سعر الدولار نحن أمام أزمة حقيقية.. وكارثة متوقعة إذا استمر الحال على ما هو عليه وإذا لم تتدخل أيضا الحكومة بثقلها لكبح جماح انهيار العملة المصرية أمام الدولار والارتفاع اليومى غير المفهوم وغير المسبوق فى سعر العملة الأجنبية فى الأسواق غير الرسمية.ورائحة الإشاعات والدولارات أيضاً. إلا أن أحداً لم يتقدّم إلى المنصّة ويُعلن الأسباب والأسماء والأرقام، إذا كان ما يُذاع ويُشاع صحيحاً.
المثل الفرنسي الذي كان أكثر شهرة وانتشاراً في زمن الانتداب، والذي تعلَّق به اللبنانيّون وخصوصاً على الصعيد السياسي، لا يزال ساري المفعول إلى سعر الدولار وترجمته: "فتِّش عن المرأة".
اللبنانيّون الجُدد والأجيال الطالعة نادراً ما يتطرّقون إلى هذا المثل، بعدما سادت اللغة الإنكليزيّة وكسَحت ما عداها من اللغات الأجنبيّة، وبعدما أحلّ اللبنانيّون المال محلّ المرأة، فصاروا يقولون فتِّش عن الدولار. نادراً ما سمعنا حديثاً مالياً كان اليورو أو الأورو نجمه. الدولار فقط.
كانت جدّتي لوالدي تقول بصوت واثق حين يلتئم شمل العائلة في الأعياد: المال والبنون فرحة الدنيا.
اليوم حلّ المال في صدارة الصالونات والأحاديث والأموال، أما المرأة فقد جرفها الدولار بدورها وباتت تردّد المثل الجديد: فتِّش عن الدولار... باعتباره يستطيع أن يُغري حتى المرأة التي كانت في عهد الانتداب عنصر الإغراء الأهم.
أما البنون، فقد سلكوا الطريق ذاته. طريق الدولار. لا أحد يقول في سبيل الوطن، في سبيل التاج، في سبيل "المصلحة العليا"، كلهم جميعهم يحلفون سعر الدولار بحياة الدولار والمال.
كثيرون من اللبنانيّين حوّلوا المال وطناً. المال موجود الوطن موجود. أجدادهم الفينيقيّون وصلوا إلى تخوم الصين، على ما تروي الدراسات الجديدة، بحثاً عن المال "البكر". المال الذي لم تكتشفه شعوب أخرى قبلهم.
وثمة من ذكَر في دراسة دقيقة أن إتقانهم فنون الغش، وتحويل الماء زيتاً وبحص الشواطئ صابوناً، هو سبب بلوغهم بلاد السند والهند... لا رغبتهم "العلمية" في اكتشاف الشعوب ولغاتهم، إنما هربهم من عقاب الغش إذا ما وقعوا في القفص.
ليس القصد من هذه الديباجة تسليط الضوء على حجم خطورة إهمال "ثروة" الزبالة وتركها تنتشر في كل لبنان، بقدر ما هو "الإضاءة" على الدولار الذي حلّ في المثَل محل المرأة.
وصول سعر الدولار فى السوق السوداء حتى أمس إلى 9 جنيهات و87 قرشا، وربما يلامس اليوم سقف 10 جنيهات، هو كارثة تهدد سعر الدولار اليوم الاقتصاد المصرى ويعكس عجز الحكومة عن اتخاذ إجراءات وسياسات عاجلة وفورية، فالحكومة مازالت تقف متفرجة على ما يحدث فى السوق السوداء فى ظل الصعود الرهيب لسعر الدولار، رغم محاولات وإجراءات البنك المركزى فى ضخ العملة الصعبة للبنوك.
برج الدلو
ارتفاع سعر الدولار فى السوق السوداء وتفاوت سعر الدولار له تأثيراته السلبية على جذب الاستثمارات، فالمستثمر القادم إلى مصر سيجد نفسه أمام 3 أو4 أسعار صرف للدولار فى السوق المصرى بما يعنى عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية برمتها فى مصر ويثير المخاوف لدى المستثمرين.
ارتفاع سعر العملة الأجنبية وانخفاض له تداعياته الخطيرة لأنه قد ينتج حالة تضخم مع انخفاض القيمة الشرائية للجنيه وارتفاع أسعار السلع المحلية والمستوردة، خاصة نحن نستورد أكثر من %75 من احتياجاتنا بالخارج من الغذاء حتى الدواء.
هذه هى النتائج المباشرة لانخفاض قيمة الجنيه وارتفاع الدولار، وهو ما ينعكس مباشرة على الحياة اليومية للمواطن البسيط، أما النتائج الأخرى فهى ظهور المضاربة تردد قناة ماجيستك
وانتعاش السوق السوداء نظرا لاحتياج المستوردين للعملة الصعبة للاستيراد، وعدم توافر الدولار لدى السوق الرسمية فى البنوك.
وهنا قد نرى أن المسؤولية المباشرة ملقاة على عاتق البنك المركزى وقيادته.. فهو المسؤول عن السياسة النقدية فى مصر، وبالتالى عن الكميات المطلوب أقرا ايضا : عروض كارفور ضخها من الدولار فى السوق، البنك اتخذ فى هذه الفترة سلسلة من الإجراءات الخاصة بضبط السوق ومحاولة القضاء على السوق السوداء. لكن هل المسؤولية وحدها تقع على طارق عامر والبنك المركزى فى أزمة الدولار؟ البنك المركزى صاحب القرار الأول فى إدارة حركة الأموال فى مصر، أمام أوضاع غاية فى الصعوبة.
وبنظرة بسيطة وسريعة على سبب الأزمة المباشر سعر الدولار والصريح نجد الأتى: الطلب على الدولار من المستوردين سنويا يبلغ حوالى 80 مليار دولار. والعرض من الدولار يتوفر من خلال خمسة مصادر رئيسية هى : التصدير «حوالى 24 مليارا بعد أن كان من شهور 31 مليار دولار» والسياحة «حوالى 4 مليارات بعد أن كانت قبل يناير 2011 حوالى 15 مليار دولار» وقناة السويس «حوالى 5 مليارات دولار» وتحويلات المصريين فى الخارج «حوالى 19 مليار دولار».. واستثمارات أجنبية جديدة.. 4.6 مليار دولار تقريباً
إذن مجموع ما يمكن جمعه من الدولارات سعر الدولار اليوم هو حوالى 66 مليار دولار معرضة فى ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية الى النقصان.. ومجموع ما نحتاجه هو 80 مليار دولار تزيد دائما مع زيادة الإقبال على الاستيراد.. والعجز واضح وغير متوفر لدى البنوك، يضاف إلى ذلك الدور المريب والغامض لشركات الصرافة وحرب الشائعات التى يطلقها أصحاب المصالح فى محاربة مصر لخلق الأزمات.
فكيف يمكن للبنك المركزى فى ظل سعر الدولار اليوم هذه الأوضاع الصعبة أن يوفر العملة الصعبة المطلوبة فى ظل توقف الإنتاج وزيادة الاستيراد وتراجع معدلات السياحة وانخفاض تدفق الاستثمارات.. هل هو المسؤول وحده عن الأزمة؟ البنك يبحث عن بدائل كثيرة لتوفير العملة سواء بتصحيح سعر الجنيه لتحفيز الاستثمار الأجنبى ودعم الصادرات، وبوسائل تمويل من الجهات الدولية والإقليمية المانحة لزيادة الاحتياطى النقدى، لكن فى النهاية ليس هذا هو الحل الأمثل والمناسب لمواجهة أزمة الدولار فى مصر.