في إطار التطور التشريعي المستمر الذي شهدته قوانين الجنسية في دولة الكويت، تبرز المادة 8 من قانون الجنسية الكويتي كنقطة محورية في تنظيم منح الجنسية للمرأة الأجنبية المتزوجة من مواطن كويتي.
تتناول النصوص التالية مسار التعديلات التي طرأت على هذه المادة بدءاً من إصدار المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959 وصولاً إلى التعديل الأخير في عام 2024.
وتعرض هذه النصوص تحليلاً قانونياً دقيقاً لآلية منح الجنسية، الأداة التشريعية المستخدمة، والظروف التي قد تؤثر في منح أو سحب الجنسية، بما يعكس التوجهات القانونية المختلفة التي تم تبنيها في سياق حماية الهوية الوطنية وضمان وحدة الأسرة.
فقد تداولت بعض الأنباء حول نية الحكومة سحب الجنسية من الزوجة الأجنبية المتزوجة من مواطن كويتي، والتي حصلت على الجنسية بموجب المادة 8 من قانون الجنسية، وتعددت الأسباب المحتملة التي قد تؤدي إلى هذا القرار، حيث رجح البعض وجود شبهة تزوير في منح الجنسية للمرأة الأجنبية المتزوجة من كويتي، بينما أشار آخرون إلى أن سحب الجنسية قد يكون مرتبطاً بعدم صحة الإجراءات القانونية التي تمت بموجبها عملية منح الجنسية، خاصة في حال تم منحها بقرار من وزير الداخلية بدلاً من اتباع الآلية القانونية المعتمدة.
وفي 14 ديسمبر 1959، صدر المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959، الذي تضمن قانون الجنسية الكويتي، والذي تضمن في مادته 8 أحكاماً تتعلق بالجنسية بالنسبة للمرأة الأجنبية المتزوجة من كويتي، وفقاً لهذه المادة، تمنح المرأة الأجنبية التي تتزوج من كويتي الجنسية الكويتية بشكل تلقائي، إلا إذا اختارت الاحتفاظ بجنسيتها الأصلية عن طريق إعلان رسمي خلال سنة من تاريخ عقد الزواجـ أما بالنسبة للنساء الأجنبيات اللواتي تزوجن من كويتي قبل صدور هذا القانون، فإن فترة السنة تبدأ من تاريخ نشره.
بالتالي، إن هذا الإجراء كان يعكس نهجاً تشريعياً هدف إلى تعزيز الاستقرار الأسري والوحدة بين أفراد الأسرة الكويتية، من خلال الحد من التباين في الجنسية بين الزوج والزوجة وأفراد الأسرةـ وبذلك، يسعى المشرع الكويتي إلى تحقيق المساواة بين أفراد الأسرة ذات الجنسية المختلفة، وتفادي حدوث أي نوع من التفكك الأسري بسبب اختلاف الجنسيات.
كما تم تعديل المادة 8 من قانون الجنسية الكويتي بموجب القانون رقم 70 لسنة 1966، الذي دخل حيز التنفيذ في 6 يوليو 1966، ليعدل بعض أحكام المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959، وفقاً لهذا التعديل، أصبحت المرأة الأجنبية المتزوجة من كويتي لا تُمنح الجنسية الكويتية بشكل تلقائي كما كان في السابق، بل يتطلب الأمر إعلاناً رسمياً من زوجة المواطن الكويتي إلى وزير الداخلية برغبتها في اكتساب الجنسية الكويتية، كما اشترط التعديل أن تستمر الزوجية لمدة لا تقل عن خمس سنوات من تاريخ إعلان رغبتها، ليترتب بعدها منح الجنسية.
وجدير بالذكر أن في إطار هذه التعديلات، منح القانون وزير الداخلية صلاحية إعفاء المرأة الأجنبية من الالتزام بهذه المدة أو تقليصها، إضافة إلى ذلك، يحق لوزير الداخلية خلال هذه المدة اتخاذ قرار بحرمان المرأة الأجنبية من اكتساب الجنسية الكويتية في حال تم التأكد من وجود مبررات قانونية تدعو إلى ذلك، بما في ذلك التقدير بأن العلاقة الزوجية قد انتهت أو لم تكن قائمة كما كان يُفترض.
وهذا يعني أن هذا التعديل يعكس تغييرات مهمة في سياسة منح الجنسية في الكويت، حيث أُعطيت للسلطات التنفيذية مزيد من المرونة في تحديد الشروط المتعلقة بالجنسية للمرأة الأجنبية المتزوجة من كويتي.
