هو عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه. وهو آخر أنبياء الله ورسله من بنى إسرائيل.

ذكر اسمه فى القرآن بلفظ (المسيح) (لأنه كان يسيحُ فى الأرض ما كان عنده بيت يسكنه أو مدينة أو قرية يسكنها – كل أرض الله له موطن) تارة وهو لقب له ، ويلفظ (عيسى) وهو أسمه وهوبالعبرية (يشوع) المخلص – لماذا؟ لأنه كان سبباً لتخليص كثيرين من ضلالهم وذنوبهم – وبكنيته (ابن مريم) تارة أخرى.

وقد ذكر المسيح فى ثلاث عشرة سورة فى القرآن الكريم ومنها:

(1) سورة البقرة الآية (87):

(وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ).

(2) سورة الزخرف الآية (63):

(وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ).

(3) سورة المؤمنون الآية (50):

(وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ)

أما مريم عليه االسلام فقد ذكرت فى القرآن الكريم 19 مرة (مريم – التوبة – الأحزاب – المؤمنون – الصف – التحريم).

نرجع إلى الحالة التى كان عليها اليهود بعد عُزير ابن الله ويقدسنه ومرت الأيام وجآء قوم صالحون من ذرية يعقوب عليه السلام وهم آل عمران مصداقاً لقوله تعالى فى سورة آل عمران الآية (33):

(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ).

(1) وعمران أبو مريم ، (2) صاحب صلاة بنى إسرائيل فى زمانه من كبار رجال الدين فى بيت المقدس وهو من ذرية داود عليه السلام ، (3) حبر من أحبار اليهود وإمام من أئمتهم.

ميلاد مريم عليها السلام:

مات عمران وزوجته حاملاً بمريم ، وبدأت القصة بأم مريم كانت لا تحمل وفى يوم من الأيام رأت عصفوراً يضع الطعام فى فم صغارها فأشتاقت للولد – فدعت الله وقالت إذا أنا حملت فسوف أضع الولد فى بيت المقدس للعبادة.

أم مريم: جنةُ بنت فاقود بن قبيل وكانت من العابدات.

(إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى)(36).

فنذرت أن تجعل ما فى بطنها من الحمل لخدمة الهيكل وكان من سننهم ينذرون الأولاد لخدمة بيت المقدس يسلموه للأحبار ورجال الدين يتولونه ويعلموه التوراة ويكبر فى العبادة ويكون من العلماء ويخدم بيت المقدس.

محرراً: عتيقاً خالصاً لله تعالى وخادماً للكنيسة

فلما وضعت تبينت أن الجنين أنثى وكانت ترجو أن يكون ذكراً ليخدم فى بيت الله فتوجهت إلى الله تعالى كالمعتذرة أو الآسفة قائلة: (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى) يعنى أن الأنثى لا تصلح لخدمة الكنيسة لما يصيبها من الحيض والأذى.

وقال ابن عباس: إنما قالت هذا لأنه لم يكن يُقبل فى النذر إلا الذكور فخاطبت ربها على سبيل التحسر على ما فاتها من رجائها وخلاف ما قدرت لأنها كانت ترجو أن تلد ذكراً يصلح للخدمة ولذلك نذرته محرراً. ثم لفتها فى خرقتها وأرسلت بها إلى المسجد بعد أن استغنت عن ثديها…

ولكن الله تعالى وهبها أُنثى أفضل من الذكر الذى تريده (وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ).

استدل به على تسمية المولود يوم يولد وكما ثبت فى الصحيحين عن أنس فى ذهابه بأخيه إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فحنك أخاه وسماه عبدالله ..

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(كل غُلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ، ويسمى ويحلق رأسه).

مصداقاً لقوله تعالى فى سورة آل عمران الآية (44):

(ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ).

قصة زكريا ويحيى ومريم عليهم السلام من أخبار الغيب نوحيه إليك يا محمد (وما كنت لديهم) أى بحضرتهم (يلقون أقلامهم) أقلامهم التى يكتبون بها التوراة (أيهم يكفلُ مريم) فقال زكريا: أنا احق بها خالتها زوجتى أشياع بنت فاقود – وقال بنو إسرائيل: نحن أحق بها بنت عالمنا – قال النبى – صلى الله عليه وسلم:

(فجرت الأقلام وعال قلم زكريا) وكانت آية لزكريا ، لأنه نبى تجرى الآيات على يديه.

استدل بعض علمائنا بهذه الآية على إثبات القُرعة – وهى أصل فى شرعنا لكل من أراد العدل فى القسمة.

وقد عمل بالقرعة ثلاث من الأنبياء: يونس ، وزكريا ، ونبينا محمد – صلى الله عليه وسلم ، وحديث عائشة رضى الله عنها قالت:

(كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها).

ومعلوم أن إبراهيم عليه السلام أفضل من موسى وأن محمداً – صلى الله عليه وسلم – أفضل منهما ، وكذلك هذه الأمة أفضل من سائر الأمم قبلها وأكثر عدداً ، وأفضل علماً من بنى إسرائيل وغيرهم (أمة محمد).

هل السيدة مريم نبيه أم لا؟؟

ولكن عيسى عليه السلام أهل السنة والجماعة قالوا صديقة لأنه لا يوجد نبيه من النسآء.

ما معنى صديقة؟ أعلى مقامات مريم هى صادقة الوعد مع الله قوية الإيمان بالله ، وهى درجة تفوق درجة المؤمن العادى ، مصداقاً لقوله تعالى فى سورة المائدة الآية (75):

(مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ).

قال المفسرون:

اتخذ لها زكريا مكاناً شريقاً من المسجد لا يدخله سواها فكانت تعبد الله فيه ، (2)وتقوم بما يجب عليها من سدانة البيت إذا جآءت نوبتها؟ يعنى: المحافظة على نظافة وصيانة بيت المقدس (الإشراف العام عليه) ، وتقوم بالعبادة ليلها ونهارها حتى صارت يضرب المثل بعبادتها فى بنى إسرائيل واشتهرت بما ظهرت عليها من الأحوال الكريمة.

وكبرت بسرعة وبلغت قبل البنات وربنا سبحانه وتعالى تقبل التكفل فى التربية والقيام بشأنها – مصداقاً لقوله تعالى فى سورة آل عمران الآية (37):

(كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)

المحراب: غرفة عبادتها فى بيت المقدس – كان زكريا يصعد إليها بُسلم.

بغير حساب: بلا نهاية.

وكان يُغلق عليها باباً ، وكان لايدخل عليها إلا زكريا حتى كبرت فكانت إذا حاضت أخرجها إلى منزله فتكون عند خالتها – وكانت إذا طهرت من حيضها واغتسلت ردها إلى المحراب – وكان كلما دخل عليها يجد عندها فاكهة الشتاء فى الصيف وفاكهة الصيف فى الشتاء – رزق الله يأتها به الله ولا وجود له عند الناس فى ذلك الوقت ، وهى فى وقت ليس فيه وسائل للحفظ ولا ثلاجات – فتعجب زكريا عليه السلام فقال لها: (يامريم من أين لك هذا؟ قالت: هو من عند الله) – ينزل لها الرزق من السمآء لعبادتها ومكانتها وفضلها ، ويقول الله تعالى عنها فى سورة المائدة الآية (75):

(وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).

(وأُمُه صديقة) لكثرة تصديقها بآيات ربها وتصديقها ولدها فيما أخبرها به مصدقة بالله وظهرت عليه الكرامات وهى فى هذا السن الصغير ويقول الله تعالى فى سورة آل عمران الآية (42):

(وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ).

رواه عنه أبو هريرة: (خير نسآء العالمين أربع: مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد) رواه أحمد ابن حنبل.

أفضل نسآء العالمين على الإطلاق: (1) مريم ثم (2) فاطمة ثم (3) خديجة ثم (4)آسيا ، وهذا فضلها.

مظاهر القرآن والأحاديث تقتضى أن مريم أفضل من جميع نسآء العالم من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة.

ثم بعدها فى الفضيلة فاطمة ثم خديجة ثم آسية – وقد خص الله مريم وذلك (1) أن روح القدس كلمها وظهر لها ونفخ فى درعها ودنا منها للنفخة فليس هذا لأحد من النسآء ، (2) وصدقت بكلمات ربها ولم تسأل آية عندما بُشرت كما سأل زكريا.

فلما قالت مريم: (هو من عند الله) ، فعند ذلك طمع زكريا فى وجود ولد من صلبه وإن كان قد أسن وكبر ، وقال: (يا من يرزق مريم الثمر فى غير أوانه هب لي ولداً وإن كان فى غير أوانه).

وكان عمره 100 سنة وزوجته 99 سنة فشتاق إلى الولد وأخذ يدعو الله عز وجل فى دعاء عظيم مصداقاً لقوله تعالى فى سورة مريم الآية (3 : 7):

(إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا(3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا(4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا(5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا(6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا)(7).

نادى سيدنا زكريا ربه فى الصلاة فاستجاب له فى صلاته ، لقد ضعف كل عظام جسمه – قال: لقد شخت يارب لم تكن تخيب دعائى إذا دعوتك – سيدنا زكريا متعود أن الله يستجيب دعاءُه وهنا جآءت الإستجابة بقول الله تعالى:



( والحمد لله رب العالمين)