ويمكن تعقب أصل الحكايات الخرافية الشعبية في البلاد الغربية إلى بلاد اليونان والهند القديمة. وتُنسب معظم الحكايات اليونانية إلى يعسوب، وهو عبد يوناني عاش في حوالي عام 600 ق.م. اكتسب يعسوب شهرته لقدرته على قص حكايات فيها حكمة وذكاء وفكاهة على لسان الحيوانات. غير أن العلماء لا يعرفون عنه سوى القليل. ومن المحتمل أن الحكايات المعروفة باسم حكايات يعسوب جاءت من عدة مصادر قديمة، وبعض هذه القصص مصدرها الهند.
قبل عيسوب
الحكاية الخرافية (الرمزية) fable هي أحد الأنواع الأدبية الشعبية المتطورة عن الأسطورة mythos القديمة بتجلياتها المتنوعة لدى مختلف الشعوب، منذ المراحل البدائية والعقيدة الطوطمية Totémique، حين كانت وعاء لتقديم وشرح المعتقدات والأفكار المتجسدة غالباً في شكل حيوانات وطيور (الآلهة مثلاً)؛ فهي حكايات ذات هدف تعليمي وتفسيري، تتميز بالدقة في بنائها من حيث التصميم والتلخيص وبلورة المغزى. وقد حمل مفهوم الحكاية الخرافية في سياق تطوره ثلاثة معان، يشير أولها إلى الحكاية التي تتضمن أحداثاً خيالية، ويشير ثانيها - الذي استخدم في القرون السادس والسابع والثامن عشر وزال تماماً في التاسع عشر - إلى الميثولوجية الكلاسيكية (اليونانية والرومانية) مفترضاً أن الأدب القديم نموذج يعتمد على مجموعة من الحكايات والشخصيات (آلهة وأبطال) ذات الأهمية التي لا يمكن تجاهلها، مع أنها غير واقعية، لأنها تقدم للبشر حكمة أو أمثولة. أما المعنى الثالث الأكثر أهمية لانتشاره في جميع أنحاء العالم في العصر الحديث فينظر إلى الحكاية الخرافية جنساً أدبياً سردياً قصيراً شعرياً أو نثرياً. ويحمل هذا المعنى دلالتين: الأولى أن شخصيات الحكاية تكون غالباً من الحيوانات، والثانية أن الحكاية ترمي إلى تقديم أمثولة أخلاقية. وتتمثل جمالية الحكاية الخرافية في موافقتها بين هاتين الدلالتين.
عيسوب والعيسوبيات
هناك حكايات خرافية قديمة ذاع صيتها على مر العصور، وتم تداولها بين الكتّاب، مثل حكايات الإغريقي إيسوب Aisopos الذي عاش في إيونيا Ionia في القرن السادس قبل الميلاد ونسج الكثير من الحكايات الخرافية على منوال ما جمعه من الحكايات الشرقية، ولاسيما الهندية والفارسية. وممن طور حكايات إيسوب هوراسيوس وبلوتارخُس ولوقيانُس السُميساطي Lucian، واقتربت الحكاية الخرافية من الكمال على يد لافونتين في القرن السابع عشر، وبايف Baïf وگراهام Graham في القرن التاسع عشر، وثمة كتّاب آخرون آثروا ابتكار حكاياتهم الخاصة، مثل أودار L.Houdar وفلوريان Florian صاحب حكايات «القرد الذي يخرج من الفانوس السحري» و«القرد والجوز» و«الشحرور والغراب». ويستخدم مفهوم الحكاية الخرافية (الرمزية) لتبيان الجنس الشعري لهذه الحكايات. وقد هيمن لافونتين في الأدب الفرنسي على هذا الجنس حتى طبعه بأسلوبه الخاص. ومع ذلك فقد ابتدع باييف أسلوبه المميز، كأخذه حكاية «الزيز والنملة» ونظمها في ستة أبيات، لكل بيت ثمانية مقاطع. وقد حاول بعض الكتاب المحدثون أمثال جورج أورويل اقتباس الحكاية الخرافية وتطويرها إلى رواية كما فعل في رواية «مزرعة الحيوانات» Animal Farm.