وفي تعديل المادة 8 من قانون الجنسية الكويتي في عام 1966، لاحظ المشرع أن التغيير الأساسي كان في اشتراط إعلان الزوجة الأجنبية عن رغبتها المبدئية في الحصول على الجنسية الكويتية، وهو ما لم يكن مفروضاً بموجب النص الأصلي للمادة في قانون 1959، حيث كانت المادة 8 من القانون السابق تمنح الجنسية للمرأة الأجنبية بشكل تلقائي بمجرد الزواج من كويتي، إلا إذا قررت الاحتفاظ بجنسيتها الأصلية.
أما في التعديل الذي أُدخل بموجب قانون رقم 70 لسنة 1966، فقد أصبح من الضروري أن تقوم الزوجة الأجنبية بإعلان رغبتها في اكتساب الجنسية الكويتية بشكل رسمي إلى وزير الداخلية، كما أن القانون الجديد أضاف شرطاً آخر يتعلق باستمرار الحياة الزوجية لمدة لا تقل عن خمس سنوات من تاريخ إعلان رغبتها.
وفيما يخص سلطة منح الجنسية، فإن التعديل قد منح وزير الداخلية صلاحية اتخاذ قرار بشأن تقليص هذه المدة أو إعفاء الزوجة من متطلباتها، وكذلك اتخاذ قرار بحرمانها من الجنسية الكويتية إذا ارتأى ذلك، مما يضفي مزيداً من المرونة والسلطة التنفيذية على عملية منح الجنسية للزوجة الأجنبية.
بالتالي إن هذه التعديلات تتماشى مع رغبة المشرع في تنظيم عملية منح الجنسية وفق شروط قانونية أكثر دقة، بما يعكس التوازن بين حقوق الأفراد وضرورة حماية مصالح الدولة.
وقد تم تعديل المادة 8 من قانون الجنسية الكويتي مجدداً بموجب المرسوم بالقانون رقم 100 لسنة 1980، الذي صدر في 20 ديسمبر 1980 خلال فترة حل المجلس، حيث نص التعديل على أن “زواج المرأة الأجنبية من كويتي لا يترتب عليه اكتسابها الجنسية الكويتية تلقائياً، بل يتطلب إعلانها عن رغبتها في الحصول على الجنسية إلى وزير الداخلية، مع اشتراط استمرار الحياة الزوجية لمدة لا تقل عن خمس سنوات من تاريخ هذا الإعلان، كما منح التعديل وزير الداخلية صلاحية اتخاذ قرار بحرمان الزوجة الأجنبية من الجنسية الكويتية المرتبطة بزواجها، وذلك قبل منحها شهادة الجنسية، بالإضافة إلى ذلك، أتاح القانون للوزير إمكانية الإعفاء من هذه المدة أو تقليصها وفقاً لما يراه مناسباً، أما في حال انتهت العلاقة الزوجية قبل انقضاء المدة المذكورة بسبب الوفاة أو الطلاق، وكان للمرأة الأجنبية أبناء من زوجها الكويتي، وكان لها إقامة مستمرة في الكويت حتى انقضاء هذه المدة، فإن القانون يجيز منحها الجنسية الكويتية بموجب مرسوم يصدر بناء على عرض وزير الداخلية.
ويعكس هذا التعديل تطوراً في تنظيم عملية منح الجنسية للزوجات الأجنبيات، حيث يضع شروطاً أكثر وضوحاً ويمنح السلطة التنفيذية مرونة أكبر في اتخاذ القرارات بشأن منح الجنسية أو عدم منحها، بما يتوافق مع مصلحة الدولة وأوضاع الأسرة الكويتية.
وقد جاء تعديل المادة 8 من قانون الجنسية بموجب المرسوم بالقانون رقم 100 لسنة 1980 ليحافظ على الأحكام والشروط التي تضمنها التعديل الذي أُدخل على المادة 8 في عام 1966، خاصة في الفقرة الأولى، حيث استمر العمل بتلك الشروط المتعلقة باكتساب المرأة الأجنبية الجنسية الكويتية بناءً على إعلانها عن رغبتها، بالإضافة إلى ضرورة استمرار الحياة الزوجية لمدة خمس سنوات، إلا أن التعديل الجديد في عام 1980 أضاف حكماً جديداً في الفقرة الثانية يختص بالحالات التي تنتهي فيها العلاقة الزوجية قبل انقضاء تلك المدة.
