مبـدأ شرعية الجرائم و العقوبات
لما كان الانسان بطبيعته مخلوق اجتماعي .. لا يقوى العيش منفردا .. و يميل بفطرته إلى التحضر و التمدن والتطور .. و لما كان يرغب العيش مع ابناء جنسه و سلالته .. كان لابد من وجود نظام أو ناموس يحدد علاقة الافراد ببعضهم البعض و يحتكمون اليه ...
و لقد مرت البشرية منذ نشأتها بمراحل تطور .. من مرحلة العائلة و من ثم القبيلة .. الى أن تطور مفهوم الدولة و التي أصبحت هي الام الحاضن للشعب و التي تسهر على رعايته و تعنى بشؤونه و تسن القوانين و التشريعات و الانظمة التي تحميه و تحمي النظام فيها .
ولما كان من واجب المشرع سن القوانين فكان لزاما عليه تحديد ما هو محظور و مجرم .. و تحديد عقوبته .. لكي يعلم الافراد ما لهم و ما عليهم و لا يقعوا في اللبس و الغموض , بعيدا عن المزاجية و التعسف .. ومن هنا ظهر هذا المبدأ..
معنى المبدأ : مبدأ الشرعية : لا جريمة و لا عقوبة الا بنص
الأصل في الاشياء الاباحة ما لم يرد دليل التحريم .. و هذا الاصل .. فكل شيء مباح فعله .. الا ما خصه نص قانوني و جرمه و رتب على ارتكابه عقوبة .. فلا يجوز معاقبة فرد على فعل غير مجرم و لا معاقب عليه بنص قانوني صريح .. استنادا إلى قوله تعالى :
( و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) صدق الله العظيم.
و بما أن سلطتي التجريم والعقاب كانت حكرا على المشرع في الدولة .. فان الجرائم تحدد بنص القانون أي ان القانون هو الذي يحدد ما يعتبر فعلا أو أفعال مجرمة .. كما أنه يحدد العقوبات التي تنفذ بحق مرتكبيها .. فالنص الجزائي هو المرجع في معرفة الافعال المجرمة و معرفة العقوبة المترتبة على ارتكابها .
وعليه فلا يجوز معاقبة شخص على فعل ارتكبه الا اذا شمل ذلك الفعل نص يجرمه و يعاقب على ارتكابه .. مثلا .. فعل استيفاء الحق بالذات جرمه القانون ...
و السؤال فيما لو لم يكن هذا النص موجودا في التشريع الجزائي العماني هل تستطيع السلطات معاقبة مرتكب ذلك الفعل ؟؟
الجواب سيكون .. بالطبع لا ... وذلك وفقا لمبدأ شرعية الجرائم و العقوبات .. فلا جريمة و لا عقوبة الا بنص .
كذلك .. حالة أخرى .. لو أن احدنا كان يتمشى على شط العقبة .. وكان بطل العالم في السباحة و الانقاذ .. فجأة سمع صوت شخص يستنجد .. و يغرق .. ولم يحاول انقاذه .. فهل يعاقب ؟؟
الجواب سيكون لا .. ذلك أنه و وفقا لمبدأ الشرعية .. لا يوجد نص يعاقب مثل هذا الشخص .. بإستثناء اذا كان عليه واجب قانوني فانه يعاقب .. كأن يكون موظف انقاذ معين من قبل الدولة .. فلا يستطيع هنا الا القيام بعمله و محاولة الانقاذ و الا سيعاقب بالعقوبات المحددة في قانون العقوبات .
طبعا .. يتسائل البعض ما فائدة أو قيمة مثل هذا المبدأ ؟
1 - حماية و ضمان حريات و حقوق الافراد :
اذ يوفر هذا المبدأ الطمأنينة للأفراد في مواجهة السلطة العامة . فبدون هذا المبدأ يجد الفرد نفسه تحت قبضة الدولة لتفاجئه بالتجريم والعقاب. ويرجع أساس هذا المبدأ إلى نظرية العقد الاجتماعي المفترض بين الفرد والدولة وأحد بنود هذا العقد هو تعهد الدولة بأن تعلن مسبقاً وبنصوص مكتوبة ما تعتبره جرائم وما تفرضه عليها من عقوبات.
2 - الراحة النفسية للأفراد :
تقرير نصوص جنائية واضحة أمام الأفراد يجعلهم يشعرون بأهمية القيم الاجتماعية وتنمية روح الانتماء الوطني وتقوية النسيج الاجتماعي. كما يضفي الفاعلية على غرض قانون العقوبات في تحقيق الردع العام.
3 - ناحية منطقية :
يقتضي المنطق أن يكون الأفراد على علم بقواعد السلوك التي تبين لهم التصرف المطلوب الابتعاد عنه أو المطلوب القيام به... ومؤدى هذه الفكرة في المجال الجنائي ضرورة أن ينذر المشرع قبل أن يعاقب ويحذر قبل أن يضرب وهو ما يتكفل به مبدأ الشرعية .
..تحياتي / صقور الهاكرز..
تعليق