الهند
حفل التراث الهندي القديم بمجموعة كبيرة من هذه الحكايات، على نحو لم يعرفه أي تراث آخر، بحسب ما يُجمع معظم البحاثة في هذا الميدان. كذلك كان الأمر مشابهاً بالنسبة لليونان القديمة. وعرفت الصين هذه الحكايات التي تنتمي إلى حضارتها الشرقية الشمالية القديمة إذ نقل البوذيون حكايات من التراث الهندي القديم إلى التِبت والصين وبلاد شرق آسيا الأخرى. كما انتقل هذا التراث إلى الغرب بعد رجوع حملة الاسكندر المقدوني على الهند. وفي ألمانيا ازدهر هذا النوع من الحكايات في القرنين الثاني والثالث عشر. وقد أثرت الحكايات الهندية في إيطاليا وفرنسا بعد القرن الثاني عشر.
وقد تأثرت حكايات الشعب الهندي باعتقادهم بأن بني البشر يولدون بعد الموت على هيئة حيوانات. وألَّف رُواة القصص الهنود حكايات كثيرة عن مثل هذا البعث أو الميلاد الجديد، واستخدموه لتلقين مختلف الدروس الأخلاقية. وصلت بعض هذه القصص إلى الغرب في بداية الحقبة النصرانية، وتم ضمها إلى المجموعات الأولى لحكايات يعسوب. خلال القرن الثالث ق.م أو بعد ذلك، جمع الهنود أفضل حكاياتهم في عمل يُسمى بانتشاتانترا. وعبر القرون، أعاد كثير من الكُتّاب رواية الحكايات الخرافية القديمة. وفي الثقافة العربية الكثير من الخرافات التي تعود إما إلى أصل محلي، أو جاءت من ثقافات أخرى كما في كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع.
العرب
وهناك في التراث العربي قسط وافر من هذه الحكايات. وقد قام المستشرق ديرينبورگ بجمع هذه الحكايات وترجمتها ونشرها بالعربية والفرنسية في عام 1850. وفي هذه الحكايات يبرز ذكاء الكائن العاجز في مواجهة خصمه القوي. ولعل من أشهر هذه الحكايات في التراث العربي «كليلة ودمنة» التي ترجمها ابن المقفع من الفارسية إلى العربية. وهي في الأصل ترجمة من السنسكريتية إلى الفارسية لكتاب «بنجاتنترا» Penjatantra أو «الأسفار الخمسة». لكن ابن المقفع أضاف عليها حكايات جديدة ليصير كتابه سبعة عشر فصلاً. وبطلا الحكايات هما أخوان من بنات آوى (كاراتاكا ← كليلة، دامانكا ← دمنة). والحكايات موضوعة على ألسنة الحيوانات والطيور التي ترمز إلى نماذج من البشر، أي إنها تجمع بين طبيعة الحيوان في غرائزه وميزاته وبين طبيعة الإنسان في سجاياه وميوله وأفكاره. وهي تعرض المبادئ الأخلاقية، ولكن بصورة رمزية، بهدف تعليم الحكمة وتوجيه حياة الأفراد والمجتمع
اوروبا
جان ده لا فونتين
وفي فرنسا، اشتهر لافونتين بروايته للحكايات الخرافية ذات المغزى حكاية خرافية قديمة النقدي الاجتماعي، والتي كتبت للكبار، لكن الأطفال يفضلونها، كما في حكاية الثعلب والغراب التي تتضمن نجاح التملق.
