قصة اليوم سيدنا سليمان 2016 عليه السلام بشكل ملفت للنظر



الريح المسخرة لسيدنا سليمان عليه السلام

بعث الله تعالى سيدنا سليمان عليه السلام بالإسلام كسائر الأنبياء ورزقه النبوة والملك، فكان ملكه واسعا وسلطانه عظيما.

وقد أنعم الله عليه بنعم كثيرة كريمة، منها تسخير الجن والشياطين بحيث يطيعونه وينفذون أوامره، ومنها إسالة النحاس المذاب له، وفهمه منطق الطير، وجعل الريح تأخذه إلى حيث شاء بإذن الله على بساط عجيب، فما قصة بساط الريح هذا؟.



حكي أن الجن المسخرين تحت إمرة سيدنا سليمان عليه السلام صنعوا له بساطا واسعا جدا من خشب مكللا بالذهب والحرير، بحيث إنه يسع جميع مايحتاج إليه من الدور المبنية والقصور والخيام والأمتعة والخيول والجمال والأثقال والرجال وغير ذلك من الحيوانات والطيور.



ووضع له في وسطه منبر من ذهب يقعد عليه وحوله كراسٍ من ذهب يقعد عليها الأولياء وكراسٍ من فضة يقعد عليها العلماء وحولهم الناس، وحول الناس الجن والشياطين، والطير تظله وتحميه من أشعة الشمس. وكان سيدنا سليمان عليه السلام كثير الغزو لمحاربة الكفار ونشر الإسلام وتعليم أنهُ لا إله إلا الله وحده لا شريك ولا شبيه له، فكان إذا أراد سفرا أو قتال أعداء في أي بلد ما، حمل كل مايحتاج إليه على هذا البساط وأمر ريحا مخصوصة جعلها الله طائعة ومنقادة له، فتدخل تحته وترفعه، فإذا صار بين السماء والأرض أمرها أن تكون لينةً كالنسيم فتسير به، فإن أرادها أسرع من ذلك، أمر العاصفة فحملته أسرع، فوضعته في أي مكان شاء بإذن الله تعالى.



وكان لهذا البساط سرعة انتقال كبيرة جدا، حيث إنه كان يقطع مسافة شهر في وقت قصير لا يتعدى الخمس ساعات.



وكانت مدينة "تدمر" في بر الشام مستقر ملك سيدنا سليمان عليه السلام وقد بناها له الجن- كما قيل- من الحجارة الضخمة العريضة والأعمدة العالية والرخام الأبيض والأصفر، وقد خرج منها سيدنا سليمان عليه السلام ذات يوم صباحا يقصد "إصطخر" وهي من أكبر مدن بلاد فارس، وفيها مسجد يعرف بمسجد سليمان، وتبعد عن الشام مسيرة شهر فوصل إليها ظهرا بعون الله تعالى، ثم انطلق من المسجد بعد أن استراح إلى "كابل" في أرض خراسان (أفغانستان حاليا) وهي تبعد عن "إصطخر" مسيرة شهر فبات فيها، ثم عاد صباحا إلى "تدمر" فوصلها ظهرا.



ومن دلائل هذه الرحلات التي كان يقوم بها ما وجد في منزل قرب نهر "دجلة" حيث عثر على لوحة كتب فيها أحد صحابة سيدنا سليمان عليه السلام إما من الإنس وإما من الجن ما نصه: "نحن نزلناه وما بنيناه، ومبنيا وجدناه، غدونا من "إصطخر" فقلناه "وصلنا ظهرا"، ونحن رائحون منه إن شاء الله تعالى فبائتون في الشام".



ومما روي في ترحال سيدنا سليمان عليه السلام كذلك أنه ركب البساط مرة وسار فمر فوق فلاح يحرث أرضه، فنظر نحوه الفلاح وقال: "لقد أوتي ءال داود ملكا عظيما"، (وسيدنا سليمان هو ابن النبي داود عليه السلام) فحملت الريح كلامه فألقته في أذن سيدنا سليمان عليه السلام، فنزل حتى وصل إلى الفلاح فقال له: "إني سمعت قولك، وإنما مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه، لتسبيحة واحدة يقبلها الله منك خير من الدنيا وما فيها"، فقال الفلاح: "أذهب الله همك كما أذهبت همي".



