يعد موضوع الجنسية من المواضيع القانونية ذات الأهمية البالغة، حيث يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم المواطنة وحقوق الأفراد، ويشكل جزءاً أساسياً من الاستقرار الاجتماعي والقانوني في أي دولة.
وفي الكويت، يكتسب هذا الموضوع بعداً خاصاً بسبب القوانين والإجراءات المتعلقة بمنح وسحب الجنسية، والتي تستند إلى نصوص دستورية وقانونية تهدف إلى تنظيم هذا الشأن بما يحفظ حقوق الأفراد ويحقق العدالة، إن الإجراءات المتعلقة بسحب الجنسية قد تثير العديد من التساؤلات القانونية والدستورية، خصوصاً عندما تتعلق بحالات تم الحصول فيها على الجنسية بطرق سليمة وأخرى ربما شابتها أخطاء أو تزوير، لذلك، فإن معالجة هذا الموضوع تتطلب توافقاً بين ضمانات حقوق الإنسان والالتزام بالقوانين الوطنية والدولية، بهدف تحقيق توازن بين الحفاظ على أمن الدولة وحماية الحقوق الفردية.
وبافتراض وجود جدل حول تفسير المادة 8 من قانون الجنسية لعام 1980، خاصة فيما يتعلق بالجهة المختصة بمنح الجنسية، سواء كان ذلك بقرار صادر عن وزير الداخلية أو بموجب مرسوم، فإن التطبيق العملي للقانون منذ صدوره يظهر أن وزراء الداخلية أصدروا قرارات متعددة بهذا الشأن. وقد أقر القضاء الكويتي بصحة هذه القرارات استناداً إلى نظرية الموظف الفعلي، التي تمنح مشروعية قانونية لتصرفات الموظف العام حتى في حال وجود خلل أو غموض في الاختصاص، وذلك حفاظاً على استقرار الأوضاع القانونية لمن صدرت لهم تلك القرارات وحماية حقوقهم.
ومن وجهة نظر قانونية، فإن منح وزير الداخلية هذا الاختصاص يُعتبر أمراً مستساغاً ومتماشياً مع النصوص القانونية والمذكرة الإيضاحية للقانون. فعبارات النص تتيح للوزير اتخاذ قرار منح الجنسية أو الامتناع عنه، وهو ما أكدته التطبيقات العملية منذ عام 1980. وبالتالي، فإن اعتماد صحة هذه القرارات لا يعكس فقط حرصاً على استقرار المراكز القانونية للأفراد، بل يؤكد أيضاً على ضرورة تأويل النصوص بما يضمن فعالية الأداء الإداري وتماسك النظام القانوني.
كما أثارت مؤخراً مسألة قانونية تتعلق بمدى صحة استمرار العمل بالمرسوم بالقانون رقم 40 لسنة 1987، وعدم إلغائه من قبل مجلس الأمة، حيث يرى البعض أن المراسيم التي تصدر أثناء حل مجلس الأمة تتناقض مع ما جاء في الدستور الكويتي. ذلك أن المادة 71 من الدستور تلزم عرض جميع القوانين التي تصدر خلال فترة الحل على المجلس بعد عودته لممارسة مهامه، ليقرها أو يرفضها. ووفقاً لهذا التفسير، يعتقد البعض أن مجلس الأمة الذي عاد في عام 1992 لا يملك الحق في النظر في القوانين التي صدرت خلال فترة حل المجلس في 1986، مما يؤدي إلى أن تلك القوانين تصبح لاغية من الناحية القانونية.
ومع ذلك، قامت الحكومات في عامي 1981 و 1992 بعرض المراسيم بقوانين على مجلس الأمة، مما جعل هذا الأمر بمثابة سابقة قانونية ثابتة. في عام 1995، رفض مجلس الأمة إقرار المرسوم بالقانون رقم 40 لسنة 1987، وعاد العمل بالقانون رقم 100 لسنة 1980 بشأن الجنسية، ليظل معمولاً به حتى اليوم. كما تم استقرار العديد من المبادئ الدستورية التي تنص على ضرورة عرض المراسيم بقوانين على مجلس الأمة بعد عودة عقد جلساته، سواء كانت هذه المراسيم تتفق مع نصوص الدستور أو تخالفها.
