هنالك ظاهرة خطيرة، يلاحظها الباحث في أحوال المجتمع الإنساني الحديث، تسري سريان الطاعون، وتنتشر إنتشار الوباء الطامي، ظاهرة تشل العقول عن التفكير، وتكبل السواعد عن الإنتاج والعطاء، وتزيح الإنسان عن زمام القيادة في هذا الوجود، لتقذفه في هاوية سحيقة من عبودية الظروف...
تلك هي ظاهرة القلق...
والقلق في معناه العلمي الحديث، هو إحدى الحالات الإنفعالية التي تصاحب الخوف من المستقبل، وتؤدي إلى الضيق وعدم الرضى والتهيج الذي يعوق التفكير الصحيح، والعمليات العقلية الأخرى.
ويعرفه بعض العلماء، بأنه عدم الإرتياح، مع ميل إلى عدم الاستقرار، ولا يكون القلق دائماً مصبوغاً الحزن، بل قد يختفي وراء مرح مصطنع، ونشاط ظاهر.
إن القلق نار تلتهم حيوية القلب النابض الرقيق، فيغدو كالفحمة السوداء دونما إحساس أو شعور، ويستحيل من موطن الحركة والإنفعال والتأثر، إلى آلة صماء، لا يوجد فيها إلى الجمود والفترة.
أنه قيد يمسك الإنسان، ويحول بينه وبين التقدم والإندفاع، بل إنه في أغلب الأحيان يجره أشواطاً إلى الوراء، ليلقيه في أغوار سحيقة من الإنحطاط والضياع.
والقلق لص ماكر خبيث، يتسلل ببطء، ولكن إذا ما تمكن ينهب بجنون فائق، ويسرق أول ما يسرق، سعادة الإنسان وابتسامته، ثم يأتي بعد ذلك على كل خير في حياته.
وحسب الإنسان القلق شؤماً أنه لا يرى لنفسه أية قيمة في موكب الحياة، وأنه يشعر دائماً بأنه غير قادر على تحمل المسؤولية، وخوض الصعاب، لأنه بهذا يكون قد جرد نفسه من الكرامة الإنسانية ووقع في شراك عبودية أليمة تجبره على السجود لأتفه الأشياء.
إن الحياة لتغدو مع القلق جحيماً لا يطاق، وأن كل شيء فيها ليبدو تافهاً في عين الإنسان القلق، حتى الطبيعة الغناء، والمناظر الفتانة التي تسلب العقول، يراها القلق لوحة باهتة، فلا يتلذذ لجمالها ولا تلفحه نسائمها، ويبصرها كأنها حلم عابر خال من الحركة والحياة.
ولعل أشد ما في القلق من عذاب، هو ذلك الشعور المبهم الغامض، الذي لا يدري معه الإنسان سر ألمه ولا يرى لنفسه هدفاً من الأهداف يرتاح إليه إذا ما تحقق، إلا الموت.
ولا شك أن لهذا الداء الخطير، ضرراً بالغاً على الفرد والمجتمع، فأما الفرد فحسبه منه، أنه في عذاب قاتل وفي غموض مبهم، حسبه أنه يحيا رغماً عن أنفه، وأنه لو خير لما اختار سوى الهلاك.
وأما في مجال المجتمع، فإنه تعطيل لكثير من الإمكانيات والمواهب عن الإنتاج، وأنه خور وضعف يهدد كيان الأمة بأسرها، وينذرها بالدمار.
ومن هنا كان هذا المرض الأليم، جديراً بالعناية، وكان شفاؤه واجباً مقدساً، تلقيه الأمة على دعاة الإصلاح.
وأن العالم اليوم، لا يحتاج إلى من يؤمن له الخبر والقوت، ولا ينتظر الدعوة التي تحرك له الأسنان والأضراس، بقدر ما يتوق إلى من يبث فيه روح السعادة والاستقرار، ويحييه بالإيمان، وينقذه من التفتت والضياع.
إن المشكلة عميقة، والخطب جليل.
المشكلة، مشكلة قلوب خاوية مترددة، وعزائم خائرة فاترة، ونفوس ميتة ضعيفة.
مشكلة ظلام وجهل وفوضى، مشكلة بشر، لا يحلها مشكلة ظلام وجهل وفوضى، مشكلة بشر، لا يحلها إلا خالق البشر.
وأنا اعترف منذ البداية، بأنني لن أفي هذا الموضوع حقه، وأن تناولي له لن يكون عميقاً، ولكنه خطوة على الطريق. ولعل غيري ممن تمرسوا بأساليب البحث، وتفهموا روح الإسلام العظيم، يكتبون في هذا الموضوع فيلبون رغبتي ورغبة هذا الجيل المتطلع إلى السعادة.
أسباب القلق:
يطلق بعض العلماء على القلق: ((لعنة العصر الحاضر)) وكل هذا نتيجة للحياة العصرية بصخبها وتعقيدها ومشكلاتها، فأكثر الناس يشعر بضعفه وعدم إرتياحه على مجابهة الحياة وأعبائها ومسؤولياتها.
وينفي الدكتور ((ماثيو تشابك)) في كتابه ((شفاء القلق)) وجود هذا المرض النفسي في العصور البدائية ويقول: "لو أن القلق عرف سبيله إلى نفس الإنسان البدائي لانقرض الجنس البشري ومحى الله وجه الأرض، لقد خلقت الحضارة القلق، وليت القلق يحل مشكلات الحضارة بل إنه يزيدها تعقيداً ويحيلها عصية على الحل والبت".
ثم إن للبيئة القلقة، أثراً فعالاً في توريث القلق إلى أبنائها، والقلق الوراثي قد يأتي عن طريق الأب أو الأم، أو عنهما معاً، فإن أبناء مدمني الخمر كلهم مصابين بالقلق منذ الطفولة.
غير أن للقلق عوامل أخرى، تنبع من صميم النفس القلقة، وترتبط بأفكارها وخواطرها، يقول الدكتور ((ويل كارنجي)) في كتابه ((دع القلق وابدأ الحياة)). ((حياتك من صنع أفكارك)). ويقول الشاعر:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق
أن الإنسان وحده، هو القادر على تلوين حياته، بما يشيعه في نفسه من أفكار حزينة أو متفائلة. ولقد كان أستاذنا الراحل، الدكتور ((مصطفى السباعي)) رحمه الله، مصاباً بالشلل، كانت يده ميتة، وكان في بيته كالسجين مكبلاً بقيود المرض، تنهكه الآلام، وتحيق به الأخطار، وكنت تراه باسماً يشيع التفاؤل في نفوس أخوانه كان يقول:
وما لهفتي للبرء لهفة طامع حريص على الدنيا من الموت يهلع
رضيت من الرحمن أجر طوية على فعل خير نفعه لا يضيع
فإن يؤتني برءاً نهضت لفعله وإلا فقد رضيت نفسي بما الله صانع
ويقول رحمه الله: "اللذة والألم ينبعثان من تصور النفس لحقيقتهما فكم من لذة يراها غيرك ألماً وكم من ألم يراه غيرك لذة".. "من تهدم عليه البيت، فركن إلى الأنين، مات تحت الركام، ومن أمسك جراحاته بيد والمعول بيد، إن استطاع، فإن سلمت له حياته عاش كريماً، وإن مات بعد ذلك مات حميداً".
حقاً إنه لمأساة أليمة، أن يجد المرء نفسه ضائعاً بين الفكرة والسلوك، متخبطاً بين العقيدة والعمل، لا يستطيع أن يسمو بسلوكه إلى مستوى الفكرة التي يحملها، ولا تقبل هذه الفكرة أن تهبط معه إلى درك عمله وتصرفاته.
ولقد صور الله سبحانه القلق الذي ينبعث من التناقض في قوله تعالى في سورة الأنعام:
{كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى إئتنا}.
ثم أن مجرد التفكير في الماضي جدير بأن يجر إلى الإنسان آلاماً لا تطاق ولقد أراح الله المؤمن من عذاب الذنوب الماضية، فهو في كثير من الأحيان يطمئن إلى المغفرة:
{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً}.
{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}.
كما إن للفراغ باعاً طويلاً في هذا المضمار، مضمار القلق.. وقديماً قال الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدب مفسدة للمرء أي مفسدة
وما أكثر الفراغ الذي يعانيه شبابنا في هذا العصر، سواء من الناحية الفكرية، أو العملية في هذه الحياة.
وهنالك سبب أخير من أسباب القلق ألا وهو الشعور بالنقص. وما أصعب الحياة حين يلجها المرء بإمكانياته المحدودة الضئيلة، ويرمق مشكلاتها بمنظاره البشري القاصر. إنها لتبدو معركة طاحنة مع الأقدار العاصفة القوية. أما حين ينطلق المرء في شعابها، معتمداً على تصوره لرعاية الله الذي هو أقوى منها، متكئاً في أعماله وتصرفاته على إيمان راسخ بقدرة الخالق العظيم، فإنه لا شك سيجدها نزهة هادئة وادعة، يمر بها المخلوق على بدائع خالقه، فيزداد إيماناً بالقدر، ويرتاح لحكمته في كل شيء.
