د. صالح بن عبدالله الخمياسي
منذ أن ترى أعيننا النور إلى أن نخلد للنوم ثانية نتفاعل في تعاملاتنا ا ليومية مع العديد من البشر . أصناف متعددة يختلف الواحد منهم عن الآخر من حيث العمر و الجنس و الجنسيات و الثقافات و الأمزجة و غيرها من مواطن الإختلاف.
إن مثل هذه الإختلافات قد تكون مدعاة للشقاق و الفرقة او التقارب و التعايش و التفاهم و تحكيم العقل و اللجوء إلى الحوار الهادف و الإنصات الفعال و الحرص على فهم بعضنا بعض بهدوء و روية تجسد الحلم في تعاملاتنا مع بعضنا البعض فالحلم سيد الأخلاق.
تعالوا نرى مشهد التفاعل البشري بين موظفي خدمات المشتركين في المؤسسات و متلقي الخدمة على إختلاف مشاربهم .
إن متلقي الخدمة مهما كان تعامل البعض منهم فضا او قاسيا مع الموظفين فهم يظلون كما يقال دائما على حق و من هنا تأتي ضرورة إحتواء حالاتهم المزاجيه خاصة عند التعامل مع ذوي الطباع الصعبة منهم حيث تأتي الحنكة و الكياسة ثمارها في ديمومةً التفاعل الهادئ فهم يدرون على المؤسسات إيرادات تعينها على تحقيق أرباحها.
من أجل ذلك تتولى المؤسسات تدريب موظفيها على سبل التعامل مع المشتركين و تمكينهم من الحصول على المهارات الناعمة التي تعينهم على التعامل مع كافة أنماط الشخصيات و المواقف لإحتواء المحادثات الصعبه و التأكيد لهؤلاء الموظفين بأن تعيينهم في تلك المؤسسات جاء لخدمة هؤلاء المشتركين على إختلاف مشاربهم و الرد على إستفساراتهم و ايجاد الحلول لما يعترضهم من تحديات ذات علاقة بعدم رضاهم عن جودة الخدمة المقدمة لهم فمهما كان سلوك المشترك قاسيا لابد من إحتواء الموقف.
لذا يتم التأكيد لذلك الموظف بأنه قد تختلف أسباب قسوة تعامل المشتركًين و حدة مزاج البعض منهم و لكن عليك أن تكون حليما عند تعامله معهم.فالحلم سيد الأخلاق .
إن رد الإساءة بالإساءة او التجهم في وجوههم و النظر إليهم و كأنهم حمل ثقيل لا ينم عن توجه إيجابي و يجافي مبدأ الخدمة ، إذ أن رضا المشترك الذي من أجله وجدت الخدمه يعد مؤشرا لجودة تلك الخدمة و ما يولده التعامل مع المشترك من إنطباع و تجربة يشاطرها غيره وهو يرويها قصص متواترةً لزملاءه عن زيارته للمؤسسة.
بالتالي لابد لموظف قسم خدمة المشتركين و هو يؤدي الخدمة المنشودة من التحلي بالصبر والهدوء وضبط النفس،و تجنب الغضب و عدم التسرع في ردود أفعاله عند مواجهة المواقف الصعبة.
على الموظف لكي يحقق رضا المشترك التفكير بحكمة و التعامل مع المشتركين برفق ولطف، حتى لو أخطأ أحدهم و أساء التعامل خلال عملية التواصل بينهما.
ان تجسد الحِلم في تعاملك يعني القدرة على التعامل مع الضغوط والتحديات، مثل شكاوى العملاء أو المواقف المستفزة، بروح هادئة ومتزنة دون انفعال أو عصبية.
خلال حديث مع أحد الزملاء أخبرني بأنهم يتعرضون لحوارات صعبه مع بعض المراجعين قد يكون دافعها الغضب او التنمر او عدم المعرفة بالإجراءات . أسترسل الزميل في الحديث قائلا ، تصدق بعض الأحيان نسمع كلام جارحً لدرجةً أنني أفكر في أن اترك الوظيفه و لا هذا الذل. قلت له هون عليك فأن من يسئ التعامل مع الآخرين يعبر عن نفسه في المقام الأول. كن حليما و تميز في إحتواءك للموقف.
نحن سخرنا لخدمة العملاء فهم دائما على حق. بل هم ضيوفنا فلابد من ان نشعرهم بالترحاب و حسن الاستقبال. فمهما كانت المواقف تذكر بأن تكون حليما و أنثر جرعة تغافل و تسامح. لقد جاء في الحديث الشريف ” إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه”.
كن حليما فحلمك و حسن تعاملك و تفانيك في الخدمه سيغيران من سلوك ذلك المشترك الفض الذي دائماً ما يتحاشاه جميع مقدمي الخدمه و لكن تحاشيهم له ليس الحل أبدا.
رد قائلا أتفق معك و لكن بعض العملاء يتذمرون و يشتكون من أمور نراها تافهة. سألته قائلا و لماذا ترونها تافهة. هي مهمة بالنسبة لهم و لابد أن نضع أنفسنا في موقفهم لنفهمها من وجهة نظرهم و من الظروف المصاحبة لهم. لابد أن نسعى إلى خلق تجربة إيجابية لدى المشتركين. لابد أن نشعرهم بمنتهى السعادة منذ الوهلة الاولى لدخولهم لتلقي الخدمه او الوهلة الاولى لاتصالهم إذا كانوا عبر الهاتف.
بادرني قائلا و هل الحلم من جانبي فقط و لماذا لا يكون المشترك كذلك. قلت له كل إناء بما فيه ينضح و لاشك ان غالبية المشتركين يتسمون بالبشاشة و سعة الصدر و لكن هناك حالات ضيئلة تظهر على السطح بين الفينة و الأخرى يجب إحتواء ما ينجم منهم من سلوكيات غير معتاده. دعني أخبرك كيف تكون حليما و تخلق بحلمك و حسن تعاملك الانطباع الجيد لدى كافة من تتعامل معهم من العملاء.
إعلم ان المشترك و أنت تتحدث معه لا ينصت لكلماتك فقط، إنه يترجم كلماتك و نبرة صوتك و لغة جسدك. فالكلمة و الصوت و لغة الجسد معا هم مزيج قوي يشكل من خلاله الانطباع لدى المشترك عن معاملتك له.
فمنذ الوهلة الاولى لتعاملك ترسل له تعابير وجهك و نظرات عينك الإشارة الاولى ثم يلي ذلك الطريقة التي ترحب به من خلالها و تجلسه ليخبرك عن مشكلته او استفساره. في هذه المحطة من تعامله يبدأ في تقييمك :
١- هل موظف خدمة المشتركين ينصت لي بترحاب ام هو يتصنع الدور حتى اذهب عنه. .
٢- هل لغة جسده و نبرات صوته تؤكدان حسن تعامله و نيته الصادقة.
٣- هل هو ملم و قادر على إيجاد الحل لمشكلتي.
٤- هل تم إنجاز المعاملة في وقت معقول.
من هنا تتجلى أهمية التحلي بمهارة التعامل بحلم و سعة بال الأمر الذي يقتضي منا الإنصات الجيد و سعة البال و التغافل و حسن الاحتواء و لباقة الحديث. كن حليما فالحلم سيد الأخلاق و به تبنى جسور العلاقات المتينة و تعزز تجربة خدمة المشتركين و خلق الإنطباع الجيد في نفوسهم.
د. صالح الخمياسي باحث و مدرب و كوتش في مجال القيادة الذاتية.