح جوانب الدعم والمساندة، والجزاءات الناتجة عن تجاوز هذه الانظمة، ومستوى تعاطي المواطن والمقيم مع القرارات واللوائح المعمول بها واستيعابه لبنودها ومحاور عملها، وتفاعله معها في الوقت المحدد لها، بالإضافة إلى ضرورة وجود خطة توعيَّة وتثقيف متعددة الاتجاهات متنوعة الأنشطة والبدائل، تمتلك الإجابة عن التساؤلات المطروحة من المواطن، وتفسير الإشكاليات المتوقعة، بحيث تتضح لدى المواطن الصورة كاملة حول محتوى القوانين ودوره في التعامل معه، وأن يتجه العمل فيها، حول كيف يُمكِن إيجاد تحول في وعي المواطن وسلوكه عبر جعل لغة التقنين والضبطيَّة والتوسع في الخيارات ونمو البدائل لغة رسميَّة مساندة له، في مواجهة لغة المنع الَّتي باتت تشكل تحديا في تحقيق إنتاجيَّة القوانين وبناء سياسات اقتصاديَّة وتشغيليَّة مرنة، تضمن شراكة المواطن وترفع من ميزان الثقة.
د.رجب بن علي العويسي