س: ما هينظرة الإسلام إلى الحب بين الجنسين.. بين الشاب والفتاة.. هل هو أمرٌ مشروع، خاصةإذا عرفنا أنه قد يحصل في بعض الأحيان بشكل غير إرادي؟
ج: إن الإسلام يريدللناس جميعاً رجالاً ونساءً أن يعيشوا الحب الإنساني الذي يجعل الإنسان يتعاطف معالإنسان الآخر بالدرجة التي يشعر بالرابطة التي تربطه به في دائرة إنسانيته، بحيثيؤدي ذلك إلى رعايته وحفظه وحمايته وقضاء حاجاته وحفظ كرامته واحترام إنسانيته وماإلى ذلك، حتى أننا نروي عن الرسول(ص) أنه ربط الإيمان بمسألة الحب فقال: "لا يؤمنأحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه ويكره له ما يكره لها"، ما يجعلنا نستوحي ـ منهذا الحديث ـ أن الإسلام يؤكد على قضية الحب الذي يجعلك تحس بإحساس الآخر كما لوكان إحساسك الذي تشعر به، بحيث يجعل الحب بهذا المستوى مظهراً للإيمان، فلا تكونمؤمناً إذا كانت نظرتك للإنسان الآخر نظرة جامدة لا مبالية لا تعيش الاهتمامبأموره، وهكذا نجد أن ما يعبر عن ذلك في تفاصيل المسألة، الحديث المعروف: "من لميهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم".
إن المسألة هي أن على الإنسان أن يعيشالحب للإنسان الآخر في المسألة الإنسانية، وقد ورد في الحديث عن الإمام جعفرالصادق(ع) وقد سأله بعض الناس عن الحب، فقال: "وهل الدين إلا الحب".
هذه هيالمسألة في أبعادها الإنسانية، وهناك مسألة تتصل بالجانب الغريزي للإنسان التي تجعلالإنسان يحب الإنسان الآخر تماماً كما يحب طعامه وشرابه، فالحب يتجه إلى الجانبالجنسي الذي يجده هذا الإنسان لدى الإنسان الآخر، وهذا ما يعيشه الكثير من الشبابفي أجواء المراهقة وما بعدها، وهو ما يتمظهر بالانجذاب للجمال الجسدي، وما إلى ذلكمن الأمور. إننا نلاحظ أن الإسلام أراد للإنسان (الذكر أو الأنثى) أن يعيشا الحببالطريقة التي تنتهي به إلى الزواج، فلا مانع في أن يرغب الرجل في امرأة يحبهاويعجبه حُسنها ليتزوج منها، وقد أباح الإسلام للإنسان النظر إلى المرأة التي يريدأن يتزوجها ليدرس المسألة من حيث انسجامها مع رغبته فيها من هذه الناحية أو تلك،لكن الحب الذي يلعب، والحب الذي يلهو، والحب الذي يعتبر الجنس حركة غير خاضعةلقانون يحفظ العلاقة بين الذكر والأنثى في دائرة الزوجية، فهو مرفوض في الإسلام، بلوكل ما يؤدي إلى الانحراف الجنسي، سواء كان في ما يتفتح عليه القلب أو ما تتحرك لهالعينان أو ما ينطلق به اللسان أو ما تنطلق به الأيدي والأعضاء، وكل ما يؤدي إلىالجنس العملي، سواء كان على نحو الإعداد والإثارة أو على نحو المباشرة، فهو مرفوضإسلامياً، لأنه يؤدي إلى مشاكل أخلاقية تبتعد بالإنسان عن الخط المستقيم الذي يريدهالله.
أما عندما نتحدث عن الحب كحالة نفسية غير اختيارية، فإننا لا نستطيعأن نشرّع أيّ تشريع وفق هذه العاطفة، لأن الله لا يكلّف الإنسان بما لا يطيق أوبغير المعقول، إلا أن الإسلام يريد أن يعقّل العاطفة، فيدفع الإنسان إلى أن يركّزعاطفته بطريقة عقلانية، بحيث يفكّر في عمق الأشياء بدلاً من أن يبقى متحركاً علىالسطح، وهذا ما يحاول الإسلام أن يربي عليه الشاب والفتاة، فلا ينطلق من خلالالنظرة الأولى، أو من خلال الأشياء السطحية. ولم يتحرك الإسلام في ذلك من خلالعلاقة الزواج فقط، بل في كل العلاقات الإنسانية مثل الصداقة والشراكةوغيرهما.
ومن جهة أخرى، فإن الإسلام يضع ضوابط لحركة هذا الحب، فلا يشجعالطرفين على الاختلاء، ولا يبيح لهما التعبير عن هذا الحب بالملامسات أو الأمورالتي تقود إلى الإثارة الغريزية، (كما أشرنا سابقاً)، ولكنه في المقابل لا يمنع منالكلام البريء الذي يعبّر عن العاطفة التي تشكل طريقاً إلى العلاقةالشرعية.
*****
الحب العذري والحب الغريزي
س: هل يمكن لنا فيدائرة الحب أن نتحدث عمّا يسمى بــ (الحب العذري) أو الحب العفيف الوجداني؟
ج: إنك عندما تتحدث عن الحب كعاطفة، فإنك لا تستطيع أن تصنّفه إلى حب عذري وآخر غريزي. لكننا يمكن أن نقول إن هناك حالة غريزية جنسية قد يطلق عليها الناس (الحب)، أي أنهناك انجذاباً جسدياً إلى جسد الآخر، لا حالة حب للإنسان الآخر، ومسألة الانجذابالجسدي تمثل حركة جسدية في اتجاه الاقتراب من الجسد الآخر من دون أن يكون للجانبالإنساني أي دور فيه.
أما الحب فهو عاطفة إنسانية تجذبك إلى الإنسان الآخرمن خلال صفة جمالية أو فكرية أو عملية أو غيرها. فإن علينا أن نفرّق بين العاطفةالتي تتحرك في خط الإثارة وبين العاطفة التي تتحرك في خط الانفتاح على الإنسانالآخر من أجل علاقة طبيعية تقوم على أساس احترام الإنسان الآخر.
تعليق