إن الإنسان إذا تجرد عن صلته بالله عز وجل، فقد أقوى سلاح يواجه به المعضلات وأصبح أسيراً وعبداً ذليلاً للحياة.
وبإختصار، فإن النقطة الفاصلة بين القلق والإستقرار، والسعادة والشقاء، هي نفسها التي تفصل بين الإيمان والكفر، فلا شقاء مع الإيمان ولا هناءة مع الكفر.
{فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء. كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون}.
وحتى يتذوق هذا الجيل المعذب طعم السعادة، ويتلذذ بنعيم الاستقرار لابد له من الرجوع إلى الإسلام، أن الرجوع إلى الإسلام هو خير وسيلة لشفاء القلق، بل إنه الوسيلة الوحيدة لذلك، أن حلاوة الإيمان هي وحدها الكفيلة بالقضاء على جميع منغصات الحياة، وعندما تتسرب تلك الروح الربانية إلى القلب المؤمن تملؤه بالغبطة والسرور، فلا يعرف بعدها معنى الهم والحزن ولا يضطرب أمام عاصفة القلق.
وقد نجد السعادة في كل ((معجم)) ولكنها كلمة بتراء لا وجود لها في الواقع، أما في معجم المسلم فهي الواقع، وهي الحقيقة، وهي.. هي حلاوة الإيمان. شامل إسلاميات أدعية تغذية فوائد حواء العناية بالجسم معاني الأسماء العناية بالبشرة العناية بالشعر رجيم منوعات ترددات كيف حكم وأقوال حكم عن الحب عبارات الصباح أدبيات فن الكتابة أشعار الافضل صور رسائل طبخ أطباق رئيسية توقعات الابراج 2017 مجتمع شخصيات إنترنت فيس بوك تويتر انستقرام سناب شات نكت تعليم اذاعة مدرسية تعبير تفسير الاحلام الحياة الزوجية ديكورات فن كلمات الاغاني مسلسلات رمضان 2017 قصص قصص اطفال قصص دينية فاتورة التليفون يلا شوت Yalla Shoot نظام نور موقع قياس نتائج القدرات اسماء بنات تقنية مواقع التواصل الاجتماعي واتس اب اقتباسات اقوال امثال حكم خواطر عبارات الحمل والولادة دول السعودية الكويت حلويات سلطات مشروبات معجنات معلومات عامة
ثم إن قراءة القرآن بقليل من التفكر والتدبر، وسيلة ناجحة لشفاء القلق، ولقد قرأت الكثير من الكتب التي تبحث في هذا الموضوع فلم أجدها تجدي في القضاء عليه، إن لم تؤد إلى زيادته، وكان القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يستطيع تأمين السعادة، وبث روح الطمأنينة والاستقرار في القلوب.
ولقد قال الله تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
وليت شعري كيف نتذوق طعم السعادة، لو نشم عبيرها، ونحن في واد وهي في واد آخر، نحن بعيدون عنها لإننا بعيدون عن الحق، متنكرون لعبودية الله، مفرطون في حقوقه، مهملون لكتابه. ولقد قضى الله وقدر بأن لا سعادة إلا مع الإيمان، أما إذا تجرد القلب من إيمانه، فليس له إلا الإنقباض والقلق والحيرة.
هذه حقيقة يؤيدها الواقع الملموس، ويدركها أكثر الناس إلا أننا لا نلمسها خلال حياتنا العملية، ولا نعمل بمقتضاها، ونشتكي بعد ذلك كله من الضيق والكآبة، ونلعن الحياة، ونتساءل عن السبب، ولو نظرنا على أي درب نسير لعرفنا سر الأسى وسبب الشقاء.
أيها الجيل المكتئب البائس، لعمري كيف تطمح إلى الراحة والسرور؟
وأنت غارق في آثامك، مضيع لواجباتك، تحيا في غفلة عن الله وعن كتابه الكريم.
أين صحائف القرآن تتلوها فتنجلي أحزانك ويمتلئ قلبك بالرضى والسكينة؟.
وأين اندفاعك إلى الله كلما هتف المؤذن وحان وقت السجود؟ أين ذكرك وتسبيحك؟ وأين شوقك ولهفتك؟.
أما السعادة فلا تحدثني عنها، ولا تسلني عن سبيلها، إنما هي حيث وضعها الله، فإذا ما أردتها فما عليك إلا أن تطلبها من مكانها الذي لا يتغير. ولسوف تملأ جنبات قلبك، وتغمرك بالرضى وإذا غيرت خطتك مع الله عز وجل. فأرجع إلى صوابك، {واذكر ربك إذا نسيت، وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا}.