قام الكثيرون بتقليد لافونتين. ومن أنجحهم إيڤان كريلوڤ، وهو شاعر روسي عاش أوائل القرن التاسع عشر الميلادي. ترجم كريلوڤ حكايات لافونتين إلى اللغة الروسية، وكتب كذلك كثيرًا من الحكايات بنفسه، وكانت حكاياته توجه أساسًا للكبار. إلا أنها أصبحت أكثر قصص الأطفال شعبية في روسيا.
قبل عيسوب
الحكاية الخرافية (الرمزية) fable هي أحد الأنواع الأدبية الشعبية المتطورة عن الأسطورة mythos القديمة بتجلياتها المتنوعة لدى مختلف الشعوب، منذ المراحل البدائية والعقيدة الطوطمية Totémique، حين كانت وعاء لتقديم وشرح المعتقدات والأفكار المتجسدة غالباً في شكل حيوانات وطيور (الآلهة مثلاً)؛ فهي حكايات ذات هدف تعليمي وتفسيري، تتميز بالدقة في بنائها من حيث التصميم والتلخيص وبلورة المغزى. وقد حمل مفهوم الحكاية الخرافية في سياق تطوره ثلاثة معان، يشير أولها إلى الحكاية التي تتضمن أحداثاً خيالية، ويشير ثانيها - الذي استخدم في القرون السادس والسابع والثامن عشر وزال تماماً في التاسع عشر - إلى الميثولوجية الكلاسيكية (اليونانية والرومانية) مفترضاً أن الأدب القديم نموذج يعتمد على مجموعة من الحكايات والشخصيات (آلهة وأبطال) ذات الأهمية التي لا يمكن تجاهلها، مع أنها غير واقعية، لأنها تقدم للبشر حكمة أو أمثولة. أما المعنى الثالث الأكثر أهمية لانتشاره في جميع أنحاء العالم في العصر الحديث فينظر إلى الحكاية الخرافية جنساً أدبياً سردياً قصيراً شعرياً أو نثرياً. ويحمل هذا المعنى دلالتين: الأولى أن شخصيات الحكاية تكون غالباً من الحيوانات، والثانية أن الحكاية ترمي إلى تقديم أمثولة أخلاقية. وتتمثل جمالية الحكاية الخرافية في موافقتها بين هاتين الدلالتين.
عيسوب والعيسوبيات
هناك حكايات خرافية قديمة ذاع صيتها على مر العصور، وتم تداولها بين الكتّاب، مثل حكايات الإغريقي إيسوب Aisopos الذي عاش في إيونيا Ionia في القرن السادس قبل الميلاد ونسج الكثير من الحكايات الخرافية على منوال ما جمعه من الحكايات الشرقية، ولاسيما الهندية والفارسية. وممن طور حكايات إيسوب هوراسيوس وبلوتارخُس ولوقيانُس السُميساطي Lucian، واقتربت الحكاية الخرافية من الكمال على يد لافونتين في القرن السابع عشر، وبايف Baïf وگراهام Graham في القرن التاسع عشر، وثمة كتّاب آخرون آثروا ابتكار حكاياتهم الخاصة، مثل أودار L.Houdar وفلوريان Florian صاحب حكايات «القرد الذي يخرج من الفانوس السحري» و«القرد والجوز» و«الشحرور والغراب». ويستخدم مفهوم الحكاية الخرافية (الرمزية) لتبيان الجنس الشعري لهذه الحكايات. وقد هيمن لافونتين في الأدب الفرنسي على هذا الجنس حتى طبعه بأسلوبه الخاص. ومع ذلك فقد ابتدع باييف أسلوبه المميز، كأخذه حكاية «الزيز والنملة» ونظمها في ستة أبيات، لكل بيت ثمانية مقاطع. وقد حاول بعض الكتاب المحدثون أمثال جورج أورويل اقتباس الحكاية الخرافية وتطويرها إلى رواية كما فعل في رواية «مزرعة الحيوانات» Animal Farm.
