يكشف كتاب « الطواف من البحر الأرتيري»، وهو وثيقة من القرن الثانى الميلادي، لمؤلف يونانى مجهول، أن »السواحيلية« الوحيدة من « لغات البانتو» فى شرق أفريقيا التى تم تدوين تاريخ الأفارقة بها بيد كُتّاّب محليين قبل الاستعمار الغربى للقارة، لأنها كانت اللسان المُوحّد لأفريقيا الشرقية، وسهّل التواصل بين السكان هذه المنطقة. وخلال القرنين السابع والثامن الميلادى كانت هى لغة الساحل الشرقى لأفريقيا لتواصل التجار العرب مع السكان المحليين.
ولعبت السواحيلية دورا قويا مع العقيدة الإسلامية فى توجيه وتسهيل وتوسيع حركة التجارة فى مجتمعات شرق أفريقيا، ولاحقا اعتمد عليها المستعمر الإنجليزى والبرتغالى والفرنسى عليها لفهم الأمور بشرق أفريقيا، واستخدامها فى حركات التبشير المسيحي، فكانت النتيجة مزيدا من الانفتاح اللغوى ومرونة التداخل بين كل هذه العناصر المتصارعة، ثم أصبحت السواحيلية تكتب وتقرأ بحروف لاتينية عند الأوروبيين، وبحروف عربية لدى العرب حتى منتصف القرن 19، وإلى الآن تشكل اللغة العربية حوالى 25 % من مفرداتها، وطريقة كتابتها، وتكتب نصوص «القرآن الكريم» فيها بالحروف العربية.
وهناك مفردات عربية كثيرة فى اللغة السواحلية، مثل كلمة «sahihi»أى «صحيح» وكذلك «biashara» أى «بيع وشراء»، و«Mahakama» أى محكمة، و«hakimu» أى الحاكم، و«waraka» أى ورقة، وغيرها الكثير جدا من الكلمات.
واهتم الاستعمار البريطانى باللغة السواحيلية، استخدمها فى التعليم، لذا سرعان ما تحولت هذه اللغة إلى عامل وحدة بين سكان شرق أفريقيا. وهى خليط من مفردات لغات العربية والهندية والإنجليزية، وللغة العربية نصيب كبير فيها، لكن سكان شرق أفريقيا لم يستطيعوا الاستمرار فى كتابة السواحلية بحروف عربية نتيجة للجهود التى بذلها الاستعمار فى استخدام الحروف اللاتينية فى كتابتها.
ولعبت «السواحيلية» دورا وسيطا بين الأفارقة والمستعمرين، انعكس ذلك فى تكوين الثقافة السواحيلية، التى هى مزيج من معتقدات وعادات وتقاليد ولهجات وأزياء ومعمار وآداب وفنون وأمثال وطعام وطقوس ومعاملات يومية بلا إقصاء.
وفى سنة 1934 ألف «جيمس فيوتيلا» أول رواية حديثة باللغة السواحلية وعنوانها «الحرية للعبيد»، وهى رواية تاريخية، وتؤكد المصادر أن «محمد صلاح عبد الله» الزنجبارى أول من ألف مجموعة قصصية «كوروا ودوتو» سنة 1960، و«محمد سعيد عبد الله» أول من كتب رواية بوليسية بالسواحلية «مزيمو و واتو وكالة» سنة 1960، ووفق سجلات المتحف الأفريقى فى مدينة «ليون» الفرنسية الذى تأسس سنة 1860 من جمعية البعثات الأفريقية، وتوجد فيه إشارات محفورة على بعض مقتنيات الفنية، من رواية «الحرية للعبيد»، ومجموعة قصصية «كوروا ودوتو، وكانت وأول جريدة باللغة السواحلية وبالحروف اللاتينية هى «Herbaria wa mwazi».
وأصبحت اللغة السواحيلية, لغة رسمية فى «تنزانيا وكينيا وأوغندا»، وفى النصف الشرقى من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفى جزر القمر بجانب اللهجة القمرية.
ولم يقتصر انتشار اللغة السواحيلية على دول شرق أفريقيا فحسب، بل وصلت إلى دول البحيرات العظمى مثل «أوغندا والكونغو»، وأيضا زامبيا، وملاوي، وموزمبيق، والصومال.
والسواحيلية بحروفها اللاتينية إحدى اللغات الخمس الرسمية للاتحاد الأفريقى بجانب الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية والعربية.
أدب السواحلية هو عموماً أدب مكتوب باللغة السواحلية من قِبل الشعب السواحلي في ساحل شرق أفريقيا. وهو فرع من حضارة شعوب البانتو.
وتعد من لغات البانتو، وهي لغة أهل السواحل والجزر الشرقية بين كينية وتنزانية في الجنوب، وللعربية أثر ظاهر فيها. إذ تكتب بحروفها، وتضم مفردات كثيرة منها، وتعود أقدم المدونات بها إلى أواخر القرن السابع عشر، وتشتمل هذه المدونات على بعض النصوص الدينية الإسلامية أو القصائد القصصية المستوحاة من التراث العربي أو الفارسي. ويحتل الشعر المحل الأول في التراث السواحلي، ومعظمه من الشعر الملحمي الذي يتألف من رباعيات، يضم كل سطر منها ثمانية مقاطع، وأشهر الملاحم السواحلية: «المحمديّة» (6280 رباعية) وهي أطول ملحمة مكتوبة بلغة إفريقية، وتحكي سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وملحمة «رأس الغول» (4384 رباعية) وتتحدث عن حملة بعث بها الخليفة علي بن أبي طالب إلى اليمن، وملحمة التمبوكان أو الهريكالي (1145 رباعية) وهي أقدم ملحمة سواحلية مدونة، ويعود تاريخ تدوينها إلى سنة (1141هـ/ 1728م) وتروي قصة حملة ترى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قام بها على هرقل امبراطور بيزنطة سنة 630م، والملحمة الحسينية (1209 رباعية) في سيرة الحسين بن علي ومقتله، وغيرها من الملاحم الكثيرة الأخرى في موضوعات شتى معظمها ديني إسلامي وتاريخي، أحصي منها أكثر من سبعين ملحمة حتى عام 1972، وظهرت في مطلع القرن العشرين ملحمة وطنية تصف حروب سكان السواحل مع ألمانيا، وهنالك مجموعة من القصص تدور حول البطل القومي ليونگو وتضم تراثاً غنياً بالأناشيد والأشعار التي لها أهميتها في الثقافة السواحلية، وما يتصل بها من دراسات.
نشأة اللغة السواحيلية :
ويبدو أن اللغة السواحيلية لغة قديمة، وقد مرت بعدة تحولات مرحلية وتاريخية، وهي فعلا مزيج بين لغات لمجموعات من الأعراق كانت تسكن زنجبار في تلك المنطقة؛ نحو العرب والأفارقة والأوروبيين والإيرانيين ولذلك فهي خليط من المفردات والكلمات من كل لغات هذه الشعوب، فاللغة السواحيلية مختلطة من عدة لغات مثل اللغة العربية ولغة البانتو وهي لغة افريقية واللغة الإنكليزية، واللغة البرتغالية واللغة الفارسية وتسمى الشيرازية في زنجبار، ولكن تبقى اللغة العربية لها التأثير الأكبر في هذه اللغة.
ومن هذه التحولات التي مرت بها اللغة السواحيلية هي تحول كتابتها من الأحرف العربية إلى الأحرف اللاتينية، ويبدو أن اللغة السواحيلية كانت تستخدم الحرف العربي فيما مضى حتى عام 1930 (قصيدة من أفريقية، د.عمر الأسعد، ص 3)، وتوجد فيها هذا العدد من المفردات والألفاظ الأجنبية والعربية. ويبدو أن الكتابة في اللغة السواحيلية بالأحرف اللاتينية قد بدأت مع وصول الغزو الأوروبي لأفريقيا والثقافية الأجنبية لزنجبار.
والدليل الآخر على تطور اللغة هو وجود مفردات إنكليزية وبرتغالية وفارسية، وقد بدأ استعمال هذه الأحرف مع قدوم الاحتلال الأجنبي وبعد اضمحلال قوة الوجود العربي إلى زنجبار ومع أن الأحرف العربية كانت تستعمل قبل وصول الإنكليز والبرتغاليين إلا أنهم فرضوا استخدام الأحرف اللاتينية للكتابة، كما فعل كمال أتاتورك عندما استبدل كتابة اللغة التركية من الحرف العربي للحرف اللاتيني.
ويتضح من المصادر المختلفة أن الشعب واللغة السواحيلية تكونت عبر التاريخ من خلال امتزاج الهجرات المتتالية للعرب من اليمن وسلطنة عمان من شبه الجزيرة العربية ومن هجرة قبائل البانتوس الأفريقية من أوساط أفريقيا إلى الساحل الشرقي لأفريقيا.
وتتكون أكثر مفردات اللغة السواحيلية من اللغة العربية حوالي 65% -حسب كتاب تعلم السواحيلية باللهجة العمانية- والباقي من لغات البانتوس ومن الإنكليزية والبرتغالية والفارسية ، وتبلغ نسبة الأسماء العربية في اللغة السواحيلية ما نسبته 65% ، والأفعال 70% ، والصفات 95% ، بينما تبلغ عدد المفردات من لغة البانتو ومن اللغات الأجنبية الأخرى أقل من 20%، ويمكن ملاحظة ذلك في كتب ومعاجم اللغة السواحيلية.
ويبدو أن السواحيليين استسقوا قواعد اللغة من البانتو ، واستسقوا الألفاظ والكلمات والأفعال والصفات من اللغة العربية، ولهذا نجد سيطرة المفردات العربية على اللغة السواحيلية.
ونحن نعلم أن الأسماء متغيرة والأفعال ثابتة ، والصفات هي التي تعبر عن درجة الوعي والحالة الوجدانية، ولهذا فأن الصفات هي أكثر تمثيلا للغة من المفردات الأخرى ، ويبدو أنه في اللغة السواحيلية أن الصفات أكثر تعبيرا عن الصفات العربية نحو الفضائل والأخلاق منها في اللغات الأخرى المشاركة في تكوين هذه اللغة.
وتشير أكثر المصادر التي بين اطلع عليها الكثير من الباحثين أن الحرف العربي كان مستعملا في العديد من المخطوطات الفكرية والأدبية في زنجبار وكينيا. "وكما تبين فإن لدى جامعة دار السلام في مجموعتها وثيقة أدبية سواحيلية يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر، ولا يوجد سبب مقنع يحدونا إلى أن نفترض أن الكتابة الأدبية السواحيلية التي استخدمت الحرف العربي لم تكن قد ابتدأت قبل القرن الرابع عشر بوقت طويل. " (التاريخ والهوية السواحيلية، الأمين المزروعي وإبراهيم نور شريف البكري، ترجمة عبد اله الحراصي مجلة نزوى، عدد ).
ولقد أطلعت على العديد من المخطوطات من الشعر السواحيلي المكتوبة باللغة العربية، كما أخبرني الأخ خالد الفارسي ابن الشيخ صالح الفارسي مؤلف كتاب البوسعيديين حكام زنجبار أن الكلمات السواحيلية كانت تكتب بالحروف العربية كما رأى في مؤلفات والده ولكنها استبدلت بعد الغزو الأوروبي لزنجبار وسيطرة القوى الغربية على زنجبار، وذلك نتيجة تحول البلاد إلى الاهتمامات والمصالح الغربية وتضاءل النفوذ العربي والعماني.
وعن التلاقح اللغوي بين اللغة العربية واللغات الأفريقية يقول رئيس المجلس الإسلامي في كينيا - إحدى دول شرق أفريقيا الشيخ عبد الغفور البوسعيدي - "أنه لا شك في أن اللغة السواحيلية من أهم وأشهر اللغات الإسلامية في القارة الإفريقية التي تأثرت تأثرا واضحا باللغة العربية القرآنية .. حيث بلغت الكلمات العربية في معجم اللغة السواحيلية الأفريقية أكثر من 50 في المائة من كلمات هذا المعجم .. وذلك قبل وقوع القارة الأفريقية في براثن المستعمر الأوروبي .. أما اليوم وبعد أن تم تعريب العديد من اللغات الأفريقية فإن معجم اللغة اللغة السواحيلية يضم نسبة 65% في المائة من الكلمات العربية .. واعتبر أن اللغة السواحيلية المتداولة في أفريقيا علامة بارزة للتلاقح اللغوي لغة سواحل افريقيا الشرقية وهي لغة كينيا وتانزانيا الرسمية بين اللغة العربية واللغات واللهجات الأفريقية .. حيث ترجع نشأة هذه اللغة إلى القرن الثاني الميلادي نتيجة الهجرات العربية من شبه الجزيرة العربية إلى شرق أفريقيا .. وقد تطورت اللغة السواحيلية منذ بداية الدعوة الإسلامية والوجود الإسلامي في أفريقيا تطورا كبيرا .. فقد احتضنت اللغة السواحيلية العديد من الكلمات القرآنية .. كما وصف علماء اللغات اللغة السواحيلية بأنها لغة عربية تأفرقت أو لغة إفريقية تعربت. (موقع إسلام أون لاين، على شبكة الإنترنت)
ويعرض الدكتور إبراهيم بكري والأمين المزروعي في كتابهما السواحيلية شعب أفريقي وهويته: للعلاقة الجدلية بين اللغة والهوية السواحيلية من خلال مناقشة الآراء الأوروبية التي تشك في أصالة اللغة السواحيلية، مدعية أن السواحيلية ما هي إلا ابنة غير شرعية لعلاقة تمت بين العربية واللغات الافريقية.