هي طلب المساعدة أو الاستعطاف (1)، أمّا اصطلاحاً فهي أن نطلبَ من الله أن يمُنَّ علينا بالخيرة والصّلاح في شيء ما نُريده بشدّةٍ في أمور الحياة العامّة، سواءً كان عملاً أم زواجاً أو إقداماً على أيِّ فعلٍ جديدٍ. وعُرِفت أيضاً أنّها التّسليم لأمرِ الله عزَّ وجلّ، والخروج من الحولِ والطّول، وطلب المساعدة من الله تعالى للجمع بين خيرِ الدّنيا والآخرة، ويتطلّب هذا الأمر قرعَ بابٍ من أبواب الملك عزَّ وجلّ، ولا شيء أفضل من الصّلاة والدّعاء؛ لما فيه من تقديرٍ للَّهِ والثّناء عليه والافتقار إليه، ومن بعد الاستخارة يُهدى المؤمنُ إلى ما ينشرحُ له صدره. (2)


دعاء الاستخارة

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ : إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ : ( اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ , وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ , وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ , وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ , وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ , اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك ) خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ : عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ , اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك ) شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ : عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ . وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ ) وَفِي رواية ( ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ) ). رواه البخاري، 1166 ومن الجدير بالذّكر هنا أنّه لا يجوز الزّيادة أو النّقصان في هذا الدّعاء.


حكم الاستخارة

أجمع العلماء أنَّ صلاةَ الاستخارة سنّةُ مؤكّدةٌ عن الرّسول عليه السّلام، واستندوا في هذا الحُكم على الحديث الوارد في صحيح البخاري، عَنْ جَابِرٍ وعن سعد بن أبي وقّاص، أنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قال: " من سعادة ابن آدم استخارةُ الله، ومن سعادة بني آدم رضاهُ بما قضى الله، ومن شقوةِ ابن آدم تركُه استخارة الله، ومن شقوة ابن آدم سخطُه بما قضى الله ". الجامع الصغير - ص 8252


الأمور التي يستخير فيها المُسلم

تهدف الاستخارة إلى طلب المساعدة من الله للهداية والتّخيير بين القيام بالأمر أو تركه، ومن المعروف أنّ الأحكامَ الشّرعيّةَ التي يخضع لها الفرد المُسلم مُقسّمةٌ إلى خمسة أقسام: الواجب، والمندوب، والمُباح، والمكروه، والمُحرّم، وأنّ صلاة الاستخارة لا تكون بطريقةٍ عشوائية، إذ إنّ لتصنيف الحُكم الشّرعي للمسألة دورٌ أساسيٌّ في تقديم وتأخير الأمور، وهي كالآتي: (3)

الأمور التي تُصنّف في حكم الواجب، والمُستحب، والمكروه، والمحرّم لا استخارةَ فيها؛ لأنّ الشّرع جاء موضّحاً لأحكام هذه الأمور ولا حاجة للاستخارة فيها، فكان المحرّم حراماً، والمُستحبّ يُفضّل القيام به، والمكروه من المُفضّل تجنّبه، والواجب يُلزم القيام به، فلماذا تكون صلاة الاستخارة إذا كان الحكم واضحاً؟ أمّا إذا تزامن واجبان في نفس الوقت دون أن يعرفَ المسلم بماذا يبدأ، كالزّواج والحجّ مثلاً، عندها تجوز الاستخارة، وكذا الأمر إذا تزامن أمران مُستحبّان في نفس الوقت ولزم تأخير أحدهما.
تكون الاستخارة في أمور الدّنيا المُباحة، كالزّواج، والعمل، والسّفر، والشّراكة وغيرها، ولا تكون في الأحكام الشّرعية المُبيّنة في القرآن والسنة، أو التي اجتهد فيها العلماء وقاسوها استناداً على أحكامٍ شرعيّةٍ مُماثلةٍ.


كيفيّة صلاة الاستخارة

في مايلي شرح بسيط لكيفيّة أداء صلاة الاستخارة: (4)

الوضوء: فلا تجوز أيّة صلاةٍ دون وضوء، سنّةً كانت أم فرضاً.
النيّة: ولا يُقصد هنا التّلفظ بالنّية حتى لا تخرج إلى حكم البدعة، إنّما موقعها القلب، فقيام المُسلم إلى الصّلاة وهو يحمل النّية بأداء صلاة الاستخارة أمرٌ كافٍ لتحديد المقصد من هذه الصّلاة، ولا حاجةً لنطقها والتّصريح بها عَلَناً.
صلاة ركعتين دون الفريضة: فيصلّي المسلم ركعتين تطوّعاً على ألّا تكون من الفروض الخمسة، ويقرأ سورة الفاتحة وتليها سورةٌ صغيرةٌ، ومن السّنة قراءة سورة الكافرون بعد الفاتحة في الرّكعة الأولى، والإخلاص في الرّكعة الثّانية.
التّسليم آخر الصّلاة كما يحدث في أيّة صلاةٍ عاديّةٍ.
رفع اليدين للدّعاء بالأمر الذي يشغل بالَ المستخير والطّلب من الله تعالى أن يُتمّمَ الأمر إن كان فيه خيرٌ، وأن يصرفَه إن كان فيه شرٌ.
التيقّن بإجابة الله تعالى وحكمه.


الاستخارة في الزّواج

شرّع الله تعالى الزّواج لما فيه من الاستقرار النّفسي والاجتماعيّ والخُلقيّ لدى المسلم والمسلمة، وإذا عرض أمرُ الزّواج على المسلم أو المسلمة كان من السّنة استخارة الله تعالى بصلاة ركعتين ودعاءٍ يعقب الصّلاة، فيسأل الله تعالى بعدهما أن يكتبَ الخيرَ له أو لها، ويُشترط ألّا يكون المُستخير ميّالاً لشئٍ بعينه، بل يُفوّض الأمرَ لله تعالى ليقدّر الخير له إن شاء الله. وتفويض الأمر لله لا يجعل المرء قلقاً إن لم يُقدّر الله له الأمر، بل يعلم أنّ كلَّ ما يكتبُه الله للعبد هو خيرٌ إن شاء الله. (5)


علامات استجابة صلاة الاستخارة

لم يرد في السّنة أو عن السّلف الصّالح أنّ الرّؤيا هي من علامات استجابة صلاة الاستخارة، ويمكننا الاستناد إلى صحّة هذا الكلام من خلال الآية الكريمة: " فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ" سورة آل عمران، الآية 159 إنّما يشعر المسلم أنّ أمراً دون غيره قد تيسّر، إضافةً إلى شعوره بالرّاحة عند قيامه بذلك العمل. (6)


أمورٌ يجب الانتباه لها عند صلاة الاستخارة

هناك عدّة أمور يجبا النتباه إليها، والأخذ بها عند القيام بصلاة الاستخارة : (7)

درّب نفسك وعوّدها على الاستخارة في جميع الأمور؛ لتصبح عادةً وليس أمراً ثقيلاً على النفس، فالصّلاة هي الفرض الذي يبدأ الطفل بممارسته والتّدرب عليه في سنَّ السابعة من عمره، فينشأ على أدائها دون تقصير، وصلاة الاستخارة نوع من أنواع الصّلاة حتى لو لم تكن فرضاً، كما أنّها طريقةٌ تقوّي علاقة الفرد بربّه، فيستشيره في جميع أمور حياته المُختلفة.
لا بدَّ من صلاة ركعتيّ تطوّعٍ قبل الاستخارة، إذ إنّها لا تجوز بعد صلاة الفرض. أمّا إذا أراد المُسلم أن يستخيرَ بعد سُنّةٍ راتبةٍ كالضّحى أو ما شابهها، فلا بدَّ أن ينوي نيّةَ الاستخارةِ قبلها، فبدونها لا تجوز الاستخارة.
إذا كان هناك مانعاً للصّلاة كحيض المرأة أو النّفاس، فلا بد من الانتظار حتى زوال هذا المانع، أمّا إذا كان الأمرُ مُستعجَلاً، فمن المُمكن قراءة دعاءِ الاستخارة دون صلاة.
من الجائز أن يقرأ المسلم دعاء الاستخارة عن ورقةٍ إذا كان لا يحفظه، ولكن من الأولى أن يكونَ محفوظاً. (8)
يجوز للمسلم أن يُكرّرَ صلاة الاستخارة إن لم يتيقّن أيّ الأمور خيرٌ له، وهو أمرٌ أشاد به الرّسول عليه السّلام ولم يمنعه. (8)
لا يجوز أن يستخير أحدٌ عن أحدٍ آخر، فالأفضل أن ينجز المسلم أموره بنفسه، ولا يتنظر حلّاً خارجيّاً، ويجوز أن يستخير أحدٌ عن أحدٍ المُتمثّل بالدّعاء، كدعاء الأبوين لأبنائهما بالخير والصّلاح في أحد الأمور خاصّةً أو جميعها عموماً. (8)
لا يجوز استخدام المسبحة في الاستخارة ردّاً للشّبهات. (8)


فائدة صلاة الاستخارة

إلى جانب أنّ المسلم يتيقّن من خير اختياره لأمرٍ دون آخر، هناك العديد من فوائد صلاة الاستخارة التي تعود على المُسلم، أهمّها: (9)

تدلّ الاستخارة على حاجة المُسلم الدّائمة لله تعالى لأنّه لا يملك نفعَ نفسه أو ضرّها دون إرادته تعالى، فهو عاجزٌ ضعيفٌ أمام خالقه، وهذا يظهر بوضوحٍ في جزءٍ من الدعاء: " فإنّك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر ".
تُربّي المُسلم على التّوكّل دائماً على الله تعالى في شتّى الأمور؛ لأنّها دعوةٌ بتفويض الأمر إلى الله وقبول النّتائج على اختلافها أو توافقها مع هواه، وبه يُفوّض الأمر كلّه لله.
تُورِث الاستخارة الطّمأنينة في قلب المؤمن لعلمِه أنّ ما سيحصل بعدها هو الخير له، فلا يكون فريسةً للهموم التي تؤرّقه، كما أنّها تُزيل الاضطراب الذي قد يشعر به المُسلم عند الإقدام على أمرٍ جديدٍ، وهو واضحٌ في الدّعاء: " واقدر لي الخير حيث كان ثم رضّني به ".
تزيد محبّةَ العبد لربّه عندما يتوكّل ويؤمن ويقبل ويرضى بما اختاره الله له.
تدلّ صلاة الاستخارة على أهميّة الصّلاة في حياة الفرد المُسلم، فكلما فزِعَ في أمرٍ من أمور حياته لجأ إلى التّواصل مع الله من خلال صلاته النّافلة.
تُربّي الاستخارة المُسلم على تعزيز الإيمان بالقضاءِ والقدر، فإيمانه بأنَّ ما سيحصل سيكونُ خيراً له يُقوّي الإيمان بالقدر خيره و شرّه، كما أنّها تكون ربطاً بين الأسباب التي يأخذ بها المُسلم والنّتائج التي يحصل عليها في المُقابل.
يُظهر الدّعاء ثلاثة مواضعٍ للخير:
" فاقدره لي " أي أنّ كلّ ما سيحصل للمُسلم هو خيرٌ له حتى إن لم يُعجبه في بادئ الأمر.
" ويسّره لي " لأنّ الخير قد يكون عسيراً و يحتاج لوقتٍ و جهدٍ عاليين للحصول عليه، وبهذا يطلب المسلم التّيسير من الله.
" وبارك لي فيه " فإن لم تحصل البركة لا تحصل الفائدة؛ لأنَّ البركة مرتبطة بالخير بشكلٍ قويٍّ.
تُعدّ الاستخارة باباً مضموناً لجمع الحَسَنات المُتمثّلة بالدّعاء والصّلاة، إضافةً إلى فضلِ كيفية صلاة الاستخارة تركِ الأمور في يد الله ليقضي بها، وهي من درجات الإيمان العالية التي تُبيّن أنّ المُسلم لا يثقُ إلّا بالله تعالى مع أخذه بالأسباب المناسبة، وهو أمرٌ نابعٌ من الثّقة وحسن الظّن بالله.
الاستخارة

الاسْتِخَارَةُ لُغَةً: طَلَبُ الْخِيَرَةِ فِي الشَّيْءِ. يُقَالُ: اسْتَخِرْ اللَّهَ يَخِرْ لَك، وَاصْطِلَاحًا: طَلَبُ الاخْتِيَارِ، أَيْ طَلَبُ صَرْفِ الْهِمَّةِ لِمَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ اللَّهِ وَالأَوْلَى، بِالصَّلاةِ أَوْ الدُّعَاءِ الْوَارِدِ فِي الِاسْتِخَارَةِ، وهي أيضاً: طلب الخيرة في شيء، وهي استفعالٌ من الخير أو من الخيرة، واستخار الله أي: طلب منه الخيرة، وخَارَ الله له: أعطاه ما هو خيرٌ له، والمراد: طلب خير الأمرين لمن احتاج إلى أحدهما.