منذ عشرين سنة ويزيد أخبرني أكثر من طبيب حاذق ومتخصص في طب العيون من داخل السلطنة وخارجها أن زائراً خفياً بدأ يطرق باب عيني اللتين أنهكتهما التراخوما التي قلَّ من سلم منها من جيلنا، خاصة أولئك الذين هم من مواليد ما قبل النهضة القابوسية المجيدة، طيب الله ثراه، إضافة إلى تأثير الضوء الخافت لسراج ( أبو سحة) الذي كنا نذاكر على ضوءه قبل وصول التيار الكهربائي إلى ولايتنا آنذاك، ناهيكم عما مرت به عيناي من إعياء وإرهاق نتيجة الجهد الوظيفي الذي بذلناه طيلة مشوار الحياة العملية التي امتدت قرابة خمس وثلاثين سنة..
ذلكم الزائر الخفي يدعى (النزول الأبيض) الذي يبدأ تدريجياً في تشكيل غشاوة على العين يجعل الرؤية من خلالها ضبابية، وهذا ما كنت أشعر به منذ لحظة الاكتشاف المبكر حتى يومئذ، إلا أن الأطباء كانوا يؤكدون أن ذلك الزائر لا يزال في طور التشكل، ويصعب علاجه إلى أن يكمل تمركزه في العين..
مرت سنوات وسنوات وأنا أساير الوضع أستخدم النظارة الطبية أحياناً وأتركها أحياناً أخرى عندما ينكسر زجاجها، أو تبدأ الخدوش تنخر فيها وتحد من فاعليتها، وأن عليَّ أن أجهز لها تحويشة مالية لاستبدالها كلياً أو تغيير عدستها الأثنتين، وما أصعب هذا الأمر في ظل تكالب الحياة المادية في زماننا هذا ..
مؤخراً سمعنا وشاهدنا مقطعاً مرئياً أعدته قناة الوصال العمانية عن إمرأة تسمى شريفة الكلبانية تعالج أمراض العيون بطريقتها الخاصة..
ترددنا قليلاً فثمة أساطير حدثت توحي بأن المرأة الفلانية تعالج أمراض السرطان، وأخرى تعالج كذى وكذى.. وهكذا، ورغم التردد إلا أننا أجمعنا أمرنا على الذهاب إلى بلدة مقتنيات بولاية عبري حيث مسكنها البسيط هو العيادة التي تستقبل فيه مرضاها الذين يأتوها من مختلف أنحاء السلطنة والدول المجاورة طلباً وطمعاً في الاستشفاء والتططبب..
في الزيارة الأولى وبسبب صعوبة التنسيق المسبق معها لم نجدها وأخبرونا أنها ذهبت لزيارة ولدها في مسقط، فعدنا أدراجنا إلى حيث أتينا، وفي صباحية يوم السبت الموافق ١٩ إبريل ٢٠٢٥ أعدنا الكرة ثانية، وكنا أول الواصلين إلى مجلسها الذي ما لبث حتى شارف على الامتلاء، هذا غير المكان الذي تستقبل فيه النساء..
كان معي أحد أفراد العائلة يعاني من ظاهرة تكرار نبات الأهداب على الجفن، وفي أقل من عشر دقائق تعاملت الطبيبة الحاذقة شريفة الكلبانية مع الحالة، واستشعر صاحبها الراحة والطمأنينة..
وجاء دوري.. فدنت مني بوجهها الصبوح رغم ما أحدثه الزمن من أثار وتجاعيد بعدد سنوات العمر، وأخبرتها بمسألة النازل الأبيض، وهل لا يزال في مرحلة التشكل كما يقول الطب الحديث، قالت واضح وجود هذا الضيف الثقيل الذي لا يكتفي بالإقامة القصيرة، وبفطنتها وبصيرتها وثباتها وخفة يدها قامت بكشط العينين بوسيلة بسيطة وبدون أن أشعر بأي ألم وأخرجت سائلاً أشبه بالصديد المتجمد، في عملية جراحية لم تستغرق أكثر من دقيقتين لكل عين، وبدون أن تفرض عليّ أية مبالغ مالية، ولو خرجت ما سألتني عن شيء، فهي لا تتلهف للمال بقدر ما تتلهف إلى صحة مرضاها التي تعتبرهم سعادتها الحقيقية..
خرجنا من منزلها المسكون بالبركة لنفسح المجال للآخرين الذين يتوافدون عليها من كل حدب وصوب.. خرجنا ونحن نستشعر التحسن الواضح على مستوى وضوح الرؤية في بصرنا وجلاء تلك العتمة عنه..
فشكراََ أيتها الطبيبة الحكيمة شريفة الكلبانية على ما تقدميه لمرضاك من خدمة إنسانية رائعة دونما تفاخر بشهادة حتى ولو ابتدائية ، وبدون إرهاقهم بدفع أموال خرافية لا يصدقها العقل والمنطق، ودعوة لمن يهمهم الأمر أن يولوا أمثال هؤلاء الذين وهبهم الله هذه الملكات ما يحتاجونه من رعاية واهتمام ليستمر الطب الشعبي قائماً على أصوله، بدلاً من الإتكاء على بروتوكولات منظمة الصحة العالمية.
مسهريات يكتبها
ناصر بن مسهر العلوي
