لاشك أن ما يطلق عليها الآن منطقة الشرق الأوسط كانت وستظل مطمع لكل القوى الاستعمارية وفى القلب منها مصر . ودليل ذلك تاريخيا فقد مرت مصر طوال تاريخها بثلاث هجرات جماعية واثنين وخمسين غزوة حربية. ومع ذلك ظلت مصر تحافظ على تاريخها وحضارتها ووحدتها المصرية . ولذا قد صحت مقولة (أن مصر مقبرة الغزاة) .
فهل هناك تفسير ومبررات لتلك الرؤية أم انها حالة شوفونية تتملك كل المصريين ؟
بداية فتاريخ مصر كان تاريخ ماقبل التاريخ ولذا كانت مصر وبحق هى فجر الضمير ( بريستيد ) . فمنذ البداية ارتبط المصرى بالأرض التى أرتبطت بالنيل الذى خلق حالة استقرارية أنتجت الدولة المركزية المتفردة تاريخيا. كان المصرى من أوائل من عرفوا الدين والتدين وأيجاد العلاقة بين الإنسان وبين الأله أياكان شكل ومسمى ذلك الإله هنا امتزجت حياة المصرى بالدين والتدين فكانت فكرة الخلود فيما بعد الموت الشئ الذى أرتبط بأبداع حضارى مميز ومتفرد . فكانت بداية لتشكيل الشخصية الحضارية المصرية المرتبطة بالأرض والدين .
كان المصريون يؤمنون بالديانة المصرية القديمة. وعند دخول المسيحية أعتنق المصرى المسيحية بنكهة وبطعم مصرى حضارتا وفنا وعمارتا ولغتا فكانت مسيحية بهوية مصرية . ثم جاء الإسلام فانتقل مصريون من المسيحية الى الأسلام. وبنفس النكهة والطعم والهوية المصرية. هنا لابد من التوضيح أن هناك خلط غير صحيح من هنا وهناك بأن كل المصريين المسلمين كانوا وافدين مع دخول الإسلام مصر. وهذه نظرة خاطئة لا تخلو من نظرة طائفية لدى الرافضين للاخر . فالوافدين المسلمين من الجزيرة لايقارنوا بعدد المصريين المليونى حين ذاك.
هنا فمن كان يؤمن بالديانة المصرية القديمة مصرى ومن انتقل الى المسيحية فهو أيضا مصرى ومن ذهب إلى الأسلام فهو مصرى . ولذا فالحضارة المصرية ومكونات الشخصية الحضارية المصرية هى مكونات واحدة تأثرت بثقافات متعددة وحقبات تاريخية متكاملة ( يونانية رومانية قبطية إسلامية ) فكانت تلك التعددية الثقافية هى حالة ثراء للثقافة المصرية الواحدة والجامعة بعيدا عن المعتقد الدينى الذى اكتسب اجتماعيا الهوى المصرى الذى يميز التدين المسيحى والإسلامي عن أى تدين لمسيحى أو لمسلم اخر بعيدا عن مصر .
ولذا نرى الفن المصرى سواء كان تشكيلى أو موسيقى او معمارى ..الخ هو فن مصرى من أبداع المصرى المتأثر بالجغرافيا والتاريخ والعادات والتقاليد دون النظر لمعتقده الدينى .
هنا فهذه التركيبة الحضارية هى الضامن والحامى للتوحد المصرى على مدار التاريخ . ودليل ذلك فكل قوى الاستعمار وطوال التاريخ تستغل تلك التركيبة التعددية التقافية والدينية بهدف اللعب عليها لتفتيت الوطن . ولكن لامجيب. بالرغم من وجود حالات اضطهاد حقيقى للمصرى غير المسلم فى ظل أنظمة حكم كانت تحمل أسم الأسلام والأسلام منها بريء.
ومع ذلك لم تحدث أى حروب أهلية بين المصريين طوال تاريخها . وصولا لصدور الخط الهميونى عام ١٨٥٦ وذلك لأن الجينات الحضارية المصرية وحدت وتوحد بين المصرى أيا كان دينه أو شكله أو لونه والأهم أن المصرى كما أوضحنا هو ينتمى لعرق مصرى واحد . واذا كان قد لحق بتاريخ مصر أعراق أخرى فقد امتزجت وتمصرت وانصهرت فى اطار الحضارة المصرية الجامعة. هذا هو التاريخ وتلك هى الأصول . ولكن هل سيترك الاستعمار والغاصبين مصر بعيدا عن مؤامراتهم ؟ بالطبع لا .
ولذا لن نعتمد على التاريخ وحسب ولكن لابد من سد كل الثغرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجهوية والقبلية والطائفية حتى لا نعطى المؤامرة أى فرصة أو ثغرة للاختراق .
حمى الله مصر وشعبها العظيم وطنا لكل المصريين .
جمال أسعد