كما نص التعديل على أنه في حالة انتهاء الحياة الزوجية بسبب الوفاة أو الطلاق قبل انقضاء الخمس سنوات، يحق للمرأة الأجنبية أن تقدم طلباً للحصول على الجنسية الكويتية، على أن يتم منح الجنسية لها من خلال مرسوم يصدر عن أمير البلاد، وليس بقرار من وزير الداخلية كما في الفقرة الأولى، بالتالي إن هذا التغيير في الأداة القانونية التي تصدر من خلالها الجنسية يعكس التمييز بين حالتين: الأولى عندما تكون الحياة الزوجية مستمرة، والثانية عندما تنتهي قبل مرور المدة المحددة، في الحالة الأولى، يتم منح الجنسية بناء على قرار إداري من وزير الداخلية، أما في الحالة الثانية، وفي حال رغبت المرأة في الحصول على الجنسية بعد طلاقها أو وفاة زوجها، فإنه يتم منحها بموجب مرسوم، وفقاً لآلية مشابهة لتلك التي تنطبق على الأجانب الراغبين في الحصول على الجنسية، وذلك تحقيقاً للمساواة بين الحالات المختلفة.
هذا التعديل في عام 1980 يعكس التطور التشريعي الذي يتطلب التمييز بين الحالات الزوجية القائمة والزوجية التي انتهت، ويمنح للمرأة الأجنبية حقوقًا إضافية عند انتهاء الزوجية تحت ظروف معينة، مما يعكس مرونة في تطبيق أحكام قانون الجنسية بما يتماشى مع مصلحة الدولة وأوضاع الأسرة الكويتية.
وتم تعديل المادة 8 من قانون الجنسية بموجب المرسوم بالقانون رقم 40 لسنة 1987 بتاريخ 27 يوليو 1987، والذي صدر في فترة حل المجلس، وقد تضمن هذا التعديل تعديلاً جوهرياً في شروط منح المرأة الأجنبية المتزوجة من كويتي الجنسية الكويتية، وفقاً لهذا التعديل، فإنه لا يتم منح المرأة الأجنبية الجنسية الكويتية إلا إذا أعلنت رغبتها في اكتسابها واستمرت الحياة الزوجية لمدة خمس عشرة سنة من تاريخ إعلان رغبتها، كما منح التعديل وزير الداخلية صلاحية إعفاء المرأة من هذه المدة أو تقليصها، بناءً على اقتراحه.
وفي حالة انتهاء الحياة الزوجية قبل انقضاء المدة المحددة بسبب الوفاة أو الطلاق، ووجود أبناء للمرأة الأجنبية من زوجها الكويتي، على أن تظل مقيمة بالكويت إقامة مشروعة ومستقرة حتى انتهاء المدة، فيجوز منحها الجنسية الكويتية بموجب مرسوم يصدر بناء على عرض وزير الداخلية.
وبهذا التعديل، أصبح من الممكن منح الجنسية بناء على مرسوم خاص يصدر في حالات معينة، مع إعطاء مزيد من المرونة في تطبيق المدة المحددة للاحتفاظ بالجنسية، كما تضمن التعديل مزيداً من الاستثناءات للحالات التي تنتهي فيها العلاقة الزوجية قبل مرور المدة، لتشمل الحالات التي فيها أبناء من الزوج الكويتي، بما يتماشى مع المبادئ التي تحرص على استقرار الأسرة وحماية حقوق الأفراد المقيمين بشكل دائم في الكويت.
هذا التعديل الذي أُدخل على المادة 8 من قانون الجنسية بموجب المرسوم بالقانون رقم 40 لسنة 1987 جاء بمقتضى أحكام جديدة تختلف عن التعديلات السابقة التي جرت في عامي 1966 و1980، حيث تميز التعديل لعام 1987 عن سابقيه في عدة جوانب جوهرية، أولاً، فقد نص التعديل على أن منح الجنسية للمرأة الأجنبية المتزوجة من مواطن كويتي يتم من خلال مرسوم يصدر بناءً على عرض وزير الداخلية، مما يختلف تماماً عن الآلية السابقة التي كانت تتيح منح الجنسية بقرار من وزير الداخلية كما هو منصوص عليه في التعديلات السابقة.
الأمر الثاني، أن هذا التعديل الذي أبرم في عام 1987 ليشترط زيادة مدة استمرارية الحياة الزوجية من 5 سنوات، التي كانت منصوصاً عليها في التعديلات السابقة لعامي 1966 و1980، إلى 15 سنة، وهو ما يعكس تغيّراً في السياسة المتبعة بشأن مدة العلاقة الزوجية التي تشترطها الدولة لمنح الجنسية.
وبذلك، فإن التعديل الذي أُدخل في عام 1987 قد غيّر بشكل جذري من الأسس التي كانت تحكم منح الجنسية للمرأة الأجنبية المتزوجة من كويتي، سواء من حيث الأداة القانونية المتبعة (المرسوم بدلاً من القرار) أو من حيث المدة الزمنية المطلوبة لاستمرارية الحياة الزوجية، مما يعكس تطوراً في المعايير القانونية المتبعة في هذا الشأن.
جدير بالملاحظة أن التعديل الذي أدخل في عام 1987 على المادة 8 من قانون الجنسية قد استهدف تحديد أداة منح الجنسية للمرأة الأجنبية المتزوجة من كويتي عبر مرسوم، بدلاً من أن يكون ذلك من خلال قرار يصدره وزير الداخلية، كما كان معمولاً به في التعديلات السابقة، هذا التغيير كان يعكس رغبة المشرع في وضع آلية أكثر رسمية ومؤسسية لمنح الجنسية، بحيث يتم التصديق على ذلك من خلال مرسوم حكومي، وهو ما يتماشى مع الأطر القانونية الأخرى الخاصة بمنح الجنسية في الكويت.
إلا أن هذا التعديل لم يدم طويلاً في التطبيق، حيث تم تغييره أو تعديله في فترات لاحقة، مما يعكس تحولاً في السياسة القانونية المتعلقة بمنح الجنسية للأجانب المتزوجين من المواطنين الكويتيين.
أما في عام 1995، تم تقديم المرسوم بقانون رقم 40 لسنة 1987 بشأن تعديل بعض مواد قانون الجنسية، بما في ذلك المادة 8، إلى مجلس الأمة، وحسب الإجراءات الدستورية، كان المرسوم يتطلب عرضه على المجلس لإقراره أو إلغائه، وفي جلسته بتاريخ 4 يوليو 1995، قرر المجلس عدم الموافقة على المرسوم، مما أدى إلى رفض التعديلات المقترحة. وتم نشر قرار المجلس بعدم إقرار التعديل في الجريدة الرسمية “الكويت اليوم”، وبناءً على ذلك، عاد العمل بالمادة 8 كما كانت عليه بموجب المرسوم بقانون رقم 100 لسنة 1980، مع استمرار تطبيق النصوص السابقة دون التعديل الذي أدخل في 1987.
وفي سبتمبر من العام 2024، أعلن مجلس الوزراء عن تعديل جديد للمادة 8 من قانون الجنسية، والذي يتناقض مع التعديلات السابقة في هذا المجال. وبموجب هذا التعديل، تم تحديد أنه لا يترتب على اكتساب الأجنبي الجنسية الكويتية أن تصبح زوجته كويتية، كما أنه لا يترتب على زواج المرأة الأجنبية من كويتي منحها الجنسية الكويتية تلقائياً، وقد جاء هذا التعديل في إطار توجه أكثر تشدداً في منح الجنسية للزوجات الأجنبيات، مما يعكس تغييراً في سياسة الدولة تجاه هذا الموضوع مقارنة باللوائح السابقة التي كانت تمنح الزوجة الأجنبية الجنسية الكويتية في حالات معينة.
ختاماً، يتبين من التعديلات المتتالية على المادة 8 من قانون الجنسية الكويتي أن التشريع الكويتي قد خضع لتطورات مستمرة استجابة للظروف السياسية والاجتماعية، حيث كانت تلك التعديلات تعكس توازناً بين حماية الهوية الوطنية وتعزيز الاستقرار الأسري، ورغم التوجه الأخير الذي يميل إلى التشدد في منح الجنسية للزوجات الأجنبيات، إلا أن هذا التعديل يطرح تساؤلات قانونية مهمة حول ما إذا كان يتوافق مع المبادئ الدستورية المتعلقة بالمساواة والعدالة.
من منظور قانوني، يمكن القول إن التعديلات التي تتطلب شروطاً صارمة قد تؤدي إلى الإضرار بالحقوق الإنسانية للأفراد، ولا سيما في ظل وجود روابط أسرية قوية بين المواطنين الكويتيين وزوجاتهم الأجنبيات، كما أن التوجه نحو المنح بموجب مراسيم قد يتعارض مع مبدأ الاستقرار القانوني، مما يثير ضرورة إعادة النظر في هذا التعديل في المستقبل بما يحقق توازناً أكثر عدلاً بين المصلحة الوطنية وحماية الحقوق الشخصية للأفراد.
عبد العزيز بدر عبد الله القطان / مستشار قانوني – الكويت.