ورد اسم السّامري في القرآن الكريم ثلاث مرّات، وذلك في سورة طه. وقد اختلف في معنى هذا الاسم، ويرجح لدينا أنّه نسبة إلى (شومير) والذي يعني بالعبريّة الحفظ والحراسة. هذا يجعل من المحتمل أن يكون السّامري أحد كبار الكهنة، ومن حرّاس وحفظة العقيدة الوثنيّة. وإذا كان الاسم نسبة إلى (سامر) العربيّة، والتي تعني الساهر، فإنها تلتقي في مآل المعنى مع شومير، التي تعني الحراسة. وأمثال هؤلاء الكهنة والحراس يكون لديهم العلوم والقدرات التي تميّزهم على أهل عصرهم، ويغلب أن تكون لديهم قدرات قيادية. وقد يفسر هذا السرعة التي استطاع فيها السامري أن يُضّل بني إسرائيل، ويستغل غيبة موسى، عليه السلام.
إنّ مثل هذه الشخصية يمكن أن تتكرر في حياة الدعاة والدعوات، ومن قَبْلُ في حياة الرسل، وفي طريق الرسالات. من هنا لا معنى لمحاولة البعض أن يُضفي الطابع الأسطوري على هذه الشخصيّة. والغريب أن نجد اليوم كتابات كثيرة تلقى القبول لدى الناس، ولا يميّزها إلا ميلها إلى الأسطورة والخرافة، وإغراقها في الأوهام والتخيلات، تماماً كأفلام الخيال العلمي، إلا أنها بعيدة عن العلم. ويستغل هؤلاء الكتّاب الغموض الظاهري لبعض ألفاظ القرآن الكريم، والسنةّ الشريفة. والغالبيّة منهم تقصد إلى التجارة والربح المادي. منهم من كتب عن المهدي، ومنهم من كتب عن إبليس ومثلث برمودا، ومنهم من كتب عن الدجّال والسّامرّي، ومنهم، ومنهم... وقد لا يعنينا أن نلوم هؤلاء من الذين يطلبون الشهرة والمال، ولكننا نلوم العلماء الذين لا يزالون يردّدون ما لا يصح من أوهام وأساطير وإسرائيليات أُدخِلت في كتب التفسير، وراجت في أسواق العامة، فكانت التربة الخصبة لصائدي السُذّج والبسطاء.
لقد استغل السّامري قرب عهد بني إسرائيل بالوثنية، واستغل كهانته السابقة، وكونه من حرّاس الفكرة الوثنية، فاستطاع بزعمه أن يمحو الأثر الذي أحدثته رسالة موسى وهرون، عليهما السلام. لذا نجده لا يستحي من التباهي بقدراته التي مكنته من إزالة الأثر الخيّر الذي أحدثته الرسالة الجديدة فقال: " قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي". (طـه:96).
إنّ الغموض الظاهري لهذه العبارة فتح المجال للكثير من المفسرين أن يتّكِئوا على روايات منسوبة إلى ابن عبّاس، رضي الله عنهما، وليقولوا إنّ السّامري قد رأى جبريل، عليه السلام، يركب حِصانه، واستطاع السّامري أن يأخذ قبضة من التراب الذي داسه حصان جبريل، وساعدته هذه القبضة على أن يبعث الحياة في العِجل الذي صنعه من ذهب، ليعبده بنو إسرائيل. وبهذا وجدناهم يصنعون حول السّامري هالة تجعله شخصية غامضة، قادرة على بعث الحياة في المادة. ثمّ نجد بعض المعاصرين تذهب بهم أوهامهم إلى درجة أن يتصوّروا استمرار حياة السامري، لأن موسى، عليه السلام، قال له: " وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَه... " (طـه:97). ويرد هذا كثير في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى في سورة الكهف: " بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً ". ومن يُدقّق في النص القرآني الكريم يجد أنّ العجل الذي صنعه السامري هو مجرد جسد لا حياة فيه، ثم هو في غاية الإتقان من ناحية الصناعة إلى درجة أنّه يصوت فله خُوار. ومن يعرف تاريخ الفراعنة وحضارتهم لا يستغرب حصول مثل هذا الأمر منهم. وقصة موسىّ، عليه السلامّ، مع السحرة تبيّن لنا المدى الذي وصل إليه الكُهّان وحرّاس العقيدة الوثنية في عالم العلم والصناعة.
إذا كان السّامري قد استطاع أن يبعث الحياة في العِجل الذهبي بزعمهم، فإنّ ذلك يُعدّ دليلاً مُلزماً لبني إسرائيل كي يطيعوا السامري، وبالتالي فهم معذورون لا يستحقّون اللوم، لأنهم اتبعوا عن دليل. ولو تدبّر الذين ينسبون إلى السامري الخوارق، لفظة (فنبذتها)، الواردة في الآية الكريمة، لأدركوا أنّ هذه اللفظة تدل على الرمي والإهمال، ولا تدل على الاعتناء والاستخدام؛ فالسامري يتبجح من هو قبض قبضه من اثر الرسل بقدراته العلميّة التي جعلته يُبصر أموراً لم يبصرها الشعب، وبالتالي استطاع أن يمحو، بزعمه، آثار رسالة موسى، عليه السلام، من قلوبهم، واستطاع أن يجعلها فكرة منبوذة.
فماذا كان رد موسى، عليه السلام، على هذا المُتبجّح ؟ المتدبّر للآيات يلاحظ أنّ موسى، عليه السلام، قد أطلق للسامري حرية الكلام، فقال له: إنّ لك مدّة حياتك أن تقول ما شئتَ من غير أن تُمسّ، ومن غير أن يتعرّض لك أحد بإساءة. وهذا الموقف يشبه ما حصل لإبليس في إنظاره، وإطلاق يده في محاولة إضلال الناس، ليكون بذلك آلة من آلات اختبار المكلفين من البشر. كما جاء في سورة الإسراء: " قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورا "ً. (الإسراء:63). وهنا يقول موسى، عليه السلام، للسامري، المغتر بعلمه: " قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ". (طـه:97). وهذا يعني أنّ: (لا مساس) ليست مقول القول، وبالتالي لا داعي للخيال المُجَنِّح، الذي يحاول أن يتصوّر لنا المرض الذي يُحتمل أن يكون قد مسّ السّامري، بحيث هام في البيداء بعيداً عن الناس. والذي يبدو لنا أنّه قد بقي مقيماً في الناس، وتُرِك ليدّعي ما يشاء، فإن العقيدة الحقة يُجلّيها ويصفّيها كيد الكائدين؛ فما عرَف الناس الصحوة الإسلامية إلا بعد معاناتهم من ضلالات الملاحدة والمادّيين. وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود.
إنّ مثل هذه الشخصية يمكن أن تتكرر في حياة الدعاة والدعوات، ومن قَبْلُ في حياة الرسل، وفي طريق الرسالات. من هنا لا معنى لمحاولة البعض أن يُضفي الطابع الأسطوري على هذه الشخصيّة. والغريب أن نجد اليوم كتابات كثيرة تلقى القبول لدى الناس، ولا يميّزها إلا ميلها إلى الأسطورة والخرافة، وإغراقها في الأوهام والتخيلات، تماماً كأفلام الخيال العلمي، إلا أنها بعيدة عن العلم. ويستغل هؤلاء الكتّاب الغموض الظاهري لبعض ألفاظ القرآن الكريم، والسنةّ الشريفة. والغالبيّة منهم تقصد إلى التجارة والربح المادي. منهم من كتب عن المهدي، ومنهم من كتب عن إبليس ومثلث برمودا، ومنهم من كتب عن الدجّال والسّامرّي، ومنهم، ومنهم... وقد لا يعنينا أن نلوم هؤلاء من الذين يطلبون الشهرة والمال، ولكننا نلوم العلماء الذين لا يزالون يردّدون ما لا يصح من أوهام وأساطير وإسرائيليات أُدخِلت في كتب التفسير، وراجت في أسواق العامة، فكانت التربة الخصبة لصائدي السُذّج والبسطاء.
لقد استغل السّامري قرب عهد بني إسرائيل بالوثنية، واستغل كهانته السابقة، وكونه من حرّاس الفكرة الوثنية، فاستطاع بزعمه أن يمحو الأثر الذي أحدثته رسالة موسى وهرون، عليهما السلام. لذا نجده لا يستحي من التباهي بقدراته التي مكنته من إزالة الأثر الخيّر الذي أحدثته الرسالة الجديدة فقال: " قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي". (طـه:96).
إنّ الغموض الظاهري لهذه العبارة فتح المجال للكثير من المفسرين أن يتّكِئوا على روايات منسوبة إلى ابن عبّاس، رضي الله عنهما، وليقولوا إنّ السّامري قد رأى جبريل، عليه السلام، يركب حِصانه، واستطاع السّامري أن يأخذ قبضة من التراب الذي داسه حصان جبريل، وساعدته هذه القبضة على أن يبعث الحياة في العِجل الذي صنعه من ذهب، ليعبده بنو إسرائيل. وبهذا وجدناهم يصنعون حول السّامري هالة تجعله شخصية غامضة، قادرة على بعث الحياة في المادة. ثمّ نجد بعض المعاصرين تذهب بهم أوهامهم إلى درجة أن يتصوّروا استمرار حياة السامري، لأن موسى، عليه السلام، قال له: " وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَه... " (طـه:97). ويرد هذا كثير في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى في سورة الكهف: " بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً ". ومن يُدقّق في النص القرآني الكريم يجد أنّ العجل الذي صنعه السامري هو مجرد جسد لا حياة فيه، ثم هو في غاية الإتقان من ناحية الصناعة إلى درجة أنّه يصوت فله خُوار. ومن يعرف تاريخ الفراعنة وحضارتهم لا يستغرب حصول مثل هذا الأمر منهم. وقصة موسىّ، عليه السلامّ، مع السحرة تبيّن لنا المدى الذي وصل إليه الكُهّان وحرّاس العقيدة الوثنية في عالم العلم والصناعة.
إذا كان السّامري قد استطاع أن يبعث الحياة في العِجل الذهبي بزعمهم، فإنّ ذلك يُعدّ دليلاً مُلزماً لبني إسرائيل كي يطيعوا السامري، وبالتالي فهم معذورون لا يستحقّون اللوم، لأنهم اتبعوا عن دليل. ولو تدبّر الذين ينسبون إلى السامري الخوارق، لفظة (فنبذتها)، الواردة في الآية الكريمة، لأدركوا أنّ هذه اللفظة تدل على الرمي والإهمال، ولا تدل على الاعتناء والاستخدام؛ فالسامري يتبجح من هو قبض قبضه من اثر الرسل بقدراته العلميّة التي جعلته يُبصر أموراً لم يبصرها الشعب، وبالتالي استطاع أن يمحو، بزعمه، آثار رسالة موسى، عليه السلام، من قلوبهم، واستطاع أن يجعلها فكرة منبوذة.
فماذا كان رد موسى، عليه السلام، على هذا المُتبجّح ؟ المتدبّر للآيات يلاحظ أنّ موسى، عليه السلام، قد أطلق للسامري حرية الكلام، فقال له: إنّ لك مدّة حياتك أن تقول ما شئتَ من غير أن تُمسّ، ومن غير أن يتعرّض لك أحد بإساءة. وهذا الموقف يشبه ما حصل لإبليس في إنظاره، وإطلاق يده في محاولة إضلال الناس، ليكون بذلك آلة من آلات اختبار المكلفين من البشر. كما جاء في سورة الإسراء: " قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورا "ً. (الإسراء:63). وهنا يقول موسى، عليه السلام، للسامري، المغتر بعلمه: " قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ". (طـه:97). وهذا يعني أنّ: (لا مساس) ليست مقول القول، وبالتالي لا داعي للخيال المُجَنِّح، الذي يحاول أن يتصوّر لنا المرض الذي يُحتمل أن يكون قد مسّ السّامري، بحيث هام في البيداء بعيداً عن الناس. والذي يبدو لنا أنّه قد بقي مقيماً في الناس، وتُرِك ليدّعي ما يشاء، فإن العقيدة الحقة يُجلّيها ويصفّيها كيد الكائدين؛ فما عرَف الناس الصحوة الإسلامية إلا بعد معاناتهم من ضلالات الملاحدة والمادّيين. وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود.