يطرح واقع انتشار العمالة الوافدة السائبة الإفريقيَّة والآسيويَّة في الطرقات والأحياء السكنيَّة بمحافظات سلطنة عُمان عمومًا، ومحافظة مسقط خصوصًا، سواء كانت المخالفة لقانون العمل وقانون إقامة الأجانب أو الَّتي جاءت عَبْرَ التأشيرات السياحيَّة أو الَّتي دخلت البلاد بطُرق غير مشروعة أو عبر شركات نصبٍ واحتيال أجنبيَّة أو المُسرَّحة من قِبل الكفيل من خلال قيامها بالعمل في مِهن غير المِهن الأساسيَّة المُحدَّدة لها، أو دخولها عَبْرَ ما يُسمَّى بالاستثمار الوهمي في مِهن منافِسة للمواطن أو غير ذلك؛ الكثير من التساؤلات حَوْلَ وضع هذه العمالة، وضرورة وضع الإجراءات القانونيَّة والضبطيَّة الرادعة لِمَا باتَ يصدر مِنْها من مخالفة الآداب العامَّة وتصرُّفات مقلقة للسَّمت العُماني والذَّوق العامِّ، وما باتَ يُمثِّله انتشارها المستمرُّ وتصرُّفاتها غير المسؤولة، وممارساتها الجرميَّة من خطر يُهدِّد الأمن والسِّلم والاستقرار الاجتماعي، ورفع درجة القلق والخوف للسكَّان القاطنين في هذه الأحياء.
وبالتالي حجم التداعيات الأمنيَّة والاجتماعيَّة والأخلاقيَّة والاقتصاديَّة والبيئيَّة الناتجة عن تصرًّفات هذه العمالة في ظلِّ ما باتتْ تنشره من ثقافات غير مرغوبة وممارسات غير مسؤولة، أو ما ارتبط بها من سلوكيَّات وظواهر اقتصاديَّة هدفها الكسب السريع، والحصول عَلَيْه عَبْرَ الغشِّ والسرقة والتزوير والاحتيال والنَّصب والشَّعوذة أو من خلال ممارساتها غير الأخلاقيَّة المنافية للقِيَم والمبادئ والَّتي لجأت إِلَيْها بهدف الكسب السريع والحصول على العائد المادِّي في أقلّ وقت وبأيسَرِ طريق عَبْرَ سعيِها نَحْوَ نشرِ الرذيلة وممارسة الدّعارة، فإنَّ العمالة الوافدة السائبة، جراثيم خطرة تنخر في الجسد الوطني في ظلِّ ممارساتها وسلوكيَّاتها الَّتي تمجِّد ثقافة الربحيَّة والكسب السريع وتتجافى مع الثَّوابت والمتغيِّرات القِيَميَّة والأخلاقيَّة؛ كونها تعمل بطريقة غير مشروعة، سواء دخلت أرض سلطنة عُمان بطريقة غير مشروعة أو خالفَتْ في دخولها قانون العمل وقانون إقامة الأجانب أو جاءت عَبْرَ تأشيرات سياحيَّة مؤقتة تستفيد من وجودها في تحقيق غاياتها الشخصيَّة المؤقَّتة؛ أو أن تكُونَ هاربة أو متسلِّلة أو مُسرَّحة أو مؤجَّرة لدى الغير أو مُشغَّلة في مِهن مُخصَّصة للعُمانيِّين، وما يحصل من عدم اهتمام أصحاب العمل أو الكفيل بتوفير عمل فعلي للعمَّال المصرح له بتشغيلهم، واقتصاره على مجرد استقِطاع مبلغ شهري يودع في حسابه الشخصي دُونَ سؤال عن الأعمال الَّتي تقوم بها هذه الفئات، ودُونَ مراعاة لِمَا قد تسبّبه أو تسبّب فيه من ضرر لمُجتمعه؛ أو ما تمارسه من غشٍّ واحتكار وتزوير، أو قيامها بممارسة أنشطة اقتصاديَّة مخصَّصة للمواطن دُونَ غيره.