وذلك لأن نبي الله سليمان عليه السلام لم يكن متعلق القلب بالرفاهية والتنعم، بل كان زاهدا في الدنيا يأكل خبز الشعير على الرغم من سعة ملكه وعظم ما بين يديه من الأموال. وكان كل يوم يذبح مائة ألف رأس غنم وثلاثين ألف رأس بقر ويطعمها للناس وهو يأكل خبز الشعير ويأتدم باللبن الحامض.



نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت وانتشرت في معظم التفاسير المشهورة وتناقلها القصاص والوعاظ، وهي من الإسرائيليات الموضوعة التي تطعن في الأنبياء، أمّا ما تطرق من الإسرائيليات إلى التفسير والحديث، فقد وقف علماء المسلمين ومحدثوهم أمام هذا الخطر موقف حزم وعزم وتصدوا لهذه المفتريات، فبينوا زيفها وبطلانها، وإلى القارئ الكريم بيان قصة «خاتم سليمان - عليه السلام -».

أولاً: المتن:

قصة سيدنا سليمان يُرْوَى عن ابن عباس قال: «كان الذي أصاب سليمان بن داود في سبب أناس من أهل امرأة يقال لها جرادة، وكانت من أكرم نسائه عليه، قال: فكان هوى سليمان أن يكون الحق لأهل الجرادة فيقضي لهم، فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحدًا. قال: وكان سليمان بن داود إذا أراد أن يدخل الخلاء، أو يأتي شيئًا من نسائه، أعطى الجرادة خاتمه، فلما أراد اللَّه أن يبتلي سليمان بالذي ابتلاه به أعطى الجرادة ذات يوم خاتمه، فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها: هاتي خاتمي فأخذه فلبسه، فلما لبسه دانت له الشياطين والجن والإنس، قال: فجاءها سليمان فقال: هاتي خاتمي، فقالت كذبت، لست بسليمان، قال: فعرف سليمان أنه بلاء ابتلي به، قال: فانطلقت الشياطين فكتبت في تلك الأيام كتبًا فيها سحر وكفر، ثم دفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أخرجوها فقرأها على الناس وقالوا: إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب، قال: فبرئ الناس من سليمان وأكفروه، حتى بعث اللَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فأنزل جل ثناؤه: واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان يعني الذي كتب الشياطين من السحر والكفر: وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا [البقرة: 102]». اهـ.

قلت: ولقد وضع الوضاعون قصة أخرى باطلة ترتبط بهذه القصة تبين ما كتبته الشياطين.

فقد رُوِي عن شهر بن حوشب قال: «لما سُلِب سليمان ملكه، كانت الشياطين تكتب السحر في غيبة سليمان. فكتبت: «من أراد أن يأتي كذا وكذا، فليستقبل الشمس وليقل كذا وكذا، ومن أراد أن يفعل كذا وكذا، فليستدبر الشمس وليقل كذا وكذا». فكتبته وجعلت عنوانه: «هذا ما كتب آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم». ثم دفنته تحت كرسيه فلما مات سليمان، قام إبليس خطيبًا فقال: يا أيها الناس، إنَّ سليمان لم يكن

نبيًا، وإنما كان ساحرًا فالتمسوا سحره في متاعه وبيته، ثم دلَّهم على المكان الذي دفن فيه، فقالوا: والله لقد كان سليمان ساحرًا، هذا سحره، بهذا تعبَّدنا، وبهذا قهرنا، فقال المؤمنون: بل كان نبيًا مؤمنًا، فلما بعث اللَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، جعل يذكر الأنبياء حتى ذكر داود وسليمان، فقالت اليهود: انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل يذكر سليمان مع الأنبياء وإنما كان ساحرًا يركب الريح، فأنزل اللَّه - تعالى -: واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان [البقرة: 102]». اهـ.



ثانياً: «التخريج»:

القصة أخرجها ابن جرير في «تفسيره» (1/657) الخبر (1663) عن ابن عباس، والقصة الأخرى المرتبطة أخرجها أيضًا ابن جرير في «تفسيره» (1/659) الخبر (1669) عن شهر بن حوشب وأورد القصة الثعلبي في «قصص الأنبياء» (ص354) وفيها بيان لأحد نساء سليمان وهي الجرادة بنت الملك صيدون، تلك القصة التي وضعها الوضاعون وجعلوا هذه المرأة سببًا في سلب ملك داود، حيث قال الثعلبي: روى محمد بن إسحاق عن بعض العلماء أن سليمان أخبر أن في جزيرة من جزائر البحر رجلاً يقال له: صيدون ملك عظيم الشأن لم يكن للناس إليه سبيل لمكانه في البحر، وكان اللَّه قد آتى سليمان في ملكه سلطانًا لا يمتنع عليه شيء في بر ولا بحر، فخرج إلى تلك المدينة فحملته الريح على ظهرها حتى نزل عليها بجنوده من الجن والإنس فقتل ملكها وسبى ما فيها، فأصاب فيما أصاب بنتًا لذلك الملك يقال لها جرادة لم ير مثلها حسنًا وجمالاً فاصطفاها لنفسه ودعاها للإسلام فأسلمت على يديه في الظاهر خيفة منه وقلة ثقة، فأحبها حبًا شديدًا لم يحبه أحدًا من نسائه وكانت منزلتها عنده منزلة عظيمة، وكانت على منزلتها عنده لا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعها، فشق ذلك على سليمان فقال لها: ويحك، ما هذا الحزن الذي لا يذهب والدمع الذي لا يرقأ، فقالت: إني أذكر أبي وأذكر ملكه وسلطانه وما كان فيه يحزنني ذلك، فقال لها سليمان: قد أبدلك اللَّه ملكًا هو أعظم من سلطانه، قالت: إن ذلك حق ولكني إذا ذكرته أصابني ما ترى من الحزن، فلو أنك أمرت الشياطين يصورون لي صورته في داري التي أنا فيها أراه بكرة وعشية لرجوت أن يذهب ذلك حزني ويسليني عن بعض ما أجد في نفسي، فأمر سليمان الشياطين أن يمثلوا لها صورة أبيها في دارها حتى لا تنكر منه شيئًا فمثلوه لها حتى نظرت إلى أبيها بعينه إلا أنه لا روح فيه، فعمدت إليه حين صنعوه فأزرته وقمصته وعممته وردته بمثل ثيابه التي كان يلبسها، ثم أنها كانت إذا خرج سليمان من دارها تغدو، إليه في ولائدها فتسجد له ويسجدن له معها كما كانت تصنع معه في ملكه».

ثالثًا: التحقيق:

أ- القصة واهية ومنكرة ولا أصل لها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل هي من الأخبار المقطوعة والموقوفة المنكرة، وهي من الأخبار التي أوردها ابن جرير - رحمه الله -، وقد أسندها، ومن التخريج يتبين أن جميع طرق القصة لم يوجد بها «الخبر الصحيح المسند».

ب- والأخبار المقطوعة والموقوفة التي جاءت بها القصة واهية منكرة، وإلى القارئ الكريم تحقيقها:

1- قال ابن جرير: حدثني أبو السائب السوائي، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: «كان الذي أصاب سليمان بن داود في سبب أناس من أهل امرأة يقال لها جرادة...» القصة.

قلت: وهذا الخبر لم يصرح فيه الأعمش بالسماع ولكنه عنعن: يعني (قال: عن المنهال).

قال ابن المديني: الأعمش كان كثير الوهم في أحاديث هؤلاء الضعفاء.

قال الجوزجاني: قال وهب بن زَمْعة المروزي: سمعت ابن المبارك يقول: إنما أفسد حديث أهل الكوفة أبو إسحاق،

والأعمش. قال الذهبي: «من صغار التابعين؛ ما نقموا عليه إلا التدليس».

قال علي بن سعيد: سمعت أحمد بن حنبل يقول: منصور أثبت أهل الكوفة، ففي حديث الأعمش اضطراب شديد.

قال جرير بن عبد الحميد: سمعت مغيرة يقول: أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق وأعيشكم هذا.

قلت: وهو مردود خاصة بتدليس الأعمش عن المنهال بن عمرو الكوفي، وتفرده عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وهذا مما أنكره الذهبي في «الميزان» (4/192، 8806).

2- تخريج الإمام النسائي للقصة: ولقد أخرج هذه القصة الإمام النسائي في «السنن الكبرى» (6/287، 288)، (ح10993) قال: أخبرنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن المنهال، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: فذكر القصة في تسعة وعشرين سطرًا.

قلت: تبين أن الإمام النسائي أخرج القصة بنفس السند الذي جاءت به القصة عند ابن جرير والقصة موقوفة وبها

التدليس إلا أنه بمقارنة المتن عند ابن جرير بالمتن عند النسائي وجد أن ابن جرير اختصر المتن اختصارًا شديدًا أدى إلى السقط الكثير خاصة فيما يبين نكارة المتن مثل: