اختتم النادي الثقافي اليوم موسمه الثقافي لعام 2019م من خلال إقامته ندوة بعنوان /النقود العمانية ودلالاتها الحضارية/ بمشاركة نخبة من الباحثين المتخصصين من داخل السلطنة وخارجها بمقره في القرم.
وقال محمد بن عبيد المسكري عضو مجلس إدارة النادي الثقافي في كلمة له إن هذه الندوة تأتي ضمن جهود النادي للعناية بتوثيق تاريخ العملات النقدية في السلطنة وتعريف الجمهور بالإرث الحضاري والدور الكبير الذي قامت به العملات في تسهيل معيشة الأفراد.
وأضاف المسكري إن الندوة تهدف إلى دراسة الصلات الحضارية بين عُمان والدول الأخرى من خلال النقود ، مؤكدا عزم النادي الثقافي في تقديم المزيد من الفعاليات خلال الموسم القادم في كافة المجالات.
من جانبه قال إبراهيم بن محمد الفضلي من البنك المركزي العماني داعم الندوة في كلمة اللجنة المنظمة إن الحديث عن تاريخ العملات النقدية في السلطنة دائما ما يكون مرتبطا بتاريخها وهو يعكس مراحل التطور التي مرت بها السلطنة حيث كانت عُمان من أوائل الدول العربية التي عرفت بتداول النقود بأشكال وصور مختلفة وذلك كحاجة أساسية وضرورية لإجراء وتنظيم المعاملات التجارية في ظل تقدم حضاري عرفته عُمان بفضل موقعها الاستراتيجي الذي أسهم في جعلها أقدم طرق التجارة التي تربط الشرق بالغرب من مجان إلى دلمون وبلاد الرافدين وملوخا في بلاد السند.
شملت الندوة ثلاثة محاور أساسية قدم خلالها المشاركون تسع أوراق عمل من خلال ثلاث جلسات ، ففي الجلسة الأولى تحدث الـستاذ الدكتور عاطف منصور محمد أستاذ المسكوكات والآثار الإسلامية عميد كلية الآثار – جامعة الفيوم بجمهورية مصر العربية عن التاريخ النقدي لعمان في العصر الإسلامي التاريخ النقدي لعُمان في العصر الإسلامي حيث قال إن النقود الإسلامية تعتبر من أهم الوثائق التي تمدنا بمعلومات صادقة ودقيقة، وتساعدنا في دراسة التاريخ الإسلامي من جميع جوانبه الدينية، والسياسية، والاقتصادية، وتعكس لنا بصدق مدى ما وصلت إليه الدول الإسلامية من رقي وتقدم، فالنقود الإسلامية بما تحمله من أسماء الخلفاء والملوك والسلاطين إضافة إلى سنوات السك المدونة عليها، تساعدنا على تصحيح العديد من الهفوات، وسد الثغرات في لوائح تسلسل الأسر الحاكمة لمعظم الدول الإسلامية في عصورها المختلفة، وكذلك ضبط فترات حكمها بكل دقة ووضوح.
بعد ذلك قدمت الدكتورة جنان خضير منصور من العراق ورقة عمل عن /كنز الوقبة (صدامة ) في سلطنة عمان/ والذي تم اكتشافه عام 2005 ببلدة صدامة بالوقبة بولاية ينقل بمحافظة الظاهرة حيث قالت إن من أهم ما يتميز به كنز (الوقبة) هو التنوّع من حيث الزمن أو الموقع الجغرافي؛ أي تنوع وتباعد مدن الضرب أو سنوات سك تلك النقود، حتى ليشعر المرء إن صاحب الكنز الأصلي كان من هواة جمع المسكوكات.
وأضافت منصور إن في هذه الصفة يختلف هذا الكنز عن الغالبية العظمى من الكنوز النقدية المكتشفة الأخرى مشيرة إلى أن المجموعة التي يبلغ عددها 409 مسكوكات ؛ كلها دراهم فضية، تعود لحقب زمنية مختلفة ولمدن ضرب متباينة أيضا. ينحصر تاريخ سك معظمها ما بين سنتي 76–314 هجرية (695-927 م).
