بقلم : د. صالح بن عبدالله الخمياسي
تزامل عصام و سالم في الدراسة الجامعية و شاءت الأقدار أن تجمعهما ثانية للعمل في مؤسسة واحدة . كانت الأشهر الأولى من حياتهما المهنية عبارة عن فترة يختبر من خلالها الموظف وفقا لمقتضى المادة 37 من قانون العمل و التي تنص على ” تحدد فترة اختبار العامل فـي عقد العمل إن وجدت بشرط ألأ تزيد على (3) ثلاثة أشهر لمن يتقاضى أجره شهريا، ولمدة لأ تزيد على (2) شهرين لمن يتقاضى أجره خلاف ذلك ، ولأ يجوز وضع العامل تحت الأختبار أكثر من مرة لدى نفس صاحب العمل، وتدخل فترة الأختبار إذا اجتازها العامل بنجاح فـي مدة خدمته.ويجوز لأي من طرفـي العقد إنهاؤه خلال فترة الأختبار إذا ثبت عدم ملاءمة الأستمرار فـي العمل، وذلك بعد إخطار الطرف الأآخر بـ (7) سبعة أيام على الأأقل.”.
إجتهد فيها عصام و حرص على الإستفادة منها بأقصى حد ممكن بينما تخاذل خلالها سالم فلم يكترث على العكس من مما تبناه زميله عصام من توجه فكري.
كان عصام يرى أن عليه الإجتهاد و إثبات كفاءته و تعلم الكثير عن المؤسسة و أعضاء الفريق و بناء علاقات معهم و الاستفسار عن ما لا يعرفه بشأن طبيعة عمله و المهام الموضحة ببطاقة الوصف الوظيفي الخاصة بوظيفته . بينما إتخذ سالم منحى آخر فهو يرى بأنه لا داعي لتلك العجله سيتعلم بمرور الأيام فكلما أخبره زميله عصام بما كان يعمل قال له يا أخي تو الناس لا حقين على هذا ليش مستعجل.
مرت الأيام و قربت نهاية تلك الفترة التجريبية فجاءت نتائج تقييم اداء عصام توحي بأنه شغوف في عمله ، و إيجابيا في سلوكه و متعاونا مع زملاءه و حريصا على اداء مهامه في الوقت و بالجودة المطلوبه و يسعى دائما لتعلم الجديد.
على النقيض من ذلك أشار ت نتائج تقييم سالم إلى ان عليه أن يغير من توجهه الفكري تجاه اداء العمل في الوقت المحدد إذ كان دائما ما يسلم عمله بعد الوقت المحدد و لا ينم عمله عن تركيزه على التفاصيل فقد أثبتت فترة الإختبار أنه غير دقيق في عمله. فكان قرار الإدارة أن ثبثت عصام في عمله بينما تمت التوصية بأن يركز سالم جهده في تلافي هذه الفجوات و أن يعمل على رفع مستوى أداءه و تحسين انضباطه في العمل و السعي للاندماج و العمل بروح الفريق.
من خلال تجربة عصام و سالم في التعامل مع فترة الإختبار في بداية عملهما يتضح أن هذه الفترة تعد مرحلة حاسمة في حياة الموظف المهنية، فهي تتيح للموظف وصاحب العمل فرصة لتقييم مدى توافقهما. فهي ليست مجرد إجراء روتيني كما يحلو للبعض التفكير ، بل فرصة حقيقية لإثبات الكفاءة والاندماج في بيئة العمل و الإبحار في المسار المهني بشغف و طموح.
أولًا: مدة فترة الاختبار في سوق العمل
تختلف مدة فترة الاختبار من دولة إلى أخرى ومن شركة إلى أخرى، ولكن وفقًا لقانون العمل العماني بشرط ألأ تزيد على (3) ثلاثة أشهر لمن يتقاضى أجره شهريا، ولمدة لأ تزيد على (2) شهرين لمن يتقاضى أجره خلاف ذلك.
. يتم تحديد هذه الفترة في عقد العمل،
يجوز لأي من طرفـي العقد إنهاؤه خلال فترة الأختبار إذا ثبت عدم ملاءمة الأستمرار فـي العمل، وذلك بعد إخطار الطرف الأآخر بـ (7) سبعة أيام على الأأقل..
ثانيًا: أهمية فترة الاختبار
إن هذه الفترة هي فترة إختبار كما يطلق عليها و يجب عدم التساهل و الاسترخاء خلالها بل التعامل معها من هذا المنظور فهي تلعب دورًا محوريا في تقييم مدى نجاح الموظف في أداء وظيفته، حيث تساعد في:
1. تمنح لصاحب العمل قياس مدى كفاءة الموظف في إنجاز مهامه و معرفة ما لديه من مهارات و معرفة أين تكمن الفجوةً من حيث الاداء فهي فرصة لتقييم أداء الموظف والعمل على تحسينه قبل التثبيت.
2. تساعد على معرفة مدى انسجام الموظف مع بيئة العمل وثقافة الشركة وً ما تحتمهً عليه من سلوك .
٣- تمنح هذه الفترة الموظف الفرصة لتحديد ما إذا كانت الوظيفة تتناسب مع تطلعاته المهنية.
٣- تكسب الموظف خبرة عملية جديدة تساعده على تطوير مهاراته المهنية و تمكنه من بناء شبكة علاقات مهنية داخل الشركة، مما يسهل عملية الاندماج.و فهم بيئة العمل والتأكد من مدى ملاءمتها له. كما تتيح له فرصة إثبات جدارته من خلال تحقيق نتائج ملموسة تعزز فرص تثبيته.
ثالثا: كيفية وضع خطة للاستفادة من فترة الاختبار
بينما كان سالم يتعامل مع هذه الفترة بخطى بطيئة دأب زميلةً عصام على وضع خطة ذات أهداف واضحةً تضمن له تحقيق ما يصبو إليه من نجاح خلالها . كان دائماً ما يقبل على عمله بإيجابية واضعا في ذهنه تحقيق أهدافه من خلال التالي :
- فهم دوره الوظيفي والمسؤوليات المطلوبة منه بدقة و العمل على قراءة الوصف الوظيفي بعناية وتحديد الأولويات.
- تقديم أداء متميز من خلال تنفيذ المهام بكفاءة وسرعةو العمل على إظهار الالتزام والانضباط في الحضور والوقت كما سعى للبحث عن طرق لتحسين الأداء وتقديم أفكار جديدة.
- سعى إلى بناء علاقات مهنية قوية من خلال تعاونه مع الزملاء والتواصل الفعال مع المدراء و المشرفين و طلب المشورة والتعلم من ذوي الخبرة و إظهار روح الفريق والمساهمة في بيئة عمل إيجابية.
- جعل عادة التعلم و التطور المستمر إحدى السمات التي تميزه و تجذب الأنظار إليه فقد حرص على الإستفادة من فترة الاختبار لاكتساب مهارات جديدة و الحرص على الجلوس مع ذوي الخبرة لينهل من خبراتهم و تلقي نصائحهم فهو يدرك أن التغذية الراجعة هي الغذاء الذي يقتاته الأبطال.
- لقد أظهر حرصه على المبادرة من خلال العمل بكفاءة دون الحاجة إلى توجيه مستمر و العمل على تقديم حلول للمشكلات و تخطي التحديات عوضا عن الإستسلام لها و جعلها تثبط همته و تعيق مساره.
- دأب على تقييم ذاته و التعرف على مدى رضاه عن الوظيفة وبيئة العمل و أخذ يخطط لكيفية النمو و التطور في الشركة و الحرص على الإستفادة من كافة الميزات و التسهيلات التي توفرها الشركة لموظفيها.
لقد ادرك عصام أن فترة الاختبار ليست مجرد مرحلة تقييمية، بل هي ًفرصة ذهبية لإثبات الكفاءة والتميز في بيئة العمل ، فمن خطته التي تبناها تمكن من تجاوز فترة الاختبار بنجاح و تكللت بتثبيته على رأس عمله و فتحت أمامه آفاقًا مهنية واعدة جعلته يروج نفسه كأحد المواهب التي تفخر بها الشركة و تحرص على احتواءها.
خاتمة
تعد هذه الفترة فرصة إختبار لكل من الموظف وصاحب العمل لتقييم العلاقة الوظيفية قبل الالتزام الكامل ، فخلال هذه الفترة يتم تقييم مهارات الموظف، و مدى التزامه، وقدرته على التكيف مع ثقافة العمل.كما تتيح مرونة لإنهاء العقد خلال هذه الفترة دون إشعار مسبق أو تعويضات و هي فرصة مهمة للتدريب و التطوير و إكتساب المهارات ، لذا يتم توجيه الموظف خلال هذه الفترة لفهم مهامه ومسؤولياته.
هنا لابد من أن نهمس في آذان من هم في هذه الفترة الاختبارية بضرورة التحلي بالتواضع و الاستعداد للتعلم حتى لو إمتلكوا خبرة سابقة، فإن كل شركة لديها طريقتها الخاصة في العمل. كما يجب عليهم عدم التردد في طرح الاستفسارات على مدراءهم او زملاءهم و التواصل معهم بفعالية ووضوح.و السعي إلى تحويل فترة الإختبار إلى نقطة انطلاق ناجحة من خلال التحلي بالإيجابية و التعامل مع التحديات التي تعترض طريقهم بعقل متفتح و روح إيجابية فهي فرصة ذهبية للموظف لإثبات نفسه وبناء أساس قوي لمسيرتهم المهنية في الشركة بالتركيز على التعلم والتطوير لإكتساب المهارات التي تجعلهم يحلقون وراء احلامهم. نعم إنها فترة إختبارية لكنها تقتضي الجدية.
د.صالح الخمياسي باحث و مدرب و كوتش في مجال القيادة الذاتية.