[align=center]ان كان الشيب يزحف على رأس الإنسان بفعل الأهوال التى يصادفها فى حياته ، فإنني أعتقد أن بعض هذه الشعيرات البيضاء فى رأسي ترجع إلى هول ما سمعت من مرضى الإكتئاب .
.. فى حياتي الشخصية أشياء سارة .. تأثيرها يكون على قلبي فى صورة نبضات سريعة راقصة .. وكذلك هناك أشياء غير سارة .. تأثيرها يكون على قلبي في صورة " وجع " .
وفي كل مرة أجلس فيها إلى مريض الإكتئاب أشعر " بوجع " في قلبي .
***
… لو كان الإكتئاب رجلاً لقتلته .
.. أكره مرض الإكتئاب بنفس القدر الذي أحب به مريض الإكتئاب … فهو أرق الناس وأصفاهم وأصدقهم .
… أكره مرض الإكتئاب ، ولكني أعترف بأن له فضلاً عليً … لقد غير مسار حياتي .
***
… إنه مرض الأذكياء والمثقفين …. وكذلك فهو مرض هؤلاء الذين لم يعرف الشر طريقه إلى قلوبهم …
….. رغم أن الإكتئاب نقيض الحياة ، فإنني أحياناً أنسى أنني طبيب ….. وأعجب كيف يكون للحياة معنى بدون الإكتئاب ….
***
… من يقول لي أنه لم يشعر قط بالإكتئاب ……. إنه لم يشعر يوماً بوخز الحزن : أقول له إنني أتشكك في آدميتك . ***
… العجيب أن حياة الإنسان تبدأ بالبكاء وتنتهي أيضاً بالبكاء ….. فهل الإكتئاب قدر محتوم كتب على الإنسان ….. !!
***
…. عزيزي الطبيب حديث التخرج : إذا لم تقرأ جيداً عن الإكتئاب : أعراضه …. علاجه …. إذا لم تبحث عن علامات الإكتئاب فى كل مريض يدخل عيادتك ، فإنني أتنبأ لك بأنك ستكون طبيباً فاشلاً ..
***
… فهم مرض الإكتئاب ليس حكراً على الأطباء …. هناك العديد من الأدباء المبدعين ، الذين إستطاعوا أن يصفوا بعمق خلجات النفس المكتئبة …..
***
.. من لا يدمع قلبه حين يعايش مريض الإكتئاب ، فإن قلبه من حجر ، أو أشد قسوة …
***
… الفنان الصادق له نفس أميل إلى الإحساس بالإكتئاب … النغم واللون والكلمة … ما هي إلا هدير نفوس أفعمها الإكتئاب .
***
…. لم أر فى حياتي إنساناً شاكراً وممتناً مثل مريض الإكتئاب ، الذي من الله عليه بالشفاء ……..
****
…. قتلت الأم وليدها الرضيع …. أتعرفون لماذا قتلته ………؟
قتلته لكي تحميه من عذاب الإكتئاب الذى تعاني منه ! …..
****
…. مات الرجل … فامتنع كلبه عن الطعام حتى مات !…….
حتى الكلاب تعاني من الإكتئاب يا معشر البشر ……….
****
ماتت زوجته بعد رحلة عمر طويلة …. مات بعدها بشهرين …
إنه مات بفعل الإكتئاب …….
****
… سبحانك يامن جعلت الإكتئاب مرضاً يصيب بعض عبيدك …. على قدر فهمي المحدود ، إنها نفس الحكمة الكامنة فى خلق الليل والنهار … الأبيض والأسود …. الخير والشر ….. البرودة والحرارة … الأفاعي والحملان …. لكل شيء جعلت له نقيضه … فإن قيمة الشيء لا تعرف إلا من خلال نقيضه ….
***
… دخل صديقي حجرته وأطلق على رأسه الرصاص ! … ولم يدر أحد حتى مات أنه كان يعاني من الإكتئاب …. القصة بدأت قبل عام من إطلاق الرصاص …. بدأت بآلام معدته … لف الدنيا …. كلها من أجل علاج لآلامه …. ولم يهتد حكيم إلى سر آلامه … فى عمله … ثم بدأ يعتزل الناس …. ثم قرر أن يعتزل الحياة .
****
… عزيزي القارىء …
أعتذر مقدماً لأنني طلبت منك أن تحاول القيام بتجربة قد تبدو سخيفة … ولكنها ضرورية حتى تستطيع أن تعيش معنا هذا الفصل… بقلبك وعقلك ….
***
تصور أنك ستنهض من مكانك الآن لتحضر مسدساً ـ ثم تلصقه حيث منتصف المسافة بين عينيك ، ثم تطلقه … وبعد ثوان تغادر تماماً هذه الحياة .
حاول من فضلك أن تتصور الاتي :
1- الدافع الذي يمكن أن يقودك إلى هذا الفعل .
2- إحساسك وقد وصلت إلى القرار بإنهاء حياتك .
3- اللحظات التى ستمر عليك منذ لحظة إتخاذ القرار إلى أن تمسك بالمسدس .
آسف مرة ثانية إن دفعتك إلى تجربة على مستوي التخيل ، رغم علمي المسبق أنك لن تستطيع أن تتخيل هذا الموقف … لسبب بسيط … وهو أنك تحب الحياة ومتمسك بها رغم سخطك عليها …. حتى محترفو مهنة الطب النفسي ـ وأنا أحدهم ـ لا يقدرون على وصف هذه اللحظات ، رغم أنهم يرون أصحابها الحقيقيين فى كل يوم .. لن يحكي لك عن هذه التجربة إلا الذي مر بها حقيقة … وللأسف فإنهم يغادرون الحياة قبل أن نستطيع أن نسألهم .. ومن ينقذ منهم يصاب بفقدان للذاكرة عن هذه اللحظات ………….
متى يقتل الإنسان نفسه ؟
الإجـابة :
حين تصبح الحياة غير محتملة … حين تصبح عديمة القيمة … حين تصير عديمة الجدوى … حين لا يوجد أي حل للخلاص من الآلام … حين يكون الموت هو طريق الخلاص الوحيد …
ماهي هذه الآلام ؟
أعتذر لأني لا أستطيع أن أصفها لك بدقة …. ولكن مريض الإكتئاب يقول :
" أشعر بألم فى الداخل … أشعر بتمزق داخلي …. أشعر بالنار فى أحشائي وفى صدري .. لم أعد أحتمل هذا الألم " .
…. هذا يا عزيزي القارىء ، ما نسميه بالألم النفسي .. هل تستطيع أن تقارنه بآلام الأسنان أو بالمغص الكلوي ؟
مريض الإكتئاب يجيب :
" أي ألم محتمل إلا هذا الألم .. أتمنى أن أفقد ذراعي معاً وأشفى من هذا الألم … أي مرض فى العالم مهما كانت آلامه أهون من هذا الألم " .
والمأساة أن مريض الإكتئاب فى بعض الحالات يشعر أنه يستحق هذا العذاب … إنه الإحساس بالذنب دون أي ذنب إقترفه … بل إنه يزيد من تحقير ذاته والتقليل من قيمتها …. يشعر أنه عالة على الآخرين … أنه سبب معاناتهم …….
يبدأ المرض بفقدان الإهتمام وفقدان الرغبة … الألوان كلها باهتة … لا طعم لأي شيء …. وذلك قبل أن يشعر بقتامة الأشياء ومرارتها … ثم يجرفه الحزن … حزن غريب فى عمقه وحدته……. رغبة فى البكاء … تشاؤم … خوف .. هواجس …. يفتح عينيه قبل الفجر بقليل والكل نيام … إنها أسوأ لحظة … فى المساء تخف الحدة نسبياً … ويهرع إلى السرير هروباً … يضعف التركيز … تضعف الشهية للطعام …. يتناقص وزنه … ويبدأ فى الإنعزال التدريجي … حتى يصل إلى المرحلة الحرجة حين يقول إن الحياة لا تستحق أن نحياها .. ثم يقول : أنا لا أستحق الحياة … وتراوده فكرة الخلاص … فيدبر لها بإحكام وإتقان .. ثم يتم التنفيذ دون توقع من أقرب الناس إليه . ….
وقد يلبس الإكتئاب قناعاً … إنه يختفي وراء آلام الجسد : المعدة … القلب … الظهر … أي جزء من الجسم يتولى التعبير عن الإكتئاب … ويظل المريض حائراً تائهاً … شهوراً تمتد إلى سنة أو أكثر …. والإكتئاب لا يريد أن يفصح عن نفسه ،حتى أن الأطباء أطلقوا عليه إسم " الإكتئاب المقنع "
أعراض غريبة مؤلمة لا يعرف كم هي معذبة ومهلكة إلا من عبر بها .. إلا من عانى منها …. أعراض يجب ألا نأخذها بإستخفاف ، فنطلب من المريض أن يقاومها بإرادته ، ونضغط عليه لكي يشاركنا الحياة ، وإن الأمر سيتحسن إذا هو قام بإجازة وذهب للترويح عن نفسه … أبدأ إنه لن يستطيع . فارحموه من تلك النصائح غير المجدية .
****
د.عادل صادق
" من كتاب : حكايات نفسية 1990 ، للمؤلف "[/align]
.. فى حياتي الشخصية أشياء سارة .. تأثيرها يكون على قلبي فى صورة نبضات سريعة راقصة .. وكذلك هناك أشياء غير سارة .. تأثيرها يكون على قلبي في صورة " وجع " .
وفي كل مرة أجلس فيها إلى مريض الإكتئاب أشعر " بوجع " في قلبي .
***
… لو كان الإكتئاب رجلاً لقتلته .
.. أكره مرض الإكتئاب بنفس القدر الذي أحب به مريض الإكتئاب … فهو أرق الناس وأصفاهم وأصدقهم .
… أكره مرض الإكتئاب ، ولكني أعترف بأن له فضلاً عليً … لقد غير مسار حياتي .
***
… إنه مرض الأذكياء والمثقفين …. وكذلك فهو مرض هؤلاء الذين لم يعرف الشر طريقه إلى قلوبهم …
….. رغم أن الإكتئاب نقيض الحياة ، فإنني أحياناً أنسى أنني طبيب ….. وأعجب كيف يكون للحياة معنى بدون الإكتئاب ….
***
… من يقول لي أنه لم يشعر قط بالإكتئاب ……. إنه لم يشعر يوماً بوخز الحزن : أقول له إنني أتشكك في آدميتك . ***
… العجيب أن حياة الإنسان تبدأ بالبكاء وتنتهي أيضاً بالبكاء ….. فهل الإكتئاب قدر محتوم كتب على الإنسان ….. !!
***
…. عزيزي الطبيب حديث التخرج : إذا لم تقرأ جيداً عن الإكتئاب : أعراضه …. علاجه …. إذا لم تبحث عن علامات الإكتئاب فى كل مريض يدخل عيادتك ، فإنني أتنبأ لك بأنك ستكون طبيباً فاشلاً ..
***
… فهم مرض الإكتئاب ليس حكراً على الأطباء …. هناك العديد من الأدباء المبدعين ، الذين إستطاعوا أن يصفوا بعمق خلجات النفس المكتئبة …..
***
.. من لا يدمع قلبه حين يعايش مريض الإكتئاب ، فإن قلبه من حجر ، أو أشد قسوة …
***
… الفنان الصادق له نفس أميل إلى الإحساس بالإكتئاب … النغم واللون والكلمة … ما هي إلا هدير نفوس أفعمها الإكتئاب .
***
…. لم أر فى حياتي إنساناً شاكراً وممتناً مثل مريض الإكتئاب ، الذي من الله عليه بالشفاء ……..
****
…. قتلت الأم وليدها الرضيع …. أتعرفون لماذا قتلته ………؟
قتلته لكي تحميه من عذاب الإكتئاب الذى تعاني منه ! …..
****
…. مات الرجل … فامتنع كلبه عن الطعام حتى مات !…….
حتى الكلاب تعاني من الإكتئاب يا معشر البشر ……….
****
ماتت زوجته بعد رحلة عمر طويلة …. مات بعدها بشهرين …
إنه مات بفعل الإكتئاب …….
****
… سبحانك يامن جعلت الإكتئاب مرضاً يصيب بعض عبيدك …. على قدر فهمي المحدود ، إنها نفس الحكمة الكامنة فى خلق الليل والنهار … الأبيض والأسود …. الخير والشر ….. البرودة والحرارة … الأفاعي والحملان …. لكل شيء جعلت له نقيضه … فإن قيمة الشيء لا تعرف إلا من خلال نقيضه ….
***
… دخل صديقي حجرته وأطلق على رأسه الرصاص ! … ولم يدر أحد حتى مات أنه كان يعاني من الإكتئاب …. القصة بدأت قبل عام من إطلاق الرصاص …. بدأت بآلام معدته … لف الدنيا …. كلها من أجل علاج لآلامه …. ولم يهتد حكيم إلى سر آلامه … فى عمله … ثم بدأ يعتزل الناس …. ثم قرر أن يعتزل الحياة .
****
… عزيزي القارىء …
أعتذر مقدماً لأنني طلبت منك أن تحاول القيام بتجربة قد تبدو سخيفة … ولكنها ضرورية حتى تستطيع أن تعيش معنا هذا الفصل… بقلبك وعقلك ….
***
تصور أنك ستنهض من مكانك الآن لتحضر مسدساً ـ ثم تلصقه حيث منتصف المسافة بين عينيك ، ثم تطلقه … وبعد ثوان تغادر تماماً هذه الحياة .
حاول من فضلك أن تتصور الاتي :
1- الدافع الذي يمكن أن يقودك إلى هذا الفعل .
2- إحساسك وقد وصلت إلى القرار بإنهاء حياتك .
3- اللحظات التى ستمر عليك منذ لحظة إتخاذ القرار إلى أن تمسك بالمسدس .
آسف مرة ثانية إن دفعتك إلى تجربة على مستوي التخيل ، رغم علمي المسبق أنك لن تستطيع أن تتخيل هذا الموقف … لسبب بسيط … وهو أنك تحب الحياة ومتمسك بها رغم سخطك عليها …. حتى محترفو مهنة الطب النفسي ـ وأنا أحدهم ـ لا يقدرون على وصف هذه اللحظات ، رغم أنهم يرون أصحابها الحقيقيين فى كل يوم .. لن يحكي لك عن هذه التجربة إلا الذي مر بها حقيقة … وللأسف فإنهم يغادرون الحياة قبل أن نستطيع أن نسألهم .. ومن ينقذ منهم يصاب بفقدان للذاكرة عن هذه اللحظات ………….
متى يقتل الإنسان نفسه ؟
الإجـابة :
حين تصبح الحياة غير محتملة … حين تصبح عديمة القيمة … حين تصير عديمة الجدوى … حين لا يوجد أي حل للخلاص من الآلام … حين يكون الموت هو طريق الخلاص الوحيد …
ماهي هذه الآلام ؟
أعتذر لأني لا أستطيع أن أصفها لك بدقة …. ولكن مريض الإكتئاب يقول :
" أشعر بألم فى الداخل … أشعر بتمزق داخلي …. أشعر بالنار فى أحشائي وفى صدري .. لم أعد أحتمل هذا الألم " .
…. هذا يا عزيزي القارىء ، ما نسميه بالألم النفسي .. هل تستطيع أن تقارنه بآلام الأسنان أو بالمغص الكلوي ؟
مريض الإكتئاب يجيب :
" أي ألم محتمل إلا هذا الألم .. أتمنى أن أفقد ذراعي معاً وأشفى من هذا الألم … أي مرض فى العالم مهما كانت آلامه أهون من هذا الألم " .
والمأساة أن مريض الإكتئاب فى بعض الحالات يشعر أنه يستحق هذا العذاب … إنه الإحساس بالذنب دون أي ذنب إقترفه … بل إنه يزيد من تحقير ذاته والتقليل من قيمتها …. يشعر أنه عالة على الآخرين … أنه سبب معاناتهم …….
يبدأ المرض بفقدان الإهتمام وفقدان الرغبة … الألوان كلها باهتة … لا طعم لأي شيء …. وذلك قبل أن يشعر بقتامة الأشياء ومرارتها … ثم يجرفه الحزن … حزن غريب فى عمقه وحدته……. رغبة فى البكاء … تشاؤم … خوف .. هواجس …. يفتح عينيه قبل الفجر بقليل والكل نيام … إنها أسوأ لحظة … فى المساء تخف الحدة نسبياً … ويهرع إلى السرير هروباً … يضعف التركيز … تضعف الشهية للطعام …. يتناقص وزنه … ويبدأ فى الإنعزال التدريجي … حتى يصل إلى المرحلة الحرجة حين يقول إن الحياة لا تستحق أن نحياها .. ثم يقول : أنا لا أستحق الحياة … وتراوده فكرة الخلاص … فيدبر لها بإحكام وإتقان .. ثم يتم التنفيذ دون توقع من أقرب الناس إليه . ….
وقد يلبس الإكتئاب قناعاً … إنه يختفي وراء آلام الجسد : المعدة … القلب … الظهر … أي جزء من الجسم يتولى التعبير عن الإكتئاب … ويظل المريض حائراً تائهاً … شهوراً تمتد إلى سنة أو أكثر …. والإكتئاب لا يريد أن يفصح عن نفسه ،حتى أن الأطباء أطلقوا عليه إسم " الإكتئاب المقنع "
أعراض غريبة مؤلمة لا يعرف كم هي معذبة ومهلكة إلا من عبر بها .. إلا من عانى منها …. أعراض يجب ألا نأخذها بإستخفاف ، فنطلب من المريض أن يقاومها بإرادته ، ونضغط عليه لكي يشاركنا الحياة ، وإن الأمر سيتحسن إذا هو قام بإجازة وذهب للترويح عن نفسه … أبدأ إنه لن يستطيع . فارحموه من تلك النصائح غير المجدية .
****
د.عادل صادق
" من كتاب : حكايات نفسية 1990 ، للمؤلف "[/align]
تعليق