وإذا كانت الأيدي الوافدة العاملة لها من المخاطر الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة وغيرها ما لا يخفى على أحَد، فإنَّ العمالة السائبة، أشدُّ خطرًا على الأمن والسِّلم الاجتماعي؛ كونها خارجة عن القانون، وتلاحقها أيدي العدالة، لذلك فهي تبحث عن كُلِّ الطُّرق الَّتي تضْمن لها الحصول على الكسب السريع بالرشوة أو السرقة أو القتل أو الاحتيال أو غير ذلك، وتداعياتها السلبيَّة على استقرار وسمعة السُّوق وتداعيات ذلك على الجهود الوطنيَّة والإجراءات والتوجُّهات السَّاعية لتنظيم سُوق العمل، في ظلِّ نُموِّ الأنماط الاقتصاديَّة المُشوّهة والمبتذلة الناتجة عن التجارة المستترة، والاحتكار والسُّوق السوداء وتزايد حالات الغشِّ التجاري، والمنافسة غير المتكافئة مع روَّاد الأعمال والمؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة، والتهرب الضريبي، والتحايل على الإجراءات المعمول بها، وترسيخ صورة مشوّهة تزعزع الثِّقة في قدرة سُوق العمل العُماني على استيعاب الكفاءات الوطنيَّة واستقطاب الخبرة الدوليَّة وتوطينها، أو عَبْرَ دخولها في أنشطة ومِهن دُونَ فهمٍ أو إتقانٍ لها، وتمارسها على عجل وخوف وخلسة وعدم اطمئنان من أمْرِها، خصوصًا ما يتعلق مِنْها بالتوصيلات الكهربائيَّة وبناء المنازل، بالإضافة إلى تصدُّرها المشهد في تصنيفات الجرائم الواقعة على الأموال، والجرائم المخالِفة للقوانين، والجرائم الواقعة على الأفراد، وجرائم المخدِّرات، والجرائم المُخلَّة بالعرض والأخلاق العامَّة وغيرها.
إنَّ ما سبَق ذِكره يؤكِّد الحاجة إلى تَبنِّي سياسات وطنيَّة أكثر استدامة وواقعيَّة وضبطًا مُعزَّزة بالتشريعات الرقابيَّة وأُطُر المتابعة وكفاءة الأدوات وثبات الإجراءات، في منع العمالة السائبة من دخول سلطنة عُمان بأيِّ شكل من الأشكال وإغلاق كُلِّ الأسباب والمُبرِّرات الَّتي قد تؤدِّي إلى نشوء هذه العمالة أو أن تجدَ الأرض الخصبة لنموِّها وتبتني عقوبات أكثر تشدُّدًا وغلظة في ترقُّب المخالِفِين لقانون الإقامة أو العمل وغيره، وسدّ الثغرات والمنافذ الَّتي تُشكِّل مدخلًا لانتشارِ العمالة السائبة، بحيث تتّخذ آليَّة العمل الوطني شكل العمل المنظَّم والمدروس الَّذي يُسهم في تصحيح هذا المسار وتحميل الجميع مسؤوليَّته في التعامل مع العمالة السائبة، سواء منشآت القِطاع الخاصِّ والأهلي في نتائج وتبعات التعاطي السّلبي مع هذه الفئة، ومسؤوليَّة المواطن في الإبلاغ عن هذه الفئة وعدم التستُّر عَلَيْها أو إيوائها أو تشغيلها بِدُونِ ترخيص، والجزاءات والعقوبات النافذة في حالة مخالَفته لذلك، ودَوْره في مساعدة فِرق عمل وحدة التفتيش بمؤسَّسة خدمات الأمن والسلامة، في ترصُّد وتعقُّب وضبطِ العمَّال المُخالِفِين في مختلف محافظات سلطنة عُمان، وتَبنِّي برامج لتعزيزِ الحسِّ الأمني باستخدام كفاءة البيانات والرصد الفَوري للمعلومات وتتبع وجود العمالة السائبة من خلال برامج تعقُّب متخصِّصة، وأن يُسهم الإعلام بِدَوْر أكبر في عمليَّات التوعيَّة والتثقيف، وتعدُّد لُغات الخِطاب الموجَّهة في تفسير القوانين النافذة لهذه الفئة، بما من شأنه أن يضعَها أمام مسؤوليَّة ضبط ممارساتها واحترام وجودها، وتعزيز دَوْر فِرق الدَّعم والتوجيه والرقابة والرعاية العمَّاليَّة في إدارة هذا السلوك.