من جانبه قدم الأستاذ جمال الكندي قراءة عامة عن النقود النحاسية المحفوظة بمتحف بيت قرش الخاص المزمع افتتاحه قريبا حيث قال إن النقود النحاسية وما تحمله من كتابات بكل تأكيد تدل على تاريخ سك هذه النقود وان ما تحمله من عبارات وكلمات مختلفة باللغة العربية تنم عن الإدراك بأهمية اللغة كما أن ذكر اسم عُمان في هذه النقود على عدد منها في حقبا مختلفة فهو دليل قاطع على تاريخ عمان ومدى قوتها وتواجدها في العصور المختلفة بمختلف بقاع الأرض.
وفي الجلسة الثانية قدم الدكتور أسامة أحمد مختار حسن أستاذ ورئيس قسم الآثار الإسلامية كلية الآثار – جامعة سوهاج ورقة عمل بعنوان /المأثورات ودلالاتها على الدراهم الفضية لأئمة عُمان في القرن الخامس الهجري/ وتطرق في ورقته الى نقود أئمة عمان في القرن الخامس الهجري بدءً من الإمام راشد بن سعيد اليحمدي (425-445هـ / 1033 – 1053م) حيث ذكر المؤرخون أن بيعة الإمام راشد بن سعيد
بالإمامة كانت عام 445هـ/ 1053م، على إثر موت الإمام الخليل بن شاذان ولكن المسكوكات حسمت هذه القضية وأثبتت أن الإمام راشد بن سعيد تولى الإمامة عام 425هـ، وليس 445هـ كما ذكرت المصادر حيث ظهرت مسكوكات الإمام راشد بن سعيد اليحمدي (425-445هـ / 1033 – 1053م).
بعد ذلك قدم إبراهيم بن أحمد الفضلي أمين متحف النقود بالبنك المركزي العُماني ورقة عمل عن /الأوراق النقدية ظهورها وتطورها في سلطنة عُمان/ وقال إن المكانة الاقتصادية للدول الحديثة ارتبطت بمكانة نقودها وخاصة الورقية فهي تمثل الوجه الحضاري والتراث الثقافي لهذا البلد أو ذاك، وقد اتجه الفكر الاقتصادي نحو التعامل بالأوراق النقدية بسبب عدم قدرة النقود المعدنية على مسايرة التطور الاقتصادي بسبب الصعوبة النسبية في حملها ونقلها خصوصًا في الصفقات التجارية الكبيرة والتي تكون بمبالغ ضخمة، فضلًا عن إمكانية سرقتها لكونها بارزةً للعيان.
وأضاف الفضيلي أن تاريخ الأوراق النقدية مر بأربع مراحل بدأت المرحلة الأولى عندما بدأ التجار وخوفًا من السرقة يحملون في أسفارهم سندات تدل على ملكيتهم لثروات معينة، حتى اذا سرقت هذه السندات لم تتأثر ثروة التاجر، أما المرحلة الثانية فتمثلت بقبول الأوراق في المعاملات التي يمكن من خلالها الوفاء بالالتزامات، في حين كانت رغبة أصحاب البنوك بإصدار أوراق نقدية تتجاوز قيمة العملة المعدنية فيما تمثل المرحلة الثالثة، ونتيجة لتزايد كمية النقود الورقية الصادرة وتردد الأفراد في قبولها خوفًا من عدم مقدرة البنك على تحويلها بدأت المرحلة الرابعة بتدخل الدولة التي سارعت إلى فرض سعر قانوني وألزمت الناس على التعامل بالأوراق النقدية.
وقدم سيف بن محمد البوسعيدي نائب مدير دائرة إدارة النقد بالبنك المركزي العُماني ورقة عمل عنونها /السمات الأمنية على إصدارات النقد العماني/ أشار خلالها إلى أن الأوراق النقدية تطورت عبر العصور، وكانت لها أشكال عديدة، وما زالت في تطور نحو استخدام الأساليب الحديثة في التبادل التجاري كالنقود الإلكترونية وغيرها.
