المُتحدِّث الرَّسمي يُعَدُّ الواجهة الحقيقيَّة ذات المصداقيَّة العالية والرَّصينة في نقْلِ الحدَثِ إلى الجمهور، سواءً كان (امرأةً أو رجلًا). وتميَّزت أوروبا الغربيَّة، وخصوصًا الشَّركات الكبرى ومِنْها البنوك باعتماد المُتحدِّث الرَّسمي ذي الكاريزما المحنَّكة والمِهنيَّة والحِرفيَّة ضِمْنَ معايير المدرسة الإنجليزيَّة المُتخصِّصة لذلك، فليس من المنطق اختيار المُتحدِّث الرَّسمي على أساس الشَّهادة الجامعيَّة أو العلاقات الشَّخصيَّة والاجتماعيَّة أو لاعتبارات أخرى.
ومن أهداف المُتحدِّث الرَّسمي في الشَّركات الكبرى هو تحقيق الأرباح من خلال سردِ المعلومات المهنيَّة للمنتَج الجديد بجميع أنواعه. وكما هو معروف السِّباق والتَّنافس المحموم بَيْنَ شركتَي (البوينج) و(الإيرباص) للسَّيطرة على السُّوق الجوِّي. وبالطَّبع فإنَّ مفردات الإنتاج في بعض الأحيان قد تكُونُ سِريَّة للغايةِ ولا يبوح بها المُتحدِّث الرَّسمي خوفًا من سرقة التكنولوجيا الفريدة، ولكن ينوّه بهذه الصِّفات الحديثة الَّتي تفوق إنتاج الجهة الأخرى، لذلك وضعتِ المدرسة الإنجليزيَّة صِفات وسِمات وأجندة المُتحدِّث الرَّسمي بتفاصيل دقيقة حتَّى ذهبتْ إلى شكلِ الشَّخص وهندامه الخارجي من حيث الطُّول والوزن.. وغيرها من الصِّفات الجسميَّة للإنسان واستَبعدتْ كثيرًا النِّساء اللَّاتي عَمِلنَ عمليَّات تجميل في الوَجْه أو الجسم، ولذلك بسبب اختفاء المشاعر والإحساس ولُغة الجسد.
ركَّزتِ المدارس والكُليَّات الإعلاميَّة البريطانيَّة على سِمات المُتحدِّث الرَّسمي بأنَّ له (3) أدمغة، وليس دماغًا أو مُخًّا واحدًا كما هو معروف لدَيْنا. وصنَّفتِ الأدمغة الثَّلاثة إلى ما يلي: (الأوَّل وهو المخُّ أو الدِّماغ الموجود في أعلى الرَّأس، والثَّاني وهو المَعِدة؛ لكونِ أيِّ مرَضٍ أو ألَمٍ فيها وفي الجهاز الهضمي سوف ينعكس على أداء المُتحدِّث الرَّسمي، والثَّالث وهو الأخير القَلْبُ الَّذي هو منبعُ وانعكاسُ المشاعر والأحاسيس، فإذا كانت هناك لدَى المُتحدِّث الرَّسمي أيُّ حالة اجتماعيَّة حزينة أيضًا سوف نلمَسُها من خلال نبرة الصَّوت) والاثنان يُعطيانِ الإشعار إلى الدِّماغ الَّذي بِدَوْره يُعطي الانطباع النِّهائي للحدَثِ، وهذا يطول شرحُه. ولكن في أغْلَبِ حلقاتنا في المهارات الدبلوماسيَّة نوضِّح أهميَّة هذه الأدمغة الثَّلاثة لدَى المُتحدِّث الرَّسمي، وليس لدَى النَّاطق الرَّسمي.
سِمات وأجندة المُتحدِّث الرَّسمي في الأجهزة العسكريَّة وكذلك الأمنيَّة، لا يميل إلى مصداقيَّة المعلومات 100% لأسبابٍ معروفة لدَيْنا، وهذا ما يختلف فيه بالعلاقات الدّوليَّة والدبلوماسيَّة بَيْنَ الأطراف ذات العلاقة الوطيدة بَيْنَ البلدَيْنِ، حيث يتفاخرون بتوقيع الاتفاقيَّات بمليارات الدولارات، وتكُونُ معلنةً، سواء في لقاء صحفي أو أثناء إلقاء الكلمات التَّرحيبيَّة في مؤتمر مراسم توقيع الاتفاقيَّات.
