اجتماع مجلس الوزراء المبارك برئاسة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- الذي عُقد في ولاية صلالة مؤخرا، كان استثنائيًا بكل المقاييس؛ حيث اتخذت قرارات مُهمة تُلامس المواطن العُماني، هذا المواطن الذي ينتظر مثل تلك التوجيهات الأبوية كالغيث الذي تَخْضَر له الصحاري والأرض الجدباء التي تستبشر بالمطر.
ولعل تخصيص أكثر من 72 مليون ريال عُماني لتمويل منفعة دعم الأسرة، من أهم تلك التوجيهات السامية، لم لا وقد تأخرت بعض مستحقات تلك الأسر المحتاجة، خاصة أصحاب الضمان الاجتماعي لأسباب غير معروفة؛ وذلك عند انطلاق واحد من أهم المشاريع التنموية في تاريخ السلطنة في مطلع هذا العام وهو “صندوق الحماية الاجتماعية”، وهو المظلة التي تستهدف في الأساس جميع أفراد المجتمع العُماني بلا استثناء. وعلى الرغم من ذلك ظهرت لنا الفئات الاجتماعية التي يمكن وصفها بالحلقة الضعيفة من حيث الدخل؛ إذ وجدت نفسها خارج تلك المظلة الرحيمة التي وُجِدَت لأبناء هذا الوطن وخاصةً الفقراء منهم، وطوال الشهور الماضية سجّلنا ثلاثة أنواع من التظلُّمات على صندوق الحماية الاجتماعية.
كانت الأولى تتعلق بذوي الإعاقة، الذين حرمهم قانون الحماية الاجتماعية من الجمع بين منفعة كبار السن (115 ريالًا) ومنفعة ذوي الإعاقة (130 ريالًا)، بحيث يستلم المعاق 115+ 15 ريالًا؛ أي 130 ريالًا فقط، وليس 245 ريالا كما يقول المنطق؛ إذ ينص القانون على أنه لا يمكن لهذه الفئة الجمع بين الاثنين، بينما لا يُسأل أي شخص آخر عن دخله ويمكن له أن يجمع كل المزايا والرواتب التقاعدية مع منفعة كبار السن!! والسؤال المطروح هنا: لماذا يتم استهداف المعاق بهذه الطريقة غير العادلة؟ ألا يكفيه تحدي الإعاقة؟!
كما أن هناك فئة الورثة الذين يستلمون رواتب تقاعدية ولا يُصنّفون بأنهم من الدرجة الأولى، مثل الأخت التي كانت تستلم راتبًا تقاعديًا من راتب أخيها المتوفى مثلًا، وخُصِمَ منها 115 ريالًا من الراتب التقاعدي الذي كانت تستلمه حسب القانون السابق، لكن صُرِفَ لها بالمقابل المنفعة على الرغم من الوعود الكثيرة التي سمعناها من المُشرِّعين والمسؤولين على حد سواء عند الإعلان عن منافع صندوق الحماية الاجتماعية، والتي مفادها أن منفعة كبار السن لا علاقة لها بأي دخل للشخص المُسِن. علاوة على أن منفعة كبار السن لا تخضع لأي بحثٍ اجتماعي حسب المعلن عنه في ذلك الوقت.
أما الفئة الثالثة؛ فهي الأسر الفقيرة التي كانت تستلم معاش الضمان الاجتماعي في السابق، وتُعد الأهم على الإطلاق في النسيج الاجتماعي، خاصة تلك الأسر ذات الأعداد الكبيرة، فقد حُلت مشكلتها بالكامل الآن بعون الله وبفضل القيادة الحكيمة لهذا البلد.
من جهة ثانية، شملت توجيهات القيادة الحكيمة لتطوير آلية قياس مستوى رضا المستفيدين عن الخدمات الحكومية، التوجيه بتأسيس منصة إلكترونية متكاملة يلتقي عبرها المواطن وصانع القرار، وهي بمثابة خطوة مُتقدِّمة لكسب قلوب وعقول الرأي العام الذي من المفترض أن يكون شريكًا في صنع القرار مع الحكومة، من خلال الرجوع إليه قبل تنفيذ المشاريع وسن القوانين الجديدة؛ بهدف الاستئناس برأيه لضمان تعاونه في مختلف المجالات، وذلك من خلال طرح استبيانات واستطلاعات للرأي العام يشارك فيها الجميع عبر القنوات الإلكترونية الافتراضية؛ بل والنزول إلى الميادين.