إن المعمول به هو أن القوانين التي لا يوافق عليها مجلس الأمة يتم إلغاؤها بشكل رسمي، بينما تبقى تلك التي يُصادق عليها سارية المفعول. فالمراسيم التي تصدر أثناء حل المجلس يجب أن تُعرض على مجلس الأمة بعد استئناف عمله، وهذا يعزز تطبيق مبدأ تكامل الدستور في جميع أدواره، ويعتبر ذلك بمثابة تعزيز للعرف الدستوري الكويتي.
وفي هذا السياق، إذا تم اعتبار أن القوانين التي تصدر أثناء حل مجلس الأمة تبقى نافذة حتى إقرارها من قبل المجلس، فإن ذلك قد يؤدي إلى حالة من الفوضى التشريعية، خاصةً في ظل وجود العديد من القوانين التي لم يتم إقرارها من قبل المجالس السابقة. هذا التوجه قد يعرقل الاستقرار التشريعي، ويؤدي إلى إرباك تطبيق القوانين في الدولة والمجتمع على حد سواء.
ويعتبر الحق المكتسب من المبادئ الأساسية للعدالة، حيث يهدف إلى حماية الاستقرار القانوني للأفراد الذين تم منحهم هذا الحق وفقاً للإجراءات القانونية السليمة. أي محاولة للتأثير على هذا الحق قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار القانوني للمراكز القانونية للأشخاص المعنيين، ما يهدد وضعهم القانوني ويخلق حالة من عدم اليقين بشأن حقوقهم. عند تطبيق هذا المبدأ على المادة 8 من قانون الجنسية لعام 1980، نجد أن كل من حصل على الجنسية بقرار من وزير الداخلية يجب اعتباره قد اكتسب حقاً مكتسباً وفقاً للقانون، وأي مساس بهذا الحق يعد تعدياً على مراكزهم القانونية المستقرة التي نشأت منذ اكتسابهم للجنسية.
هذا الأمر يصبح أكثر أهمية عندما نتحدث عن الأفراد الذين اكتسبوا الجنسية الكويتية كزوجات لأشخاص كويتيين، حيث أن الإجراءات التي تمت في حالاتهن كانت قانونية وسليمة. بعد حصولهن على الجنسية، خضن العديد من التصرفات القانونية بصفتهم كويتيات الجنسية، وتعاملن مع الجهات الرسمية والقطاع الخاص وجميع أفراد المجتمع كأفراد يحملون هذه الجنسية. وبالتالي، ترتب على هذه التصرفات العديد من الآثار القانونية التي تستدعي الحفاظ على استقرار مراكزهن القانونية.
كما تؤكد مبادئ حقوق الإنسان التي تنص عليها الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالجنسية على ضرورة التعامل بحذر بالغ مع مسألة فقدان الجنسية أو سحبها، وخاصة في الحالات التي تتعلق بعدم الجنسية. أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو حالة الزوجة الأجنبية التي تتزوج من مواطن كويتي ويتم سحب جنسيتها، حيث تجد نفسها في وضعية عدم الجنسية بسبب تخليها عن جنسيتها الأصلية، والتي كانت قد تخلت عنها بسبب القوانين الكويتية التي تمنع تعدد الجنسيات. في مثل هذه الحالات، تصبح المرأة غير حاملة لأي جنسية، سواء كانت جنسيتها الأصلية أو الجنسية الكويتية، ما يعرضها لمشاكل قانونية معقدة، خاصة في ظل وجود دول ترفض إعادة الجنسية بعد التخلي عنها. هذا الوضع يطرح تحديات قانونية كبيرة تتطلب معالجة دقيقة لضمان حماية حقوق الأفراد وتفادي وضعهم في حالة من العدمية القانونية.
بالتالي، إن قرارات سحب الجنسية من الزوجة الأجنبية التي حصلت عليها بناءً على إجراءات قانونية صحيحة تترتب عليها آثار قانونية واجتماعية بالغة الأهمية. فالزوجة الأجنبية المتزوجة من كويتي أصبحت جزءاً من نسيج المجتمع الكويتي، حيث تفاعلت مع عائلتها والمجتمع بشكل عام من خلال ما حصلت عليه من جنسية، مما أثر على علاقاتها الاجتماعية وأدى إلى تشكيل روابط قوية في المجتمع الكويتي. كما أن سحب الجنسية من الأمهات اللاتي حصلن على الجنسية منذ سنوات طويلة، سواء كانت 30 أو 40 سنة أو أكثر، يحمل تبعات اجتماعية كبيرة على الأسرة الكويتية، ويؤثر في الروابط الأسرية والعلاقات داخل المجتمع. هذه القرارات قد تؤدي إلى تشويه المراكز القانونية للأفراد الذين تربطهم علاقات اجتماعية وثيقة بالكويت، مما يستدعي التفكير بعناية في آثارها الطويلة المدى.