المُتحدِّث الرَّسمي يختلف كثيرًا عن النَّاطق الرَّسمي، فالأخير لا يحتاج إلى جمهور ولا لوقتٍ مُعيَّن حين يبثُّ خبرًا مُعينًّا، ومِثال ذلك:(تنديد أو شَجْب أو أيّ معلومات أخرى) بما لا يزيد عن خمسة أسطُر على الموقع الرَّسمي له وبذلك يكُونُ هو المُرسِل فقط. أمَّا المُتحدِّث الرَّسمي ينطبق على نظريَّة الاتِّصال والتَّواصُل وهي (المُرسِل والمُستقبِل). وتركِّز المدارس الدبلوماسيَّة بمختلف جنسيَّاتها على أنَّ سِمات المُتحدِّث الرَّسمي هو الاتِّصال غير اللَّفظي الَّذي يتضمَّن الإيماءات وتعبيرات الوَجْه الَّتي تُساعد بدرجةٍ كبيرة في العمليَّة إيصال الحدثِ أو القضيَّة.. ومن المُهمِّ جدًّا أن يكُونَ المُتحدِّث جزءًا من الفريق الاستراتيجي، وينبغي على (م. س) أن يكُونَ مُتحدِّثًا فعَّالًا ولدَيْه علاقة وثيقة مبنيَّة على الاحترام المُتبادل مع المسؤول الحكومي، سواء كان رئيسًا للوزراء أو رئيسًا أو وزيرًا أو رئيس وكالة حكوميَّة أخرى. ومن أهمِّ سِمات (م. س) أن يمتلكَ المهارات الأساسيَّة لِفَنِّ الاتِّصال والتَّواصُل الاجتماعي والكاريزما المؤثِّرة في المحيط الإعلامي، والمصداقيَّة في نقلِ المعلومة إلى الجمهور، الحنكة اللُّغويَّة وتَسلسُل أهميَّتها لكتابة المعلومات بطريقةٍ إقناعيَّة، دقَّة المعلومات الَّتي حصلَ عَلَيْها، صياغة الأفكار بطريقةٍ بسيطة وسَلِسَة الأداء وواضحة المعالم لِيصبحَ المُتحدِّث أكثر خبرة في إقناع الآخرين بما يحمل في جعبته، طرح القضيَّة المراد إيصالها مدعومة بالأرقام والوثائق والأدلَّة ووسائل الإيضاح مُحدَّثة، تحديد وسيلة الاتِّصال الَّتي تنتقل بها الرِّسالة من المُرسِل إلى المُستقبِل، مثال:(اللِّقاءات الصحفيَّة المباشرة، المؤتمرات، الإذاعات، التلفاز، شبكة الإنترنت ووسائل التَّواصُل الاجتماعي الأخرى). المُستقبِل: تُحدَّد الجهة المستهدَفة قَبل الشُّروع باللِّقاء أو المؤتمر الصحفي، فلا يُمكِن إطلاقًا دعوة مُحرِّري الأخبار الاقتصاديَّة لموضوعٍ أو كارثةٍ طبيعيَّة أو حدَثٍ سياسي أو دبلوماسي/ ردّ الفعل أو الاستجابة، وهو أمْرٌ طبيعي جدًّا بعد بثِّ الخبر من قِبل المُتحدِّث الرَّسمي، حيث يكُونُ هناك ردود أفعال مختلفة، وأنَّ هناك مَن يصطادُ بالماء العَكِر.. لذلك على (م. س) أن يكُونَ جاهزًا وبكفاءةٍ عالية ومِهنيَّة محنَّكة بالإجابة على الأسئلة المطروحة كردِّ فعلٍ بعد الانتهاء من التَّصريح.
د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت