على مدار الحياة الدراسية يمر المرء بمراحل كثيرة واختبارات كثيرة . ويتعين على المرء أن يختار وأن يعمل عقله في مفترق طرق كثيرة . وفي اطار سعينا الى تخطي أزمة نتيجة الدبلومات الفنية ، قد يلحظ المرء ما يلي من النقاط ويرغب في التوقف عندها قليلا :
أولا : ليس امتحان الدبلومات الفنية بأعظم تلك الاختيارات والاختبارات المتعاقبة التى يمر بها الطالب عبر سنين التعليم جميعا . ولكنه امتحان يأتي في زيل قائمة طويلة من التقديرات الشفهية والمكتوبة التي أظهرت بالفعل جوهر الممتحن وحددت امكاناته العلمية وقدرته على الاستيعاب والتحصيل ، سواء لأهل الطالب أو لمدرسيه ومدرسته . كما حددت تلك الاختبارات قدرات الطالب وميوله الرياضية والفنية والعلمية والأدبية . فاذا كان الأمر كذلك ، فليست نتيجة الدبلومات الفنية بمفاجأة طبعا . بل أصبح امتحان الدبلومات كبش فداء لكل خائب . فاذا كنت ترقب ابنك وابنتك العزيزة منذ بدآ أولى خطواتهما في الحياة ، فهل يعقل بأي شكل أو منطق أن تفاجأ - وهما في الدبلومات الفنية - بأنهما لا يطيقان مادة الرياضيات مثلا وبأن مستواهما فيها سىء ؟! هل تتصور أن تقفز قدرات ابنك ذى المستوى المتواضع - على مدار سنين التعليم - مرة واحدة في امتحان الدبلومات ليصبح شخصا آخرا متفوقا ؟ .. كيف ؟! هل هى مفاجأة أن تحصل ابنتك المبهرة الرائعة طوال سنين الدرس على مجموع عال في اختبارات الدبلومات الفنية ؟! ليست مفاجأة طبعا لأحد .
ثانيا : بعض الأسر تختار لنفسها أن تحيا حياة أولادها وتتقمص أدوارهم وتحلم لهم وتختار لهم كل شىء من الملبس والمأكل الى مواد الدراسة الى مهنة المستقبل . ويتمادون في تقمصهم المريض لحياة أولادهم الى ارهاب أولادهم حتى لا يبدوا رأيا مخالفا أو يفكروا أو يعبروا عن آمال وتصورات مغايرة لآمال والديهم ، والا نالهم عظام الأمور والويل والثبور. وقد يتحول هذا التقمص الى مشروع وحيد ومحوري للأبوين في بعض الحالات أو لأحدهما في بعض الحالات ، بحيث لا يجدان ما يستنفذان فيه طاقتيهما ومالهما سوى
في هذا المشروع الوهمي الظالم لجميع أفراد الأسرة ، وللدولة أيضا . فلكل انسان قدراته ورغباته وقدره . ومن الظلم أن يعذب الأبوان نفسيهما ليلا ونهارا وينفقا مالهما في شق طريق لا يشق أو لا نفع فيه . فكم من يتيم أو يتيمة لا يجدان ما يسد رمقهما من الجوع ولا يكادان يجدان كفايتهما من الملبس أو يأويهما من برد وحر ، ناهيك عن درس خاص أو كتاب خارجي ، وهما ناجحان موفقان باهران وراضيان . وكم من أسرة بسيطة لا يبذل الأبوان فيها سوى الدعاء لابنائهم بالخير والتوفيق ، وتجد الأبناء ناجحين ثامرين آسرين مبتهجين ويشقون طريقهم – كل فيما ويهوى – سعداء وهم يدعون لآبائهم بالخير .
ثالثا : اظهار الدولة للمرونة مع ظاهرة الغش الجماعي بالميكروفونات التي قفزت الى سطح الحياة منذ عقود في بعض الأقاليم - بحجة التعاطف مع الظروف الصعبة للطلاب هناك – لم يكن معالجة سليمة ، بل معالجة آثمة ، وربما أسهمت في تضخم تلك الجريمة التى تجلت فيما شهدناه هذا العام من الغش .
رابعا : ان الدولة بحاجة الى هدم فكرة أن الوظيفة هى المأمن والملاذ في الحياة اتباعا لمقولة " ان فاتك الميري اتمرغ في ترابه " . ففي الدولة الآن ملايين الموظفين ، ومنهم وفي مقدمتهم الأطباء والمهندسون وجميع خريجي " كليات القمة " الذين ينتظرون راتبا هزيلا ، بينما مستوى الدراسة في كلياتنا وجامعاتنا قد تدنى وتدهور - للأسف - بسبب كثافة الأعداد وضعف الميزانية المخصصة للتعليم والقائمين عليه .
خامسا : ان نهر الأموال التي تنفق في سبيل الدبلومات الفنية قد يشكل عبئا على كاهل الدولة وعلى الأسر ويسهم في زراعة وتنمية أمراض اجتماعية خبيثة ، بينما تبقى أحلام كثيرة حلوة قيد الانتظار ورهينة بتوفر قدر يسير من المال ، مثل زيارة بلد أجنبي أو أداء العمرة أو الحصول على شقة سكنية أوسع .
ان افساد الابن أو الابنة بالعناية الزائدة قد لا ينتج سوى انسان متردد وضعيف وطماع بالغ الطمع ولا يعرف سوى الأخذ . لا يعطي أبدا ، والعطاء هو السعادة . دعوا أولادنا يختارون حياتهم ، فكل عمل مهم وليست السعادة متعلقة بكونهم أطباء أو مهندسين . وكم من زعيم وبطل لم يكن يوما طبيا أو مهندسا أو ضابطا ، وعاش سعيدا غنيا مخترعا وفنانا ومثقفا ورياضيا وصحفيا وكاتبا ومصمما شهيرا للأزياء وللسيارات أو منتجا أو مستثمرا .. ألخ . حفظ ألله مصر ورئيسها ووفقه وقادتها الى كل خير