لعلّ هناك عددًا مقدرًا من الجيل الجديد لا يعرف كيف تشكّلت الدبلوماسية العمانية.. وكيف استطاعت أن تنجح في أن تحجز لعمان مكانا متقدما بين الدول؟
فالحديث عن الدبلوماسبة العمانية لايمكن حصره في أسطر هنا فهو يحتاج إلى مجلدات ضخمة لتوثيقه، ويحتاج إلى تعريف الناشئة به بل وتدريسه في قاعات الدرس، ليكون ضمن المنهج الدراسي كي تتعرف الأجيال الحالية والقادمة على الجهود التي بذلها الآباء والأجداد من أجل بناء علاقات مع الآخرين تتسم بالقيم العمانية الرفيعة.
ولن يختلف اثنان عند الحديث حول هذا الجانب أنّ مهندس هذه الدبلوماسية هو حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه- فهو الدبلوماسي الأول الذي وضع الأسس المتينة ورسم خارطة الطريق وتشكلت ملامحها بفضل نظرة جلالته الثاقبة، والتي كانت تؤصل وتسهم في بناء العلاقات مع الآخرين من منطلق مبدأ الاحترام وعدم التدخل في شؤون الآخرين.
الحديث عن الدبلوماسية العمانية ذو شجون واستفدت كثيرًا من اللقاء الذي جمع عددا من المثقفين في المجلس الأسبوعي الذي يعقده الأستاذ خليل بن عبدالله الخنجي، فهذه المرة كان ضيف المجلس الأستاذ صادق بن جعفر سلمان والذي يعد من أوائل الذين انضموا للعمل في السلك الدبلوماسي في بداية عصر النهضة المباركة بقيادة جلالة السلطان قابوس – حفظه الله-.
حيث استعرض في حديثه البدايات الفعلية للدبلوماسية العمانية التي كان أحد أهم أركانها النهوض بالبلاد كي تلتحق بالركب وكان آنذاك انضمت إلى السلك الدبلوماسي كوادر عمانية لا تملك وقتها خبرة مهنية كافية لكنهم كانوا يملكون عزيمة على سرعة التعلم والارتقاء في مدارج الدبلوماسية.
بدأت الدبلوماسيّة العمانية متواضعة في التشكيل متماسكة في القيم والمبادئ كيف لا وعمان دولة عريقة ولها من الإرث الحضاري ما يجعل الآخر ينظر إليها نظرة إعجاب وافتخار رغم أنّها دولة ناهضة إلا أنّ فكرة جلالة السلطان أن نقدم الصيغة الحضاريّة على صيغة الحداثة.
ولو عدنا إلى بداية تشكيل الدبلوماسية العمانية فقد كان صاحب السمو السيد فهد أول وزير للخارجية وانتقلت بعد ذلك إلى الراحل قيس الزواوي ومعالي يوسف بن علوي عبدالله وكيلا للوزارة ومنذ ذلك التاريخ يقود معالي يوسف بن علوي دفة الوزارة وأصبح واحدًا من أهم الوزراء ليس فقط على مستوى الدول الخليجيّة بل على المستوى العربي والإقليمي لأنه انتهج في إدارته فكر جلالة السلطان، فقد كان البناء قويًا منذ البداية وظل كذلك متماسكًا لتلعب السلطنة دورًا محوريا في حل العديد من القضايا الشائكة وتقديم مبادرات مهمة كانت لو طبقت لجنبت المنطقة ويلات الحروب .
يدرك المتتبع للدبلوماسية العمانية أنها كانت تعمل على محورين داخلي وخارجي، وكان المحور الداخلي هو الأهم بالنسبة لرؤية جلالة السلطان – حفظه الله -. ومما ساعد على نجاح الدبلوماسيّة هو الفهم العميق لعدم التدخل في شؤون الغير وفي منهجنا أن تأخد سياستنا منحى السلم والسلام .
ولاشك أنّ هذا التوجّه ظهر في معاملات السلطنة أثناء ترسيم الحدود مع الدول الشقيقة ونجحت هذه الدبلوماسية في حل المشاكل بهدوء وبعقلانية .
من الأمور التي يجب أن يشار إليها بالبنان حول الدبلوماسيّة العمانية استضافة السلطنة عام ١٩٧٦ كأول مؤتمر إقليمي على مستوى وزراء الخارجية وشارك في المؤتمر وزراء دول مجلس التعاون وكل من العراق وإيران وكانت النظرة العمانية من خلال هذا المؤتمر احتواء العراق وإيران بانضمامهم إلى المنظومة الخليجية، ولكن تبعثر الجهد في اجتماع مسقط وفشل مشروع انضمام البلدين إلى التكتل الخليجي.
النجاح الآخر للدبلوماسيّة العمانية هو نجاح السلطنة في إقامة علاقات مع الدول العظمى من بينها الصين وروسيا، وكان بناء هذه العلاقات نقطة تحوّل مهمة كما أنّ علاقات الدبلوماسيّة مع الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية التي سبقت الصين وروسيا لا تقل أهمية فقد بنت إيران علاقاتها مع عمان وفق بعد استراتيجي .
وكان أول قنصل عماني في إيران الأستاذ إسماعيل الرصاصي وخلفه كأول سفير مبتعث الأستاذ صادق بن جعفر سلمان.
ولأنّ الشيء بالشيء يذكر ففي إطار إقامة علاقات راسخة مع إيران كبلد إسلامي ذي جوار إقليمي لبّى جلالة السلطان الدعوة للمشاركة في الذكرى الملكية عام 1975 كما قام بزيارة خاصة عام 1976 وآخرها عام 2013. وقد فتحت زيارة جلالته لإيران آفاقًا جديدة لتنمية العلاقات بين البلدين الصديقين، وتوسعت رقعة العلاقات بين السلطنة ومختلف دول العالم لتصل إلى نحو 70 دولة بالإضافة إلى إقامة العلاقات على مستوى السفير غير المقيم.
إنّ الدبلوماسية العمانية حافلة بالإنجازات، وأصبح المواطن العماني يتنقّل بين دول عواصم العالم دون قيود أو حواجز بل صار سفيرًا حسنًا لعمان
بقلم : حمود بن علي الطوقي