وأوضح البوسعيدي أن تسمية العملات الورقية بالورقية لا يحصر كونها مصنوعة من الورق، إذ إن العملات الورقية طبعت في عدة دول على القماش والقطن والخشب والجلد والبلاستيك، ونشهد اليوم اتجاه لافت لاستعمال أكثر من مكون واحد للعملات الورقية وخاصة البلاستيك فيما يسمى اليوم بالبوليمر والهايبرد لأن عمر استهلاكها أطول من سابقاتها الورقية.
وأكد أن الدول تسعى إلى تأمين أوراقها النقدية من خلال وضع مجموعة من وسائل الحماية بهدف منع تزويرها أو تزييفها، وتكون بمثابة علامات تميزها عن الأوراق النقدية المزيفة، تتعدد هذه الوسائل، ولكن أهمها العلامة المائية، والخيط الأمني، والطباعة البارزة، والشريط المعدني، ويمكن لعامة الناس من خلالها تمييز العملات الحقيقية من المزورة، كما أن هذه الوسائل يصعب على المزورين تقليدها، لارتفاع تكلفتها، ولكونها تضاف خلال مراحل تصنيع الورقة النقدية، وليست في مرحلة الطباعة، الأمر الذي يجعل عملية تقليدها غير مجدية.
وفي الجلسة الثالث قدم الباحث ناصر السعدي ورقة عمل عنوانها /العملات النقدية المتداولة في عمان من خلال نصوص النوازل الفقهية العمانية/ وقال إن نصوص النوازل الفقهية تزخر بالكثير من المفردات التي تؤرخ لطبيعة العصر الذي تنتمي إليه، وتعكس أحوال المجتمع، وقضاياه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولكون النقود أحد مكونات المعاملة الاقتصادية، فكان لا بد لها من الحضور بين ثنايا النوازل الفقهية في كل عصر وزمان.
وتتبع السعدي في بحثه بعض الإشارات والنصوص، التي حملت ذكراً للعملات النقدية التي تداولها أهل عُمان قديماً، وجاء ذكرها في كتب النوازل الفقهية، والهدف من ذلك، وبيان أهمية كتب الفقه في دراسة التاريخ، ولفت انتباه الباحثين والمهتمين بالتاريخ الاقتصادي ونحوها وأهميتها.
واختتمت الدكتورة أحلام بنت حمود الجهورية تقديم أوراق العمل بتقديمها ورقة بعنوان /أسعار السلع والبضائع في عُمان خلال القرون الإسلامية الأولى/ فقالت إن عمان تبوأت خلال القرون الهجرية الأولى مكانة اقتصادية مهمة من خلال الدور المحوري للموانئ العُمانية في حركة التجارة الدولية، والذي كان استمرارا للدور العُماني الحضاري في التواصل مع مختلف الحضارات منذ القدم. وارتبط ذلك النشاط التجاري بتعاملات البيع والشراء، وقد انعكس على مجموعة من القضايا المرتبطة بالسلع والأسعار والأسواق والنقود المستخدمة.
وهدفت الدراسة إلى تتبع أسعار السلع والبضائع في عُمان خلال القرون الهجرية الأولى. ورصد المصطلحات المتعلقة بالسلع والنقود، فعلى سبيل المثال: يُطلق مصطلح البيضاء على الدراهم (العملة الفضية). ومصطلح الصفراء أُطلق على
الدنانير (العملة الذهبية). وتعتمد الدراسة على قراءة تحليلية لما أوردته المصادر التاريخية والجغرافية والفقهية والسلع والبضائع.
وصاحب الندوة معرض مصغر لعرض نقود إسلامية وأوراق نقدية يشارك في تنظيمه كل من متحف بيت قرش، ومركز هواة الطوابع والعملات، عرض خلاله نماذج من العملات النقدية النادرة.
العمانية
#عاشق_عمان