اعتبر متابعون للشأن التونسي أن الزيارة الرسمية التي أداها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي مؤخرا إلى المملكة السعودية قد حققت أكثر من أهدافها من الجانبين الديبلوماسي و الإقتصادي في فترة إنتقالية صعبة تمر بها تونس.
و أكدت ذات الجهة أن زيارة السبسي إلى الرياض نجحت في كسر و إذابة أكداس الجليد المتراكمة منذ عقود بين تونس و السعودية خلال عهدي الزعيم الحبيب بورقيبة و الرئيس السابق زين العابدين بن علي، فطيلة حكم الأول كانت الوجهة السعودية و الخليجية عموما ليست على قائمة الوجهات السياسية و الديبلوماسية التونسية، حيث كان نظام بورقيبة لا يهتم كثيرا، إن استقام هذا الوصف، بدعم العلاقات الديبلوماسية مع المملكة و مع بلدان الخليج العربي ككل، ليعمل مقابل ذلك على منح الأولوية القصوى للسياسة الخارجية التونسية للبلدان الأوروبية و على رأسها فرنسا، إضافة إل الولايات المتحدة الأمريكية، و الجزائر و ليبيا و المغرب.
أما في عهد بن علي، فقد بلغ حجم البرود بين تونس و السعودية أعلى مستوياته، خاصة في مرحلة التسعينات على خلفية إنحياز نظام بن علي، و إن بالنوايا، إلى صف العراق و رئيسه صدام حسين خلال إجتياحه للكويت. و تقريبا منذ ذلك الحين ساد الجمود العلاقات التونسية السعودية رغم محاولة كل جهة من الطرفين التقليل من مداه و تزويقه بالتصريحات و المواقف الديبلوماسية المنمقة في عدة مناسبات.
في عهدي الترويكا و التكنوقراط إنطلقت مرحلة أخرى في مسيرة العلاقات بين البلدين كانت سمتها الأبرز محاولة البحث عن الدعم لبلد يمر بمرحلة إنتقالية تتسم بصعوبات إقتصادية، تمظهرت أساسا في زيارات رسمية أداها رؤساء الحكومة التونسية آنذاك، و هم كل من حمادي الجبالي و علي العريض و مهدي جمعة إلى المملكة، إلا أن موقف هذه الأخيرة تجاه تونس ما بعد بن علي اتسم بالحذر الشديد اتقاء لشر تصدير أو إنتقال "الثورة" إلى ديارها، وفق محللين.
و منذ حلوله بقصر قرطاج، عمل الرئيس التونسي المنتخب على تطوير العلاقات الديبلوماسية و الإقتصادية لبلاده مع عدد من الدول الأجنبية، منها السعودية، حيث لم يتوان اللحظة في زيارة هذا البلد على إثر وفاة عاهله الملك عبد الله بن عبد العزيز، و رغم أن زيارة السبسي إلى السعودية كانت خاطفة وقتها، إلا أنها نجحت في إعادة بناء جسور الثقة بين البلدين التي تدعمت أكثر خلال الزيارة الأخيرة.
و يمكن القول إن زيارة السبسي إلى السعودية حققت أهدافا سياسية و اقتصادية بالجملة ، خاصة أنها تزامنت مع إنخراط تونس في التحالف الإسلامي ضد الإرهاب الذي تقوده المملكة، و بالتالي أصبح التعاون الثنائي بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب أمر واقع، تبعه التزام و وعود رسميين من السعودية بتقديم الدعم الإقتصادي الكامل لتونس لمساعدتها في المرور الآمن من مطبات الصعوبات الإقتصادية و التنموية.
تعهد السلطات السعودية بمنح تونس مساعدات إقتصادية هامة، إضافة إلى 48 طائرة حربية من نوع F5 يبين بوضوح أن العلاقات بين البلدين تدخل مرحلة متطورة جدا من التعاون في المجالين الأمني و الإقتصادي، مما يعني آليا دفع حجم الإستثمارات السعودية في تونس التي من المنتظر أن تتفعل في مشاريع إقتصادية ستساهم، وفق ملاحظين، في دفع عجلة الإقتصاد التونسي.
و تم خلال هذه الزيارة توقيع عدة إتفاقيات تعاون مشتركة في مجالات الدفاع و الحماية المدنية و النقل البري للبضائع و الأشخاص، إضافة إلى إتفاقيتي قرض مع كل من الصندوق السعودي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية.
و لتدعيم الإتفاقيات المذكورة و تجسيدها على أرض الواقع، من المنتظر أن يؤدي وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، مرفوقا بوفد من المستثمرين و رجال الأعمال السعوديين، خلال شهر يناير 2016، زيارة عمل رسمية إلى تونس، من المتوقع أن تمثل دفعا جديدا للعلاقات الثنائية بين البلدين.