لا شك في أن الأفضل أن نمتنع عن معاقبة الأولاد عند ارتكابهم الأخطاء, كبيرة كانت أم صغيرة, وأن نتقبل, ولو على مضض, حقيقة أزلية, ألا وهي : أن الإنسان غير معصوم عن الخطأ. لكن هذا الأسلوب التربوي لا يجدي ولا يصلح إلا إذا علمنا الأولاد كيف يعالجون أخطائهم بأنفسهم. ويتم ذلك عندما يدرك الابن/الابنة أن عليه أن يبذل كل جهده كي يصلح ما أفسد, ويعوض على من أذاه أو تضرر بسببه. ولأن تصرفات الأبوين هي المدرسة الأولى والأساسية في تعليم الأولاد, فإنه يصبح من الضروري أن يحافظ الوالدان على تطبيق مبدأ : " امحِ السيئة الحسنة " عملياً, وأن يحرصا على :
أولاً : أن يعترفا أمام الأطفال بأي خطأ قد يرتكبانه, فهذا يساعد الطفل على تمييز الخطأ من الصواب, ويشجعه على الاعتراف بأخطائه, وبالتالي سيتحفز إلى إصلاحها تلقائياً, وبالتدرج تتحسن تصرفاته.
ثانياً : أن يعتذرا عن أخطائهما, وأن يعوضا عن الضرر الناتج عنها. وهذا, وللأسف, نادراً ما يقوم به الأبوان مع الأولاد, وذلك لاعتقادهما, غير الصحيح, أن الاعتذار للأولاد ينقص قوة السلطة الأبوية, ويضعف ثقة الأولاد بقراراتهما التي يجب أن يراها الأولاد - حسب ظنهما - صائبة دائماً وأبداً ومهما كانت !!
إن معاقبة الابن/الابنة وملاحقته بالأوامر والتنبيهات والذم والتهديد, تحوله إلى إما : شخص لا يخاف المغامرة وحسب, بل ويخاف أي تجربة أو خطوة جديدة, أو على النقيض من ذلك تماماً, فقد تحوله إلى شخص يضرب بعرض الحائط كل الأوامر والتهديدات التي ضاق بها صدره, فيجازف متهوراً من غير أي حساب.
ومن المهم جداً أن يحافظ الطفل على شعوره بالأمان عند ارتكابه خطأ ما, وألا يخسره, ولذلك يجب ألا يحمل الطفل تحت التاسعة مسؤولية أخطائه, وعلى الأبوين أن يتحملا مسؤولية أي خطأ يقوم به الطفل في ذلك العمر, وألا يلوماه, وأن ينظروا إلى الخطأ على انه فرصة لا بد من الاستفادة منها لزيادة خبرة الطفل في الحياة, ولتساعده على النمو والنضوج.
وكثيراً ما ينسى الأهل أن الحياة تجربة مليئة بالتحديات المتوقعة وغير المتوقعة, لاسيما في مرحلة الطفولة, فالطفل الصغير مغامر يرى العالم حوله لأول مرة, وكل يوم جديد يحمل تجارب جديدة ومواجهات متنوعة للطفل, ونتائج هذه التجارب والمواجهات, سواء كانت سلبية أم إيجابية, ستبقى محفورة في مكان ما في أعماقه, وستؤثر بشكل ما على حياته ومستقبله. ويصبح الفشل إشارة تدله على طريق النجاح, وتصبح التجارب منارات تضيء له الطريق الصحيح.
والسماح للطفل بأن يغلط دون أن يؤنب أو يعاقب, يغذي شعوره بالأمان, ويعطيه الثقة اللازمة كي يخوض معترك الحياة من بابها العريض, ولكي يحاول اجتياز ما يقف في طريقه من حواجز وعراقيل, دون خوف من الفشل أو التقريع.
وبما أن الأب والأم هما المدرسة الأولى والأساسية في تشكيل شخصية الطفل, لذا يتوجب عليهما أن يعترفا بما ارتكبا من أخطاء, وأن يعتذرا عنها, فيدرك الطفل أن الجميع - ومنهم البالغون - معرضون للخطأ, ويكتشف أنه مازال يحب أبويه ويحترمهما, بغض النظر عما قاما به من أخطاء, فيتعلم درساً غاية في الأهمية هو : أنه لن يخسر محبة والديه عندما يخطئ بدوره, كما أنه يتعلم شيئاً آخر لا يقل أهمية ألا وهو: أن عليه أن يعترف بأخطائه, وأن يتحمل نتائجها, وأن يحاول التعويض على من تضرر منه وإصلاح ما أفسده. فهو لن يخسر احترام الآخرين بسبب أخطائه, وإنما قد يخسره, بسبب نظرته إلى تلك الأخطاء وموقفه منها وطريقته في إصلاحها.
أما عندما يتجاهل الأبوان أخطاءهما أو يرفضان الاعتراف بها, فإن الابن/الابنة يظن أن تجاهل الأخطاء, وعدم الاعتراف بها, هو الطريق السليم والمنهج الصحيح, فيسلكه كما سلكه أبواه من قبله !!
تعليق