مُدْمِنَةُ الشِّرابِ الأَحْمرُ
من مدمنة الشراب الأحمر...إلى أفيوني وخدري...
مع كل رشفة من شرابي الأحمر، ومع كل سهم تلتقطه أقواس عينيك اللتان تنفتحان وتنسدلان كنافذة تطل على بحر هادئ، أكتب كلماتي هذه، أضعك أمامي، طيفا من أطياف ألف ليلة وليلة، أناظر فيك الوسامة والأناقة، أناظر فيك العيون الحالمة، ودفء المشاعر، أحصي خطواتك بين ردهة وأخرى، مثلما أحصي من بعيد كلماتك الصامتة، أتتبع كل تلك الخيوط الأثيرية التي خلفتها وراءك أطيافا وعبقا من روائح ياسمين الصباح، وأنت ما تزال أمامي وعلى طاولتي ترشف رشف الفراشات من شرابي الأحمر.
لا أدري من كان يحلم بالآخر، أنا أم أنت، أم أننا لم نكن نحلم ببعض من الأساس، لكن أن يجمعنا القدر في ذلك المكان وعلى تلك الطاولة بالذات لهو الجنون بعينه، فأنت المطلوب رقم واحد بين شلة البنيات، وأنا المطلوبة رقم واحد بين شلتكم،وبالرغم من ذلك فقد عمد كل واحد منا إلى أدرج الأخر في ذيل قائمة أوليوياته، هل جلوسنا على هذه الطاولة معناه أن لا أحد في هذه الشلل يستحقنا؟ هل فعلا نستحق بعضنا كوننا مطاردين من الجنسين؟ لا أجد تفسيرا لهذا المنطق اللامنطقي، بعد كل هذه السنين اتساءل: لم لم أعجب بشخص غيرك؟ لم أنت بالذات وغيرك فيه مما تعشق البنات الكثير؟ أهو صوتك؟ رغم أننا نعشق الصوت الذكوري دونما تمييز، أم أن لا مبالاتك بي هي التي كسرت كبريائي؟ كنت وما أزال محط أنظار الجميع إلا أنت، كنت أعتقد أنك عاشق مخلص تغض البصر كي لا تخطفك ساحرة مثلي على طائرة من ورق، وتفاجأت عندما وضعتك على كرسي انتزاع الاعترافات لتقول لي بأنك فقير معدم لا تملك حتى حبة حُبٍ تسكن بها آلام الفراغ المزمنة والغربة المستديمة التي يعاني منها قلبك، وفي لحظة صفاء تمزقت تعويذة السحر بيننا وتحول الضفدع أميرًا وسيما واستحالة البجعة أميرة من الحسن والجمال، كنت حينها أخشى أن يتفق معشر الشباب والبنات على اغتيالنا لحسد يكبر في أنفسهم فيسفكون دماءنا القانية على تلك الطاولة وتختلط بالشراب الأحمر، لكن شيئا من ذلك لم يحدث رغم كل البراكين التي تفجرت بعيدا عن طاولتنا لمجرد أن لمحوني جالسة معك على طاولة واحدة وبيننا ذاك الشراب الأحمر. أنا جالسة معك أنت: واقع لا يرواد الحالمين حتى في أحلامهم.
