عُمان وطنُ المَحبَّة وروحُ السعد، وضِياء الحياة، ومنهل العطاء، وأيقونة السَّلام، وواحة الأمان، ونهج الإخاء، وروح التعايش، وطريق التنمية، هي الحُب والقلب والعقل والنبض والسَّعادة والهناء. لذلك كان البحث في كُلِّ ما يسمو بعُمان ويرتقي بها طريقَ أبنائها، يشقُّون خلاله سبيل النجاح، ويرسمون في ظلِّه مستقبل التنمية، وحياة العزَّة والكرامة. لقد وجد أبناء عُمان في وطنهم طريقهم لتحقيق السعادة، وبناء مسارات أفضل للتقدم، يرفعون رايات وطنهم عالية في القمم، ويسمون بمهاراتهم وابتكاراتهم ومنافساتهم أعالي الهمم، ويجعلون من عُمان فخرهم ومفخرتهم وطريقهم للتقدم، والوصول إلى أبلغ الأهداف وأسمى الغايات؛ فهي حصنهم الَّذي يحتمون به، وحضنهم الَّذي يلجؤون إليه، وطريقهم الَّذي يسلكون حُلمَه، ونهضتهم الَّتي يستنهضون بها التقدُّم والتطوير؛ لذلك تجدهم دائمي البحث في كُلِّ ما يهمُّ وطنهم ويسعد أبناءه؛ ليجدوا «عُمان» في موقع متميز بَيْنَ الشعوب السَّبَّاقة للفضل، واسمًا يتلألأ بهاءً وازدهارًا ونورًا في العالمين. إنَّهم يصنعون «لعُمان» مَجدها وعزَّتها وتقدُّمها وتطوُّرها ونجاحاتها وأهدافها ومستقبلها القادم، فقد ملكت عُمان نفوسهم، وأعلت شأن مهاراتهم وكفاياتهم، ونهضت بهممهم ودافعيَّتهم، فأصبح لها في العالمين ضياء، وفي السَّلام ملاذ، وفي التنمية حكمة، وفي الإدارة منهج، وفي التسامح والتعايش موطن، وفي التقدُّم والرُّقيِّ مَرسم.
لقد وجد أبناء عُمان في وطنهم حياتهم السعيدة ونهضتهم المَجيدة، فبنَوا من أجْلِها آمالهم، وامتطَوا في ظلِّها أحلامهم. لقد تحدَّث التاريخ عن سلاطين عُمان العظام وسِيرتهم العطرة وإنجازاتهم الشامخة وقيادتهم للدَّولة، فعمروا الأرض وأسَّسوا البنيان، وبنوا عُمان الدَّولة والإنسان. وتحدَّث التاريخ عن علماء أفذاذ رووا لعُمان قصص النجاح والتميُّز والتقدُّم والتنمية والتنوير الفكري، بَيْنَ أطباء وفلاسفة وفقهاء وشعراء وفلكيين وعلماء اللُّغة والنَّحْو والحديث وغيرهم كثير. وأبناء عُمان الأماجد يروون اليوم حكاية عُمان حُبًا ووفاءً وولاءً في تميُّزهم ونبوغهم وعطائهم المستمر ومنافساتهم الَّتي أذهلت الجميع، وأبرزت قوَّة ما يحمله أبناء عُمان لوطنهم من فكر مستنير ورغبة في نيل المعالي، لِيكُونَ لهم بَيْنَ أبناء العالم شأنٌ ومنزلة، ومساهمة وأثَر. لذلك فإنَّ ما يُعبِّر به أبناء عُمان من حُب وتفاخر بعُمان، إنَّما هو تعبير عن مسؤوليَّتهم وإخلاصهم لوطنهم وحرصهم على أمنه وأمانه وسلامته واستقراره، يدركون ذلك في ظلِّ حكمة ويتفاعلون في إطار وعي. إنَّهم يجدون في وطنهم منابر الحوار المتعدِّد، ومنطلق الحكمة والاتزان في قراءة المستجدَّات والأحداث، يتناولونها في ظلِّ معطيات، ويقدِّمونها من خلال مؤشِّرات وأدلَّة وبراهين؛ تعميقًا لهُوِيَّة عُمان المتفردة وخصوصيَّتها المتميزة، وتجسيدًا للسَّمت العُماني في تفاعله وتفاؤله ورُقيِّه وذوقه واحتوائه وارتوائه، حيثُ وجد فيها العالم المعتدل، في سلطنة عُمان الدَّولة والأرض والسُّلطان، قدوته الحسنة ونموذجه السليم في إدارته للمعطيات أو تناوله للأحداث، إذ لعُمان فيها كلمة، ولإدارتها مبادئ معروفة قائمة على العدالة والتوازن والتكامل والتسامح والأصالة والمعاصرة.
لذلك حرص العُمانيون على أن يكُونَ وطنهم أولويَّة، يحترمون منهجيَّته، ويسيرون في إطار نهضته، ويتعاملون مع المستجدَّات بوعي ومهنيَّة راقية وتبصُّر، وعدم انجراف وراء ردَّات الفعل السلبيَّة. لقد نصَّتْ قوانين وطنهم على عدم التدخل في شؤون الغير، والحفاظ على وحدة الوطن وسلامة أراضيه واجب مقدَّس، وأولويَّة السَّلام في البناء والتطوير، وتعميق المشترك الإنساني. إنَّ تعاملهم مع وطنهم قائم على فَهْمِ العلاقة الحميميَّة المتَّزنة الَّتي ترسمها معاني الحياة النبيلة، وترقى بها الأنفُس الراقية. فالوطن عندهم خطٌّ أحمر أجمعوا على عدم المساس به، والدخول في مهاترات مشكِّكة مع أيِّ أحد بشأنه أمر منبوذ لا يقدِّم الخيريَّة للوطن. كما اتفقوا على أن يكُونُوا خير سفراء للتنمية والسَّلام والعطاء وحُب الأوطان. وطنُهم مقدَّس، وسُلطانهم رمز الدَّولة الَّذي يُصان حقُّه ويُرفع شأنُه، واحترامه واجب، وأوامره مُجابة، والسَّعي لتطوير وطنهم ونهضته مسؤوليَّة مشتركة، وحماية ممتلكاته ومقدَّساته عنوان الذَّوق السَّليم، والمشترك الوطني من القِيَم والتقاليد والعادات الصَّحيحة مصون في النَّفْس والقلب ومحفوظ في الذاكرة والعقل.
لقد أدرك العالم هذه الحقيقة المتوازنة، والنظرة بعيدة المدى لعُمان من أجْلِ واقع تَسُوده الطمأنينة، وترفرف على أروقته أجنحة السَّلام. وهم ينهجون من تعاليم دِينهم، وإرثهم الخالد، وحكمة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ وحضارة عُمان وثقافتها، مسارهم في الحياة وإدارة نُظُم الدَّولة. فالمعطيات والتحدِّيات والممارسات الأخرى شأن داخلي يستطيعون خلاله تقييم أوضاعهم ورسم بدائل التطوير، والانطلاق منها كمعيار للتقييم والمراجعة والتصحيح وتقويم مسار العمل. فإنَّ نُهج التوازن والاعتدال والموضوعيَّة والإيجابيَّة محدِّدات يضعها أبناء عُمان أمامهم في تعاملهم مع الفضاءات الرَّقميَّة وتحليلاتهم لواقع الأُمَّة العُمانيَّة وموقفها من أحداث المنطقة والعالم، ومواقفهم الحكيمة ومبادئهم السَّامية وأخلاقهم الرفيعة؛ وسام شرَف وفخر لكُلِّ الشرفاء في العالم، يتسامَون فوق صيحات الخلاف، ويسمَون في مدارك العُلا والرفعة، ويعلون فوق دنايا الانبطاح وعار التصهين. والإنسان العُماني شخصيَّة متزنة في أفكارها وحواراتها ونقاشاتها وتحليلاتها وفي نصرته لمبادئ الأُمَّة وقضاياها المصيريَّة؛ لِيجسِّدَ العُمانيون في سلاح الأخلاق ونهج القِيَم في قراءتهم لأحداث المنطقة عَبْرَ منصَّات التواصل الاجتماعي والفضاء الرَّقمي المفتوح نموذجًا عمليًّا أصيلًا، معزّزين ذلك بفضيلة الوعي والحسِّ المسؤول والاستعداد الذِّهني والنَّفْسي في التعامل مع المستجدَّات السياسيَّة والاقتصاديَّة والأمنيَّة الحاصلة في العالم، والتكيُّف مع أحداثها بروح عالية وأفكار راقية ومنهجيَّات رصينة وأدوات سليمة واستراتيجيَّات نافذة تحمل الخير وتسعى للإصلاح.
وإذا كان العُمانيون قد عُرفوا بقِيَمهم وأخلاقهم ومبادئهم، وهم يحملون رسالة الإنسانيَّة، وحُسن الجوار والتعايش مع الآخر والشعور به، في رُقيِّها ونُبلها؛ فَهُم يحملون أيضًا في صدورهم منابر الحُب والتعاون والمشاعر الجيَّاشة، إنَّهم يمتلكون ذوق الكلمة، ورونق العبارة، وحكمة التصرف، ورُقيّ الأُسلوب، وتذوُّق جماليَّات الحياة، يقدِّمون بأخلاقهم وسِيرتهم وسَمْتِهم وإنسانيَّتهم صورة إيجابيَّة حَوْلَ سُلوك الإنسان العُماني ومبادئه وأخلاقيَّاته، لِيجدَ العالم في الإجابة عن التساؤلات: كيف تُدرس الأخلاق في سلطنة عُمان؟ وكيف تُقرأ أحوال الأُمَّة وكيف تُنصر قضاياها؟ محطَّات لِيقفَ خلالها على مسؤوليَّته التاريخيَّة وأمانته الحضاريَّة في سبيل ضبط بوصلة مساره، وإعادة تصحيح سُلوكه حماية للإنسان، وترسيخًا للتنمية، وتعزيزًا للسَّلام والتسامح والحوار والوئام.. إنَّها العقيدة الحقَّة الَّتي التزمها العُمانيون في مختلف حقب التاريخ شواهدَ حيَّة وثوابتَ باقية، كانت لَهُم نهجًا وخُلقًا وسَمْتًا وأصالةً وعروبةً وإسلامًا.
وجرَّب العُمانيون الأزمات وعايشوها وعاصروها فأنتجوا من خلالها شواهد إثبات على صبرهم وعطائهم واندماجهم والتزامهم بتوجيهات القيادة الحكيمة ورؤية الدَّولة ومؤسَّساتها المعنيَّة. فقَدْ عزَّزت الحالات الطارئة الَّتي تعرَّضت لها عُمان على مدى السنوات المتعاقبة من قدرة العُمانيين على إدارة الأزمات والحالات الطارئة والتعاطي معها بكُلِّ جديَّة، وما أصَّلته إنسانيَّة القيادة الحكيمة ورؤيتها الثاقبة في إنسان هذا الوطن وتعظيم جهوده وغرس الثقة ودعم روح المبادرة فيه، لِتبنيَ فيهم مَددَ العطاء بلا توقُّف والإنجاز بلا حدود، والصبر والتحمل في التعاطي مع المواقف، والمبادرة في البحث عن توليد الحلول وإنتاج المستلزمات الدَّاعمة لمعالجة الأزمات والمواقف، فجسَّدت مواقفهم ملحمة الوفاء والحُب لعُمان وأبنائها، وقدَّمت تضحياتهم أروع نماذج الوحدة، وأصدق مشاعر الإنسانيَّة، وأعمق أخلاق الأزمات، وأرقى قِيَم المواطنة والحسِّ المسؤول، في تكاتفهم وتضامنهم ووقوفهم مع إخوتهم المتضررين منها. مددٌ يستنهض فيهم روح العطاء وصدق التكافل، ويسمو بهم فوق كُلِّ الأنانيَّات والاختلافات والفوقيَّات، لِتنصهرَ جميعها في نسيج الوطن الآمن، ويستنطق فيهم قِيَم الخيريَّة والتطوُّع والتكافل والتضامن، شواهدَ إثبات على خصوصيَّة هذا المُجتمع الشَّامخ في وفائه وولائه وانتمائه والتزامه، وما يحمله من تفاعل نوعي، وتضامن فطري، وتوافقيَّة لا يشوبها كَدَر، وانسجام لا تخالطه الظنون.
وتبقى أخلاق أبناء عُمان خيوطًا ممتدَّة وموردًا ثريًّا يصنع لهم قوَّةً في اتصالهم وعلاقتهم مع العالم الخارجي، كما يؤسِّس فيهم أخلاق الأزمات واستنطاق القِيَم واستنهاض المبادئ، في إرادة ثابتة، وعزيمة ماضية، ومنهج واضح، وتجريب الأخلاق في مواقع العمل وميدان الممارسة. فعمروا الأرض بإنسانيَّتهم وأخلاقهم وعفوهم وصفحهم وإحسانهم، حتَّى بنوا مَجد عُمان العظيمة عزًّا وفخرًا ونصرًا وقوَّة. وهي نهضة عُمان المُتجدِّدة الَّتي انطلقت من هذا النَّهج المتَّزن، المنفتح، المتسامح، والمتعاطف مع شعوب الأرض جميعها، المُحبّ للسَّلام، والمؤصِّل لحُسن الجوار. فبهذه الأخلاق العالية انتفض العُمانيون، حتَّى أصبح لهم في قلوب الإنسانيَّة شأن، وموقع وحضور.
وتستمر سفينة الخير ماضية في عطائها «باسم الله مجراها ومرساها»، يَقُود زمامها ويُدير حركتها ويُوجِّه أشرعتها ويُرسي معالمها مولاي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ لِتظلَّ عُمان واحة السَّلام ومرسى الأمن والأمان وطريق التقدُّم وانطلاقة الأمل، «كيانًا حضاريًّا فاعلًا، ومؤثرًا في نماء المنطقة وازدهارها، واستتباب الأمن والسَّلام فيها، تتناوب الأجيال على إعلاء رايتها، وتحرص على أن تظلَّ رسالة عُمان للسَّلام تجوب العالم، حاملةً إرثًا عظيمًا، وغايات سامية، تبني ولا تهدم، وتقرِّب ولا تُباعد».
د.رجب بن علي العويسي