هذه المنصة الإلكترونية، إذا ما رأت النور في مطلع 2025، فإنها تهدف بالدرجة الأولى إلى استقبال شكاوى المواطنين، إذ إنها ستضم أكثر من 45 وزارة وهيئة حكومية، وتُخضعها للتقييم والمراقبة عبر المنصة، وستذهب الشكاوى إلى الوزارة المختصة مباشرة، بينما من المفترض أن تذهب نسخة أخرى إلى وحدة قياس أداء المؤسسات الحكومية التي تتبع المكتب الخاص لجلالة السلطان والتي تأسست عام 2021. إنَّ أهمية المنصة الجديدة تكمن في وضع الأداء الحكومي في الميزان، من خلال مراقبة عدد الشكاوى والملاحظات ومتابعتها مع المسؤولين الذين تتعرض وزاراتهم للملاحظات والشكاوى المتكررة.
يبدو لي أنَّ زمن تجاهل رأي المواطن، قد ذهب بلا رجعة، وحان وقت محاسبة كل مُقصِّر في واجبه تجاه المواطن؛ فالوظيفة هنا تكليفٌ وليست تشريفًا، فمن أحسن الأداء يجب الاعتراف بعمله وتكريمه على إنجازه، وذلك بالاستمرارية في الوظيفة العامة التي تم اختياره لها، بينما من لم يحالفه الحظ فعليه الرحيل؛ لأن مصلحة الوطن فوق الجميع. وهناك الكثير من القرارات والسياسات التي تُنفَّذ في أروقة الوزارات الحكومية وتَفتقِد إلى الدراسات المُعمَّقة والتي إذا ما توفرت وتم اعتماد المنهجية العلمية الصحيحة في حسن التخطيط وأمانة التنفيذ، لكُنَّا قد وفَّرنا الكثير من المال العام والجهد.
يجب تذكير القائمين على تنفيذ هذه المنصة المرتقبة بأنها تحتاج إلى قنوات متعددة للتواصل بين الأطراف ذات العلاقة؛ فهناك منصات كثيرة في العديد من دول العالم يُخصَّص لها تطبيق إلكتروني إلى جانب وسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني والخطوط الساخنة للهواتف، لكن مُعظم هذه المنصات تقوم بوظيفة أحادية تتمثل في استقبال الشكاوى والرد عليها فقط، وهذا يختلف عن تطلعاتنا نحو المنصة العُمانية التي يُفترض أن تعتمد على مشاركة الجمهور في الإجابة على مختلف الاستطلاعات المتعلقة بهموم وتطلعات المجتمع العُماني.
وفي الختام.. على الرغم من أهمية المنصات الإلكترونية لكي تعمل كوسيط بين الحكومة والمجتمع لكونها تتميز بقلة التكلفة والدقة خاصة إذا تم اعتماد الرقم المدني للمُشتكِي؛ إلّا أنه لا يُمكن تحقيق أهداف رصد الرأي العام في أي بلد بشكل متكامل دون النزول إلى الميدان للتعرف على التحديات التي تواجه الأداء الحكومي، ثم إجراء دراسات علمية على نطاق واسع من خلال فرق متخصصة وكوادر علمية مُستخدِمةً الأساليب البحثية في تحليل النتائج، ذلك لأن هناك أعدادًا من أفراد المجتمع لا تستطيع الولوج إلى الفضاء الإلكتروني واستخدام التكنولوجيا والتطبيقات الرقمية، فما تزال هناك نسبة من الذين يُمكن وصفهم بما يُعرف بـ”الأمية الرقمية” والإلكترونية يعيشون بيننا.
د. محمد بن عوض المشيخي / أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري