وهب الله سبحانه عمان قيادة تاريخية حكيمة أعادت تاريخ السلاطين العظام أمثال مؤسس الأسرة البوسعيدية الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، والسلطان سعيد بن سلطان الذي بنى امبراطورية شملت أجزاء من ساحل إفريقيا الشرقي وبعض المناطق في الضفة الأخرى من الخليج، فعاد التاريخ ليكتب مجددا ملحمة سلطانية عظيمة بهذا القائد الحكيم الذي بدأ مسيرة عمان العصرية في الـ٢٣ من يوليو ١٩٧٠م، واستبشر الشعب بهذا الخبر السعيد فطافت المسيرات أرجاء عمان وقد أدرك أبناء عمان بحاستهم الوطنية أن هناك تحولا تاريخيا سيحدث في هذا البلد العظيم، وسينتقل الوطن إلى عهد جديد يسوده السلام والأمن والأمان، وهو ما كان العماني يبحث عنه، بالإضافة إلى الصحة والتعليم والعيش الكريم وباقي مناحي الحياة. وقد تحققت بالفعل بشائر هذه القيادة منذ البداية، واستدعى جلالته المواطن العماني من الغربة ليسهم في بناء وطنه ويعيش بكل امتيازاته الوطنية على أرض بلده، فاحتوى جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ بحكمته السديدة أبناء هذا الوطن بكل أطيافه، فكان الضمان والرهان الحقيقي للوحدة الوطنية بعد مواجهات داخلية استنزفت قدرات عمان وأبنائها ونسيجها الاجتماعي فعاد الأمن والأمان. وانطلقت عجلة التنمية والبناء نحو حياة أفضل ونهضة عملاقة تسارعت فيها الخطط الخمسية بشكل أذهل العالم، فتمازجت حركة التنمية مع الروح الوطنية خصوصا مع تحركات جلالته ـ أعزه الله ـ في جولاته السنوية بين الولايات والقرى والأرياف، فتحققت حالة فريدة من التواصل بين القيادة وأبناء الشعب؛ فلا يوجد حواجز بين السلطان وأبناء بلده. ولا شك أن جلالته قد أتى من أجل هذا الشعب وهذا الوطن مؤكدا في أول خطاب إلى أبناء شعبه: “سأجعلكم تعيشون سعداء” كلمات لها دلالات ومعانٍ إنسانية كبيرة، فتحقق ما تعهد به جلالة السلطان ولمس الشعب هذه الروح الإنسانية، كذلك أزاح جلالته عن كاهل الشعب بعض التعليمات والأوامر غير الضرورية التي كان يرزح تحتها المواطن العماني، فكان الإنسان هو هدف المسيرة السلطانية، ويدرك أبناء عمان كيف كانت عمان وكيف غدت في عهد جلالته ـ أيده الله.
بدأ العالم يتعرف على عمان الجديدة من خلال الانضمام إلى جامعة الدول العربية والأمم المتحدة؛ فجلالته أدرك أن عمان تعيش في محيط إقليمي ودولي متفاعل، ولا بد من تأكيد هذا المفهوم ورسم علاقات دولية مع الجميع دون التدخل في شؤون الآخرين، وهو ما تحقق منذ البداية لتنطلق عمان في محيطها العربي، فكان أول إسهاماتها في دعم جبهات القتال العربية لاستعادة الأراضي العربية المحتلة، وساهمت عمان في قطع إمدادات النفط في موقف عربي جماعي موحد، فكانت عمان بقيادة جلالته سباقة في تبني المواقف العربية الموحدة، وفي نفس الإطار رسمت علاقاتها الدولية مع بقية دول العالم للمساهمة في تحقيق الأمن والسلم الدوليين ودعم القضايا الدولية العادلة.
ليس من السهل نقل دولة مثل عُمان بما فيها من تضاريس ومساحة جغرافية من درجة متواضعة إلى درجة متقدمة في بنية الدولة من مدارس ومستشفيات وطرق وكهرباء وما شابهها من مؤسسات الدولة العصرية. كذلك على صعيد الأمن والدفاع تم تطوير القوات المسلحة وتشكيل وحدات متعددة من الجيش وجميع الأسلحة الأخرى لحماية هذه النهضة العمانية، وفي مختلف المجالات الأخرى استمرت عجلة التنمية والبناء.
تواكبت مسيرة البناء المادي مع الفكر السامي لجلالته، لذا فقد أكد جلالته في مختلف خطاباته السنوية حقائق وقيما معنوية، فكان ـ حفظه الله ورعاه ـ مرجعا فكريا لأبنائه ولباقي دول المنطقة، وكانت أفكار جلالته تمثل علامات رمزية فارقة في محيط الأمة العربية والإقليم ينشد الخير والصلاح لأمته ويوجه بفكره الأمة مقدما إضاءات مهمة، فكان لعمان موقف ثابت في محاولة تلافي التفرقة بين العرب عام ١٩٧٩م فلم تقطع عُمان علاقاتها مع مصر، وكانت رسالة لجميع العرب بعدم ترك قطب عربي محوري مثل مصر في معزل، فليس ذلك من الحكمة، بغض النظر عما آلت إليه الأوضاع. كذلك حاول جلالته في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي إيقاف الحرب بين العراق وإيران وناشد البلدين في خطاباته ومن خلال مبعوثيه لوقف هذه الحرب الخاسرة، وهي مواقف تضاف في رصيد جلالة السلطان التاريخية، فكسبت عُمان البلدين إيران والعراق، فلم تنحز لصالح أي طرف؛ كونها حربا ليست من مصلحة أحد، كذلك اقترح السلطان في تلك المرحلة تشكيل جيش خليجي موحد لصد أي اعتداء موجه لدول الخليج، ولكن للأسف لم تجد تلك الفكرة آذانا مصغية، فحدث ما حذر منه جلالة السلطان بعد الغزو العراقي للكويت، ولكن عمان لم تتخل عن أداء دورها وواجبها تجاه الأشقاء في الكويت فساهمت بقوات عسكرية لتحرير الكويت، وبعد التحرير وسنوات الحصار على العراق قدم جلالته بعض الأفكار لمساندة العراق في ذلك الحصار الجائر الذي استهدف شعبه، فكانت مبادرة “النفط مقابل الغذاء” التي ساندت العراق في محنته، لذلك بقيت علاقات عُمان مبنية على المواقف الإنسانية النبيلة القائمة على حسن الجوار مرتكزة على بُعدها القومي العربي. ولا شك أن الأحداث الدولية التي حدثت بعد ذلك بدءا من احتلال العراق وانتهاء بأحداث “الربيع العربي” كانت للسلطنة مواقفها الإيجابية الثابتة في دعم القضايا العادلة ولم تتوقف السلطنة عن تقديم دعمها للقضية المحورية العربية الفلسطينية، فوجهت خطاباتها من على منبر الأمم المتحدة رافعة راية الحق الفلسطيني، وساهمت بدعمها المستمر لصندوق الأقصى ومبادرات أخرى لدعم أبناء الشعب الفلسطيني كواجب أصيل يتحتم على السلطنة لدعم هذه القضية، كذلك وقفت السلطنة مواقفها العادلة النبيلة في سوريا ومصر فكانت تدخلاتها إيجابية مشهودة وبقيت ثمرة تلك المواقف حتى اليوم انعكست على العلاقات العمانية مع جميع الدول العربية. وفي إطار رأب الصدع في العلاقات الخليجية ساهمت السلطنة بموقف جاد وواضح في محاولة إنهاء الأزمة الخليجية منذ البداية، ويبدو أن آفاق النجاح بدأت تحقق جدواها. وفي قضية اليمن كانت للسلطنة مواقف إنسانية متعددة لصالح الأشقاء من أبناء الشعب اليمني بمختلف أطيافهم ومشاربهم فبقيت عمان كنافذة إنسانية لهذا البلد الشقيق، واستقبلت الجرحى والمصابين واستقبلت الأشقاء اليمنيين على أرض السلطنة بتوجيهات من لدن جلالته، فكانت عمان بما تملك من إمكانات مسخرة للأشقاء في اليمن؛ لذلك كسبت عمان محبة هذا الشعب العظيم لأنها وقفت معه موقفا إنسانيا جليلا وذلك تسخيرا من المولى عز وجل لهذا الشعب الشقيق في محنته، وفي إطار كبح التوترات والتهديدات في منطقة الخليج لعبت السلطنة بقيادة جلالته أدوارا دبلوماسية كبيرة فكانت عمان الطرف الموثوق دائما وجمعت الخصوم على أرضها في ممارسة لنهج من الحكمة السياسية فقدمت نموذجا للعالم من خلال اتفاق الإطار النووي الذي وقع في مسقط عام ٢٠١٥م، وتحقق ذلك من خلال اجتماعات ومباحثات مضنية مع مختلف الأطراف. هكذا هي عمان في عهد جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ تعمل على حفظ الأمن والسلم الدوليين وتقدم أدوارا جليلة لم يتسن لكثير من الدول الاضطلاع بها، وكل ذلك لم يأتِ من فراغ، بل من خلال هذه القيادة السلطانية الحكيمة التي حباها الله لهذا البلد التاريخي العظيم.
لن نستغرب الحب الكبير المتبادل بين جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ وأبناء شعبه، فهو الأب الكريم الحكيم الحليم، وقد سخره المولى في لحظة فارقة من التاريخ لينتشل عمان ويبحر بها إلى شواطئ الأمن والأمان والسلام والاستقرار والازدهار وبناء علاقات مشرفة مع الجميع، فحفظ الله جلالته وأمده بالعمر المديد وسدد على طريق الخير خطاه، فعمان اليوم تقترب من إتمام عقدها الخامس في ظل جلالته وقلوب أبنائها تلهج بالدعاء لهذا القائد العظيم، اللهم فاشهد.
خميس بن عبيد القطيطي
#عاشق_عمان