رسائل [2]
يتحدث البعض عن المشترك النفسي للمجتمع ويضعونه ضمن الحواجز المانعة لنمو بعض الظواهر التي تخالف ما تعارف عليه وتصطدم في العمق مع خلفيته الممدة في الإطار التاريخي والأخلاقي لتكونه، وهو مشترك قد يكون محقا وقد لايكون فمعيار الحكم على مصداقيته وجود مرجعية ثابتة يستطيع المتحرك من خلالها المقدرة على محاورته ومحاولة إقناعه أو تبرير سلوك الحالة التي يتحرك من خلالها
والمرجعية هي الخلفية التي طبعت مجتمعا معينا واقتنع أفراده أو تعارفوا على مبادئها وقواعدها الأساسية وقد يبررون سلوكهم وأحكامهم وما يريدون البناء عليه أو هدمه انطلاقا من هذه المرجعية، فهي بمعنى آخر إطاره الأخلاقي والقانوني.
وقد تغلب الحماسة أحيانا فيندفع البعض متوهما أو مدركا لنقد بعض المظاهر والسلوكيات وحتى الأشخاص، دون أن يضع في الاعتبار هذه المرجعية وما خلقته من مكونات في النفسية الفردية والجمعية فيقع في الذاتية أو ما يسمى النظرة أحادية الجانب، وهي نظرة تتناول لتأسيس أحكامها على ما تبلور في ذهنيتها من قناعات مسبقة أو تجارب خاصة أو سيطرة نموذج محدد تتباين قدرته في الوصول إلى المضمون الحقيقي وتجاوز الشكل.
تناول الحقيقة أو الوصول إليها لا يتم إلا من خلال نموذج مركب يدرس المشكل من مختلف زواياه والنموذج المركب إطار يضع الظاهرة في سياقها الحقيقي ويساعد كثيرا على تكوين صورة واضحة للواقع يمكن من خلالها وضع تقييم نقدي وأخلاقي له.
تجاهل النموذج المركب في نقد الظواهر قد يؤدي إلى انتقاص الحقيقة وخلق علل في الصورة العامة لدى الأفراد ومع ذلك فلدارسه عذر ما كان باحثا عن الحقيقة وطالبا من عملية نقده الوصل بينه وبين المجتمع وإن أخطأ في بداية الأمر .
قلنا أن المتجاهل للنموذج المركب قد نعذره ما دام طالبا للحقيقة فهو سيوسع من خلال الحوار قاعدته المعرفية وقد يصل إلى معالجات تفيد الفرد في ذاته والمجتمع الذي يدرسه. ولكن كيف هو الحال مع المتعالي والظان بلوغه عنان الفكر وشبعه الفكري . كيف السبيل معه؟
لا اخفيكم أني تقيأت ليلة أمس – وعذرا على ما تثيره هذه اللفظة في نفوسكم –لمجرد قراءاتي لهذا النوع من الكتاب فكيف لشخص مهما بلغ من الذكاء والثقافة والعلم أن يتجرأ على قرناء له بالإزدراء والتلميح المغرض أحيانا. لا أجد الوصف الملائم الذي يجب أن نصف به هؤلاء غير أن أقول لهم : إن تصور الذات على أنها قيمة مطلقة لذاتها أمر مشين ، وتصور العقل والمعرفة قائديين في إطار منفصل عن القيمة والمعنى وَهْمٌ لا يمكنه أن يستمر، وأن رفع الذات والتعالي على الآخر هو ابتذال للفكر وسقوط في الصبيانية المراهقة، وعلى كل من يظن في نفسه شبع فكري متخم أن يترفع عن النزول إلى أرض الواقع فتسقط أقنعته وتتهاوى عظمته المصطنعة وربما حياته كمعنى بطبيعة الحال.
إن العلم إلم يكن طريقا إلى إصلاح الذات لن يكون منارا يهتدي به الاخرون ، وما منا إلا صاحب رأي لم يزد على من جاء قبله إلا قليلا، وتذكروا أن رفعة العلم في تواضعه وتيسييره الصعب على من هم دونه لا بالإنطلاق معصوب العينيين في بيداء قل أن ترحم من يجور على قانونها.
هذا والسلام.