قبل 60 عاماً، لم يكن أيّ كائن حيّ قادراً على البقاء على قيد الحياة في نهر التايمز. أما اليوم، فقد أصبح النهر موطناً لحيوانات مثل الفقمة، وخنازير البحر. حتى أنه يمكن، في أوقات متباعدة، مشاهدة حوت ضلّ سبيله في ذلك النهر.
في صباح يوم خريفي مشمس في الحي المالي في لندن، كان رود غوزمان يبحث عن فقمته المفضّلة. في جوار المركز المصرفي في «كناري وارف»، وبين أحواض السفن القذرة التي كانت تشكل يوماً ميناءً عالمياً للشحن، توجد بقعة مخفية تجتمع فيها طيور من أنواع البلشونيات والغاقيات، بالإضافة إلى حيوان الفقمة.
«عندما أقوم بهذا، فعادةً ما تأتي»، يقول الرجل في إشارة إلى إحدى الفقمات، وهو يركل قضيباً معدنياً بحذائه الثقيل، محدِثاً رنيناً يصمّ الآذان.
تم رصد أكثر من ألفي فقمة في نهر «التايمز» خلال العقد الماضي، وذلك بحسب مسح قامت به «جمعية علوم الحيوان في لندن». كما شوهدت المئات من خنازير البحر، والدلافين، وحتى في أحيان عَرَضية، حيتان ضالّة.
هناك مشكلات تهدد عافية النهر وحيواناته، وبالتحديد كثرة المواد البلاستيكية فيه. برغم ذلك، فإن التغيير الحاصل هو كبير بالنسبة لنهر كان ملوثاً في زمن ما. فحتى الأسماك لم تكن لتظل فيه على قيد الحياة.
في العام 1957، أعلن «متحف التاريخ الطبيعي» نهر التايمز «نهراً ميتاً». ووصفته تقارير إخبارية من تلك الحقبة بأنه مجرد مجرى واسع لتصريف المياه العفنة.
جاء في تقرير لصحيفة «الغارديان» عام 1959، وكانت تسمى وقتها «ذا مانتشستر غارديان» أن «المد والجزر في نهر التايمز يشكلان مجاري مفتوحة ذات إدارة سيئة. لن تجد فيها أي أوكسجين، ولمسافة تمتد عدة أميال قبل وبعد جسر لندن».
دمر القصف خلال الحرب العالمية الثانية قسماً من المجاري القديمة من العهد الفكتوري، والتي ساعدت في السابق على إبقاء النهر نظيفاً. لم يكن لدى بريطانيا ما بعد الحرب أي موارد ـ أو الطاقة الكافية ـ كي تعالج تلك المشكلة.
بدأ الأمر فقط منذ أواخر ستينيات القرن الماضي عندما تحسن تدريجياً نظام الصرف الصحي لمدينة لندن. حصل ذلك بالتزامن مع الانتعاش الذي شهدته البلاد في فترة ما بعد الحرب. وبدأ النهر يسترد عافيته مجدداً.
ولعبت عوامل أخرى دورها في تنظيف النهر أيضاً، منها الوعي البيئي، وازدياد المخاوف من استعمال مبيدات الحشرات والأسمدة الكيميائية، والتي كانت تجد طريقها إلى الأنهر كلما هطلت الأمطار.
تلى ذلك تشديد اللوائح والأنظمة المتبعة، كما يقول كريس كوود، نائب الرئيس التنفيذي لجمعية «تايمز 21» الخيرية التي تكرس نشاطاتها لتحسين الممرات المائية في لندن.
إلى هذه العوامل، أضيفت قواعد وأنظمة أكثر صرامة في قطاع الصناعة.
ومهما تكن الأسباب، فالنتيجة كانت واضحة: عادت الأسماك لتعيش في النهر، ويوجد منها اليوم 125 نوعاً.
ولكن، بينما تراجعت بعض التهديدات، ظهرت أخرى، وأهمها المواد البلاستيكية.
فقد كشفت دراسة أجرتها كلية «رويال هولواي» هذا العام وجود أجزاءٍ من مواد بلاستيكية في أمعاء الكثير من الأسماك. لم يتم بعد نشر نتائج هذا البحث، وهو لا يزال تحت الدراسة من قبل إحدى النشرات الدورية.
وانطلقت حملة «تايمز أنظف»، نهر في اوروبا يبلغ طوله 350 كم في أيلول الحالي لمكافحة النفايات البلاستيكية. لكن الصراع شاق لأن مصادر تلك المواد متعددة.
وهناك حدود أخرى يصعب تجاوزها أمام انتعاش الحياة البرية في النهر مرة أخرى، ومنها أنه مطوق في الجزء الأوسط من لندن بجدران عالية، تعج بزوارق الركاب، ما يحدث صخباً شديداً، وزحاماً كبيراً، ويكون جريان الماء فيها سريعاً، كما أن مشكلة الصرف الصحي للمياه لم تُحلّ كلّياً.