قد تستغرب من فتاة مثلي أن تمسك قلما وورقة لتكتب رسالة إلى شاب من شباب هذا العصر، وقد تستغرب أكثر أنني لن أطالب بمعرفة رقم هاتفك، مهما كانت أعذاري وأعذارك، هل تعلم أن هذا الجهاز الصغير قد قضى على أدب رسائل العشق والغرام واغتالها بطلقة مطاطية واحدة: "ألو"، ماذا ترى العشاق فاعلون اليوم يا عزيزي؟ أين ذاك الصندوق الصغير الذي يضم رسائل تتوالد بمرور الأيام؟ أين ذهب ساعي الغرام؟ أين تلك الشحنات الكهربائية التي تسري بين طرفي الرسالة مع تلامسات أطراف البنان؟ ما اختلف الزمان ولكن اختلف الإنسان، لهذا لا أريد أن أتسبب في خسارة الأدب، ولا أريد أن أرسل لك كلمة " أحـــبـــك" في رسالة نصية فلا تجد صندوقا أمينا يحفظها عندك، وإن مسحتها عار إن فعلت عظيم، ما عاد العشق في الصدور ولا في السطور، ولهذا سأعيد معك هذه النصوص الجملية، شِعرًا، ونثرًا، وقصصًا، وروايات من أدب الحياة الخالد، هاتفي إليك هو هذه المراسيل، ستكتشف من خلالها من أكون وكيف أكون، ستكون ونيسك في غيابي، ستحمل في طياتها عطري وأنفاسي وشيئا من تلامسات يدي على الورق، وفي كل لحظة تفتقدني فيها ستجدني هناك بين رسائلي عطرًا يفوح في فضاء أنفاسك، لا أريد أن يكون كلينا سهل الوصول والمنال، أحب أن أكون أنا الترقب وأنت الانتظار، فبينما نحن بين هذا وذاك نجد مساحة شاسعة للتفكير في ذواتنا وفي معرفة ما نريده من الآخر، الرسالة كالقصة بل كالرواية، يدخلها العشاق خالدين ويتصفحونها بلا انتهاء، فيها رسم العيون، ومنها تتخالط أنفاس عاشق يكتب مع أنفاس عاشق يقرأ، أريدك أن تغوص عميقا في كتاباتي، أن تقترب أكثر من حواسك الخمس كلما ابتعدت عنك، تذكرت أنه كلما خفتت حاسة زادت حدة الحواس الأخرى، فعندما تداهمك العتمة بصمتها المطبق تتسع أحداقك وتزداد حدة سمعك، لهذا إعلم أنني حاستك السادسة، في غيابي أنا عينك التي تراني بها وأذنك التي تسمعني بها وجسدك الذي تتحسس به وجودي حولك ولسانك التي تتذوقني بها وأنفك التي تشتم روائحي بها.
أعلم أنك تعشق صوتي ليس لجماله وعذوبته فحسب بل لأنني أسكب روحي قطرات على مسامعك، واعلم أنك لن تسمع هذا الصوت أبدا خلف الأسوار وفي تمددات الاسلاك واللاأسلاك لأنك ستنعم بحديثي وهو يتناثر على طاولتنا كحبات البرد، هذا المقهى هو الذي يسجمعنا نحن العاشقين، نتجاذب معا أطراف الحديث، بصخب لا يتجاوز شفاهنا وبهدوء يمتد إلى أبعد طاولة في هذا المقهى وبعيون صامتة، لا أدري كم مرة أحببت من أول نظرة لكن تأكد أنك أنت يا عمري العشق الذي تفجر من آخر نظرة، هي النظرة التي لن تعقبها نظرة أخرى إلى رجل سواك، ففيك اختزل جميع الرجال، فأنت الطيب الشرير وأنت الذكي المتغابي وأنت المتواضع بغرور، قد حزت من كل شيء الشيء وضده، يكفي فقط أنك تفهم كل أنثى تسكن في داخلي، تلك التي تبكي حينا وتلك التي تضحك أحايين أخرى، هكذا أنت يا عشقي الأحمر، خبير في شد خيوطي الأنثوية وإرخائها، أذكر كيف شددت خيط أشواقي إليك بعد أن أرخاه طول انتظارك، كلمة واحدة منك فقط تدحرجت من بين شفتيك العذراوين لتسقط في قاع قلبي اليباب فتعيد ضبط الإيقاع فيه لأرقص على نبض أشواقك الحارة وأشواكك الدامية حافية القدمين، كم أعشق فيك هذا الخدر الذي تلقيه على روحي، وكم أعشق فيك هذه العذابات التي تدخلني من خلالها إلى عوالم تمتزج فيها اللذة بالألم، الوعي باللاوعي، الضمأ بالإرتواء.
آه، كم أتوق إلى وضع هذه الرسالة بين يديك، فأكون وفّيْت بوعدي لك وللحب وللأدب، كن معي يا قدري، تخاطر مع أفكاري، ونادني مثلما أناديك، لنلتقي بعد أن طال الغياب بيننا في الردهة التي تتوسط قلبي وقلبك.
15 أبريل 2007م