أخيرًا، يبقى التأكيد على أهميَّة ضبط هذه الملف والحدِّ من الثغرات التشريعيَّة أو التنظيميَّة أو تنازع المهام وغياب مسار المسؤوليَّة المؤدِّية لاستمرار العمالة السائبة في النزوح إلى سلطنة عُمان، فبالإضافة إلى التغليظ في العقوبات، ومراجعة قانون العمل ومواده الَّتي باتتْ تمنح للوافدين مساحة للتهرب من المسؤوليَّات، ومراجعات لمسار التأشيرات السياحيَّة، وإجراءات الاستثمار للوافد، ومعالجات أخرى ترتبط بالتخطيط العمراني والمباني التجاريَّة في الأحياء السكنيَّة، وسياسات وتشريعات ضبطيَّة حَوْلَ سكنات الوافدين وسكنات العزَّاب وإخراجها من الأحياء السكنيَّة، تأتي أهميَّة الموجّهات الأخلاقيَّة والأُطر الحاكمة الَّتي تحدِّد السلوك الانضباطي للوافد، سواء كان مُقِيمًا أم زائرًا أم سائحًا، منذُ دخوله إلى أراضي سلطنة عُمان وإلى حين خروجه مِنْها، وتعزيز دَوْر سفارات الدوَل في سلطنة عُمان، وسفارات السَّلطنة في دوَل المنشأ لهذه العمالة، وعَبْرَ رفع درجة الوعي لدى الوافدين بواجباتهم ومسؤوليَّاتهم والحقوق الوطنيَّة والقوانين والضوابط ذات الصِّلة، والسلوك الَّذي يجِبُ أن يلتزمَ به الوافد في مراعاة الخصوصيَّة والهُوِيَّة الوطنيَّة، وعَبْرَ وجود مدوّنة قواعد السلوك العامَّة للوافدين العاملين في سلطنة عُمان، كإطار وطني ملزِم يضمُّ بَيْنَ دفَّتَيه قواعد مُحدَّدة لسلوكيَّات الوافد، من واقع التشريعات والقوانين واللوائح والأنظمة والتعليمات النافذة، وميثاقًا أخلاقيًّا مكتوبًا يستهدف الوافد الَّذي يدخل أرض السَّلطنة بأيَّة صفة مشروعة كانت، بحيث يلتزم بها في أثناء إقامته وتأدية مهامِّه أو أدائه لواجباته، وتحدّد الجزاءات والعقوبات الَّتي يتمُّ تنفيذها في حالة الإخلال بقواعد السلوك العامِّ الواردة في المدوّنة، ومنحها صبغة الضبطيَّة القانونيَّة كمنصَّة للتأثير والاحتواء الَّذي يُمكِن أن تحقِّقَه في هندسة السلوك الاجتماعي للوافد بحيث تُصبح مائدة قِيَميَّة وأخلاقيَّة له يحتاجها في كُلِّ تصرُّفاته وممارساته، ويسترشد بها في استيعاب الموَجِّهات الَّتي تساعده في الحصول على حقوقه الَّتي كفلَها له القانون العُماني كما تسترشد بها المنظَّمات الدوليَّة ومنظَّمات حقوق الإنسان في التعامل مع وضع الوافدين في سلطنة عُمان والحدِّ من الإملاءات وفرض الرأي الَّتي تمارسها هذه المنظَّمات بشأن العمالة الأجنبيَّة الوافدة في سلطنة عُمان، بما من شأنه أن يضعَ المدوّنة أمام مسار التزام واضح بمبادئها ومُكوِّناتها، واستشعار قِيمتها في إدارة سلوكه كونه يعيش في مُجتمع لدَيْه قواعد ثقافيَّة وحضاريَّة وقِيَميَّة تستند إلى أُصول الدِّين ومبادئ الشرع وفضائل الأخلاق ومحاسن التصرُّفات، الَّتي يجِبُ أن تُحترمَ من الجميع وتكُونَ لَهُم شِرعةً ومِنْهاجًا.
د.رجب بن علي العويسي