بعد سبع سنوات عجاف ، لم أجد هناك وصف ينطبق على الحرب في اليمن سوى أنها حرب الخديعة الكبرى ، نعم الحرب في اليمن خديعة كُبرى أثبتت أن المتحاربين أغبياء ، لصوص ، حمير سياسة ، ليسوا رجال دولة ، لكنهم جميعًا بندقية للإيجار حد وصف باتريك سيل في كتابه أبو نضال بندقية للإيجار ، عاصر الكثير منا حروبًا أهلية وتدخلات عسكرية في العديد من البلدان لكن كان هناك دائمًا معياراً يقُاس عليه وهو أن الجميع أو الغالبية من المتقاتلين كان لديهم قاسم مُشترك هو هزيمة الطرف الآخر وإحترام الهوية والسيادة الوطنية والذاتية الثقافية للهوية الجامعة ، حرب اليمن الداخلية والعدوان الخارجي على البلاد أظهر لنا أننا كشعب يمني خُدعنا بنخب سواءً كانوا ساسة أو مثقفيين ” من كافة القوى والتيارات السياسية “، أخطر ما كشفته هذه الحرب الملعونة هو إتساع دائرة الإرتزاق وهشاشة النخب وأنها بكافة تياراتها بيادق وبيادات بيد الإقليم ودول الجوار السلبي لليمن ، وأن مقولة الرئيس اللبناني الراحل شارل حلو عندما إستقبل ذات يوم رؤساء تحرير الصحف اللبنانية قائلاً لهم أهلاً بكم في وطنكم الثاني لبنان تنطبق بإمتياز على كافة القوى السياسية في اليمن ، على طريقة مظفر النواب لا أستثني أحداً منكم ، عن الخديعة الكُبرى للحرب في اليمن وعلى اليمن أقول هناك العديد من الشواهد ، قرار الحرب على اليمن وتدميرها أتخذ قبل الحرب بعقد ونيف من قِبل المملكة السعودية عندما استعرض علي عبدالله صالح جيشه المناطقي القبل العائلي أمام حضور عدد من الحكام العرب في العيد العاشر للوحدة اليمنية ، تمويل الحرب من خلال صندوقهم الأسود الأفتراضي الذي كسر ظهر المغترب اليمني ومشاركة رأس المال في تمويلها كما أعلن أحد رجال المال قبل أشهر بأن اليمن مدينه له بخمسمائة مليون ريال بالعملة السعودية ، المشاريع والأجندات التي ظهرت في أعقاب التدخل الأجنبي ، بالنسبة للمملكة السعودية أنبوب النفط في نشطون والمنطقة العازلة البالغة خمسين كيلو متر في العمق اليمني والتي يراد لها أن تكون تحت الإدارة السعودية ، إما الإمارات المتحدة فهي السيطرة على الجزرسقطرى وميون وغيرها ووضع اليد على الموانئ اليمنية من بحر العرب وحتى خليج عدن وصولاً وفصل الجنوب عن الشمال ، وتشترك القوى الإقليمية بما في ذلك إيران في الحيلولة دون إستخراج النفط من باطن الأرض اليمنية بعد أن أكدت الدراسات أن حقل الجوف في اليمن وحقل أوجادين في أثيوبيا هما الأكبر كمخزون إستراتيجي نفطي عملاق يفوق احتياطي دول الخليج مجتمعة ، والسبب هو أن خروج المارد من قمقمه سحوّل اليمن إلى دولة تتسيدّ السوق النفطي لعدة عقود قادمة وهذه الجزئية وردت حرفيًا في خطاب للرئيس الأمريكي السابق “دونلد ترامب ” فبراير 2018م عندما أكد أن الصراع في اليمن هو من أجل النفط ، وبناءً عليه كان للتحالف حضوره القوي في المشهد اليمني من خلال تأسيس جيوش وقوى عسكرية ذات صبغة مناطقية مذهبية تفوق في عتادها الجيش اليمني ، وهي معروفة ، كان الإشتغال طوال سنوات الحرب على إيجاد طبقة سياسية تتصدر المشهد تكون على أهبة الإستعداد لتنفيذ أجندات التقسيم بما يخدم القوى الأجنبية ومشاريعها في اليمن عمدت القوى الإقليمية على إغراق المتصدريين للمشهد بالأموال الطائلة ، مع تغييب دور الرموز الوطنية ، هذا الأمر جعلك لا تستغرب عندما ترى العديد من الوزراء ووكلاء الوزارات ورؤساء البعثات الدبلوماسية ممن كانوا في مرحلة ما قبل 2011م حفاة وشحاذون ولايمتلكون شيء من حطام الدنيا ، فجاءةً وبلا مقدمات تحولوا إلى سماسرة وتجار حروب وفي ظل ماتشهده البلاد من مجاعة تحولوا إلى كِبار المُلاك لشقق ونادق ومدن سكنية بل والبعض منهم قام بتأسيس بنوك خاصة ومشاريع صناعية بمئات الملايين من الدولارات عواصم عربية وأجنبية شاهدة على ذلك ، هذه الطبقة هي التي يراهن عليها أعداء اليمن لتنفيذ مخططاتهم ، أيضًا بروز مجموعات واسعة من العسكريين والإعلاميين صاروا بفعل الحرب ممن يصنفون كمستثمريين ، فخلال سنوات الحرب جرى تهريب أكثر من أربعين مليار دولار من اليمن ، طبقة اُثريّت من خلال غسيل الأموال ، هذه الطبقة باتت نهمه ومسعورة للمال ولهذا فهي تعمل بقوة على عدم إنهاء الحرب وقيام نظام وطني ديمقراطي يعرضهم للمساءلة القانونية طوال سنوات الحرب لم يكن لتلك النخب سوى أرتداء بدلات البيركردان الايطالية وأكل الكافيار و كتابة التقارير عن أحرار وشرفاء اليمن كل المؤاشرات تؤكد أن أدائها السياسي يأبى المنطق والأخلاق تصنيفها بأنها حركة مقاومة لمشروع الحوثي والإنفصال بعد أن إستمرأت الإرتزاق وقررت السير فيه إلى ما لا نهاية ، سلوكها وحركتها اليومية تؤكد أنها قررت إستبدال اليمن الوطن بالمنفى البطن ، الغالبية العُظمى منهم حسمت أمرها واختارت رغد العيش خارج اليمن ، من رئيس الجمهورية المعترف به دوليًا حتى أصغر موظف في المنظومة ، هكذا هي واقعيتهم للتعاطي مع اللحظة التاريخية ، وهذا الأمر لم يعد يخفى على أحد حفلات البذخ الصاخبة في قاعات الخمسة نجوم ، مشاهد الرقصات التي تظهر بين الفينة والأخرى لكبار قيادات ورموز مايسمى بالشرعية ، الموائد العامرة التي تشبه موائد الف ليلة كل هذه المظاهر تؤكد أن هناك حالة انفصال وإنفصام شيزوفرانية سياسية لدى من أوكل لهم البسطاء من الناس مهمة إستعادة الدولة ، هذا الأمر لم يحدث في التاريخ إلا لدى برجوازية حركة فتح الفلسطينية الخلاصة أن هذه ليست حركة تحريروليست حركة وطنية لإستعادة الدولة وبناء نظام وطني يؤتمن على مستقبل اجيال اليمن القادمة ، أنهم فاسدون ينبغي أن يكون خارج حركة التغيير ، خارج المشهد السياسي ، بعد كل حالات السقوط والفضائح السياسية لا يمكن للمواطن اليمني المعذب المقهور المشرد المكلوم أن يقبل الإعتراف بسلطة قادمة بهذه المواصفات فالوطن الذي عانى الويلات والكوارث لا يمكن وحسب المنطق أن يتم تسليمه لأمثال هؤلاء الذي جرى إعدادهم بعناية فائقة للعب دور في مرحلة البيع النهائي لكل شيء فيه ، أخيراً يجري التسويق بقوة ، ليس هناك أي أمل لحلحة الأزمة في اليمن سوى مصالحة وطنية حقيقية قادرة على وقف المؤامرة وهذه المصالحة تتطلب تشكيل لجنة وطنية لتقريب وجهات النظر والجلوس مع الطرف الأقوى الحوثيون برؤية جديدة وتموضع جديد وآفاق أخرى في التفكير لا ننتظر الأمم المتحدة المسيّرة من مجلس الأمن “الفزع” الدولي لتقديم حلول لإنهاء الحرب ، فالجميع يرتكب الحماقة عندما يرفض مبدأ الحوار والمصالحة الوطنية ، الرفض يعني إستمرار المخطط الجهنمي الرامي للقضاء على الكيان اليمني برمته ، الرفض يعني تواطؤ مع المشاريع المعادية ، المشهد اليمني لم يعد يحتمل التأخير والتسويف ووضع الشروط المسبّقه ، كل ذلك خدمة لأعداء اليمن ، اقول ذلك وأنا لست محسوبً على ما يسمى بالشرعية ولا من أنصار السيد عبدالملك الحوثي ، ولست إخوانيًا أو من دائرة توكل كرمان.
عبدالرحمن الرياني
*رئيس المركز الدولي للإعلام والعلاقات العامة imc