الهند
حفل التراث الهندي القديم بمجموعة كبيرة من هذه الحكايات، على نحو لم يعرفه أي تراث آخر، بحسب ما يُجمع معظم البحاثة في هذا الميدان. كذلك كان الأمر مشابهاً بالنسبة لليونان القديمة. وعرفت الصين هذه الحكايات التي تنتمي إلى حضارتها الشرقية الشمالية القديمة إذ نقل البوذيون حكايات من التراث الهندي القديم إلى التِبت والصين وبلاد شرق آسيا الأخرى. كما انتقل هذا التراث إلى الغرب بعد رجوع حملة الاسكندر المقدوني على الهند. وفي ألمانيا ازدهر هذا النوع من الحكايات في القرنين الثاني والثالث عشر. وقد أثرت الحكايات الهندية في إيطاليا وفرنسا بعد القرن الثاني عشر.
وقد تأثرت حكايات الشعب الهندي باعتقادهم بأن بني البشر يولدون بعد الموت على هيئة حيوانات. وألَّف رُواة القصص الهنود حكايات كثيرة عن مثل هذا البعث أو الميلاد الجديد، واستخدموه لتلقين مختلف الدروس الأخلاقية. وصلت بعض هذه القصص إلى الغرب في بداية الحقبة النصرانية، وتم ضمها إلى المجموعات الأولى لحكايات يعسوب. خلال القرن الثالث ق.م أو بعد ذلك، جمع الهنود أفضل حكاياتهم في عمل يُسمى بانتشاتانترا. وعبر القرون، أعاد كثير من الكُتّاب رواية الحكايات الخرافية القديمة. وفي الثقافة العربية الكثير من الخرافات التي تعود إما إلى أصل محلي، أو جاءت من ثقافات أخرى كما في كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع.
العرب
وهناك في التراث العربي قسط وافر من هذه الحكايات. وقد قام المستشرق ديرينبورگ بجمع هذه الحكايات وترجمتها ونشرها بالعربية والفرنسية في عام 1850. وفي هذه الحكايات يبرز ذكاء الكائن العاجز في مواجهة خصمه القوي. ولعل من أشهر هذه الحكايات في التراث العربي «كليلة ودمنة» التي ترجمها ابن المقفع من الفارسية إلى العربية. وهي في الأصل ترجمة من السنسكريتية إلى الفارسية لكتاب «بنجاتنترا» Penjatantra أو «الأسفار الخمسة». لكن ابن المقفع أضاف عليها حكايات جديدة ليصير كتابه سبعة عشر فصلاً. وبطلا الحكايات هما أخوان من بنات آوى (كاراتاكا ← كليلة، دامانكا ← دمنة). والحكايات موضوعة على ألسنة الحيوانات والطيور التي ترمز إلى نماذج من البشر، أي إنها تجمع بين طبيعة الحيوان في غرائزه وميزاته وبين طبيعة الإنسان في سجاياه وميوله وأفكاره. وهي تعرض المبادئ الأخلاقية، ولكن بصورة رمزية، بهدف تعليم الحكمة وتوجيه حياة الأفراد والمجتمع
اوروبا
جان ده لا فونتين
وفي فرنسا، اشتهر لافونتين بروايته للحكايات الخرافية ذات المغزى حكاية خرافية قديمة النقدي الاجتماعي، والتي كتبت للكبار، لكن الأطفال يفضلونها، كما في حكاية الثعلب والغراب التي تتضمن نجاح التملق.
قام الكثيرون بتقليد لافونتين. ومن أنجحهم إيڤان كريلوڤ، وهو شاعر روسي عاش أوائل القرن التاسع عشر الميلادي. ترجم كريلوڤ حكايات لافونتين إلى اللغة الروسية، وكتب كذلك كثيرًا من الحكايات بنفسه، وكانت حكاياته توجه أساسًا للكبار. إلا أنها أصبحت أكثر قصص الأطفال شعبية في روسيا.