بغضّ النظر عن المشكلات، فإن جمال النهر يفوق ما يشوبه. «من المدهش أن نتأمل ما عندنا»، يختم غوزمان.
(عن «بي بي سي»)
في صباح يوم خريفي مشمس في الحي المالي في لندن، كان رود غوزمان يبحث عن فقمته المفضّلة. في جوار المركز المصرفي في «كناري وارف»، وبين أحواض السفن القذرة التي كانت تشكل يوماً ميناءً عالمياً للشحن، توجد بقعة مخفية تجتمع فيها طيور من أنواع البلشونيات والغاقيات، بالإضافة إلى حيوان الفقمة.
«عندما أقوم بهذا، فعادةً ما تأتي»، يقول الرجل في إشارة إلى إحدى الفقمات، وهو يركل قضيباً معدنياً بحذائه الثقيل، محدِثاً رنيناً يصمّ الآذان.
تم رصد أكثر من ألفي فقمة في نهر «التايمز» خلال العقد الماضي، وذلك بحسب مسح قامت به «جمعية علوم الحيوان في لندن». كما شوهدت المئات من خنازير البحر، والدلافين، وحتى في أحيان عَرَضية، حيتان ضالّة.
هناك مشكلات تهدد عافية النهر وحيواناته، وبالتحديد كثرة المواد البلاستيكية فيه. برغم ذلك، فإن التغيير الحاصل هو كبير بالنسبة لنهر كان ملوثاً في زمن ما. فحتى الأسماك لم تكن لتظل فيه على قيد الحياة.
في العام 1957، أعلن «متحف التاريخ الطبيعي» نهر التايمز «نهراً ميتاً». ووصفته تقارير إخبارية من تلك الحقبة بأنه مجرد مجرى واسع لتصريف المياه العفنة.
جاء في تقرير لصحيفة «الغارديان» عام 1959، وكانت تسمى وقتها «ذا مانتشستر غارديان» أن «المد والجزر في نهر التايمز يشكلان مجاري مفتوحة ذات إدارة سيئة. لن تجد فيها أي أوكسجين، ولمسافة تمتد عدة أميال قبل وبعد جسر لندن».
دمر القصف خلال الحرب العالمية الثانية قسماً من المجاري القديمة من العهد الفكتوري، والتي ساعدت في السابق على إبقاء النهر نظيفاً. لم يكن لدى بريطانيا ما بعد الحرب أي موارد ـ أو الطاقة الكافية ـ كي تعالج تلك المشكلة.
بدأ الأمر فقط منذ أواخر ستينيات القرن الماضي عندما تحسن تدريجياً نظام الصرف الصحي لمدينة لندن. حصل ذلك بالتزامن مع الانتعاش الذي شهدته البلاد في فترة ما بعد الحرب. وبدأ النهر يسترد عافيته مجدداً.
ولعبت عوامل أخرى دورها في تنظيف النهر أيضاً، منها الوعي البيئي، وازدياد المخاوف من استعمال مبيدات الحشرات والأسمدة الكيميائية، والتي كانت تجد طريقها إلى الأنهر كلما هطلت الأمطار.
تلى ذلك تشديد اللوائح والأنظمة المتبعة، كما يقول كريس كوود، نائب الرئيس التنفيذي لجمعية «تايمز 21» الخيرية التي تكرس نشاطاتها لتحسين الممرات المائية في لندن.
إلى هذه العوامل، أضيفت قواعد وأنظمة أكثر صرامة في قطاع الصناعة.
ومهما تكن الأسباب، فالنتيجة كانت واضحة: عادت الأسماك لتعيش في النهر، ويوجد منها اليوم 125 نوعاً.
ولكن، بينما تراجعت بعض التهديدات، ظهرت أخرى، وأهمها المواد البلاستيكية.
فقد كشفت دراسة أجرتها كلية «رويال هولواي» هذا العام وجود أجزاءٍ من مواد بلاستيكية في أمعاء الكثير من الأسماك. لم يتم بعد نشر نتائج هذا البحث، وهو لا يزال تحت الدراسة من قبل إحدى النشرات الدورية.
وانطلقت حملة «تايمز أنظف»، نهر في اوروبا يبلغ طوله 350 كم في أيلول الحالي لمكافحة النفايات البلاستيكية. لكن الصراع شاق لأن مصادر تلك المواد متعددة.
وهناك حدود أخرى يصعب تجاوزها أمام انتعاش الحياة البرية في النهر مرة أخرى، ومنها أنه مطوق في الجزء الأوسط من لندن بجدران عالية، تعج بزوارق الركاب، ما يحدث صخباً شديداً، وزحاماً كبيراً، ويكون جريان الماء فيها سريعاً، كما أن مشكلة الصرف الصحي للمياه لم تُحلّ كلّياً.
بغضّ النظر عن المشكلات، فإن جمال النهر يفوق ما يشوبه. «من المدهش أن نتأمل ما عندنا»، يختم غوزمان.
(عن «بي بي سي»)