قبل الإجابة على السؤال ،عنوان المقال ، دعوني أُعلّق ، وباختصار على مقال لجريدة نيويورك تايمز ،و عنوانه ” لماذا لم تنجح الدول الكبرى في وقف حروب الشرق الأوسط ” ،نُشِرَ مُلّخص للمقال في موقع “رواق بغداد” ،بتاريخ 2024/9/30 .
صراحةً ،عنوان و مضمون المقال ( وحسبما جاء في مُلخصه) غريب ، و يُثير الدهشة ! إمّا كاتبه يعيش في عالم آخر ، و إمّا هدفه من كتابة المقال تبرئة امريكا من دورها في خلق الحروب او تأجيجها .
من دون الخوض في ما وردَ في المقال ، يكفي قراءة العنوان لطرح اكثر من سؤال : أَوليس سياسة إسرائيل و بدعم أمريكي وغربي غير محدود هي سبب الحروب في المنطقة ؟ أَوليس الدول الكبرى هي التي تخلق الحروب من اجل مصالحها و تجارة بيع الأسلحة و سرقة ثروات الشعوب ؟
و يتساءل الكاتب عن عجز الامم المتحدة و مجلس الامن عن وقف الحروب؟ .. أوليس الولايات المتحدة الأمريكية هي المعطّل الوحيد لدور هذه المنظمات الدولية وخدمة لمصالح الصهيونية وإسرائيل؟
و مَنْ ذا الذي يستخدم الفيتو لمنع كل قرار يدين إسرائيل ،او يدعم حقوق الفلسطينيين ؟ أليست امريكا ؟
اسرائيل تُشرّع اليوم ” سياسة الاغتيالات ” ،وتمارسها بغطاء وبدعم دولي ،مصدره امريكا وبعض دول الغرب .
الاغتيال وارتكاب الجرائم ،افعال ليست بجديدة على اسرائيل ، لقد اعتادت عليها ومارستها سّراً وعلناً ، منذ صناعتها عام 1948 .
الفرق بين اغتيالات الأمس ، وهي كثيرة ، و اغتيالات اليوم، هو أنَّ اغتيالات اليوم اصبحت صريحة ،ومشروعة وبغطاء دولي ودعم أمريكي وبسلاح أمريكي ،من دون اعتبار لسيادة الدولة المستهدفة، سواء لبنان او إيران او العراق ،ولو تواجدت الاهداف المقصودة في دول اخرى ،لما ترددت اسرائيل في انتهاك سيادة الدولة واغتيال الهدف . إغتيالات اليوم اصبحت جماعية ،من دون اكتراث ببراءة او بعدد مَنْ يتعرض للموت جراء تنفيذ الاغتيال ،كما حصل في تفجيرات اجهزة الاتصال في لبنان ، وهي في الحقيقة ترقى إلى صنف الابادة الجماعية .
اغتيالات اليوم ،و التي اصبحت وفي العالم حكرا وحصرا على اسرائيل،اي صناعة اسرائيلية أمريكية ، وسيلة استفزاز وشن الحروب ، وهذا ما تسعى اليه اسرائيل مع ايران مثلاً ،و ما تفعله اليوم في لبنان ؛ اغتيالات اليوم تظهر وحشيّة الكيان المحتل وتعطشّه للدماء، وتبرهن مرّة اخرى على نيّة اسرائيل ومساعيها في التوسع ورفضها حلّ الدولتين .
سيستمر نتنياهو في تنفيذ سياسة الاغتيالات ، وسيتجاوز لبنان ، و بدأت من الآن بعض المواقع و الفضائيات تنشر انباء عن نوايا اسرائيلية لاغتيال قيادات سوريّة ، وعن قيام إيران بنقل السيد الخامئني إلى مكان آمن ،ولا نعلم مدى صحة الاخبار او نوايا ناقليها .
ثمة عوامل تشجّع نتنياهو على المضي قدماً في سياسة الاغتيالات فما هي :
اولا ، الدعم الأمريكي اللامحدود سياسياً و استخباراتياً ، بالاضافة إلى دعم دول غربية اخرى و صمت الامم المتحدة و الدول الكبرى او العظمى .
ثانياً ، نجاح نتنياهو في سياسة الاغتيالات ،يدفعه نحو المزيد من جرائم الاغتيال وفي كل مكان .
ثالثاً ، غياب الرد المناسب من اطراف محور المقاومة ،وخاصة إيران والتي لها الحق السيادي والقانوني بالرد على اغتيال القائد إسماعيل هنيّة على أراضيها .
صحيح ان ايران لا تريد ان تعطي ذريعة لنتنياهو في شنّ حرب اقليمية ، وهذا ما أراده الامريكان تجنباً لحرب واسعة و شاملة ، ولكن تستطيع ايران ان تمارس حقها ووفقاً لقواعد اشتباك معينة ،مثلما فعل حزب الله ،وهو منذ عام وللآن يمارس الرد على الكيان المحتل وفق قواعد اشتباك ،من دون الإنزلاق نحو حرب واسعة ، ومن دون اعطاء ذريعة للكيان بالاعتداء على بيروت او قصف المطار او مؤسسات الدولة . كما ان ايران تدرك جيداً ان امريكا هي من خلف اسرائيل ، وهي ايضاً لا ترغب بحرب اقليمية واسعة . القصد مما تقدم هو ان عدم الرد المناسب شجّع نتنياهو وسيدفعه للمضي قدماً في توسيع رقعة الاغتيالات .
والسؤال هو ماذا بعد الاغتيالات؟
كتبنا في مقال سابق ( 2024/9/27) ،في هذه الصحيفة ،بعنوان ( خطاب نتنياهو في الامم المتحدة يدل على تفاهم اسرائيلي أمريكي بريطاني ، بهجوم بري على لبنان ) بأنَّ نتنياهو يسعى إلى هجوم بري ، وهو ما يحدث الآن فعلاً .
وتتداول وسائل إعلام أمريكية واخرى عن نيّة إسرائيل بشن هجوم بري ” محدود ” في جنوب لبنان . ولكن لن يكُ هجوما بريا محدودا ، وما تردده بعض وسائل الإعلام الصهيونية ونقلاً عن لسان مسؤولين اسرائيليين هو كذب وخدعة . سيذهب نتنياهو بعيداً في أعماله العدوانية ، مغتنماً فرصة نجاح سلسلة الاغتيالات وما يلقاه من دعم أمريكي وغربي ،وصمت دولي واممي . وبدأ جيش الكيان المحتل بقصف الحدود اللبنانية السورية و قصف المعابر ،في خطوة لقطع شريان التواصل برّاً بين سورية ولبنان ، وهدّدَ بقصف ايّ طائرة قادمة من ايران او سورية و قاصدة مطار لبنان ،اي فرض حصار عسكري على لبنان ،وما يفعله هي خطوات تمهيدية لهجوم بري .
ما تنتظره المقاومة في لبنان هو الاشتباك برياً مع قوات الاحتلال . الهجوم البري سيكون استمرارا لحرب الاستنزاف لإسرائيل ، وسيحول دون تحقيق الاهداف التي يسعى اليها نتنياهو وهي عودة المغتصبين إلى مغتصباتهم في شمال فلسطين ، و فك الارتباط بين غزّة و لبنان .
لا أحدَ يستهين بالتفوق التكنولوجي و العسكري لإسرائيل ،وفي خدمتها دول عظمى ، ولكن هل عزّزت إسرائيل عامل الردع تجاه المقاومة في لبنان ،وبعد سلسلة الاغتيالات التي اقدمت على تنفيذها ؟ كلا ،والدليل لا تزال المقاومة تمطر مدن وقرى اسرائيلية بوابل من الصواريخ ، و لا تزال المقاومة تنتظر تورط اسرائيل بتوغل بري ،كي تبدأ معها بحرب استنزاف طويلة . وتجدر الإشارة ،بهذا الخصوص ،إلى المقال الذي نشرته جريدة هآرتس الاسرائيلية بتاريخ 2024/9/28 للكاتب جدعون ليفي ، والذي يتساءل فيه عن جدوى سياسة الاغتيالات.
د. جواد الهنداوي
الحوار نيوز