ومن الضروري إجراء تحقيق شامل للكشف عن التزوير في ملفات الجنسية بشكل عادل ومتوازن، وفقاً للضمانات التي يوفرها الدستور والقانون، خاصة في الحالات التي تم فيها منح الجنسية نتيجة لتزوير أو غش أو تدليس. يشمل ذلك ملفات الجنسية المتعلقة بزوجات الكويتيين منذ بدء تطبيق قانون الجنسية، بشرط أن يتم إثبات وجود التزوير أو التدليس أو الغش في تلك الملفات. من ناحية أخرى، يحق للسلطات وفقًا للقانون سحب الجنسية في حال وجود إخلال بالشروط المحددة في القانون، مثل الطلاق أو وفاة الزوج، مما يفتح المجال للقيام بالإجراءات القانونية اللازمة لضمان احترام هذه الشروط.
ومنح الجنسية للزوجة الأجنبية بقرار من وزير الداخلية تم وفق الإجراءات القانونية الصحيحة ولم يخالف الدستور أو القوانين المعمول بها أو الممارسات العملية المتبعة. ومن غير الجائز قانونًا سحب الجنسية من الزوجة الأجنبية التي تم منحها الجنسية من قبل وزير الداخلية، إلا في حالة ثبوت أن قرار المنح كان مبنيًا على التزوير، أو في حال وجود حالة قانونية محددة للسحب كما ينص عليها القانون رقم 100 لسنة 1980.
ويعد ملف الجنسية من الملفات ذات الحساسية البالغة، حيث يتداخل مع مفهوم المواطنة ويؤثر على بنية الأسرة كعنصر أساسي في المجتمع، الذي يحرص الدستور على دعمه وحمايته. كما أن أي قرار بسحب الجنسية يؤدي إلى آثار قانونية كبيرة على المواطن المعني. بالإضافة إلى ذلك، يرتبط هذا الملف بمبادئ تنازع القوانين والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ما يتطلب التفريق بين ضرورة التعامل الصارم مع من حصلوا على الجنسية من خلال التزوير، وبين الأفراد الذين نالوها بشكل قانوني سليم ومن خلال سلطة مختصة، مثل الزوجات الأجنبيات المتزوجات من كويتيين.
واستناداً إلى مبدأ العدالة الذي يكرسه دستور الكويت، وفي إطار تفعيل حق التقاضي المنصوص عليه في المادة 166 من الدستور، التي تكفل لجميع الأفراد حق اللجوء إلى القضاء وفقاً للإجراءات المنصوص عليها قانوناً، ومن أجل ضمان حصول كل فرد على حقوقه كاملة، فإننا نحث الحكومة على الإسراع في إصدار قانون يتيح للمحاكم الإدارية النظر في قرارات سحب وإسقاط الجنسية، بما يتماشى مع الممارسات القانونية الدولية في هذا الصدد.
في الختام، إن موضوع الجنسية وما يرتبط به من قرارات قانونية مثل منح الجنسية وسحبها يمثل حجر الزاوية في استقرار النظام القانوني والاجتماعي في أي دولة. وبالنظر إلى أهمية الجنسية في تحديد الهوية الوطنية والحقوق المدنية، فإنه من الضروري أن تظل الإجراءات المتبعة في هذا السياق متوافقة مع الدستور ومعايير حقوق الإنسان الدولية، لضمان العدالة والمساواة بين الأفراد. ينبغي على الجهات المختصة اتخاذ التدابير اللازمة لضمان الشفافية والنزاهة في إصدار القرارات المتعلقة بالجنسية، مع مراعاة المصلحة العامة وحماية حقوق المواطنين، وفي هذا السياق، يتعين تعزيز دور القضاء في مراجعة تلك القرارات لضمان عدم المساس بالحقوق المكتسبة، وإيجاد آليات قانونية تحمي الأفراد من أي تجاوزات قد تؤثر على مراكزهم القانونية.
عبد العزيز بدر عبد الله القطان / مستشار قانوني – الكويت.