نحن “أمة إقرأ”، الكلمة التي بدأ بها الوحي الإلهي إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لم تكن مجرد أمر بالقراءة بل دعوة للتفكر والتدبر والتحصيل. كان لهذه الكلمة قوة هائلة، إذ أطلقت شرارة حضارة عظيمة قائمة على العلم والمعرفة، ولكن اليوم، مع تغير الظروف وظهور التكنولوجيا الحديثة، نسأل أنفسنا: هل نحن فعلاً نقرأ؟ وهل ما نقوم به في وسائل التواصل الاجتماعي مثل “الواتساب” يمكن أن يُعتبر قراءة؟
أثر القراءة على الفرد والمجتمع
القراءة ليست مجرد نشاط ترفيهي، بل هي أداة لبناء الفرد والمجتمع، فهي توسع الأفق وتغذي الخيال، وتمنح القدرة على التفكير النقدي والتحليلي، القارئ الحقيقي لا يكتفي بالمعلومة السطحية بل يغوص في المعاني العميقة، ويتحدى أفكاره ويبحث عن الحقيقة، أما على مستوى المجتمع، فإن القراءة تعدّ حجر الزاوية في بناء الحضارات، المجتمعات التي تقرأ هي المجتمعات التي ترتقي بقدراتها الفكرية والإبداعية، وتكتسب تفوقًا في مختلف المجالات.
وسائل التواصل الاجتماعي والقراءة
ظهور وسائل التواصل الاجتماعي قلب حياتنا رأسًا على عقب، وجعل الوصول إلى المعلومات أكثر سهولة، ومع ذلك، نجد أن هذه السهولة قد تسببت في تراجع القراءة الحقيقية، فبدلاً من الانغماس في كتاب أو مقال عميق، أصبحنا نكتفي بقراءة العناوين السريعة، أو ما يتم نسخه ولصقه في الرسائل المتداولة، لا شك أن هذه الوسائل تحمل إمكانيات كبيرة لنشر المعرفة، لكنها في الوقت نفسه قد تؤدي إلى كسل فكري، وتُبعد الأفراد عن القراءة المتأنية والبحث الجاد.
تحفيز الطلبة على القراءة
لإعادة إحياء ثقافة القراءة، لا بد من زرع حب القراءة في نفوس الأجيال الناشئة، وهذا يمكن تحقيقه من خلال برامج تحفيزية تستهدف الطلبة في المدارس، يمكن تنظيم ندوات أو محاضرات كبيرة حيث يتم تخصيص قاعة يومية لطلاب المدارس، يدعون فيها أولياء الأمور للحضور، في هذه القاعات، يُطلب من كل طالب أن يقرأ أمام الحضور، مما يساعدهم على بناء الثقة بأنفسهم يومًا بعد يوم، هذا النوع من التحدي يعزز شعور الطالب بالإنجاز والتفوق، ويغرس في قلبه حب القراءة، لما فيها من متعة واكتشاف وتحدٍ شخصي.
عندما يرى الطالب تأثير ما يقرأه في نفسه، ويشعر بالفخر أثناء تقديمه أمام جمهور من الأقران وأولياء الأمور، يصبح أكثر انخراطًا في القراءة، كما أن هذا الأسلوب يعزز من حب المنافسة الإيجابية بين الطلاب، حيث يسعى كل واحد منهم لأن يظهر بأفضل صورة أمام الجميع.
مسؤولية المؤسسات نحو “أمة إقرأ”
لإعادة بناء “أمة إقرأ”، يجب أن تتضافر الجهود بين المؤسسات الحكومية والخاصة، دور الحكومة يتجسد في إنشاء البنية التحتية للقراءة، مثل المكتبات العامة، وتقديم برامج لتحفيز الشباب على القراءة، مثل المسابقات الأدبية والأنشطة الثقافية، أما الشركات والمؤسسات الخاصة فيمكنها دعم هذه المبادرات ورعاية الفعاليات الثقافية، كما أن دور المجتمع والأسرة لا يقل أهمية، فالتربية على حب القراءة تبدأ من المنزل.
الخاتمة
نحن “أمة إقرأ”، ومن واجبنا أن نعيد لهذه الكلمة معناها الحقيقي، القراءة ليست مجرد نصوص تُنقل من هاتف إلى آخر، بل هي عملية تفكير وتأمل واكتشاف، مسؤوليتنا اليوم هي أن نعمل معًا، كأفراد ومؤسسات، لنشر ثقافة القراءة الحقيقية، وتعليم الأجيال الناشئة أن القراءة ليست عبئًا، بل هي مفتاح لكل ما هو جميل ومفيد في هذا العالم، القراءة هي التحدي الذي يجب أن نخوضه جميعًا، وهي الجسر الذي سيربط بين حاضرنا ومستقبلنا المشرق.
الكاتب/ حمدان بن هاشل بن علي العدوي
عضو الجمعية العمانية للكتاب والأدباء