د. صالح بن عبدالله الخمياسي
ساقت الأقدار كل من أحمد ومحمد للعمل بمؤسسة واحدة،في نفس المجال الوظيفي، وتحت إشراف مدير واحد، بعد أن تزاملا أثناء الدراسة بإحدى الجامعات المحلية. ورغم ما يجمع بينهما من خلفيات دراسية ومهام وظيفية متشابهة، إلا أن مهارات كل منهما تختلف عن الآخر الأمر الذي إنعكس على أدائهما في العمل و بالتالي إختلاف أسباب الفجوة بين الأداء المتوقع منهما و الأداء الواقعي لكل منهما.
بالرغم من تباين قدراتهما و مهاراتهما إلا أنهما كانا كلما رُشح أحدهما لحضور برنامج تدريبي دون الآخر ، تبرم زميله وشعر بعدم الإنصاف، و ذهب إلى مديره متسائلًا: “لماذا هو وليس أنا؟ ألسنا نؤدي نفس الدور؟ فأخذ يطالب مديره قائلا أنا أريد نفس الدورة التدريبية التي رشحتم لها زميلي.
هذا المشهد لا يقتصر على المؤسسة التي يعمل بها أحمد و محمد بل تجده يتكرر في كثير من المؤسسات، ويعكس مفهومًا خاطئًا لدى بعض الموظفين مما يولد لديهم تصور بعدم وجود مساواة في ما يتم ترشيحهم له من برامج تدريبيه بالرغم من عملهم في نفس المجالات الوظيفية الأمر الذي يولد التعجب و التساؤلات بل قد يصل الأمر إلى الإحباط الذي ينعكس سلبا على الأداء بالرغم من أنه مفهوم خاطئ.
في يوم ما بينما كان المدير منهمكا في زحمة عمله جاءه محمد شاكيا عدم ترشيحه لبرنامج إدارة الوقت و اقتصار الترشيح لذلك البرنامج على زميله أحمد. نظر إليه المدير و قد أخذته الدهشة و الحيرة من شكوى محمد. رفع رأسه محدقا إليه ثم طلب منه الجلوس.
بعد أن استمع المدير لمحمد بادره قائلا لم يكن جيدا في حقك أن نرشحك لحضور برنامج تدريبيا و أنت متميزا في ذلك المجال. قل لي يا محمد الست منضبطا في الوقت تعرف أولوياتك و تنجز المهام المسندة إليك اولا بأول. قال نعم و قد حصلت على تكريم نظير ذلك في الشهر الماضي . إذا لماذا يجب علي أن أرشحك لحضور برنامج كهذا و أنا أخطط أرشحك لبرنامج تدريبي لتطوير مهارات في تطبيقات الإكس ، هل لمجرد أنكما زميلان فقط.
عزيزي محمد إن أي ترشيح الموظف للبرنامج التدريبي يُبنى على احتياجات محددة تتعلق بالفرد وأدائه الوظيفي ومتطلبات المؤسسة لكي يساهم ذلك التدريب في تقليص الفجوة في أداءه او تمكينه من تعلم مهارة جديده و تزويده بمعارف مستجدة، لا وفقا للتشابه في المسمى الوظيفي أو الخلفية الأكاديمية او كونهما صديقين حميمين. أن ترشيح كل موظف لحضور البرنامج الذي يحتاجه هو او هي وفقا لتقارير الاداء الخاص به و مواطن القصور التي تتجلى من خلال ملاحظات المدراء و الزملاء و انطباعات العملاء الذين يتولى الموظف خدمتهم و التركيز على ما يحتاجه فعلاً لتطوير أدائه وتحقيق أهداف المؤسسة. فمثلًا، قد يكون أحمد بحاجة إلى تدريب في مهارات التواصل، بينما يحتاج محمد إلى تعزيز مهارات التحليل المالي، بالرغم من أنهما في نفس الوظيفة.
واصل المدير حديثه مع محمد قائلا إن التدريب يُمنح وفقًا لمعايير محددة تتعلق بالأداء، والمشكلات السلوكية أو الفنية، ومتطلبات التطوير المهني، والفرص المستقبلية في مسار الموظف.
نظر المدير إلى محمد فقد انفرجت أساريره و بات الأمر جليا له أن ليس هناك ثمة محاباه لطرف دون الآخر فالأمر يحدد وفقا للاحتياج الفعلي. قال المدير تعرف محمد أن مجيئك اليوم يحتم علينا تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عن أحقية الحصول على برامج تدريبية. لا بد من توعية الموظفين بأن:
1.الهدف من التدريب هو تحسين الأداء، وليس مجرد اكتساب شهادة أو حضور فعالية.
2.التفاوت في الاحتياجات طبيعي فكل موظف يختلف عن زميله في نقاط القوة والضعف، وبالتالي تختلف احتياجاته التدريبية.
3. المساواة الحقيقية تكمن في توفير التدريب المناسب لكل فرد حسب إحتياجه وليس حسب مزاجه.
4. ترشيح الموظف للتدريب يتم بناءً على بيانات وملاحظات وتقارير أداء، وليس على رغبات شخصية أو شعور بالمنافسة.
محمد إن عملية تحديد الاحتياجات التدريبية يتم من خلال عملية مدروسة تشمل عدة مستويات هي:
1. تحليل الأداء الفردي: بمراجعة تقارير التقييم السنوي والملاحظات اليومية حول سلوك الموظف وأدائه الفني.
2. تحليل المتطلبات الوظيفية: لفهم المهارات والمعارف المطلوبة لأداء المهام بكفاءة.
3. الربط بين التدريب وخطط المؤسسة المستقبلية، مثل مشاريع جديدة أو تحولات رقمية.
4. التغذية الراجعة: من المدير المباشر أو من الموظف نفسه ضمن خطط التطوير الفردي.
و لكي تنجح هذه الإحتياجات في اداء الهدف المنشود منها فهناك مسؤوليات تقع على عاتق الموظف منها أن يكون صادقًا في تحديد مواطن التحسين لديه و أن يبادر بطلب التدريب المناسب الذي يعزز من أداءه لمهامه و أن يطبق ما تعلمه في عمله و يشارك في تقييم العائد من التدريب بعد عودته من التدريب لمزاولة عمله.
كذلكً هناك مسؤوليات تقع على عاتق الإدارة تكمن في القيام بتحديد الإحتياجات التدريبية بشكل دوري و توفير البرامج المناسبة لكل فئة مستهدفة من الموظفين و فقأ للاحتياجات الفعلية لا الرغبات الشخصية التي لا مبرر لها و العمل على تقيّيم فاعلية البرامج التدريبية وتأثيرها على الإرتقاء بالأداء المؤسسي.
إن ترشيح الموظفين للبرامج التدريبية رحلة تعليمية للتميز تُبنى على الاحتياج الفعلي فليس بالضرورة أن يرشح جميع الموظفين لحضور نفس البرنامج التدريبي، فقد يكون أحدهم بحاجة إلى تطوير مهارات تقنية بينما يحتاج الآخر إلى تحسين في مهارات التواصل.
إن قيام المؤسسة بترشيح الجميع لنفس التدريب دون حاجة فعلية لبعض الموظفين لتلك النوعية من البرامج التدريبيه يُعد هدرًا لمواردها. إذا كان أداء أحد الموظفين متميزًا في مجال معين، فلا معنى لإرساله لتدريب متكرر فيه، بينما قد يستفيد زميله الذي يعاني من ضعف في تلك المهارة ، فالتدريب الفعال يجب أن يُترجم إلى تحسين في الإنتاجية أو جودة العمل و تمكين القوى العاملة و رفدها بمعارف و مهارات و توجهات إيجابية تضاعف من حجم أداءهم.
أن التدريب يعد أداة تطوير يتم توظيفها بناءً على الاحتياج الفعلي للمساهمةً في رفع مستوى الأداء، لذا فإن المساواة الحقيقية تكمن في ترشيح البرنامج التدريبي المناسب لكل موظف لتمكينه من النمو بشكل فعّال،لتحقيق العائد المنشود من الاستثمار على رأس المال البشري ليعود بالنفع على الفرد والمؤسسة معًا.
هكذا أدرك محمد أن حضوره نفس الدوره التدريبه مثل زميله أحمد ليس الخيار الواقعي الأمثل فشكر مديره على سعة صدره و إتاحته الفرصة للإستماع لشكواه و توضيح الأمر بشكل عملي مقنع .
د. صالح الخمياسي
باحث و مدرب و كوتش في القيادة الذاتية و التغيير الشخصي.